اللجان الشعبية: محددات العمل والتحديات ضمن قوانين اللعبة وقواعد التغيير

بقلم: صبري ولويل*

تبدأ حكاية اللجان الشعبية  المهتمة بـ والمنوط بها أمور اللاجئين منذ أن أصبح جزء من الفلسطينيين القاطنين في مخيمات اللجوء بحاجة لترتيبات تضمن للقضية الفلسطينية بعدها الحقيقي؛ أي الحفاظ على أصل القضية، الأرض والعودة، والحفاظ على  رمزية وجود المخيم محطة العودة الأخيرة إلى الوطن، وضمان استمرارية خدمات وكالة الغوث المقدمة للاجئين، من حيث لزومها واحتياجها وجودتها وديمومتها حسب رؤية ومسؤولية اللجان عن ذلك.

وقد برزت أهمية وجود الدور الفاعل لمؤسسة تهتم بشؤون اللاجئين بشكل مباشر عبر متابعة شؤونه الحياتية اليومية بعدما تفاقمت أزمة الإنسان الفلسطيني وتضاعفت الجهود الرامية إلى الغاء وجوده الجمعي كشعب، أي شطب حقوقه الوطنية. وقد برز ذلك في محاولات تغييبه التي لما تزل تطاله كل ليلة وتتهدده من حين إلى آخر. فقد عانى الإنسان الفلسطيني وطأة قرارات دولية اتخذت موقف الفاصل ما بينه وبين أحقية وجوده وحقوقه كافة. ففي اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن وضع اللاجئين، بدئت حالة الشد والجذب ما بين نصوص الاتفاقية وتفسيراتها؛ حيث وقفت الدول العربية ضد حالة ضم اللاجئ الفلسطيني وتأطيره ضمن الاتفاقية، لاعتقادها الصحيح في ذلك الوقت أن هذه الاتفاقية تخدم الجانب الإنساني-الاخلاقي، وان مسؤولية الامم المتحدة تجاه اللاجئ الفلسطيني مسؤولية خاصة، حيث  هضمت حقوقه وانتزع من أرضه بسبب مباشر لإحدى قرارات الأمم المتحدة أصلا أي قرار 181 (التقسيم). فمسؤوليات المنظمة الدولية تتعدى الأخلاقيات والعمل الإنساني؛  بل هي مسؤولية قانونية وسياسية بحتة. من ناحية أخرى، يظهر بند استثناء اللاجئين الفلسطينيين من نطاق الانتفاع من الاتفاقية، خشية الدول من تحمل مسؤولياتها أو سعيها للتنصل منها في المستقبل.  

ولا زالت حالة الشد والجذب والخشية والتنصل من السمؤوليات قائمة إلى يومنا هذا.  فلا احد يفهم حقيقة قرار الاونروا بوقف تسجيل كافة اللاجئات الفلسطينيات المتزوجات من غير اللاجئين الفلسطينيين _حسب تفسيرات الاونروا _ منذ العام 2009 ولغاية الآن، ولا يمكن النظر ببراءة إلى بعض المصطلحات القانونية التي يطلقها ممثلو وكالة الغوث (مثل مفوض الاونروا/غراندي)على بعض الفلسطينيين الذي يعيشون على حدود الدول العربية مثل (عديمي الجنسية)؛ فهي قد تحمل في طياتها نوايا سياسية تمس جوهر الفقرة 11 من القرار 194 والتي تقضي بعودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي.

وعلى مدى سنين متعاقبة، برهن اللاجئ الفلسطيني مدى تمسكه بأحقية وجوده على ارض وطنه، وتظهر للإنسان الفلسطيني عمق المؤامرة التي حيكت ضده والجرائم التي ما زالت ترتكب بحقه، ولا يزال يعاني ويلات تهجيره لجوئه من أرضه ووطنه موزعا على شتات الأرض؛ تارة يلتحف السماء ويفترش الأرض وتارة أخرى يقتات فتات موقف أو قرار أو اتفاقية تخصه والتي عادة ما تراعي مصالح ورؤى الدول اكثر ما تنظر إلى حقوق اللاجئ نفسه.   

جاءت اتفاقيه اوسلو 1993 كما غيرها من الاتفاقيات التي تجيء وتجر خلفها حقيقتها؛ جاءت في وقت قد كان واضحا فيه حاجة الفلسطينيين إلى إعادة تأكيد وحدتهم كشعب. ومن المفارقات، أن اوسلو تسببت _عن غير قصد_ في إعادة تفعيل وتشكيل دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بقرار خاص من الرمز الشهيد ياسر عرفات في عام 1996 وذلك استجابة للحاجة الماسة بوجود هيئة إشرافية تابعة للمنظمة المعترف بها دوليا تتولى مسؤولية مد جسور التواصل بين كافة الفلسطينيين في الشتات والوطن سواء كانوا في المخيمات أو غير ذلك. وكان من الواضح ان هذه الهيئة (دائرة شؤون اللاجئين) يلزم أن يكون لها مرجعية سياسية وحيدة (م ت ف) تتعاطى مع أصول القضية وفروعها وتتابع حياة اللاجئ الفلسطيني بعيدا عن النزاع الإقليمي ومخلفات حرب الخليج وتشابك العلاقات الدبلوماسية التي كانت تشهد هبوطا حادا مع بعض الدول العربية كانت أو الغربية. كل ذلك بهدف جعل دور دائرة شؤون اللاجئين فاعلا وحقيقيا من حيث متابعة شؤون الفلسطينيين في كل مكان ولمنع محاولات تذويبهم وتقسيمهم كشعب، وكلاجئين لهم قضية واحدة، ولمنع محاولة تشتيت انتماءاتهم او إبدال قيادتهم السياسية الموحدة، او المساس بفلسطينيتهم المنتظمة ضمن حقهم في ارض فلسطين. وقد أبدت هذه الدائرة مرونة _في غالب جوانبها حذرة_  في إقامة جسور معقدة مع الاونروا لتمويل مشاريع ترفع مستوى الخدمات في مختلف مخيمات اللجوء الفلسطيني ولتحديد شكل العلاقة ما بين جملة المخيمات وعنوان كل دولة مضيفة. ولا تخفى الجهود التي بذلت لرأب صدع علاقات كثيرة شابها التوتر حد إعادة التهجير لكثير من الفلسطينيين من الدول المضيفة. وفي الوقت الحاضر تتجلى أهمية الدور السياسي للدائرة من خلال إبقاء قضية اللاجئين حاضرة في ذاكرة العالم السياسي، وعبر المحافظة على الثقل السياسي لقضية اللاجئين والديموغرافي  تجنبا لإعادة تهجيرهم وتشتيتهم من جديد.

ومع وجود الإمكانية السياسية بكافة السبل المتاحة للدائرة؛ الا انها لم تكن كافية للعمل الميداني اليومي الذي يحتاجه عموم اللاجئين سواء في المخيمات او المدن والقرى والمناطق، لذا برزت أهمية تشكيل لجان شعبية تهتم بشؤون اللاجئين وتعمل على تسيير أمورهم الحياتية وفق الاحتياج والطلب.

بدأت باكورة اللجان الشعبية عام 1996 في الداخل الفلسطيني، حيث تشكلت مجموعات وهيئات أسدي إليها أمر اللاجئين في بعض المخيمات بشكل مباشر، وقد اتخذت على عاتقها مسؤولية إدارة الأومر سواء كانت الإنسانية أو المسؤولية السياسية.  

اتخذت اللجان  الشكل الأفضل، حيث بدأت شعبية تتخذ الإرادة الجماهيرية في كل مخيم أساسا لكل موقف لها. وامتدت لتشمل كافة مساحة الوطن بمخيماته ومدنه وقراه، وليبدأ بذلك فصل جديد من الانتماء للقضية الاصيلة بمحركات دفع فتية تبرع في شد أوصال اللجوء إلى عراه- حقوقه، وتوثق ارتباط اللاجئ الفلسطيني بأرضه دونما مناسبات؛ حيث فلسفة العمل الجديدة التي ارتكزت على أساس أن اللجوء هو المعاناة الناشئة، وان فعل اللاجئ الفلسطيني مطلوب بانتظام وليس كردة فعل. فلا تنتظر اللجان الشعبية تراجع مؤشر الأداء الدولي تجاه عموم اللاجئين بل تبادر بعمل دؤوب وملتزم لإعادة صياغة أي توجه قادم لأصل الحكاية، وبالتالي التنبيه إلى مسؤولية كافة الأطراف حيالها.

وكان من النجاحات أن تعلن اللجان عن أهدافها التي أشارت لها في بواكير التحرك الشعبي لتأسيسها، عبر تمثيل هذا الجزء الأهم من الكل الفلسطيني أمام وكالة الغوث / الاونروا وأمام الفلسطينيين أنفسهم قيادة وشعبا، الأمر الذي يخولها إدارة الحياة اليومية في المخيمات وغيرها.

ويخطئ من يعتقد أن الدور الرئيسي للجان الشعبية ينحصر فيما تقدمه من خدمات يومية. ولا نفشي سرا حينا نقول أن اللجان مهتمة بما تقدمه الوكالة الدولية من برامج صحية وتعليمية وطارئة تلبي احتياجات عموم اللاجئين، بل وأكثر من ذلك هي الجهة الأهم في مراقبة ومتابعة عمل الوكالة ومنعها من التقصير أو تقليص خدمتها، كما أنها تبقى الحاضرة دائما لمنع تسرب مفاهيم لها علاقة بمضمون الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال والتي لا تخدم اللاجئ وحقوقه، وبذلك تتضح - كما ذكر آنفا- مهمة اللجان الرئيسية عوضا عن ما تقدمه من خدمات، المتمثلة في الدور الشعبي التعبوي والسياسي.

اللجان لا تلعب هذا الدور السياسي وحسب، بل وتقوده في أحيان كثيرة، فلا يغيب عن ذهن المتابع لقضايا اللجوء عمق العلاقة ما بين الخدمة التي تقدم طبقا لقرار دولي ونوايا الجهة التي اتخذت القرار السياسي. فلا ينفق قرش إنساني إلا بإرادة سياسية لخدمة أجندات معلنة تارة وأخرى- وهي أكثرها-مستترة، وفي كل مره تظهر أهمية وجود اللجان الشعبية لما تمثله من مرجعية شعبية وجماهيرية حقيقية تلبي حاجة اللاجئين وتسعى لتحقيق طموحاتهم وتعبر عن مدى رضاهم لطبيعة علاقة المؤسسات بقضاياهم. وقد تتجلى هنا تحديدا أهمية وجود اللجان وذكاء مؤسسيها، حيث تبقى القضية الفلسطينية بيد المحامين القادرين على الدفاع عنها بل وكسبها؛ أي بيد الشعب ذاته بكل أطيافه ممثلا بهيئة موحدة عازمة على استرداد الحق الخالص والمتمثل بالعودة واسترداد الممتلكات والتعويض عن كل ضرر، ولا شيء اقل من ذلك.  

تقرأ اللجان خطورة مواقف بعض الجهات المعنية دولية كانت أم غيرها، حيث العلاقة المعقدة والتي تمتد جذورها لعشرات السنين امتدادا لعمر نكبة الشعب الفلسطيني، والتي تفرض طابعا خاصا من التعامل والتحاور في حين، ومماحكة ومناوئه في أحيان أخرى. وهنا يبدو الحرص الشديد الذي تبديه اللجان تجاه أبناء هذا الشعب عبر التمسك بكافة حقوقه حتى المكتسبة منها، لذلك تخوض جولات متعددة ومتعاقبة من التأكيد على الحق في تلقي ما هو متاح ولازم وواجب لكل لاجئ فلسطيني سواء ظرفا إنسانيا كان أم سياسيا.

ويدخل في علم اللجان الشعبية لزوما الظرف الواقعي الذي أفضى إلى لجوء مئات الآلاف من الفلسطينيين عبر قرار التقسيم  رقم 181 لعام 1947 وعمليات الميليشيات الصهيونية التي أرهبت ليس فقط البشر  بل الشجر والحجر والتي امتدت بشراسة ما بين عامي 1947 - 1948 ولا زالت النكبة مستمرة. ولم يتوقف تكالب مواقف الدول الغربية فلم يسمح للمهجر الفلسطيني بالتقاط أنفاس إنسانيته؛ بل وقد أفضت الأحوال الدولية إلى مزيد من التآمر والى عجز عام. فلا استطاعت هيئة الأمم المتحدة من إنصاف الشعب الفلسطيني حتى في لغة قراراتها، ولا استطاعت حتى أن تنفذ ما اتخذته من قرارات.

تظهر الاحصاءات حقيقة ان 25% من الفلسطينيين اللاجئين غير مسجلين حسب مسح اجري في عام 1996، وحسب سجلات الانروا نفسها. ونقول هنا توثيقا أن أعداد كبيره من اللاجئين في المناطق والمدن والقرى والبلدات الفلسطينية الموجودة في الضفة الغربية، قطاع غزه، القدس وايضا في الشتات، غير مسجلين في الانروا ولا يتم الاعتراف بهم كلاجئين بالتالي. وقد أظهرت إحصائية جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني لعام 2007 وجود  ما يقارب 3000 (ثلاثة آلاف) شخص لاجئ غير مسجل في محافظة قلقيلية وحدها. وقد ذكرنا سابقا مسألة وقف وكالة الغوث تسجيل اللاجئات المتزوجات من أزواج غير لاجئين  منذ العام 2009، وشطب أسماءهن من سجلاتها الامر الذي يعني اسقاط صفة لاجئ عنهن. الانكى من ذلك أنها تقوم بتسجيل غير اللاجئة المتزوجة بلاجئ فلسطيني باعتبارها لاجئة، حيث تعمل عن قصد للعبث بصفة لاجئ، اي بمن تنطبق عليه صفة لاجئ، بقصد تمييع القضية، وتضييع الحقوق المقرة دوليا. هذه السياسة مثلا تمثل استمرارا للدور الذي بدأته الوكالة في أوائل تشكيلها (الانروا) من خلال ابتكار تعريف خاص باللاجئ ومحاولة التركيز على دمجه في مواقع الشتات. والسؤال الذي يفرض نفسه: ألا يخدم هذا التمييع الممنهج الإستراتيجية الصهيونية القائمة أصلا على محو كل ما يتعلق بالإنسان الفلسطيني وهويته، وشطب حقوق اللاجئين وقضيتهم؟

تقف اللجان الشعبية في وجه هذه الاستراتيجية التخريبية والعقلية المدمرة من خلال موقف اللاجئين انفسهم وموقفها المتقدم حيث ترفض أشكال التعامل المطلق مع وكالة الغوث في اية مسألة تنتقص من حقوق الشعب السياسية. فتقديم الخدمات غرض إنساني لا يلغي الأصل؛ أي الحقوق السياسية. ونستعرض فيما بعض سياسات الانروا غير المطلوب مواجهتها ونتبعها ببعض المواقف المشرفة للجان الضفة الغربية. 

تقليص عدد المستحقين لخدمة الشؤون الاجتماعية:

 فقد ازداد اهتمام وكالة الغوث في السنوات العجاف الاخيرة في تطبيق المسح السكاني للاجئين حسب فئات الفقر والاحتياج (مسح / استمارات عام 2009) ومحاولات تعبئة الاستمارات الأخيرة لعام 2013، حيث ظهر كنه التوجه الواقعي خلف تلك الاستمارات من خلال تقليص الخدمات المقدمة سواء على برنامج الشؤون أو العمل مقابل المال أو حتى التعليم، حيث تم تقليص عدد العوائل التي كانت تتلقى المساعدات الغذائية والمالية بشكل كبير جدا. وقد خسرت محافظة قلقيليه مثلا ما يقارب جل خدمة الشؤون. فقد أظهرت الإحصائيات أن تقلص عدد العوائل المستحقة قمن أكثر من 8000  (ثمانية آلاف) عائلة لاجئة كانت تتلقى مساعدات اصبح العدد في عام 2013 ما يقارب 500 فقط في كافة المحافظة (المدينة، والقرى والبلدات التابعة) - علما بأن مدينة قلقيليه المدينة الوحيدة في الضفة الغربية والعالم اجمع  التي يفوق عدد اللاجئين عدد سكانها الأصليين حيث تشكل نسبة اللاجئين فيها ما يقدر ب 79% مسجلين لدى وكالة الغوث وان ما نسبته 5% لاجئين غير مسجلين لدى وكالة الغوث (حسب التعداد العام وإحصائية  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2007).

التخلي عن المسؤوليات بإلقائها على الغير:

هنا يبرز الدور الذي تلعبه تلك الاستمارة المشؤومة، ولا غرابة حيث تنفق وكالة الغوث ملايين الدولارات في سبيلها، وذاك لدورها الفاعل في تحقيق مآرب الوكالة الدولية ومن خلفها للحد من خدماتها وتقليص تواجدها والدفع بعجلة الاهتمام باللاجئ الفلسطيني إلى غيرها. ولا تخفي نيتها في الإلقاء بمسؤولياتها اتجاه السلطة الوطنية، وخاصة في الآونة الأخيرة؛ حيث بدأ مؤخرا محاولة الترويج لفكرة حق الانروا بالانسحاب من مسؤولياتها بذريعة ما يمكن ان يحتمله تفسير القرار الدولي الأخير والذي يخص دولة فلسطين باعتبارها عضو مراقب. ولا يخفى ان هذا الأمر ينطوي على نية المضي قدما في التخلي عن مسؤولياتها وتقليص خدماتها إلى حد إلغائها ومحاولة التخفيف من تواجد هيئاتها وأطرها العاملة على مساحة الضفة الغربية وخاصة في المدن والبلدات.

استثناء غالبية اللاجئين من حق تلقي الخدمات من خلال ما يعرف بالتقنين:

وتحاول الانروا مؤخرا الضغط باتجاه تقنين الخدمات المقدمة، حيث أبدت رغبتها في استهداف اللاجئين القاطنين في المخيمات فقط (وهم 28% من مجموع اللاجئين) عبر قرار وقف برنامج العمل مقابل المال.  وهذا كما يبدو مقدمة فقط لقرارات لاحقة في حال تمرير هذا القرار. وبهذا تتجاوز الانروا تكليفها وكل الأعراف الدولية التي منحتها واجب ووظيفة وولاية إدارة وتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين. الانروا تعلم  أن الفلسطينيين القاطنين في المخيمات يشكلون ما نسبته 28% فقط من مجموع اللاجئين، وتتناسى بذلك أن النسبة الباقية من اللاجئين في المدن والقرى هم أيضا بحاجة لخدماتها، و_حسب ادعاءها_  هم في مسرح عملياتها. لا أقول هنا جزافا أن اللجان الشعبية ستنحو مستقبلا (في حال استمرار وكالة الغوث بتوجهاتها) نحو ردع هذه التوجهات بفعل حقوقي وقانوني دولي حيث أن وكالة الغوث الدولية /الانروا تخالف مفهوم وقواعد تأسيسها بقرار هيئة الأمم المتحدة (302) عبر تخليها عن المجموع الأكبر للاجئين الذين هم ضمن صلاحياتها ونطاق عملها.

ويظهر هنا مجددا ذكاء الإنسان الفلسطيني الفطري في تشكيل هيئات اللجان الشعبية لتتخذ القرار الصائب بعيدا عن أجواء السياسة الدولية وما يواكبها من ضغوطات تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة وتحافظ على كينونة الصراع ضمن نطاق فلسطينيتنا، وهويتنا. وتعمد اللجان الشعبية لتفسيرات لا يشوبها الحذر في وجه وكالة الغوث متوعدة بعدم التهاون والتراجع في نيل الحقوق المفروضة، ومطمئنة لجملة اللاجئين في صلابة الموقف وتحقيق انجازهم المطلوب، مذكرة بذلك عهد السنين الأولى حيث بدأ اللاجئ الفلسطيني يبحث عن كسرة خبزه في مخيمات الشتات ليتحول بعد ذلك لصاحب حق يطالب باسترداد كافة حقوقه ويعمل على تحقيق ذلك.

وتزداد حجم المسؤوليات الواقعة على كاهل اللجان الشعبية بتفاقم حالة الفقر والعوز والاحتياج في مجتمعات اللاجئين. ويبدو للوهلة الأولى ان العنصر السياسي هو المكون الوحيد لفعل اللجان، بل يتعدى ذلك حيث أن معادلة اللجان وعملها تهتم بما هو مصيري وحيوي لمجتمع اللاجئين، لتصبح بعد ذلك أهدافا تشاء اللجان تحقيقها ما أحسنت ذلك صنيعا.

تدرك اللجان الشعبية حجم المؤامرة التي أحيكت ضد أبناء فلسطين، ومحاولات تجهيلهم وتجريدهم من مستقبلهم، وطمس معالم الهوية، لذلك لا تألوا جهدا في الاهتمام بالجانب التعليمي والتثقيفي. وقد أنشأت لذلك أقساما خاصة بها وجمعيات ذات علاقة بمجالات تخص فئات الناس تستطيع من خلالها تقديم الخدمة اللازمة ضمن آليات عمل مبرمجه تهدف بالضرورة لإذكاء روح التطور والرقي للإنسان الفلسطيني سواء في المخيمات  أو غيرها. وتتوجه اللجان بسؤدد كبير لإحياء حالة الموات في الذاكرة والتي نصبت لها مشانق كثيرة ولازالت محاولات تسميمها قيد الفعل، وتطلق عنان الأشياء التي تنتمي إلينا وننتمي إليها، فلا يبتعد الفلسطيني عن فلسطينيته.. فهو لا يشبه إلا نفسه.

ويبقى نقش الذاكرة مستمرا ما استمرت الحاجة إلى ذلك، ليعمر من بعد ذلك الوعي واليقظة نفوسا اعتراها يباب القرصنة الفكرية الضارة بمصالح الشعب وبمبتغاه. وبذلك ينشأ الحق أصولا يبدؤها  وفروعا تكمله. فقد بدأنا بكوب من الحليب نستمزجه، ومررنا بخيام للتعليم نستصعبه ووصلنا إلى حيث نحن اليوم ندق للريادة ناقوس وللحق باب نقرعه. وللتاريخ نقول إننا في اللجان الشعبية نقدر لوكالة الغوث صنيعها الحسن حينما اهتمت بالتعليم أيما اهتمام وأدارت دفة الحياة الصحية باتجاه الرعاية المطلوبة ووفرت سبلا من البرامج التي تخدم اللاجئ الفلسطيني وتعينه وقت أزماته، مرورا بأزماتها المتمثلة بشح التمويل وقلة الإمكانيات وضعف ذات الحيلة. ويدخل صلب مسؤولياتها هنا تحديدا توفير الدعم اللازم عبر المانحين (الدول المانحة) والمنظمات الدولية الوثيقة الصلة بقضايا الخدمة الإنسانية صحية كانت أو تعليمية او حتى خدمات إعاشة من تموين ورعاية وتشغيل وغيره.

أفاد وجود اللجان الشعبية وسط جموع اللاجئين في الاطلاع المباشر على مشاكل وقضايا الناس الحياتية واليومية، بما تقتضيه مصالحهم، حيث أن مجمل اللاجئين مصلحتها الأولى، ويدخل هنا الرقي والتقدم ورفعة النسيج الاجتماعي والحفاظ عليه في المخيمات ومدن وإحياء وقرى اللجوء في مصالح اللجان، حيث إنها تحافظ بشكل ملحوظ على وحدة الصف الفلسطيني وتشكل مجموعه الأعظم ، ومستقبل أبنائه عبر فتح افاق التعليم والتثقيف والتشغيل من ناحية، ومن خلال حماية الجيل وتحصينه ضد الآفات التي تحيق به من جهة أخرى.

ولا يتسنى للجان الشعبية قيادة جمهور اللاجئين والتعبير عنهم وريادة الموقف الفلسطيني والصف الواحد وتمثيلهم إلا عبر تفويض مباشر من أبناء الشعب الواقعين تحت مسؤولياتهاز ويتحقق ذلك عبر إجراء انتخابات دوريه تتم _على الأغلب_ كل عامين في المخيمات، وبعملية تزكيه صريحة وواضحة كل عام للجان العاملة في المناطق والمحافظات، تؤسس بذلك أصول العمل الجماهيري والتمثيل الأهلي وترسي دعائمه.

وتتخذ اللجان الشعبية خطوات باتجاهات متعددة حينما تبدأ بالتنسيق والترتيب لمؤسسات عديدة عربية كانت أم دولية مهتمة بشؤون اللاجئين وتقوم على احتياجهم وتلبي العوز الحاصل في حياتهم. وهي ترحب بذلك بجميع الجهود المبذولة والتي تقدم للاجئ الفلسطيني كخدمة تمتن لها دوما وتطالب الجهات المعنية بديمومتها وتوفير اللازم لذلك عبر التعاون والتضافر والمشاركة الفاعلة التي تحقق نتائجها المرجوة، فهي تمتثل دائما لنداء جمهورها وتلبي رغباته ما استطاعت مذللة بذلك كافة العقبات والمعيقات التي من شأنها إثقال الناس همومها.

وتنطلق اللجان باتجاه إحدى أهم أهدافها، تجديد الانتماء والتمسك بالحق الأصيل_ حق العودة_  الذي تسعى إلى إذكائه في نفوس اللاجئين وإحيائه دوما في قلوب كل المنتمين إلى هذا الحق والواجب المتمثل بعودة اللاجئين إلى حيث مدنهم وقراهم التي هجروا منها قسرا في عام 1948. وتعمل لذلك جاهدة عبر التأكيد على كل الأصعدة وبما أتيح لها من موقف أو حدث لتعزز ثابتها الأصيل وتعيد تذكير العالم بوجوب تنفيذه وإعادة الحق إلى أهله وتوجيه مسيرة التاريخ إلى جادة الصواب.

ولا تجهل اللجان طبيعة التحرك القادم، حيث أنها بصدد رسم سياسات المرحلة القادمة من التعامل مع القضية برمتها عبر إعادة قراءة كل متعلقات ومحددات المستقبل على أساس أن الوضع السياسي الحالي من حيث الاعتراف بدولة فلسطين مراقب في المجتمع الدولي قد تغير وان قوانين اللعبة قد تبدلت وقواعد التغيير تلوح في أفق العلاقة ما بين الدولة الوليدة واللاجئين في داخلها، ونذر التعامل ما بين وكالة الغوث وتجمعات اللاجئين سواء في المخيمات او في غيرها. حيث ستبحث اللجان الشعبية نظم العلاقة ما بين الدولة والانروا لضمانة استمرار أدائها والحفاظ على طبيعة " ولايتها " الواردة في القرار 302. يتضمن ذلك إمكانية مراقبة ومتابعة وتشكيل "لجنة دعم سياسي" إذا لزم للقرارات الدولية التي ستصدر بشأن الانروا حيث تمديد تفويضها الدوري بمنتهى الدقة. كما وتعمل على تقديم دراسة  لأفضلية الإبقاء على حال الاتفاقات مع م.ت.ف معها  كدولة مضيفه،  وتوضيح  دور الانروا ضمن دراسة معمقه لتبيان المحاذير الممكن  أن تنزلق إليها الانروا إذا قرأت القرار قراءه خاطئة واعتبرت ان  "لا"  لاجئين داخلها.  هذا من جهه؛ اما من جهة أخرى فالامر يتعدى  إلى ضرورة توضيح مفهوم وعلاقة مندوب فلسطين في الأمم المتحدة بـ  م.ت.ف،  وما يتبعه من لزومية التمثيل السياسي لـ م.ت.ف حيث أنها تمثل كافة اللاجئين الفلسطينيين في العالم.

وترصد اللجان الشعبية تخوفات القاعدة الشعبية السياسية القائمة، من تكريس ان الحل يكون على اساس الحقوق المعترف بها للشعب الفلسطيني بما فيها حق تقرير المصير الذي لا يقتصر على حقوق سكان اقليك الدولة ونطاق سيادتها. واهمية ذلك تنبع من ضرورة ان يبقى للفلسطيني هويته وحقوقه أينما رحل ووجد. ولذلك قد تود اللجان في آونة قريبة استبيان اللاجئين في كل مكان وعلى امتداد جغرافية سكناهم لتوضيح معالم المرحلة القادم واتخاذ القرار المناسب الذي من شأنه المحافظة على أسس القضية رصينة متينة دونما تراجع يؤدي بالضرورة إلى عبور منعطف لا توده اللجان الشعبية أن يكون خطرا محدقا بجملة اللاجئين والقضية الفلسطينية.

تعتبر اللجان مهمتها بالغة الصعوبة يشوبها حذر شديد من حيث ايلاء حاجة اللاجئين لوجودها كل الوقت اللازم والتداخل المطلوب والذي يعمل عمل المبضع في الجسد تخفيفا لآلامه وتخليصا لهمومه وإزالة لأوجاعه؛ لتبقي بذلك بوصلة العودة اتجاه الوطن منصوبة أمام أعين أبنائه لا يحيد عنها احد.

--------------------------

* د.صبري ولويل، رئيس اللجنة الشعبية للاجئين- محافظةقلقيلية.