تقريرحول:المؤتمر الوطني الرابع لمقاطعة إسرائيل – بيت لحم

نظّمت اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) "المُؤتمر الوطني الرابع لمقاطعة إسرائيل"، وذلك بتاريخ 8 حزيران 2013 في جامعة بيت لحم، بمشاركة 700 من ممثلي أطر اللجنة الوطنية من أحزاب ونقابات واتحادات ومؤسسات أهلية ومجموعات طلابية وشبابية ونسوية وكذلك من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وما كان المؤتمر سينجح لولا جهود المتطوعين والمتطوعات الشباب الذين قادوا بروح الفريق وبتفانٍ ومهارة عملية تنظيمه في معظمها.

لقد شكّل المؤتمر السنوي فعاليّة سياسيّة فريدة وهامّة في المجتمع الفلسطيني، ومنصّة مميزة لتبادل الأفكار بين نخبة من صنّاع القرار والمفكرين والباحثين وممثّلي القطاع الخاص والمجتمع الأهلي والشباب، مع نظرائهم من المُؤيّدين لحركة المقاطعة من مختلف أنحاء العالم، وذلك بطرح القضايا الملحّة، ومن ضمنها التحديات والنجاحات، فيما يخصّ مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. وكان من أهم محاور المؤتمر محور مناهضة التطبيع الاقتصادي والأكاديمي والثقافي والشبابي والتقني مع دولة الاحتلال.

كما سعى المؤتمر لتوسيع دائرة التبني الفعلي والمبادر من قبل مجتمعنا الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها كاستراتيجية مقاومة مدنيّة وشعبيّة فعّالة، تمتدّ جُذورها في عمق التجربة النضالية الفلسطينية. وهدف المؤتمر، تحديدًا، إلى المساهمة العمليّة في نشر وتعزيز ثقافة المقاطعة ومناهضة التّطبيع، حسب التّعريف المقرّ من المجتمع المدني الفلسطيني، وبالذّات لجهة فكّ الارتباط مع دولة الاحتلال في كافة المجالات، ومطالبة المؤسسات والهيئات العالمية بوقف تواطُؤها في إدامة الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي ضدّ شعبنا، مع ترسيخ دور اللجنة الوطنية للمقاطعة كالمرجعية الفلسطينية لحركة المقاطعة (BDS) في العالم.

تمايزت المواضيع المطروحة في المؤتمر من تمثيل مختلف الآراء ومستويات المعالجة حول تبنّي المقاطعة كنهج مقاومة الاحتلال، وأطلقت وبفضل تنوّع المُؤتمر، مدىً من الأفكار المهمّة والجريئة. كما خلق فرصة فريدة واستراتيجيّة، أمام المشاركين من شركاء ومتحدثين، للتبادل الهادف للأفكار والخبرات والتجارب العربيّة والعالميّة والمحلّيّة.

بعد السّلام الوطني، افتتحت المؤتمر السيدة هيثم عرار، ممثلة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في اللجنة الوطنية للمقاطعة، وقدمت المتحدثين في الجلسة الافتتاحية بعنوان "مقاطعة إسرائيل: مقاومة شعبيّة متجذّرة وعصريّة كونيّة." بدأت الجلسة بكلمة ترحيبية من رئيس جامعة بيت لحم، الأخ بيتر براي، أشاد فيها بأهمية حركة المقاطعة BDSكإطار نضالي يسهم في رفع الوعي وتمكين الجماهير للمشاركة الفاعلة في الحركة. بعدها قرأت السيدة فدوى البرغوثي برقية تضامن ودعم من المناضل مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم قدمت السيدة عبلة سعدات برقية تضامن ودعم من المناضل أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وأكدت البرقيتان على تقدير وتبني رموز النضال الوطني الفلسطيني للمقاطعة وسحب الاستثمارات كاستراتيجية كفاحية رئيسية.

بعدها قدم د. مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، كلمة أحد أهم أعمدة اللجنة الوطنية للمقاطعة— القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين، أكد فيها على القناعة الراسخة لدى الأحزاب السياسية بعدم جدوى المفاوضات في ظل ميزان القوى المائل تماماً لصالح دولة الاحتلال وفي ظل الهيمنة الأمريكية، وحيّا جهود اللجنة الوطنية للمقاطعة عالمياً ومحلياً، داعياً إلى تصعيد المقاطعة ضد إسرائيل من أجل نيل حقوق شعبنا وعلى رأسها الاستقلال والعودة وتقرير المصير.

أطل بعد ذلك في رسالة تضامن مسجلة المطران الجنوب أفريقي دزموند توتو، وهو ممن قادوا النضال ضد نظام التمييز العنصري (الأبارتهايد) في الماضي ومن أهم داعمي حركة مقاطعة إسرائيل BDS  حالياً، قال فيها أنه على يقين من أن الشعب الفلسطين سينال حريته يوماً ما وسيمشي الفلسطينيون رافعين رؤوسهم بكرامة في فلسطين حرة. وبعده مباشرة عرضت كلمة تضامن أخرى مسجلة من أحد أبرز نجوم الموسيقى في العالم، الفنان روجر ووترز، مؤسس فرقة "بِنك فلويد"، والذي حيّا فيها المؤتمر الوطني الرابع للمقاطعة وأعاد التأكيد على دعمه الراسخ لحركة مقاطعة إسرائيل حتى يستعيد شعبنا حقوقه.

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، قدم عبر الإنترنت د. حيدر عيد من قطاع غزة المحاصر كلمة اللجنة الوطنية شرح فيها منطلقات حركة المقاطعة، فلسفتها، استراتجياتها، وبعض أبرز نجاحاتها، مستعرضاً تشعب الحركة في شتى المجالات وتأثيرها المتنامي باطراد على دولة الاحتلال التي باتت تنظر إليها كـ"خطر استراتيجي".

كان عنوان الجلسة الأولى مبادرات في نشر المقاطعة محلياً وعربياً ودولياً، وترأستها السيدة رفعة أبو الريش ممثلة للائتلاف العالمي لحق العودة الفلسطيني. وتضمنت الجلسة عرض عدد من التقارير عن تجارب ملموسة محليا وعربيا ودوليا في المقاطعة، وأهم الدروس المستقاة منها. فتحدث المطران عطا الله حنا عن تجربة مجموعة "وقفة حق-كايروس فلسطين" ودورها في نشر المقاطعة بين الكنائس العالمية، تلاه د. سماح إدريس، رئيس تحرير مجلة الآداب من بيروت، حيث تحدث عن التجربة اللبنانية الرائدة في مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل. وبعدها قدم د. تيسير مرعي أهم ملامح تجربة المقاطعة في الجولان السوري المحتل، رغم الحصار والصعوبات. ثم تحدث من غزة عبر الإنترنت د. محسن أبو رمضان، ممثل شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في اللجنة الوطنية للمقاطعة، عن تجارب المقاطعة في غزة وأهم نجاحاتها. وقدمت الناشطة يافا جرّار تقريراً عن "اسبوع مناهضة الأبارتهايد" الإسرائيلي كأهم نشاط جامعي سنوي لحركة المقاطعة BDS. وتحدثت الناشطة المحامية نسرين الحاج أحمد عن حملة مقاطعة شركة G4Sالأمنية في الوطن العربي واستراتيجيتها. فيما طرحت د. سامية البطمة بعض أهم نجاحات الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وتلاها النقابي عماد اطميزي الذي شرح حملة مقاطعة البريد الإسرائيلي التي تخوضها نقابة العاملين في قطاع البريد. وتحدث الناشط مازن العزة، القيادي في المبادرة الوطنية في محافظة بيت لحم، عن أهم مميزات ونجاحات حملة "بادر" لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ثم تحدث الناشط الشبابي من محافظة سلفيت، ضياء اشتيه عن العمل على إخلاء سلفيت من البضائع الإسرائيلية. وتحدث خبير القانون الدولي أمجد القسيس من مركز بديل عن التهجير القسري للفلسطينيين وأهمية حركة المقاطعة في مواجهته و خصوصا البدء في اطلاق الحملة التي تستهدف تحديدا فرض العقوبات على دولة الاحتلال. وفي ختام الجلسة، قدم سكرتير فرع حيفا في الحزب الشيوعي في أراضي 48 ملامح تجربة المقاطعة في الداخل وأفقها.

أما الجلسة الثانية فكانت بعنوان "التطبيع بأشكاله والتصدي له" وقد ترأسها السيد راسم عبيدات من هيئة العمل والوطني والأهلي في القدس المحتلة. حيث تناولت مديرة مركز دراسات المرأة في جامعة بيرزيت والناشطة في حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل د. إصلاح جاد وثيقة تعريف التطبيع التي تبناها المؤتمر الوطني الأول لمقاطعة إسرائيل في 2007 وأهم مبادئها، ثم قدمت رانيا الياس، مديرة مركز يبوس في القدس نبذة عن المقاطعة الثقافية وبعض أهم مشاريع التطبيع الثقافي التي أحبطتها حملة المقاطعة، وبالذات في القدس. ثم قدم الخبير الاقتصادي د. يوسف عبد الحق مداخلة عن التطبيع الاقتصادي الذي اعتبره من أخطر أشكال التطبيع. ثم قدم د. عبد الرحيم الشيخ ورقة ملفتة عن التطبيع الأكاديمي وأهم الجهود لمواجهته. وفي الختام قدم مسؤول التواصل والتشبيك في اللجنة الوطنية، الناشط الشبابي زيد الشعيبي، ورقة عن التطبيع الشبابي وخطورته في احتلال العقول وفي تقويض نضالنا من أجل حقوقنا.

مع نهاية الجلسة، أنزلت شاشة العرض ليفاجأ الجمهور بصورة الفنان المرموق مارسيل خليفة، الذي خاطب المؤتمر في كلمة مسجلة من بيروت، أكد فيها على أهمية قول لا والوقوف في وجه الطغيان ودور المقاطعة، وبالذات الثقافية، في النضال الفلسطيني والعربي من أجل حرية فلسطين. وكان التصفيق لفنان الناس المميز أعلى منه في معظم الفقرات الأخرى.

جلسة المؤتمر الثالثة كانت الأكثر صخباً. وقد ترأسها الزميل نصفت الخفش، ممثل الهيئة الوطنية للمنظمات الأهلية في سكرتاريا اللجنة الوطنية للمقاطعة، الذي قدم د. تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية و د. جواد ناجي وزير الاقتصاد الوطني والزميل عمر البرغوثي ممثلاً للجنة الوطنية للمقاطعة. لقد كانت هذه الجلسة منصة لمساءلة الجمهور للمسؤولين في المنظمة والسلطة وأيضاً للجنة الوطنية حول دور كل منهم في المقاطعة ونشرها والتصدي للاحتلال، حيث تخللها عدد كبير من الأسئلة والمداخلات المتنوعة، وأحياناً الصعبة بل والغاضبة، التي عكست استياء جزء مهم من شعبنا من بعض التوجهات السياسية للسلطة والمنظمة وتمسكه بضرورة تصعيد أشكال المقاومة المختلفة. ورغم مشادة كلامية وقعت بين الوزير وأحد المشاركين وإساءة وما تلاهما من صخب في القاعة ومغادرة الوزير، إلا أن التجربة بحد ذاتها أثبتت أهمية حرية الرأي ومساءلة المسؤولين في كل ما يتعلق بهموم المواطنين وبالذات بحقوقهم الوطنية وطرق الدفاع عنها. ورفض ممثلو اللجنة الوطنية أي إساءة للجمهور وأكدوا على أهمية سعة الصدر في تحمل الاختلاف وآراء الآخرين، بغض النظر عن موقف اللجنة من بعض الأسئلة التي تضمنت إساءة كذلك ولم تطرح بشكل بنّاء. وبغض النظر، فاللجنة الوطنية ترفض وتدين أي اعتداء على أي كان بسبب موقفه أو رأيه وتؤكد على أهمية صيانة الحريات، وبالذات حرية الرأي، وسيادة القانون واحترام الاختلاف.

بعد الجسة الثالثة، عرض كاتب شاب فلسطيني درزي من الجليل تجربته في رفض الخدمة العسكرية الإجبارية في جيش الاحتلال، مؤكداً على سعيه ورفاقه من رافض الخدمة لتعزيز فكرة ارفض الخدمة كشكل من أشكال مقاطعة إسرائيل وتأكيد وحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان.

في نهاية المؤتمر، توزع المشاركون/ات على ورشات العمل القطاعية التي جاءت هذا العام مختلفة عن النمط التقليدي للورشات، حيث تجاءت تتويجا لورشات تحضيرية عقدت في القطاعات المختلفة قبل انعقاد المؤتمر الوطني لتخرج بخطط للمقاطعة الفعالة في كل قطاع وتختار لجان متابعة للإشراف على تفعيل هذه الخطط. يذكر أن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية كان الأنشط بين أطر اللجنة الوطنية في التحضير للمؤتمر، حيث عقد 7 ورشات تحضيرية في المحافظات المختلفة.

لقد عكس  عدد المشاركين/ات في المؤتمر وتمثيلهم لأهم قطاعات شعبنا بداية انتشار المقاطعة محلياً بشكل صحّي وفاعل. فالحضور جاء من مختلف أرجاء فلسطين التاريخية والشّتات، ومن معظم الأطر الشّعبية والاجتماعية والمهنيّة والأهليّة الفاعلة في المجتمع. وقد يكون أهم عنصر من عناصر نجاح المؤتمر أن قطاع الشباب الفلسطيني شكّل غالبية الحضور الساحقة، كما كان حضور المرأة مميزاً.

يجدر الذّكر أن اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل هي أكبر تحالف لقوى واتحادات ومنظمات وشبكات المجتمع المدني الفلسطيني وتعتبر المرجعية لحركة مقاطعة اسرائيل عالمياً المعروفة بـ BDS. وقد تأسست حركة المقاطعة على أساس نداء المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الذي أطلقه الشعب الفلسطيني بالغالبية الساحقة من قواه ومؤسساته الشعبية والمدنية عام 2005، والذي ناشد فيه منظمات المجتمع المدني في العالم وكل أصحاب الضمائر الحية العمل لفرض مقاطعة واسعة لإسرائيل في كافة المجالات بهدف إجبارها على الالتزام بالقانون الدولي من خلال إنهاء احتلالها ونظامها العنصري واعترافها بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وأهمها حقهم في العودة إلى ديارهم وأراضيهم التي شردوا منها خلال نكبة 1948.