عقبات أمام تفهم النضال الفلسطيني من منظار بريطاني

بقام: ريتشارد هوبر*

صراحةً، في الماضي لم أكن من داعمي القضية الفلسطينية. إلا إنّ تضامني مع القضية الفلسطينية قد ولد حين تشاطرت العيش في شقة سكنية مع طالب سوريّ خلال فترة التعليم في جامعة ليستر في بريطانيا. بسبب عدم توفر النقود للسهر خارج البيت، إعتدنا على البقاء في البيت مساءً لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط عامة والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. بدايةً، رفضت وصف صديقي لإسرائيل كمحتلٍ ومعتدي. فقد تساءلت، كيف لدولة يُحتفى بها كقلعة الديمقراطية والتي تتّسم بتعددية حزبية كبيرة أن تُتهم بالمسؤولية عن كارثة كالنكبة؟ ألا يتحمّل الفلسطينيون جزءا من المسؤولية تجاه مأساتهم؟ ألا تتحمل البلدان العربية المجاورة المسؤولية عن التهجير؟ لا شك بأني كنت حينها شاباً صغيراً ساذجاً ممّا أثّر سلبا على فهمي.

للأسف، هنالك نقص في بريطانيا فيما يتعلق بتفهم تاريخ ورواية فلسطين. وذلك غير مفاجئ فإنّ تاريخ فلسطين غائب عن المنهاج التعليمي الوطني في المدارس البريطانية. هنالك أيضا الكثير من الجهات التي تتزاحم في محاولاتها التأثير على الرأي العام. لعلّ الجهة الأقوى والأكثر تأثيرا هي اللوبي الصهيوني والتي من دعاتها أغلبية أعضاء البرلمان من المحافظين، الحزب الحاكم في بريطانيا، الذين يشكلون جزءا ممّا يُسمّى بمجموعة أصدقاء إسرائيل.

بعبارات تجارية، اسرائيل تعنى بتسويق نفسها وكأنها بلد غرب-أوروبيّ. إنّ  ذلك يتمثل عبر مشاركتها بنشاطات أوروبية صرفة: مثل بطولات المنتخبات لكرة القدم أو مهرجان الأغاني الأوروبي، يورو-فيزيون. هذا التسويق يُكافأ إيجابا ويحرر إسرائيل من منزلة الغريب. الدلالة على ذلك هي الدعم الكبير التي تحظى به في أروقة صنّاع القرار.

مع أنّ إنكار النكبة في بريطانيا ليس شاملاً كما هو الحال في إسرائيل، فإن المؤرخين ووسائل الإعلام على حدّ سواء يصورون التهجير الإكراهي للشعب الفلسطيني بعدم دقة بالغة، وكأنها نتيجة للحرب وليس كتهجير قسري مُخطط ومبرمج. شريكون في هذا الوصف محطّات إذاعة ممّن يتمتعن باحترام وسيط كبيرين، كمحطة ال BBC. هذه المحطّات تقلل من شأن وحقيقة النكبة.

عقبة أخرى تقف أمام تفهم الواقع الفلسطيني، تكمن في الطريقة التي يتم من خلالها عرض التقارير في إطار الإعلام المهيمن. فإنّ المقاومة الفلسطينية نادرا ما توصف في سياق استمرار الاحتلال الإسرائيلي. وذلك ناتج جزئيّاً عن افتقار الصحافيين للإلمام المناسب بتاريخ فلسطين، لكنّه نابع أيضا عن الرغبة لديهم بتبسيط الأحداث للمشاهد. هؤلاء الصحافيون نادرا ما يربطون أحداثا آنية بالنكبة بالرغم من أنّ التطهير العرقي مستمر حتّى يومنا هذا عبر التهجير الصامت وهدم البيوت ومصادرة الأراضي وأكثر من ذلك.

في حين أنّ وسائل الإعلام في بريطانيا، بأحسن الأحوال، متغيّرة بما يتعلق بعرض المسائل الفلسطينية فهنالك وفرة زخمة من مقالات ومدونات الكترونية، ممّا يتيح لناشطين ملتزمين الحصول على معلومات أوفر. أنا شخصيّا مشترك مسجّل في عدة صفحات للأخبار على موقع الفيسبوك كما أقرأ أخبارا عن فلسطين في الغارديان وهآرتس وموقع الجزيرة ومواقع أخرى. لا شك بأنّ الحدود القومية كما عهدناها سابقا قد زالت من عالمنا الحديث الذي يتسم بالتشبيك السلس. مع ذلك فإنه من المؤسف أنّ هذه المعلومات الوافرة الكترونيا يقرأها عدد قليل فقط من الناشطين الملتزمين. على الرغم من ذلك فإنّ العالم الافتراضي يمنح الفرصة للعديد من الأصوات بأن تُسمع وهذا أمر إيجابي.

 إن التعاطف تجاه اليهود بسبب المحرقة، الهولوكوست، وأحداث الحرب العالمية الثانية يمكنه أن يشوّه آراء الناس كلمّا تعلق الأمر بالنضال الفلسطيني. فهم يتحفظّون على تبنّي موقفاً "معاديا" للإسرائيليين، خوفا من أن يسهلّ ذلك على داعمي اسرائيل اتهامهم "بمعاداة السّامية". أحياناً يصعب الفرار من هذه التصنيفات وذلك يحفّز البعض على غضّ الطرف. إنّ هذا التكتيك ينجح أحيانا بإخراس حتّى صحافيين من وسائل الإعلام المهيمنة. إسكات الغريمين عبر اتهامات زائفة هو أمر مشروع من وجهة نظر صهيونية. طالما كان ذلك في خدمة قضيتهم.

قد يسيطر على بعض الناس العاديين شعور بالإرهاق والسأم حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وإحساس بأنّ الأمر ميؤوس منه. وعليه، فجزء من برنامج العمل لأيّة حركة تضامن مع الشعب الفلسطيني يجب أن يكون نشر المعلومات وتعزيز المعنويات لدى الآخرين. كما يتوجّب تحفيزهم على توظيف غضبهم عبر النشاط في إحدى المبادرات الفعالة مثل المبادرة العالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل. إنّه أمر سار للغاية أنّ هنالك عددا لا بأس به من الشخصيات البريطانية الشهيرة والمعروفة، مثل الأديب إيان بانكس، قد أعلنوا جهرا دعمهم لهذه المبادرة.

لقد كنت ناشطاً في مدينة ليستر بحملة تستهدف صفقات ال G4S، وهي شركة تُزّود السجون الإسرائيلية بمعدات رقابة وأمن. في أيامنا هذه، قررت الشركة التراجع عن إتمام بعض العقود المثيرة للجدل. يحتاج الناشطون في مبادرة المقاطعة إلى استثمار الكثير من الطاقة والوقت، لكن كما رأينا من خلال تجربة الضغط على جنوب أفريقيا فإنها حتماً ستثمر.

-------------------------

*ريتشارد هوبر: أستاذ تقنية المعلومات في جامعة كامبريدج، عضو في حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني في بريطانيا.