في الطريق إلى بلورة إستراتيجية وطنية فلسطينية: جدل الإرادة والقدرة واللزوم!

بقلم: تيسير محيسن*

تلوح في أفق الإقليم بوادر صفقة سياسية كبرى. تشير المعطيات الأولية إلى أن إسرائيل ربما تكون غير راضية، حتى الآن، عن البعد الفلسطيني فيها. الصفقة تشترط حضور الفلسطينيين وانخراطهم موحدين، لكنها لا تعدهم بالكثير. ثمة من يرى إن اندراج الفلسطينيين ضمن التحالف الإقليمي الجديد يأتي بوصفه مساراً إجبارياً، وهو بهذا المعنى أقل كثيراً من "إستراتيجية وطنية" طال انتظار بلورتها وتبنيها، لكنه بالضرورة أكثر قليلاً من مجرد موقف سياسي عابر. سيترتب على ولوج الفلسطينيين هذا المسار تداعيات هائلة على قضيتهم ومشروعهم ومؤسساتهم الجامعة.

بين الاحتواء والاحتماء: استدارات مرتبكة!

حسمت حركة "حماس" موقفها أخيراً حين عقدت اجتماع مكتبها السياسي في الدوحة، إحدى عواصم التحالف، لكنها لن تنجو من التداعيات على وحدتها وتماسكها ومصداقيتها بعد أن غادرت محور الممانعة. بالمقابل تراهن الحركة على أن انصياعها وتكيفها مع الاتجاه العام في المنطقة سيمكنها أولاً من البقاء ضمن المشهد السياسي، وثانياً إتاحة الفرصة لها للصراع على جبهة التمثيل الفلسطيني من موقع أفضل. 

بإعلانه عن بدء مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، يراهن الرئيس محمود عباس على العودة للمفاوضات من موقع أفضل نسبياً، فمن ناحية لديه التفويض الكامل، ومن ناحية أخرى لديه دعم دول التحالف، وخصوصاً تركيا. والواقع، إذا ما صح هذا الرأي، تكون كل الدعوات إلى بلورة إستراتيجية وطنية موحدة، تبدأ بالمصالحة وتعزيز الشراكة الوطنية وتنتهي بتوسيع جبهة الصدام مع الاحتلال بالمقاومة الشعبية والبناء على قرار الاعتراف بدولة فلسطين، ذهبت أدراج الرياح. وهو ما يستدعي الإجابة على سؤال: هل بمقدور الفلسطينيين أن يتبنوا إستراتيجية نابعة من تقديرهم لأوضاعهم وتعبيراً عن رؤيتهم لأنفسهم وما يرغبون فيه حقاً، أم إن ذلك كله يقع في باب الأمنيات أو المنازلات السياسية الفارغة؟

الانضواء تحت لواء التحالف الجديد ليس إستراتيجية حقيقية، والتوافق الظاهري بين الحركتين حول ذلك لم يأتِ تعبيراً عن رؤية وطنية مشتركة، وإنما تعبيراً عن رهانات إما فئوية قاصرة وإما طوباوية حالمة، فليس في جعبة التحالف سوى احتواء الورقة الفلسطينية، وتوظيفها، مقابل الفتات السياسي والاقتصادي على حد سواء. واللافت أن مسعى الذاهبين إلى التحالف يأتي في ظل "هراء" سياسي حول ضرورة تبني إستراتيجية وطنية واضحة. بينما يصور البعض دعوة الرئيس لبدء مشاورات تشكيل الحكومة بوصفه "أحد الخيارات البديلة" لفشل المفاوضات، وصفعة في وجه الإسرائيليين، تعلن حماس إنها ستبذل جهداً مع الفصائل الفلسطينية كافة لبلورة إستراتيجية وطنية تكون ناظماً للعمل الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة.

ربما تقتضي الحكمة، في ظل عواصف الإقليم وتقلباته، أن يتم الاحتماء بمظلة التحالف الجديد، لا الإنضواء تحت لوائه، وألا تكون هذه الخطوة التكتيكية بديلاً عن إستراتيجية سياسية شاملة. إن تأجيل بلورة هذه الاستراتيجية لا يعني الوقوف متفرجين أو منتظرين حتى تتضح صورة الإقليم؛ إذ يمكن الانشغال في غضون ذلك بإعادة ترتيب الأوضاع المتردية وتمتين الجبهة الداخلية وقطع الطريق على محاولات الاستدراج إلى فخ الأزمة المتفجرة. وفي كل الأحوال، يقتضي ذلك عدم تمكين إسرائيل من استكمال مخططاتها الجهنمية في مواصلة التبديد والإجهاز باستغلال وضع الإقليم أو بتغطية من بعض سلوكياتنا.

إستراتيجية أم تفكير إستراتيجي؟

في الواقع ثمة رأي يقول أن الظروف التي تستدعي تأجيل وضع إستراتيجية فلسطينية اليوم هي ظروف دائمة تقريباً، من حيث البيئة الداخلية غير المهيأة، والبيئة الخارجية شديدة الاضطراب. وفي مثل هذه الأحوال يستعاض عن الاستراتيجيات المحددة بما يسمى بالتفكير الاستراتيجي، أو بلغة البعض اللا-إستراتيجية!

لا يعزى ضعف البيئة الداخلية إلى الانقسام السياسي فحسب، وإنما إلى أسباب ترتبط بطبيعة المجتمع الفلسطيني مجهض الحداثة والخاضع لجدل التفكك بتأثير احتلال إحلالي واستيطاني، حتى إن البعض يرى الانقسام السياسي ذاته أحد تجليات هذا الجدل. وعليه، ليس غريباً أن تستمر الدعوة إلى تبني إستراتيجية موحدة، بينما يستمر السلوك السياسي القبلي/الفئوي، في تباينه وتناقضه وارتجاله، موسوماً برد الفعل الانفعالي أو الارتباك العملي ودائماً بضعف قدرته على إنجاز أهدافه والوصول إلى غاياته. إن التقارب على مستوى الخطاب والبرامج لم يقابله دائماً ذات التقارب على مستوى الفعل والسلوك والأداء. والعكس صحيح أيضاً، فالتماثل أحياناً في السلوك لا يعني أنه يصدر أو يعبر عن رؤية سياسية موحدة. وهذا بالتأكيد يقلل من فرص نجاح صياغة إستراتيجيات مشتركة.

يقول علم الاستراتيجيات أنه في حال صعب وضع إستراتيجية بسبب من ضعف عناصر البيئة الداخلية أو اضطراب البيئة الخارجية أو كليهما معاً، فإن البديل يكون إما الاستعاضة عن ذلك بالتفكير الاستراتيجي وتدابير تكتيكية ذكية، أو انبثاق قيادة جديدة برؤية مغايرة ينصاع لها المجموع، وإما غرق السفينة أو فقدان القدرة على الوصول وتحقيق الأهداف.

أسئلة البداهة:

لما كانت أسئلة الإستراتيجية، والتفكير الاستراتيجي، هي أسئلة البداهة ذاتها، فإن البعض يتحرج من طرحها ناهيك عن محاولة الإجابة عليها. فلسطينياً، إعادة طرح هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها وبناء الإجماع حولها، يشكل بداية الطريق للخروج من المأزق:

السؤال الأول: من نحن؟

نحن الشعب الفلسطيني بقوة الواقع والتاريخ والفعل. إذن لماذا ينزاح مشروع الوطنية الفلسطينية باتجاهين متعاكسين؛ انزياح "فوق وطني" بالاندماج في مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، وإنزياح "تحت وطني" يكرس الخصوصيات المناطقية أو اهتراء الجامع بين المكونات المختلفة للشعب الفلسطيني. التحدي يكمن في وقف عملية التمزيق الذاتي التي نمارسها فنغّيب مفهوم "الجماعة السياسية" ونضعف عملية الاندماج السياسي. وفي ظل تحولات الإقليم، ثمة ضرورة لإعادة تعريف الفلسطينيين لأنفسهم بوصفهم جماعة قومية واحدة، ورفض أي حل لأي مكون من مكونات هذا الشعب يضرب حقوق وتطلعات المكونات الأخرى. وعدم السماح بتكريس اتجاه تغليب "المحليات والخصوصيات" على خطابهم وسلوكهم السياسي.

السؤال الثاني: أين نقف اليوم؟ كيف وصلنا إلى ذلك؟

ثمة من يرى أن الفلسطينيين يقفون اليوم على أعتاب نكبة جديدة. وعلى ما ينطوي عليه هذا الرأي من مغالاة وقسوة، إلا إنه ليس بعيداً عن الواقع. فالشتات يعاد تشتيته في إقليم دخل أتون حرب الكل ضد الكل، والضفة الغربية تهود بالكامل، وقطاع غزة يزاح تدريجياً باتجاه الجنوب، ما دفع أحد قيادات الاتجاه الإسلامي في مصر، حازم أبو صلاح، أن يقترح على القيادة المصرية اعتبار قطاع غزة محافظة مصرية!

وإذا كنا لم نصل إلى هذا الوضع بمحض إرادتنا أو برغبتنا، إلا إننا بالتأكيد نتحمل بعض المسؤولية. لدينا أزمة قيادة، لم تولد تعبيراً عن تطور شعبها ومجتمعها، فكان من الطبيعي، على سبيل المثال، أن يُنظر للانقسام بوصفه مصلحة وطنية باعتبار ان الفئة المجسدة لهذا النظرة تمثل المصلحة الوطنية، وأن تفشل هذه القيادة بأطيافها في تأمين مقومات بناء الإجماع وضمان قبول الفلسطينيين جميعهم باجتهاداتها وسياساتها، إما لفقدان الكريزما أو ضعف الحجة أو قصر النظر.

ولدينا أداء سياسي جبان أحياناً، وانفعالي أحياناً أخرى. الجبن والانفعال أسهما في موت السياسة. ومع "موت السياسة" من المنطقي ليس فقط أن نفشل في تحقيق الأهداف، بل أن نسهل على الأعداء تحقيق أهدافهم. ومع موت السياسة أيضاً جرت عملية تحييد شاملة عن الاشتباك الحقيقي ضد الاحتلال وسياساته وممارساته.

السؤال الثالث: ماذا نريد؟ وماذا بمقدورنا أن نفعل؟

ثمة إجماع اليوم على حقي العودة وتقرير المصير وعلى أن هدف النضال الوطني هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. غير أننا لا زلنا نصدر في سلوكنا وفعلنا ليس انطلاقاً من هذه الرؤية وإنما تحكم سلوكنا اعتبارات أخرى. نريد وفاقاً وطنياً في الطريق إلى الدولة وإحقاق الحقوق الوطنية المشروعة، أي مواصلة مسيرة الكفاح على أساس ميثاق وطني يحدد ضوابط العمل السياسي والعسكري والنشاط الجمعوي وشروطها والاتفاق على القواسم المشتركة، تسهم في صياغته كل الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية. كما نريد بناء أسس ومقومات الدولة، أي البناء والإصلاح المؤسساتي على طريق تحول السلطة إلى دولة، بالمعنى السياسي والكياني، انسجاماً مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. فإذا ما أردنا ذلك حقاً، نستطيع أن نحافظ على وجودنا فوق هذه الأرض ونعزز صمودنا ونبني مقوماته كما نستطيع خوض مفاوضات جادة ومتوازنة وأن نعيد الاعتبار للمقاومة بوصفها تعبيراً عن إرادة شعب يتطلع للحرية وينشد العدالة في إطار شرعة حقوق الإنسان ومنظومة الشرعية الدولية.

شروط تعجيل انبثاق الإستراتيجية المنشودة:

(1) نحتاج إلى نقد الذات ومراجعة التجربة السابقة والتحلل من أوزارها وأثقالها وقيودها، كنقطة بداية لبناء هذه الإستراتيجية وضمان الإجماع حولها، كعملية ارتقائية وبنائية من أسفل. ما يعني إفساح المجال أمام تنامي الذاتية السياسية الجديدة، أبرز تعبيراتها، حشود اللاجئين على الحدود، انتفاضة الضفة، مهرجان الانطلاقة في غزة، التواصل الشبابي عبر الفضاء الإلكتروني. وكشرط أولي أيضاً، يأتي إنجاز ملف المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية وخصوصاً على مستوى المنظمة لتعود عنواناً موحداً ووحيداً لكل الفلسطينيين، تعبر عن طموحاتهم الوطنية وتقود كفاحهم المشروع نحو الاستقلال والعودة وبناء الدولة. وتعيد تعريف الفلسطينيين لأنفسهم بوصفهم جماعة وطنية واحدة لها حقوق وتطلعات لا يتعارض بعضها مع بعض، أي استعادة تحكمنا في سرد حكايتنا واستعادة روايتنا التاريخية، كما يقول جميل هلال.

(2) التخلي عن نبرة الخجل والحياد والمجاملة تجاه ما يحدث في الإقليم. بمقدور منظمة التحرير الموحدة أن تتبنى نبرة جديدة، مفادها أن الشعب الفلسطيني ليس طرفاً ضعيفاً في معادلة الصراع، ولا يمكن لأي كان توظيف قضيته لصالحه دون مراعاة المصالح العليا لهذا الشعب. يمكن للمنظمة أن تفتح حوارات إستراتيجية مع القوى العربية الجديدة وبناء توقعات مشتركة معها وفي نفس الوقت تُشعر الأنظمة، القديم منها والجديد، أنها لا تستطيع أن تتخلى عن دورها ومسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية، حتى مع الانشغالات الداخلية. المهم ألا يتحدث الفلسطينيون بلسانين وأن يحددوا بالضبط ما الذي يريدونه وما الذي لن يسمحوا به في كل الأحوال.

(3) مواصلة الضغط على إسرائيل من خلال المجتمع الدولي، ومن خلال إعطاء الإقليم فرصة البناء والنهوض وبناء تحالفات تعوض الفجوة في ميزان القوى مع إسرائيل. الحصافة تفترض تجنب العمل العنفي في ظل هذه الشروط؛ بما يسهم في فضح الاحتلال، ويشجع المجتمع الدولي على القيام بمبادرات، وبما لا يوفر الذرائع له للتخلص من وجودنا، ولا يورط الإقليم في حروب يصعب تصور إمكانية تحقيق نصر قريب فيها.

(4) توسيع دائرة الاشتباك الشعبي والحقوقي في "حروب مواقع" تربك المخططات الإسرائيلية، وتعرض قادة الاحتلال للمساءلة والملاحقة القانونية، تحرم إسرائيل من قدرتها على إعادة إنتاج إجماعها الوطني بإدعاء الخطر الوجودي "الوهمي". وفي كل ذلك، عدم التسبب في جروح نرجسية غير حاسمة، تستفز طاقة العنف والإرهاب الكامنة في المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية.

(5) التعاطي مع تحريفات الخطاب الفلسطيني، حسب جميل هلال، بجدية لا تصل حد الانقلاب على الواقع بوهم تجاوزه. قد تكون إستراتيجية حل الدولتين غير قابلة للتطبيق للأسباب التي يعددها هلال وغيره، ولكنها أسباب تصلح أيضاً لافتراض استحالة تبني إستراتيجية الدولة الواحدة. العالم يجمع على حل الدولتين ومن غير المتوقع أن يحدث اختراق كبير في هذا الإجماع قريباً، إذ يحتاج الأمر إلى تحولات كبرى تغير من معادلات القوة في هذا العالم. كما إن رفض هذا الحل اليوم يعني رفض قيام دولة فلسطينية، لأن الدولة الثانية "إسرائيل" قائمة فعلاً ومعترف بها. وأخيراً، يجب ألا نغفل حقيقة أن إسرائيل وممارساتها هي التي تستهدف تقويض هذا الحل. وبدلاً من الإسراع في التكيف مع هذا الهدف، وقبل أن يصبح حقيقة واقعة، علينا إتباع سياسة فضحها والضغط عليها ومواصلة الإصرار على مطلب الدولة المستقلة. إن أي أطروحات أخرى اليوم من شأنها أن تهدد الانجاز التراكمي والبطيء الذي حققه الفلسطينيون بنضالاتهم وتضحياتهم، وقد يجدوا أنفسهم "خارج الإجماع العربي والدولي" ما يوفر للجميع حججاً إضافية للتخلي عنهم وعن مساندتهم.

(6) الحاجة إلى قيادة موحَدة وموحِدة وتتمتع بالشرعية الكفاحية والديمقراطية. قيادة سياسية جديدة تملك القدرة والجرأة على استنفار القوة الذاتية الكامنة في الوطنية الفلسطينية ببعدها العربي والإنساني. هذا إلى جانب بناء مؤسسة وطنية لتشكل المركز القيادي الفعلي الذي يتمتع بشرعية وصدقية من جانب مواقع الشعب الفلسطيني المختلفة حتى يكون لهذا الشعب مرجعيته السياسية في حال جرى حل السلطة أو هي انهارت تحت الضغط الإسرائيلي والأميركي والإهمال العربي الرسمي. ولأن المؤسسات الفلسطينية التمثيلية غائبة حالياً بعد أن تقادمت أو فقدت شرعيتها، فلا مناص من إعادة بناء م. ت. ف. بمشاركة كل القوى الفاعلة في الحقل الوطني، وإيجاد التدابير الكفيلة بإشراك ممثلين عن كل مكونات الشعب الفلسطيني.

السؤال الأخير: ما الذي يتوجب علينا فعله؟

يقول علم الاستراتيجيات أنه لا يجوز التخطيط لفعل لا يقع في حيز تقاطع ثلاث دوائر: الرغبة والإرادة، القدرة والاستطاعة، اللزوم والواجب. أنت لا تستطيع أن تنجح في عمل شيء لمجرد الرغبة فيه، وكذلك لن يكون النجاح من نصيب فعل يقوم على القدرة فحسب، وهكذا. وإذا ما طبقنا هذا المنظور على المصالحة، يمكن الاستنتاج إنه لم ننجح فيها حتى تاريخه إما لأننا لا نريدها، أو بعضنا لا يريدها، وإما إننا لا نقدر على اتخاذ القرار بشأنها، وإما إننا لا نعتبرها ضرورية أو ذات أولوية أو واجب وطني. ومع ذلك، فما يجب أن نفعله هو هذا على وجه التحديد: أن نذهب إلى مصالحة تدشن بداية مسار جديد للنضال الوطني، يفرض حضور "الرقم الفلسطيني" بالقوة في معادلة الإقليم الجديدة وليس من موقع التوظيف والاستعمال. الأولوية هنا ليست إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بالمعنى الإجرائي، وإنما لتدشين مسار وطني جديد ينطلق من وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة تمثيله والتمسك بحقوقه الوطنية طبقاً لقرارات الشرعية الدولية. من المشكوك فيه أن تشكل حماس وفتح وحدهما ودون إجراء مراجعة نقدية لمواقفهما، رافعة وحاملاً لهذا المسار. الأحرى، أنه وفي ظل التحولات الكبرى الواعدة في الإقليم رغم الصعوبات والعراقيل، لابد من تطوير ذاتية سياسية فلسطينية جديدة، تمنح أفقاً للتحرك الهادف إلى دفع المشروع الوطني التحرري والمجتمعي قدماً، بولادة تخيلية سياسية تتجاوز ما سبقها من ديناميات التعبئة والحشد، وتشتمل على تفعيل دور الشباب ومشاركتهم، دفع الإسلاميين إلى تغليب اعتبارات السياسة على انحيازات الأيديولوجيا، والانتماء الوطني على أي ولاءات أخرى، المطالبة بتوسيع المشاركة السياسية والمساواة، منح مضمون جديد لفكرة المواطن والمواطنة، توسيع ساحة الاشتباك مع الاحتلال في الفضاءات المتاحة في عالم اليوم بكل الوسائل الممكنة. وفيما يتعلق بالمصالحة تعبر هذه الذاتية عن نفسها بالضغط الشعبي المتواصل وبالانخراط الفاعل في إقرار الخطوات والسياسات اللاحقة.

-----------------------

*تيسير محيسن: كاتب فلسطيني، وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.