ما بعد الثورات العربية:قراءة في قضايا المرحلة الانتقالية وتأثيرات جدل الداخل والخارج عليها

بقلم: تيسير محيسن*

بعد مرور أكثر من عام ونصف على إندلاعها، تبحث هذه المقالة دينامياتالثورات العربية وقضاياالمرحلة الانتقالية التي تمر بها بلدان الربيع العربي، بتأثير جدلية الخارج والداخل: تأثيرات/تدخلات القوى الإقليمية والدولية من ناحية، وضغوط القضايا القطرية والقومية من ناحية ثانية.

من الواضح أن درجة عالية من الضبابية السياسية تكتنف مصير هذه الثورات. فمن ناحية، توقفت، حتى الآن، عند حدود الدول الست التي اندلعت فيها، ومن غير المعروف متى تنتقل عدواها إلى بلدان أخرى. ومن ناحية ثانية، لم تنجح في إسقاط أنظمة الحكم سوى في أربعة بلدان، هي تونس وليبيا ومصر واليمن، بينما انطفأت نارها في البحرين واستعر لهيبها في سوريا فيما يشبه الحرب الأهلية.

هذا وتتباين الآراء وتختلف المواقف حول ما إذا كانت المرحلة الانتقالية ستفضي حتماً إلى بناء دولة عصرية وانتهاج الديموقراطية. فمن قائل أن صعود الاسلاميين إلى سدة الحكم سيحول بالضرورة دون ذلك، وسيدفع المنطقة إلى مزيد من التطرف وسباق التسلح واستمرار النزاعات. وثمة من يرى أن الإسلاميين سيتصرفون، وهم في الحكم، تماماً مثل بقية مكونات الجماعة الوطنية، وفقاً للمبادئ والقيم التي أملتها الثورات العربية واستناداً لواقع تجربتهم العملية وليس استناداً لشعاراتهم ومواقفهم الأيديولوجية.

يجدر التنويه إلى أن أجندة القضايا تختلف من بلد لأخر، بالرغم من وجود العديد من القضايا/التحديات المشتركة أو المتشابهة. هذا علاوة على أن مواقف وسياسات القوى الإقليمية والدولية، أيضاً، تتباين تجاه بلدان الربيع العربي وفقاً لمصالحها أو لاعتبارات جيو- سياسية أو جيو- إستراتيجية. من القضايا المشتركة، الصراع على شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم، التحديات الاقتصادية وتشمل مشاكل الفقر والبطالة وتحقيق النمو الاقتصادي وغير ذلك، العلاقة مع الدول الأخرى ومصالحها في المنطقة.

عند اندلاعها، لم تنشغل الثورات العربية كثيراً بالقضايا القومية، فقد انصبت مطالبها وشعاراتها حول الشأن القطري الداخلي. تغير سلوك القيادات الجديدة بعد انتخابها قليلاً، فقد عبّر بعضها عن مواقف معينة تجاه بعض مما يدور في الإقليم، كما اضطرت إلى إبداء قدر من الاهتمام تجاه بعض القضايا القومية والإقليمية، وصل حد تقديم مقترحات عملية. ومع ذلك، فلا زال الاتجاه الغالب على سلوكها يتمحور حول الأجندات الداخلية، وهو ما يدفع للاعتقاد أن كثيرا من الشعارات التي كانت ترفعها أثناء وجودها في المعارضة، إما إنها كانت لمجرد مناكفة النظام القائم وإحراجه، وإما أنها اكتشفت، وقد وصلت سدة الحكم، صعوبة تحقيق معظمها وخصوصاً تلك المرتبطة بقضايا قومية كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال. قد يقول قائل أن الثورات ذاتها التي أوصلت هؤلاء للحكم لم تحمل أي مطالبات إقليمية مكتفية بمطالبها المحلية، وبالتالي فالقيادات الجديدة إنما تعمل وفق منظور الثورة وليس ضده، أو إنها تتمهل حتى تستقر في الحكم وتتغلب على بعض التحديات الداخلية ومن ثم تتوجه للعمل على مستوى إقليمي. وفي ذلك بعض الصحة والمنطق، غير أن سلوك بعض هذه القيادات يدعو للعجب؛ فسرعة تبديل المواقف وتغيير اتجاه السياسة أكبر من أن يتم تبريرها بمنطق الثورة، والإصرار على توجيه رسائل اطمئنان للقوى الدولية والإقليمية يضع قيوداً إضافية على أي فرصة تحرك إقليمي مستقبلي. واللافت أن معظم الرسائل تتمحور حول الاتفاقيات المبرمة وحول الموقف من إسرائيل. بالطبع، لم يكن مطلوباً من أي نظام حكم جديد حملته الثورة من مواقع المعارضة الرنانة إلى سدة الحكم لإدارة أوضاع في غاية التعقيد والصعوبة، أن يعلن الحرب في اليوم التالي، لكن أن يبالغ في طلب ود الولايات المتحدة وإسرائيل على النحو الذي لوحظ بشكل واضح ودون مواربات، فذلك مما يحتاج إلى تفسير وقراءة معمقة. وكلما أمعنت إسرائيل في تهويل ما حدث وشيطنة الحركات الاسلامية، كلما تهافتت هذه النظم أو بعض منظريها، عبر فتاوي وآراء غاية في الخزي، من قبيل إعلان روسيا والصين أعداء للأمة، أو التشكيك في جدوى محاربة التطبيع، واجراء لقاءات سرية كانت تعد من المحرمات في زمن سابق.  

لعله من الانصاف القول أن الثورات العربية، لأسباب عديدة، دفعت وتدفع الحركات الإسلامية في العالم العربي إلي مواقف أكثر مرونة وواقعية، بغية انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بها من ناحية، ومن ناحية أخرى تجنيبها الصدام المبكر مع بعض القوى المتربصة. إسرائيل تستغل هذه الحاجة بصورة وقحة، فحملات التحريض علي الحركات الإسلامية تهدف إلي تحقيق أحد هدفين: فإما أن تضفي هذه الحركات مرونة علي مواقفها من إسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، وحتى تقديم تنازلات جديدة لها، وإما أن يتوقف العالم وتحديداً الغرب، عن إجراء الحوار معها، على طريق نزع شرعيتها ومن ثم عرقلة أي توجه لها نحو بناء عوامل القوة وامتلاك زمام مشروعها النهضوي. نقطة ضعف هذه الاستراتيجية يكمن في تجاهل نوايا إسرائيل الحقيقية ومن وراءها الولايات المتحدة التي تعلن ليل نهار أن مصلحتها هي التي تحدد مواقفها تجاه ما يحدث، فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني هيج أن "الحكومة البريطانية ستعمل مع الشركاء الدوليين لحفظ الأمن والسلام، وتعزيز التطور الديمقراطي، وحماية مصالح المملكة المتحدة". ويعلق مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، بريجنسكي، على أزمة تمويل المنظمات الأهلية المصرية بقوله "وجود مصالح أمريكية في استقرار مصر، وفي معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل يحتم التعامل مع تلك القضية بطريقة مبتكرة لعبور ذلك المنعطف الخطير في العلاقة بين البلدين".

 هناك محددات لمواقف وسياسات القوى الخارجية (الإقليمية والدولية) المتنافسة على النفوذ والثروة، تجاه الثورات العربية ونتائجها؛ التي تتراوح بين القبول الحذر بهذه النتائج، وبين محاولات الالتفاف عليها واحتوائها. هذه الأبعاد هي: العلاقات والمصالح الاقتصادية، شبكة المواصلات والتجارة الدولية، شبكات نقل المعرفة، العلاقات العسكرية/الأمنية، التحالفات والترتيبات السياسية، العلاقات الثقافية. وهناك من يرى أن النفط وإسرائيل من بين أكثر العوامل تحديداً لسياسات الغرب تجاه المنطقة وتحولاتها.

تشهد وقائع التاريخ القديم والحديث على أن المطامح ذات الطابع الاقتصادي، تمثل العاملالمشترك بين كافة القوى الخارجية، التقليدية والجديدة، في تحديد مواقفها تجاه المنطقة وتحولاتها، فثمة من يسعى للحصول على نصيب متزايد من أسواق واسعة وواعدة، وذات قوة شرائية متصاعدة بسبب حجم الطبقة الوسطي والمرشحة لمزيد من التوسع والتمكين في ضوء الربيع العربي، ولزيادة حجم وتنويع صادراتها واستثماراتها وتصدير التكنولوجيا وما يرتبط بها من خدمات وأخيراً، الحصول على حصة مضمونة، أكبر حجما وأكثر وزنا مما تحصل عليه حالياً.

المحدد الثاني يرتبط بكون المنطقة العربية تطل أو تتحكم في الكثير من أهم شرايين المواصلات وطرق التجارة الدولية، وفي المقدمة منها قناة السويس، بالإضافة إلى البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. وهو ما ظهر بوضوح في تلويح إفرايم عنبر، رئيس مركز بيجن-السادات، بالخطر الناجم عن صعود الاسلام في شرق حوض البحر المتوسط. وهو يحرض بوضوح الدول الاوربية والولايات المتحدة على القيام بتدابير سريعة تحول دون فقدانها مناطق النفوذ والتأثير في شرق حوض البحر المتوسط لصالح الاسلام المتطرف، على حد تعبيره.

يعتبر المنظور الأمني والعسكري من أبرز محددات رؤية ومواقف الأطراف والقوى الخارجية للمنطقة العربية والتحولات الجارية فيها. يستوي في ذلك موقف الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، التي تبنت مواقف متشددة من الحالة السورية، بإدعاء انتقال الحرب مباشرة الى حدودها. وتزعم إسرائيل، كما جاء في دراسة لإفرايم عنبر، أن شبه جزيرة سيناء تحولت لطريق لتجارة السلاح مع حماس، وأن هذا الوضع يحتاج الى تواجد عسكري أكثر فيها، وقد يدفع لاحتلالها من جديد.

هناك أيضاً، المحدد السياسي، أي أنماط التحالفات وحزمة الأهداف المرجوة. صرح الرئيس الأميركي أوباما بأن "الربيع العربي تحول لا يصدق...، وبينما ما زال الأمر غامضا وغير مؤكد، لكن لدينا مصلحة كبيرة في المحصلة النهائية". كما أطلقت بريطانيا مبادرة "الشراكة العربية"، تهدف، ظاهرياً، إلي تعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية، ودعم دور القانون، ومعالجة الفساد، وفي الواقع هي محاولة لاستعادة نفوذ مفقود. هذا وتسعى إسرائيل إلى اقتناص فرصة سانحة لتحقيق غاياتها وأهدافها التي فشلت في تحقيقها حتى الآن، عبر فك الارتباط وفرض الأمر الواقع باستخدام القوة والخطوات الاستباقية؛ احباط أي فرصة لاستعادة دور مصر الإقليمي القوي، الاجهاز على المسألة الفلسطينية (جغرافيا وديموغرافيا)، احباط أي محاولة لبناء تحالف إقليمي جدي يمكن أن ينشأ ضدها، ضمان حصة الأسد في غنائم المنطقة (الغاز، المياه، الأرض، الملاحة..)، التوصل إلى صيغة توافقية مع إيران وتركيا لتقاسم السيطرة والنفوذ. وهي في كل ذلك تخشى مآلات التحول الديمقراطي في العالم العربي، وهو ما يفسر مبالغتها في تصوير الخطر.

إيران بدورها، وبعد نجاحها في مد نفوذها في العراق وسوريا ولبنان ضمن نظرية الهلال الشيعي، تطمع في أن تستثمر التحولات في زيادة نفوذها إلي دول أخرى. وهي ترى أنها أمام فرصة تاريخية أن تقود العالم الإسلامي، غير أن الثورة السورية تشكل لها تحدياً كبيراً.

روسيا تعتبر الربيع العربي صناعة أمريكية غربية تهدف إلى إعادة تغيير خريطة العالم والشرق الأوسط. وترى القيادة الروسية أن مصالح روسيا تكمن في منع تأسيس عالم أحادي القطبية. هذا ويخشى الكرملين أن يؤثر صعود الإسلاميين في بلدان الربيع العربي على منطقة القوقاز الروسي، وعلى المسلمين الروس عموما.

من الواضح أن العلاقات ما بين المنطقة العربية والأطراف الخارجية الفاعلة فيها تشكل شبكة شديدة التعقيد، لا تخلو من الصراع والتنافس. ولكن ذلك لا يعني أن هذه الشبكة المعقدة من الفعاليات تعمل بمعزل عن الديناميات الموجودة داخل الإقليم العربي، وداخل كل قطر. أبرزها:

-المسألة السورية: وصلت الثورة السورية إلى مأزق خطير باعد فرص الحل السياسي، في ظل النفوذ المتنامي للمجموعات الإسلامية المتطرفة؛ وتحوّل المجتمع إلى مجتمع هش ومتداعٍ. يلاحظ تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية أن السلفية الجهادية وهي تقدم عناصر حاسمة تتمثل في سرد مقنع وجذاب وشعور قوي بالعمل من أجل هدف سام، إنما نشأت من مأزق، وهي تفضي إلى مأزق آخر. وما يحدث اليوم هو مفاقمة الاستقطاب وتعميق الطبيعة الطائفية للصراع. وهو ليس بعيداً عن تدخلات الخارج، في ظل اختلاف وتباين مصالح القوى الفاعلة والمؤثرة، ما قد يدفع نحو حرب إقليمية طاحنة.  

-موضوع الأقليات: انعكس الربيع العربي على موضوع الأقليات بشيء من القلق والترقب بسبب الفوضى وأعمال العنف، وصعود التيار الإسلامي، وما أثير من علاقة الدين بالدولة وتوابع هذه العلاقة. كان موضوع الاقليات، أو بالأحرى، التنوّع الثقافي قد شهد انتعاشاً عشية انهيار النظام الدولي القديم القائم على القطبية الثنائية. تفاقمت المشكلة عربياً في ظل أنظمة الاستبداد والفساد، الكابتة للحريات والحقوق. فتحت الثورات العربية أفقاً واعداً لحل المشكلة، غير أن محاولات إضفاء الطابع الاسلاموي، والتلويح بشعارات استفزازية، وما يقابلها من محاولات غربية لتهييج المشاعر الأقلوية، من شأنه أن يزيد الأمر توتيرا.

-المسألة الديموقراطية وشكل الدولة: أعادت الثورات الاعتبار للمجتمع كمتغير مستقل ومهم في علاقته بالدولة، وفتحت المجال أمام إعادة النظر في طبيعة العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الفرد والدولة، وبين المجتمع والدولة.أسقطت الثورة مفهوم الدولة العميقة، القائمة على تشابك مصالح الفساد مع مصالح المؤسسة الأمنية، وعلى حرمان المجتمع من أي قدرة على الحركة المستقلة أو الحرة.لكنها طرحت إشكالية أخرى تتعلق بشكل الدولة وطبيعتها التي تروم إعادة بنائها، وما يتعلق بها من مسائل مثل تطبيق الشريعة،والحريات العامة،ومشاركة المرأة والأقليات. واللافت، أن كثيرا من النخب السياسية المدنية عبرت عن خوفها وفزعها من سقوط الدولة القوية/العميقة ومن نتائج الانتخابات التي حملت الاسلاميين إلى الحكم. بدورهم، قدم الاسلاميون أطروحات متباينة حول الدولة،منهم من يشير إلى نموذج تاريخي معين،ومنهم من يبحث عن نموذج أو تجربة معاصرة على غرار التجربة التركية،ومنهم من يريد أن يستعينبنماذج أوروبية.والواقع، أن الجميع يقع في ذات المغالطة المرتبطة بطبيعة العقد الاجتماعي القديم الذي يضع السلطة السياسية فوق المجتمع، ويري في الشرعية الانتخابية المصدر الأول والأهم لشرعية النظام السياسي، دون أن يحاول تضمين شرعية الإنجاز،وشرعية الاحتواء. الجميع يدّعون أنهم يبحثون عن مخرج من الدولة العميقة، أي من معادلة التناسب العكسي بين ضعف المجتمع وقوة الدولة، غير أنهم يكرسون ذات النمط، مع يافطات ايديولوجية مختلفة. ولا يتورع البعض، حتى من أوساط المعتدلين، عن طرح فكرة دولة الخلافة!  

المسألة الاقتصادية: ثمة تساؤلات كثيرة حول مستقبل الاقتصاد  في دول الربيع العربي، في ظل حكم الاسلاميين. يعترف الاسلاميون بأنهم لن ينجحوا في تحقيق أهدافهم من دون التعاون والمشاركة داخلياً، وخارجياً مع الجهات الدولية الفاعلة. غير أنه من غير الواضح أي نوع من العلاقات سيتطور بين الحكومات الجديدة، وبين مختلف أصحاب المصلحة الاقتصادية. لا يخفى على المراقب أن برامج الاسلاميين وسلوكهم تركز على الطبقة الوسطى وتنشيطها سياسياً. وكيف أنهم يتبنون خيار السوق الاجتماعي، بينما في الواقع يمارسون ذات السياسات الرأسمالية. وكيف أن الأطروحات والحلول المقترحة التي تقدمها حكوماتهم تتسم بأنها حلول جزئية تبتعد عن  المنظور الكلي في تناول القضايا الاقتصادية، وأنها لم تقدم رؤية حول ما هي الأولويات التي يمكن البدء بها، ويمكن أن تحدث التحول المرغوب وتغيير البنى القائمة، التي يمكن أن تحدث تغييراً نوعياً في الاقتصاد.

أخيراً، لا يصعب ملاحظة أن الأنظمة الجديدة في بلدان الربيع العربي تتلمس خطواتها بوجل في بيئة شديدة التعقيد والحساسية، فإذا ما أضفنا قلة الخبرة، والحيرة بين التحيزات الأيديولوجية الوهمية والاستحقاقات السياسية الواقعية، وصعوبة الانتقال من رفض الواقع إلى إدارته بين ليلة وضحاها، أدركنا مدى خطورة المرحلة والخشية من تكالب القوى الخارجية، لتجعل من هذه المرحلة الانتقالية العصيبة، فرصة لتسوية حسابات قديمة، أو تحقيق أهداف إستراتيجية.

بلغة أخرى، أكثر عملية، تعيش الأنظمة الجديدة حالة تخبط واضحة تتجلى في تناقضات وأخطاء وانكفاء على الذات وضعف في الأداء، ناجمة عن: مستوى توقعات عالٍ بينما سقف الإمكانيات منخفض، ارتباك السياسة بين الخوف من صدام مبكر مع إسرائيل والغرب، وبين محاولات استرضاء لافتة، الخشية من انتهاك منظومات القوانين والأعراف الدولية، ومحاولات تغيير الصورة النمطية عن الاسلام السياسي، الطمع في استمرار الدعم المالي والحصول على التسهيلات، مع محاولات خجولة لبناء عوامل القوة الذاتية أو التعويض بتحالفات جديدة تراعي مصالح المنطقة وبلدانها. لذلك كله، يصعب التكهن بمصير هذه الثورات ومآلات التحول في بلدان المنطقة، غير أنه من المؤكد أن الإقليم يدخل زمناً آخر يحمل في طياته الكثير من المفاجآت!  

---------

* تيسير محيسن: عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.