ملاحظة حول موقع القضية الفلسطينية في خضم ما يجري في العالم العربي

بقلم: د. برنارد سابيلا*

في الخمسينيات من القرن الماضي، قال أحد الدبلوماسيين الغربيين المخضرمين بان الوحدة العربية هي وهم وبان لا خوف منها وممن يدعو لها، وكان يقصد آنذاك جمال عبد الناصر تحديدا. وكان رأي هذا الدبلوماسي بأن العرب هم مجموعة دول، ولكل دولة همومها ومصالحها وأولوياتها ومشاكلها الداخلية وبالتالي يجب التعامل مع العرب على هذا الأساس.

أسوق رأي هذا الدبلوماسي لأن جانبا مما يجري في العالم العربي اليوم يؤيد ما ذهب إليه؛ ولكن جانبا آخر لا يتفق معه، إذ إن غالبية من العرب بحسب استطلاع للرأي العام أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في منتصف عام 2011 شمل 12 دولة عربية، منها مصر وتونس وفلسطين والأردن، ووصل إلى أكثر من ستة عشر ألف مشارك ومشاركة، تؤمن بأنهم ينتمون لأمة عربية واحدة ويؤيدون الخطوات التي تقرب ما بين الشعوب العربية وتلغي تأشيرات السفر وتزيد من التعاون العربي-العربي.

وإذا كانت نتائج هذا الاستطلاع مؤشرا فهي حتما تؤكد بان الشعور بالانتماء للعروبة ما زال شعورا قويا لدى عامة العرب، وان اختلفت توجهات الحكومات والدول وانحصرت أو انحسرت همومها بما يجري في داخل دولها بعيدا عن الهموم العربية الأشمل والأعم ومنها قضيتنا الفلسطينية.

ولكن انحصار الهموم بداخل كل دولة ودولة، هو مؤشر أيضا على أزمة حكم حقيقية بحاجة لمعالجة مستنيرة بعيدا عن أدوات القمع والتحكم والمراقبة والتي تمنع عن المواطن حقه في التعبير الحر وفي المطالبة بحقوقه الأساسية من فرص عمل وتعليم وصحة وسكن ملائم تضمن له ولأفراد عائلته العيش الكريم.

ولا شك في أن الانشغال بالأمور الداخلية لدى معظم الدول العربية واستمرار التحارب الداخلي في سوريا، وكذلك التحالفات الإستراتيجية ما بين بعض دول عربية ودول غربية بما فيها إسرائيل لهدف عزل إيران وإسقاط دورها الشرق الأوسطي، تذهب جميعها لإضعاف الاهتمام العربي الرسمي بالقضية الفلسطينية. ولكن العرب شعوبا وجماهير ما زالوا يرون في القضية الفلسطينية قضيتهم هم؛ أي قضية كل العرب وليس فقط قضيتنا نحن الفلسطينيون وذلك بحسب نتائج الاستطلاع أعلاه وبحسب مظاهر ومطالب المجتمع المدني وأحزاب سياسية ذات قوعد شعبية واسعة في دول عربية مختلفة بما يتعلق والعلاقة مع إسرائيل.

 ولا تنتهي أزمة الحكم بالضرورة بتغيير النظام أو الحاكم، وان حدث هذا في مصر وتونس وليبيا واليمن. بمعنى آخر، إن ما يجري في الدول والمجتمعات العربية داخليا هو رفض للدكتاتورية وللفساد ولانعدام العدالة المساواة.  وبنفس الوقت، فان الشعوب لا تنسى وهي تكافح لخلق أنظمة حكم جديدة تتماشى مع الأسس الديمقراطية لإصلاح النظم السياسية المهترئة، ولوضع دساتير جديدة تؤكد على المواطنة وعلى العملية الانتخابية والعدالة الانتقالية وإصلاح الأجهزة الأمنية. وفي هذه المرحلة الانتقالية الصعبة فان القضية الفلسطينية توضع جانبا ولكنها لا تنسى.

وبالعودة لرأي الدبلوماسي الغربي من خمسينيات القرن الماضي، يستطيع المرء أن يقول بان العرب هم فعلا دولا وحكومات متفرقة، ولكن هذا لا يعني انعدام الإجماع لدى الشعوب العربية على بعض قضايا جوهرية ومنها القضية الفلسطينية. وبالتالي فإذا اختار الساسة في الغرب وفي إسرائيل تحديدا وجهة النظر التي تقول بان القضية الفلسطينية هي في أدنى الأولويات العربية اليوم، فهم على خطأ كبير؛ ذلك لان المرحلة الانتقالية والتي يمر بها العالم العربي اليوم لن تنسي العرب شعوبا وجماهير قضية فلسطين. وقد ترى بعض الحكومات العربية مصلحة آنية في الابتعاد عن القضية الفلسطينية، ولكن هذا الابتعاد سيحاسب عليه الشعب إن عاجلا أم آجلا. وفي الخلاصة، ومع التشاؤم الذي يبديه البعض إزاء إرهاصات ما يحدث في العالم العربي على القضية الفلسطينية، فان التفاؤل يجب أن يكون هو الغالب؛ ذلك لان تحقيق العدالة لشعبنا الفلسطيني يبقى هما عربيا مثبتاً بالدرجة الأولى.

------------------------------------------

*د.برنارد سابيلا: عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، القدس.