الافتتاحية: الشباب الفلسطيني: تحديات المستقبل وواقع الحال

إذا ما ترك خطاب المناسبات المفعم بالحماسة والوعود جانبا، يظهر مستقبل الشباب الفلسطيني في الفعل المؤسسي لوحة بيضاء بلا ملامح. وإذا ما فُحص دور ومكانة الشباب الفلسطيني اليوم على مستوى الفعل من حيث الإبداع، والتخطيط، وصنع القرار، يظهر أن أثرهما يكاد يكون منعدما باستثناء حالات فردية هنا وأخرى هناك، وباستثناء قلة مستخدمة للتنفيذلتنفيذ ما أبدعه، أو خططه، أو اختاره غيرهم. قد يبدو هذا التوصيف سوداويا قاتما أو مبالغا فيه، إذا ما اخذ بمعزل عن حركة الشباب الفلسطيني الناشئة أو الآخذة في التبلور، والتي عليها سواء كقيادة أو ظاهرة أن تعاني ما عانته كل قيادات وقوى التغيير في العالم ومنها بالطبع القيادات والقوى الفلسطينية.

القول بان المعاناة حتمية فيما سبق لا يقصد به تبرير تقصير القيادات والقوى الفلسطينية في دعم حركة الشباب، أو تجميل حالات قمع ما يخرج عن الثلم من أصوات ومبادرات شبابية؛ بل يراد به التأكيد على حقيقتين: الأولى أن الحالة الفلسطينية بعد قيام السلطة الوطنية – رغم ظروف الاحتلال والنضال لانجاز مرحلة التحرر الوطني- لا تشذ عن القاعدة العامة؛ أي المواجهة ما بين السائد القائم والناشئ القادم. الحقيقة الثانية تتمثل في أن حركة الشباب الفلسطيني ما زالت مراهقة- ومراهقتها هنا لا تأتي بمعنى الصح والخطأ في فعل كذا أو الامتناع عن كذا، إنما بمعنى افتقارها للرؤية الواضحة، وللتنظيم الكافي، والاستقلالية الكاملة وبالذات الاستقلالية عن السائد والقائم. يمكن ملاحظة هاتين الحقيقتين بجلاء في نوع المواجهات والتي لا زالت محصورة في دائرة ردات الفعل، وفي موسميتها، ومحدوديتها، وفي ارتباطها بشكل ما بقوى قائمة تعد في المحصلة جزءا من النهج السائد. ويلاحظ أيضا، أن الفعاليات الشبابية التي برز حضورها في معظم الفعاليات الوطنية مؤخرا، كما في فعاليات أسبوع الابرتهايد، يوم الأرض، التضامن مع الأسرى، النكبة وغيرها لم تستطع أن تستقل بقيادتها وفعلها عن برامج مختلف القوى والأحزاب القائمة، وبالتالي لم تصل إلى مستوى تقديممجرد تقديم- قيادة شبابية ناهيك عن الرؤية الواضحة، والفعل المنظم والجسم المستقل.

بالمرور على آراء الشباب سواء تلك المنشورة أو المتداولة عبر الشبكة العنكبوتية، أو تلك المتناقلة في الأحاديث يمكن ملاحظة ان عدم رضا الشباب عن الواقع وعن القيادات بالذات - سواء جاء ذلك على شكل سخط، أو لوم، أو نقد، أو سخرية أو غير ذلك – ينطوي على مفارقة عجيبة تتمثل في توقعهم إسناد حركتهم أو اقله عدم صدها من قبل ذات القيادات التي يسعون في المحصلة إلى تغييرها باعتبارها مسؤولة بشكل ما ولو جزئيا عن الواقع الحالي. ربما يكون منشأ هذا التوقع الإيمان بان الكل في النهاية يخضع لسلطة الاحتلال، وبالتالي يكون هذا العامل الموضوعي قاسما وطنيا جامعا يسهل لهم حركتهم أو على الأقل لا يؤدي إلى قمعها. رغم صحة هذا الإيمان مبدئيا، إلا انه ينبغي الملاحظة هنا أن الخضوع للاحتلال لا يقود إلى افتراض عدم الاختلاف، ولا يلغي مسألة تعاقب الأجيال. وعليه، يكون من الضروري خلال السعي لانتزاع الدور والمكانة إبداع رؤية وآليات ووسائل خاصة بالتغيير الداخلي تختلف عن تلك اللازمة في مواجهة التحديات التي يطرحها الصراع مع الاحتلال. وغني عن القول، ان جدلية العلاقة ما بين الأمرين: النضال لانتزاع الدور والمكانة على المستوى الداخلي، والنضال ضد الاحتلال، تتطلب- فيما تتطلبتكاملا على مستوى الرؤية والفعل دون السقوط في دائرة التخوين والتي لا تختلف في المحصلة عن الإقصاء.

رغم كل ما يمكن أن يقال عن عدم نضوج حركة الشباب الفلسطيني المعاصرة، يلزم أن نؤكد على أنها حركة ناشئة، والحقيقة الاسطع في كل ذلك تتمثل في أنها أصبحت ملاحظة بوضوح. وهذا لا يشكل مؤشرا مبشرا وحسب، بل يعني أن الحركة – بمعنى الفعل- قادرة على تمتين ذاتها بذاتها في خضم الفعل والمواجهة، وهذا ما جرت عليه تجارب الشعوب وقوى التغيير.

لقد جاء ملف هذا العدد ليسلط الضوء على حركة الشباب الفلسطيني، في ماضيها وحاضرها وملامح مستقبلها. وقد تنوعت المقالات لتتناول: دور الشباب الفلسطيني تاريخيا في معركة التحرر وبناء الذات، قصور و/أو تقصير المؤسسات والقوى الفلسطينية، ومخاطر تهميش أو إقصاء الشباب، وأخرى تلمس وتكشف عن مكامن الإبداع لدى الشباب وأسس واليات البناء لتحقيق التغيير المنشود.

هيئة تحرير جريدة حق العودة