شاركت في كانون الأول 1998 في مؤتمر كبير حول الهجرة القسرية في القدس الشرقية؛ حيث كان لا بد من نقل مكان انعقاد المؤتمر من غزة الى القدس الشرقية؛ بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية، ومعنى ذلك أن العديد من المدعوين للمشاركة في المؤتمر من قطاع غزة، وخاصة أولئك العاملين في قضايا اللاجئين، لم يتمكنوا من المشاركة في المؤتمر، لأنهم لم يحصلوا على تصاريح للعبور من غزة إلى القدس الشرقية. وخلال المؤتمر قمنا بزيارة مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، وقد تعرض جميعنا لصدمة عميقة من جراء مشاهدة "الغيتو" الذي أوجدته إسرائيل من خلال إبقاء هؤلاء الناس في المنفى محشورين في مثل هذه المخيمات. وكان القلائل من بين المشاركين الذين لديهم فكرة عن مدى سوء الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون عموما، وبخاصة الواقع الفعلي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون حقا.

وكان ما رأيته حفز بشكل صارخ ذاكرتي المبكرة في العمل في جنوب أفريقيا، في بداية التسعينات من القرن الماضي؛ عندما كانت البلاد لا زالت خاضعة لنير الأبارتهايد، وإن كانت تجرى جهود كبيرة في ذلك الوقت نحو التحول والانتقال لعهد جديد.

أيضا، كان المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين/ بديل، قد تأسس كانون الثاني من عام 1998. ومنذ ذلك الحين، يمكن لمركز بديل أن ينظر للوراء بفخر إلى عشر سنوات من المساعدة والمساهمة في إعادة التدقيق في كيف تنظر الدول والأمم المتحدة والأفراد العاديين، وكيفية استجابة كل هؤلاء لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وقد حقق مركز بديل ذلك من خلال مجموعة متنوعة من الإستراتيجيات، وفيما يلي ما أعتبره بعضا من انجازات مركز بديل الرئيسية.

فقد نشر مركز بديل ابحاث وبيانات عالية الجودة، مستخدما طرق راسخة في البحث العلمي، وأنتج منشورات بحثية من الدرجة الأولى وذلك عبر جهوده الذاتية ومن خلال شبكة واسعة من الخبراء، وقد وفرت هذه البحوث الأصيلة قاعدة صلبة من أجل تطوير أوراق موقف "سهلة الهضم" وموجزات لتحديد السياسات، وشكلت هذه المنشورات سندا للحملات المحلية والدولية، بما في ذلك دعم دعاوي قانونية لاستعادة الممتلكات.

واستند مركز بديل لآليات القانون الدولي، مبادرا وداعما لدعاوي المطالبات المباشرة وغير المباشرة أمام السلطات المحلية والدولية من أجل ضمان استعادة الممتلكات والتعويض؛ ومن أجل إشعار الدول بالخجل والعار، بسبب فشلها في احترام وتعزيز حقوق الإنسان وفي الوفاء بالتزاماتها القانونية. وهذا جهد تراكمي إلى حد كبير، وغالبا ما تتم ملامسة نتائجه في المدى البعيد؛ وقد وصل مركز بديل إلى هيئات متعددة في إطار منظومة الأمم المتحدة، ومن ضمنها اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية لشئون اللاجئين، ولجنة القضاء على التمييز العنصري ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وبدورها تعتمد وكالات الأمم المتحدة والمقررون الخاصون على شبكة الاسناد القانوني لمركز بديل، وعلى البيانات ذات الجودة العالية التي يوفرها المركز.

وتعتبر السمعة والمواقف الراسخة جدا لجهود مركز بديل الرامية لضمان أن يصبح القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان هي المعيار لتقييم حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وليس المفاوضات السياسية، تكللت تلك الجهود بان حقق مركز بديل وضعا استشاريا لدى المجلس الاجتماعي الاقتصادي التابع للأمم المتحدة، وقد استثمر مركز بديل هذا الاعتراف من خلال حضور منتظم لمجموعة مختارة من الاجتماعات الدولية، لضمان أن تكون لغة المنهج القائم على أساس الحقوق مدرجة في بيانات العديد من المنظمات غير الحكومية، وحتى في استنتاجات اللجان، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وكذلك حقوقهم في المطالبة باستعادة ممتلكاتهم والتعويض.

وأخيرا، يقوم مركز بديل بالتدريب على العمل الدعاوي لحقوق الإنسان، وبشكل خاص للمنظمات غير الحكومية وللنشطاء من مؤسسات ومجتمعات اللاجئين المحلية، ومن خلال هذا الجهد؛ تقلصت الفجوة بين مبادئ القانون الدولي والعمل الدعاوي، وكلاهما يمثل تنويرا حول مضمون القانون الدولي وتقاسم وتبادل الخبرات في مجال الاستراتيجيات الدعوية.

يواجه المركز العديد من التحديات المستمرة، وهو حاليا بصدد بناء استراتيجية جديدة لمرحلة جديدة من عمله والتي سوف تستمر في طلب ردود واستجابة من أشخاص مثلنا، ومن زملاء التضامن في الخارج، وهذه الجهود المتواصلة لمركز بديل تستهدف المزيد من التوعية نظام الابارتهايد الإسرائيلي ومغزاه، كما تهدف للحفاظ على الحقوق الفردية جنبا إلى جنب مع الحقوق الفلسطينية الجماعية، وإلى تعزيز الحرية السياسية للاجئين الفلسطينيين والضغط من أجل عزل اسرائيل دوليا.

في إسرائيل، حقوق الجنسية والعودة محفوظة فقط للأشخاص من ذوي النسب اليهودي؛ وهذا الغياب للمواطنة الكاملة للفلسطينيين هو القاعدة الأساسية لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي، حيث تتنكر دولة إسرائيل للحقوق الأساسية للفلسطينيين، متجاهلة الحقوق الأساسية للمواطنين الفلسطينيين فيها، والكثير منهم لا زالوا غير قادرين على العودة لديارهم وقراهم في داخل إسرائيل، وهم بدون حماية كافية من قبل القانون الدولي. وأن زيادة الوعي على امتداد العالم حول تطبيق إسرائيل لمعايير مزدوجة والكيل بمكيالين، وما ينجم عن هذه السياسات من الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين؛ سيستمر، بدون ريب، في أن يكون سمة هامة من سمات بحوث المركز ومن أنشطته الدعوية.

وفي ضوء الجهود الحالية والمستقبلية من قبل أطراف ثالثة من اجل "التفاوض على السلام" على أساس محدودية أو عدم وجود مرجعية  لهذه العملية في القانون الدولي، كما يوجد تحدي إضافي لمركز بديل وشركائه يتمثل في الحفاظ على الوعي، فيما يتعلق بالحقوق الفردية والجماعية للفلسطينيين في حق تقرير المصير؛ وكمثال على ذلك، الحق في العودة، وهو حق فردي لا يمكن أن يسقط أبدا كنتيجة لمفاوضات سياسية.

كما يوجد تحدي واضح آخر ذو صلة وهو تأمين الإنعتاق السياسي للاجئين في المفاوضات السياسية وفي الفعل الجماعي؛ وعلاقات مركز بديل المتطورة مع النشطاء في المخيمات وخارجها، ومع منظمات التضامن في العالم ومع البعثات الدبلوماسية، هي ركائز هامة لمواجهة هذا التحدي.

وأخيرا، فإن مركز بديل بوصفه عضوا في الشبكات المحلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتعاون مع الشبكات ذات الأفكار المشابهة في إسرائيل والخارج؛ سيواصل المساهمة في الجهود المتزايدة من أجل عزل إسرائيل، بسبب استمرارها في تجاهل أحكام القانون الدولي، وأحد العناصر المحورية لهذه الجهود، هو دور مركز بديل المساهمة في النضال اللا عنفي من خلال حملات مقاطعة إسرائيل، و سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS).

لقد قام مركز بديل وشركاؤه، وخصوصا الائتلاف الفلسطيني لحق العودة، بوضع بصماتهم بقوة في مسيرة تعزيز حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم المصادرة على أساس القيم العالمية للكرامة الإنسانية، وقد ساعد مركز بديل فعليا في تدقيق أجندة الحقوق الفلسطينية، كما أنني أشعر بالامتنان لمركز بديل، وبتشريفي للقيام ببعض المساهمات المتواضعة في هذه الجهود.

كنت قد حصلت على إلهام عميق في جنوب أفريقيا من تجربة نشطاء مناهضة الفصل العنصري، مثل "ستيف بيكو" Biko Steve الذي كتب:

"نظام ثلاثية الخوف ــ خوف البيض من السود، خوف السود من البيض، وخوف الحكومة من السود متمنيا تبديد الخوف بين صفوف البيض ــ جعل من الصعب إيجاد وئام بين جزئي المجتمع. وحقيقة أن العيش منفصلا يضيف بعدا مختلفا، وربما أكثر خطورة؛ حيث يجعل تطلعات الطرفين على طرفي نقيض. وتمحورت إستراتيجية البيض بصورة منهجية حول كسر مقاومة السود إلى الحد الذي يجعلهم يقبلون بالفتات من مائدة البيض. وقد أظهرنا أننا نرفض ذلك بشكل قاطع. وبالتالي، نحن نقف الآن في مرحلة معدة لتحول شيق جدا للأحداث".

نحييكم يا مركز بديل على انجازاتكم الرائعة، حافظوا على قوتكم وطاقتكم من أجل المستقبل؛ مستنيرين بصرخة الالتفاف الشعبي الجنوب أفريقي ضد نظام الأبارتهايد، وبتجارب الحركات التحررية الأخرى، "ألوتا كونتينوا" – نضالنا مستمر حتى العودة!

___________________

المحامي جيف هاندميكر هو محاضر في حقوق الإنسان في معهد الدراسات الاجتماعية، لاهاي – هولندا وعضو فاعل في شبكة مركز بديل للدعم القانوني.