بقلم: د. سلمان أبو سته*


نحن اليوم 11 مليون فلسطيني، ثلثاهم من اللاجئين، وإذا أضفنا إليهم النازحين بعد 1967، فإن ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعيشون خارج ديارهم ومواطنهم الأصلية. 30% من شعبنا في المناطق المحتلة (12% في غزة، 18% في الضفةوهؤلاء فقط تمتعوا بانتخابات نزيهة شهد لها العالم بذلك. أما الـ 70% فليس لهم صوت في تقرير مصيرهم، بينما يتحدث باسمهم ويقرر عنهم أناس لم يكسبوا ثقتهم ولم ينتخبوهم.

وحدة شعبنا – وهى المقياس الأهم لبقائناتأكدت عام 1964 عندما أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية بناء على قرار، واختيار مجلسها الوطني، واعترف العرب بوجودها وشرعيتها. والمجلس الوطني هو الذي يعبر عن هذا الشعب ويمثله ولا أحد غيره.

وبعد عشرة أعوام، أعترف المجتمع الدولي بالشعب الفلسطيني من خلال منظمة التحرير عام 1974، وأكد في قرار الأمم المتحدة رقم 3236 أن الحقوق الفلسطينية وأولها حق العودة وحق تقرير المصير، هى حقوق غير قابلة للتصرف، واعترفت الأمم المتحدة بفلسطين كعضو مراقب واعتمدت 110 دولة سفارات فلسطين لديها. كان إنجازاً رائعاً ليس له مثيل. وهذا كله معرض للضياع اليوم.

المجلس الوطني الذي عقد في الجزائر عام 1988، بعد عام من الانتفاضة الأولى، هو آخر مجلس وطني له مصداقية عالية، عقد حيث يحضر الجميع، وحيث يمثل فلسطين كل من عليه إجماع. وصوّت المجلس على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة مع الاحتفاظ بحق العودة كحق غير قابل للتصرف، وذلك كحل مرحلي كما قيل، لتحرير كامل. وهذا التحرير الكامل هو الهدف الأصلي للحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الأولى.

 الا أن غياب رأي وقرار 70% من الشعب الفلسطيني خارج المناطق المحتلة، بل أيضاً غياب معظم الـ 12% من الشعب الفلسطيني في غزة ومعظم الـ 18% في الضفة، هو الكارثة المحققة على مصير الشعب الفلسطيني وعلى قدرته على المحافظة على حقوقه الثابتة.

 كيف يمكننا أن نقبل ذلك؟ أي كرامة، وأي وطنية، وأي خُلُق لإنسان شريف يقبل هذا ويسكت؟
لقد طالبنا بإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني، وتوحيد صفوفه عن طريق مجلس وطني جديد منتخب لكافة فئات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. لكن جميع المحاولات لإعادة وحدة الشعب الفلسطيني عن طريق مجلسه الوطني المنتخب الجديد قوبلت بالوعود والتسويف دون سبب معقول ودون اعتبار لإرادة الشعب، ودون اعتبار لاتفاق القاهرة الذي وافقت عليه الفصائل في آذار 2005. ولا يخفى عليكم أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تصر على بقاء منظمة التحرير الحالية، أملاً في أن توقع على إلغاء فلسطين وحقوقها. ولنفس السبب فإنها ترفض قيام منظمة تحرير جديدة تمثل 11 مليون؛ لأنهم بالقطع لن يوافقوا على إلغاء الحقوق الفلسطينية وعلى إلغاء الميثاق الوطني لعام 1969. ولذلك فإننا نجدد المطالبة بعقد انتخابات لمجلس وطني، يكون خلفاً للمجلس الوطني المعقود في الجزائر عام 1988. من أول مهمات المجلس، ولجنته التنفيذية أي حكومة فلسطين في المنفى، أن تعيد الاحترام إلى القضية الفلسطينية، بل أن تزيد التعاطف العالمى مع فلسطين، الذى زاد شعبياً رغم كل الظروف، وتضاءل في الأوساط الرسمية الغربية.

على هذا المجلس، أي برلمان فلسطين، أن يعيد الاتصال مع برلمانات العالم ليشرح قضيته بشكل عصرى. وعليه بواسطة اللجنة التنفيذية تفعيل 110 سفارات فلسطينية. ألا يخجلنا أن يبقى الحصار مفروضاً على أهلنا في غزة، وهو جريمة حرب حسب قانون محكمة الجرائم الدولية؟ تقول المادة 8 فقرة 6 من ميثاق روما للجرائم الدولية: "يعتبر التجويع أو إعاقة وصول مواد الإغاثة جريمة من جرائم الحرب".

إن ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة. تقول المادة 6 فقرة ج من ميثاق روما، إن من تعريفات الإبادة: "أن تُفْرَض على مجموعة من الناس بعمل متعمد ظروف معيشية تؤدى إلى تدمير أوضاعه الطبيعية كلياً أو جزئياً". 

إن على مجلسنا الجديد أن يطوف العالم ليدلل على هذه الجرائم. إن على مجلسنا الجديد أن يستفيد أيضاً من أكبر نصر قانوني حصلنا عليه في نضالنا الطويل، ألا وهو القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 9/7/2004. إن هذا القرار هو أهم وثيقة قانونية منذ وعد بلفور، فقد أكد كل حقوقنا الوطنية كحقوق غير قابلة للتصرف، وأكد كل قرارات الأمم المتحدة السابقة، واعتبر الاحتلال غير مشروع، وعليه قرر أنه تجب إزالة جدار الفصل العنصري وتعويض المتضررين منه.

ثم إن لدينا أكبر قضية للجرائم في تاريخ النكبة: ألا وهى جرائم الحرب. إن على مجلسنا الجديد أن يسخر كل طاقاته القانونية والبرلمانية لتوثيق جرائم الحرب الإسرائيلية ومطاردة مجرميها في أنحاء العالم، كما طاردوا "أيخمان" وغيره. إن على مجلسنا الجديد أن يجعل من أهم دائرة في المنظمة بركاناً من النشاط والحيوية والكفاءة، ألا وهى دائرة اللاجئين. هذه الدائرة هى سبب وجود المنظمة. إنها منظمة اللاجئين، والتي تمثل ثلثي الشعب الفلسطيني أو ثلاثة أرباعه. القضية التى تحملها أكبر واهم قضية، وحق العودة الذي تدافع عنه هو أم الحقوق الفلسطينية.




يجب إلا ننسى أن 6% - 8% من الفلسطينيين فقط اليوم ولدوا في فلسطين قبل 1948. إن تربية النشئ واجب مقدس على المجلس الجديد ومنظمته، وهو ضروري جداً، وممكن جداً.

يجب أن نتذكر أيضاً أننا شعب يعيش في الشتات. ولكننا من حسن الحظ شعب متماسك قوى الأواصر العائلية. صحيح أننا نعيش في أكثر من 60 دولة ونحمل أكثر من 30 جنسية. يجب إعادة تركيب المجتمع الفلسطيني في الشتات كما كان قبل النكبة وكما كان في السبعينات من القرن الماضي. يجب إحياء نقابات واتحادات العمال والمهنيين والكتاب والفنيين والطلبة والمرأة وغيرها.

ومن الواجبات أيضاً هيكلة المنظمة نفسها عن طريق عزل السلطات وتخفيض الصلاحيات الرئاسية إلى الحد العملي، وتأكيد استقلال القضاء، ووجود ديوان مساءلة وتفتيش، ومؤسسات لرقابة تطبيق حقوق الإنسان. ومن الواجبات أيضاً إلغاء أتفاق أوسلو’ فهو ليس مبنياً على القانون الدولي، ولا يشير في أي فقرة منه إلى القانون الدولي، ولا إلى قرارات الأمم المتحدة، ولا إلى الحقوق الفلسطينية. وهو اتفاق باطل حسب القانون الدولي السائد؛ إذ أن اتفاقية جنيف الرابعة تقضى صراحة ببطلان أي اتفاق بين الدول المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال، إذا أضر هذه الاتفاق بحقوق الشعب المحتل، فهو عقد إذعان.

ولا أعتقد أن هذا الاتفاق الخطير قد حظي بموافقة الشعب الفلسطيني على أساس ديمواقراطي سليم. والسلطة الفلسطينية التي نشأت عنه ليست لها شرعية دولية ولا أساس لها في القانون الدولي. ومن الواجب حسم الصراع الداخلي داخل المجلس وليس في أروقة العواصم العربية. ومن الواجب على المجلس الجديد أن يؤلف محكمة وطنية ذات خلفية قانونية معتمدة، تحاكم كل المسؤولين منذ 1993 ممن تسببوا في إلحاق الضرر بالحركة الوطنية ونشطائها، او بإهدار ممتلكات ومال الشعب، أو تورطوا في الفساد وانتهاك حقوق الإنسان.

برأيي، الانتخابات هي نقطة البداية، والتي تكون بالتفعيل الفوري للجنة التحضيرية المتفق عليها في القاهرة عام 2005، بشرط حضور ممثلين مستقلين عن كافة الجاليات الفلسطينية خارج الوطن. وفي كل هذا يجب ألا نغفل عن أهلنا في 1948. لنتذكر دائما:

إن الشعوب لا تقهر ولا تموت. الجيوش هي التي تقهر. والقادة هم الذين يموتون. ولا شك أن هذا الشعب سينتصر وسيستعيد حقوقه. وما ضاع حق وراءه مطالب.

----------------------------
*الدكتور سلمان ابو سته: المنسق العام لمؤتمر حق العودة، ومؤسس ورئيس هيئة أرض فلسطين، لندن