تحرير: رنين جريس*

معلول، قرية فلسطينية تقع على بعد 12 كلم غربي الناصرة، وحوالي 30 كلم جنوب غرب حيفا. معلول لفظة كنعانية معناها المدخل أو البوابة، ومن المعتقد أنها أقيمت فوق المكان الذي كانت تقوم عليه "أهالول" أو "مهلول" الرومانية، وكانت تابعة في حينه لصفورية، وقد عرفها الصليبيون باسم "ماعولا".  

في عام 1931 كان في القرية نحو 90 مسكنا،ً بنيت من الحجارة والطين أو الحجارة والأسمنت، وقد كانت بيوت القرية شديدة الاكتظاظ. كما وبلغ عدد سكان القرية عام 1945 حوالي 690 شخصاً ( 490 مسلماً و 200 مسيحي)، وبلغ عددهم عام 1948 حوالي 800 نسمة. عمل أهالي معلول  بشكل أساسيً في الزراعة وتربية المواشي، وكانوا يعتمدون على الينابيع والآبار الواقعة على أراض القرية للتزود باحتياجاتهم من الماء.

عن القرية وتفاصيلها الدافئة والجميلة، وعن التهجير والأمل، حدثنا جاد سليم سابا (1926)، الذي يسكن اليوم في قرية يافة الناصرة:

"أنا انولدت في معلول سنة 1926، أما التاريخ تحديداً ما بذكر. بس بالهوية أنا مسجّل إني ولدت عام 1922. أنا كنت بدي أتوظف بسكة الحديد وعملت الامتحان، كان الامتحان باللغة الانجليزية لأنه كل المعاملات كانت بالانجليزي، ونجحت فيه، بس حكوا لي إني صغير، فقررت إنه إغيير سنة ميلادي بالهوية وهيك قدرت اشتغل. كنت إشتغل موظف، كاتب بمكتب. كنت من اللي يحضروا برنامج القطارات. اشتغلت بمحطة حيفا الشرقية وآخر سنة قبل الـ 48 اشتغلت بمحطة اللد، لأنهم نقلوا من حيفا 22 موظف. قسم راح على اللد وقسم على مدينة يافا وقسم وصل غزة، ما هي كانت كلها بلاد واحدة".

"هون الجاجات بناموا وهون الجاجات ببيضوا":

"أبوي كان مثله مثل الفلاحين، كان من ناحية معيشية ومادية وضعه منيح كثير، وكان عنده بقر وغنم  في البيت. كان في عّنا دار وفيها حوش، دارنا مع الحوش مساحتها حوالي دونم. القسم اللي كنا ساكنين فيه كان غرفتين كبار، يعني تقريبا خمسة بخمسة. هذول كنا ساكنين فيهن أنا وأبوي وأمي وأخوتي. وكان بالبيت محل للبقر ومحل للدجاج ومخازن. كانت الأوضتين بالشرق، وقدّامهن ساحة محوطة على طول الأوضتين في العرض حوالي 3 أمتار على 3 أمتار، أما من ناحية القِبِل فكانت موجودة كل المخازن اللي فيها التبن. كل إشي مرتب، هون الجاجات بناموا وهون الجاجات ببيضوا".   

المدرسة:

كانت معلول من بين القرى الأولى التي كانت فيها مدرسة منذ سنة 1905. وقد أغلقت هذه المدرسة سنة 1930 وكان يديرها خلف الصباغ، عندما اشتكاه كبار الملاكين إلى المسؤولين؛ مدّعين أنه كان يحرض تحريضا ً طائفيا، والحقيقة أنهم شعروا بأنه أصبح مصدر إزعاج لهم بسبب توعيته للجيل الناشئ.

"كان عنّا مدرسة ابتدائية للبنين للصف الخامس"، حدّثنا جاد سابا:
 "كل صف كان فيه اثنين أو ثلاثة أو أربعة طلاب، يعني معلم واحد كان يعلم كل المدرسة. البنات ما كانوا يروحوا للمدرسة، بس بنات سليمان محمد علي الصالح، غزالة (أم ذياب) وأم عادل مسعدة، بعتهم أبوهم على المدرسة لأنه ما كان عنده أولاد. كان أكبر صف يقعد ورا والصغار قدامه، كانوا كلهن بغرفة واحدة. المدرسة كانت "بالأنطش" اللي جنب الكنيسة. قسم من اللي خلصوا صف خامس كانوا يروحوا على المجيدل ويوصّلوا السابع، واللي بدُّه يتعلم ثانوية من المجيدل ومعلول كان يروح على ثانوية الناصرة. في ناس أكبر مني مثل عواد إلياس، هذا خلّص ثانوية بامتياز، أخذ الأول في الناصرة، أنا متذكرُه. كان عنّا أستاذ معروف اسمه خلف، أنا ما بعرفه، كان يعلّم الجيل اللي أكبر مني في المدرسة. على زماني أنا، كان معلم اسمه وسام الصالح، من يافة الناصرة، ومن بعده أجا معلم اسمه خليل غريب وعرسان الجريس، وواحد من دار المكعبل علّم سنة".

اللعبة الصينيّة:

"كان عدة دواوين في البلد، يعني بما معناه كل شيخ أو عيلة أو الكبير بتلاقي عنده ديوان. كان أربع خمس دواوين، واحد عند مختار الإسلام يوسف المحمد، واحد عند جبر المعبوك، وكمان كان عند أبو السليم النايف السراحنة، وكان واحد عند عمي سليم اليعقوب، وكان عند عمي صالح وعوض الياس دواوين دايماً مفتوحة. بالليل اللي بده يسهر ويشرب فنجان قهوة يروح لهناك ويشرب قهوة. في ناس ما كانوا يعملوا قهوة ببيتهم بالمرة وكانوا يروحوا على الديوان يشربوا قهوة ويسهروا ويتعللوا. "يتعللوا" يعني يكملوا سهرتهن، يقعدوا في الديوان ويلعبوا لعبة الصينية. كانوا يجيبوا تسع فناجين ويجيبوا خاتم يخبّوه تحت فنجان، ولازم يعرفوا أي فنجان تحته الخاتم. كانوا لما يقعدوا يلعبوا يقولوا "بوش ووسن"، الوسن هو الخاتم الموجود تحت الفنجان. إذا واحد قال وسن ومطلعش، بيخسر نقاط على عدد الفناجين، وإذا طلع صح كان يربح عدد النقاط على عدد الفناجين. كانوا يلعبوا عن قطّين، عجوة، فستق حلبي، وكانوا يضحكوا ويكيّفوا".

 

"كنسوا الحارات يا نسوان":
ويضيف جاد سابا من مخزون ذكرياته:
 "بالبلد كان مختارين، مختار للمسلمين واسمه يوسف، أبو محمد، ومختار المسيحية اسمه عوض الياس، أبو الياس. المختار كان يسجّل الولد اللي يخلق جديد. وكان يستقبل دوريات الحكومة والبوليس، إذا البوليس معاه تبليغ أو أي شغلة؛ كان ينزل عند المختار ويبلغ الإشي. إذا كان في موضوع عام للبلد كلها، كان المختار يبعث الناطور يدور وينادي بالبلد إنه في كذا وكذا، مثلا إذا بدُّه يجي واحد مهم على البلد، كان يطلع الناطور وينادي: كنسوا الحارات يا نسوان، كل واحدة تكنس دارها وعلى سوا دارها، تيجي تلاقي البلد نظيفة. كان في عنّا ناطور لأي شغلة، يعني إذا ضاعت شغلة في البلد، كان ينادي: يا جماعة مين أجا عليه بقرة غريبة، عنزة غريبة. حياة أبو المصطفى أبو غانم كان ناطور البلد، كان يقول: يا سامعين الصوت صلّوا على النبي، يا مين شاف يا مين دري كذا وكذا".

"كل عريس كان له شبينين، واحد مسلم وواحد مسيحي":

"أنا تزوجت وخلفت بمعلول. العرس في معلول كان لأهل البلد كلها، مش لعيلة معينة. البلد كانت صغيرة وكان الكل يشترك في العرس. أما المعازيم من خارج البلد فكان يوصلها مكاتيب. مثلاً يبعثوا لمختار عيلوط دعوه والمختار حرّ من بدُّه يجيب معه. العروس كانوا أخوالها يعزموها، يغدّوها ويعشّوها وينيموها عندهن. وكان خمس أو ست صبايا، من أهل العرس، يتجمعوا ويدوروا على البلد حاملين صينية حنة ومعهن فنجان. يفوتوا على بيوت البلد كلها، من أولها لآخرها ويعطوا حنّه للناس.  البيت اللي يفوتوه يعطيهن حطب، عشان بكرة أو بعد بكرة في السحجة، وما في كهرباء زي اليوم. أغلب الناس كانت تتجوّز على البدر. كانوا يولعوا حطب ويعملوا حولّيمه.

 كل عريس كان له شبينين، واحد مسلم وواحد مسيحي. كان العريس يدور مع شبينه على كل البلد ويعزموا بيت بيت. العرس بحاجة للبن وحليب، فش واحد بمعلول عنده بقر أو غنم ما يبعتش دست لبن للعرس. الكل، مسلم مسيحي يبعث. بس يتغدوا الشباب يوخدوا العريس للحمّام عند شبينه، إذا مسيحي يتحمّم عند شبينه المسلم، وبالعكس. وهو بعده بالحمام تيجي النسوان حاملين بدلة العريس على طبق ومليانه تشكيل، ويرقصوا ويغنوا فيها على باب الدار لحد ما يطلع العريس. وبعدين يأخذوا العريس على المزف. وكان في البلد محل يقولوا له زيتونات العرسان. شجر زيتون قريب على البلد يسموها زيتونات العرسان، بكل الأعراس يوخد الناس الفراش ويقعدوا، والعريس يقعد هناك حتى يصير وقت الإكليل".

الأرض:

شهدت معلول نزاعا ًمريرا ً على الأراضي، بين السكان من جهة والحكومة التركية ونقولا سرقس والكيرن كيميت (الصندوق القومي اليهودي) من جهة أخرى. في سنة 1869 باعت الحكومة التركية أراضي معلول مع عدّة قرى أخرى في مرج ابن عامر لتجار من بيروت كان أشهرهم نقولا سرسق. فلم يكن أهالي معلول يملكون الأرض التي يزرعونها، وإنما كانوا يستأجرونها من عائلة سرسق البيروتية. في سنة 1921، باع آل سرسق أرض القرية، سوى 2000  دونم، إلى شركة صهيونية هي "شركة تطوير أراضي فلسطين". ولم تكن مساحة الألفي دونم الباقية كافية لمعيشة سكان القرية. تدخلت الحكومة البريطانية واتفقت مع الشركة الصهيونية على أن تؤجر 3000 دونم إضافية لسكان القرية حتى سنة 1927. وكان لسكان القرية الخيار في أن يشتروا هذه الدونمات الثلاثة الآلاف قبل نهاية عقد الإيجار. في عام 1927 تقدم المحامي وديع البستاني باسم سكان القرية بدعوى لشراء الأرض، إلا أن الشركة أدعت أن ملكية الأرض انتقلت إلى الصندوق القومي اليهودي لأن أهل معلول قصّروا في استعمال حقهم في الشراء. لكنها سمحت لهم بالاستمرار باستخدام الأرض. ولم يكن واضحاً لسكان القرية من هو مالك الأرض حقا.

في سنة 1931، طالب الصندوق القومي اليهودي ببدل الإيجار،  وساق سكان القرية إلى المحكمة الذين ادعوا بأنهم ما زالوا يملكون الحق في شراء الأرض. كما قالوا إن لهم حقا في رعي مواشيهم في بقعة أخرى من الأرض غربي القرية، كان الصندوق القومي اليهودي اشتراها. وقد تطاول زمن القضية إلى أن اقترحت الحكومة البريطانية حلاً وسطاً عام  1937 وذلك بان تمتلك الحكومة البريطانية أراضي من الصندوق القومي اليهودي وتؤجرها لأهل معلول، وبالمقابل يحصل الصندوق القومي اليهودي على أرض بديلة قرب بيسان. إلا أن الصفقة لم تتم، وطالب الصندوق عام 1945 بطرد سكان القرية. تحاشيا لسفك الدماء، عمدت الحكومة إلى إحياء المفاوضات في سنة 1946. وقد تكللت هذه المفاوضات الجديدة بالنجاح، إذ وافق الصندوق القومي اليهودي على التنازل عن 3700 دونم من الأرض القريبة من معلول، لقاء 5433 دونما من الأرض في جوار بيسان. ولكن هذه الاتفاقية أيضاً لم تنفذ بسبب صراع على تلك الأرض المجاورة لبيسان. 

عن الزراعة والأرض حدثنا جاد سابا:

 "على زماني كنا  نزرع القمح والشعير والذرة من الحبوب، وفي ناس تزرع بطيخ، الزراعة كانت مقسمة في البلد صيفي وشتوي، كانوا يقسموا الأرض قسمين، قسم لزراعة الصيفي يعني هاي معروفة للسمسم والبطيخ والشتوي كان للقمح والشعير. بلدنا كانت غنية. كان في تين وعنب ورمان ولوز ومشمش، كل إشي كان موجود فيها. النسوان كانت تشتغل بالأرض وتزرع وتفلح، وكان شغلهم كمان بالطرش، يحلبوا ويروّبوا لبن ويروحو على حيفا بالباص. هذا كان باص العفيفي، وكان يوقف عند الجامع والنسوان تركب فيه لحيفا. النسوان كانت تروح كمان على سوق الناصرة وتبيع لبن وتشتري إغراض من السوق وترجع على معلول".

العلاقة مع اليهود:

"شرق البلد كان كيبوتس كفار هحورش، الكيبوتس موجود من سنة 1933. اليهود كانوا يمروا من عنّا على عين البلد ويظلوا طالعين على عربات وخيل، كانوا يسقوا خيلهن من عين معلول، وكمان اللي كانوا ييجوا من نهلال (بنيت عام 1921) وكيبوتس رمات دافيد (بنيت عام 1926) لكفار هحورش كانوا كمان يمرّوا من عّنا، وبالرجعة يرجعوا نفس الطريق. علاقتنا معهم كانت عادية، ولا طرف يؤذي الثاني. بس كان في خلاف معنا في الأراضي. يعني في مرّة أجوا حطوا شريط من عين البص وظلّه مارق في أرض مختلف عليها، إحنا نقول هاي إلنا وهم يقولوا هاي إلنا، بس أهل البلد قلعوا الشريط وشجر الصنوبر اللي زرعوه ورجّعنا الوضع مثل ما كان. 
لمّا صارت الأحداث، بطلّوا يمرّوا من البلد وفتحوا طريق على رأس الجبل وضيّقوا علينا وبطل عنّا مرعى للبقر ولا للغنم، وبلدنا بالأساس كانت تعتمد على البقر والغنم والزراعة. لما اليهود احتلوا الجبل أجا عنّا جيش الإنقاذ عشان يحمينا. مرّة طخوا علينا من الجبل من فوق وقتلوا زوجه عباس العلي، ست محمد النمر، قتلوها وهي واقفة عند باب الدار. ما هي قديش المسافة بالهوا؟ بتيجيش 500 متر. هاذ طبعاً قبل ما نطلع من البلد. وكمان بالـ 47 أو48 ، كان في باص نازل من الناصرة على حيفا، سبّقوا له اليهود في "كريات عمال"، وقتلوا اثنين فيه، واحد منهن ابن عمي وكان اسمه فارس، أبوها لسلوى سالم قبطي. لليوم سلوى بتحاول تزور قبر أبوها ومانعينها لأنه المقبرة المسيحية موجودة حالياً داخل معسكر الجيش وممنوع الدخول".

 

احتلال القرية:

رغم أن معلول، حسب قرار التقسيم، كالناصرة والمنطقة المجاورة لها، كانت ضمن الدولة العربية، إلا أن نوايا الحركة الصهيونية تجاه هذه المنطقة كانت قد اتضحت. فقد صرح بن جوريون في نيسان 1948 : "لن نصمد في المعركة إن لم نستوطن، خلال الحرب، في الجليل الأعلى والأسفل، الشرقي والغربي، في النقب وحول القدس، ولو بشكل مصطنع – بشكل عسكري.... سيحصل في أعقاب هذه الحرب تغيّر كبير في توزيع السكان العرب".

في 15 تموز 1948، قبل احتلال المجيدل بساعات، احتلت القوات الإسرائيلية معلول. وكانت معلول من جملة قرى الجليل الأسفل التي احتلت في المرحلة الثانية من عملية ديكل. سبق احتلالها فترة من المناوشات حول القرية وكانت قوات يهودية تطلق النار على القرية من مستعمرة "تيموريم" المجاورة وقتلوا عدداً من أهالي القرية وعدداً من جنود جيش الإنقاذ. نزح غالبية أهالي معلول تحت جو من الرعب والخوف إلى القرى العربية المجاورة لا سيّما قرية يافة الناصرة، وهربت 12 عائلة إلى سوريا ولبنان. أمّا المنازل فقد تم هدمها مباشرة مع احتلال القرية سوى المسجد والكنيستين.

"يا منموت كلنا يا منعيش كلنا":

"بال 48 أنا كنت صرت متزوج وعندي بنت. جيش الإنقاذ قعد بالبلد عنا شهرين وكان يطخ على اليهود بالجبل. كانوا حوالي 10-20 جندي مش أكثر. معلول ما كان فيها سلاح، كان عنا جفت واحد نتصيّد فيه عصافير. كان في شباب من البلد، وأنا منهم نطلع بالليل ونعمل حراسة على البلد. أنا كنت أطلع أحرس بعصا لأنه ما كنّا نعرف نمسك سلاح. الأحداث صارت بيوم واحد. أبوي وأمي قالوا لي اطلع على لبنان أنت ومرتك وبنتك. جمعة زمان وبترجع. حضّرنا الشنطة وحطّوا لي إياها في الناصرة عند واحد من دار اللولو. كان فيها فراش وطناجر ونحاس، على أساس أستأجر جَمل وأطلع على لبنان، أنا وابن عمي. ثاني يوم قررت إنه ما بدي أطلع إلا إذا أبوي وأمي بطلعوا معي. يا منموت كلنا يا منعيش كلنا.

اليهود صاروا يطخو علينا من الجبل، أخوها لنايفة العوض، توفيق العوض، وسليم سليمان وكمان جنود من جيش الإنقاذ،  رشّوهن من الجبل وقتلوهم. سليم سليمان وتوفيق العوض كانوا قاعدين بالأوضة ورا الحيط، اليهود ضربوا قذيفة عن ظهر الجبل من فوق، سقطت قدامهن وماتوا التنين. شيخه عبد الهادي، أم نمر،أجتها رصاصه بفخدتها، صار عندها نزيف وماتت. دفنوها بمعلول بقلب الدار لأنه ما قدروا يوصلوا المقبرة بسبب مضايقات اليهود. أما جنود الإنقاذ اللي ماتوا، أغلبهن أكلتهم الوحوش وضلوا مرميين.

الناس خافت وأخبار مجزرة دير ياسين وصلت البلد. أهل البلد أطلعوا بالأول كل الأولاد والنسوان وبعدين الرجال. في ناس طلعت مع المواشي وفي ناس ما أخدت إشي معها. قسم راح ع الرينة وقسم على كفركنا وقسم على عيلوط وقسم تهجّر ع لبنان".

الحكم العسكري:

"أنا سكنت في الناصرة 11 سنة. سكنّا بالبداية أنا وابن عمي في دار أسعد الداوود جنب المسكوبية. استأجرنا منه عقد واحد وحطينا القمحات في النص، وكنت أنام أنا من هون وهو من هون، على أساس قلنا جمعة زمان وبدنا نرجع. لما هدّوا البلد قلنا مبين فش فيها رجعة، وبعدين سكنت عند واحدة بقولوا لها أمينة المسمار في منطقة الكراج بالناصرة، عند خان الباشا، سكنت عندهن شهر شهرين وبعدين سكنت عند مصطفى عطية في الناصرة 11 سنة.

بعد ما طلعنا من البلد عشنا فترة حكم عسكري، الحكم العسكري استمر حتى الـ 66، تصريح ما كانوا يعطونا، فما كنا نقدر نزور البلد، ما عدا بيوم الاستقلال [الإسرائيلي، كانوا يسمحولنا نطلع بدون تصريح ونزور البلد. كنا نروح ونقعد تحت الشجرات وكل واحد الُه أرض يقعد فيها. نقعد نهار كامل وبعدين نرجع ع البيت. بأول أيام التهجير كانت أمي تروح بالليل مع قسم من أهل البلد ويجيبوا أغراض من تحت الردم، مثل طناجر وغيرها. ما إحنا تركنا كل شي ببيوتنا".

القرية اليوم: 

في 216/1948 أقيمت على أرض معلول مستعمرة تيموريم، التي نقلت عام 1954 لمنطقة بئر طوبية بالجنوب، وأقيمت مكانها عام 1981 مستعمرة تمرات التي ما زالت قائمة حتى يومنا هذا. 

لا تزال الكنيستان قائمتين وقد تم ترميمها في السنوات الأخيرة. وما زال كذلك المسجد قائماً إلا أن جزءاً منه قد تهدم ويطالب أهالي معلول بترميمه، إلا أن السلطات الإسرائيلية لم توافق بعد على طلبهم بعد. وما زالت المقبرة الإسلامية موجودة في الموقع إلا أنها غير محمية. أما المقبرة المسيحية فتقع داخل المعسكر الإسرائيلي ولا سبيل للوصول إليها، وقت تم منع أهل القرية المسيحيين من زيارة قبور عائلاتهم إلى يومنا هذا. وتتواجد في موقع القرية أكوام حجارة المنازل المهدمة. موقع القرية مغطى بغابة صنوبر غرسها الصندوق القومي اليهودي. وثمة قاعدة عسكرية في الموقع أيضا. يستعمل الموقع اليوم، بما فيه من دور العبادة الثلاث، كمرعى للأبقار وحرش مفتوح للمتنزهين.

وينهي جاد سابا حديثه قائلاً:

 "أنا بفكر إنه ما دام في ناس تطالب بحق إلْها فلا بد إنه توصل له في يوم من الأيام".

-----------------------------------------------------

*رنين جريس: باحثة فلسطينية، مركزة مشروع التاريخ الشفوي في جمعية ذاكرات، حيفا.

بحث وتجميع وكتابة المواد والشهادات: عمر اغبارية، وسام علي الصالح، نتالي حايك، روان بشارات
أجريت المقابلة بتاريخ: 9/12/2011