بقلم: أمجد متري*

منذ مطلع كانون الثاني 2012، قامت الحكومة الفدرالية الألمانية برفع وضع المفوضية العامة لفلسطين لتصبح بمستوى بعثة دبلوماسية. وقد جاء إعلان القرار على لسان وزير الخارجية الألماني، أثناء اجتماعه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله مطلع شهر شباط الحالي. وعليه، فان البعثة الدبلوماسية الفلسطينية ستصبح اليوم بقيادة سفير فلسطيني في ألمانيا، وليس فقط ممثل للسلطة الفلسطينية. بينما في اليوم ذاته كان قد أعلن وزير الخارجية الألماني، جيدو فيسترفيله، أن ألمانيا ستقدم ما مقداره 11 مليون يورو، على شكل دعم للاجئين الفلسطينيين في العام 2012. وأضاف الوزير فيسترفيله، أن "دعمنا لمساعدات الأمم المتحدة ووكالاتها، إنما يهدف إلى استمرارية مساهمتنا في تحسين الظروف المعيشية الصعبة للاجئين الفلسطينيين".

إن المثالين السابقين، يظهران الكيفية التي تسعى من خلالها الحكومة الألمانية، للحفاظ على صورتها كلاعب متوازن ضمن حلقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن لسوء الحظ، فان الواقع مختلف كلياً عما سبق ذكره في المثالين أعلاه، إذ أن ألمانيا تعد من اقرب الحلفاء وأكثرهم ولاء لإسرائيل منذ قيام الأخيرة في العام 1948. فهي  لا تتوانى في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي لإسرائيل بشكل مستمر. وبكلام آخر؛ فان السياسية الخارجية الألمانية قائمة على قواعد الولاء غير المشروط لدولة إسرائيل.1

تبعا لذلك، يصبح التساؤل مشروعاً حول مدى تأثير السياسة الخارجية الألمانية على إسرائيل، وتحديداً على وضعها السياسي الداخلي فيما يتعلق بالفلسطينيين بشكل عام واللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص. فهل عثر اللاجئون الفلسطينيون على مأوى مؤقت لهم في ألمانيا؟  هذه المقالة ستتناول معالجة الظروف القانونية للاجئين الفلسطينيين الموجودين في ألمانيا اليوم، إضافة إلى الوضع القانوني العام للجالية الفلسطينية في ألمانيا، من خلال النظر إلى مدينة برلين كحيز لدراسة هذه الحالة. 

يبلغ عدد المواطنين العرب القاطنين في ألمانيا اليوم، ما يقارب 280.259 نسمة. وهناك تقديرات أخرى تتحدث عن ما مجموعه 400.000 إلى 500.000 مواطن ألماني اليوم، من أصول مهاجرة من الدول العربية، بحيث يجري الحديث حول أصول عائلات هؤلاء على أنهم قد قدموا أساسا من الدول العربية. منهم 200.000 تقريبا، فلسطينيون أو ذوو أصول فلسطينية، وقد وصل العديد منهم إلى ألمانيا من لبنان أو الأردن.2 كما يجدر التنويه، إلى أن اكبر تجمع للفلسطينيين في ألمانيا، هو في مدينة برلين، إذ يعيش حوالي 30.000 فلسطيني في هذه المدينة، وهؤلاء مسجلون بمختلف الجنسيات، مثل اللاجئين الفلسطينيين القادمين من لبنان أو سوريا أو الأردن. بينما هناك قطاع واسع منهم من عديمي الجنسية، أو الذين يعانون من وضعية غير واضحة أو محددة فيما يتعلق بأوراقهم الثبوتية والإطار القانوني لتعريف جنسياتهم.3

 

الشروط القانونية:

عند التطرق لقانون اللجوء في ألمانيا، يجب الإشارة إلى أن هذا القانون يتمتع بصفة دستورية. وهذا بحسب المادة (16(aمن القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، التي تعطي حق التمتع باللجوء فيها للأشخاص المضطهدين سياسياً. كما أن الحق في اللجوء إلى ألمانيا، لا يرتكز فقط إلى الالتزام القانوني الدولي اتجاه اتفاقية جنيف لعام 1951، بل انه حق دستوري أساسي، تماما كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، وهو الحق الأساسي الوحيد الذي يعود للأجانب فقط.

ووفقا للفقرة 1 من المادة الثالثة من قانون الإجراءات الخاصة باللجوء، وبالاتصال مع الفقرة الأولى كذلك، من المادة 60 من قانون الإقامة، يتم تعريف الأجنبي كلاجئ في حال كانت حياته أو حريته مهددة بالخطر في بلده الأم. وبالإضافة إلى حالة اللجوء "الكامل"، يوجد في ألمانيا أيضا ما يُعرف على انه حالة اللجوء "غير الكامل"/ أو شبه اللاجئ"، والذي يعبر عن حالة الحماية الجزئية ( الحماية المكملة)، التي تصبح فاعلة في الحالات التي لا يوفر قانون اللجوء فيها عملية اللجوء المتصورة لطالبها، بالترافق مع وجود تهديد خطير لحريته أو حياته مثل الاضطهاد السياسي. أما في حالة منح الحماية الثانوية، فان الحظر على الترحيل يصبح سارياً. وهنا يفترض التمييز ما بين الحماية القانونية الفرعية على المستوى الوطني الألماني، وما بين هذه الحماية على المستوى الأوروبي. ومن المهم ذكره أن الحماية القانونية الأوروبية تشمل الحظر المفروض على الإبعاد، استناداً إلى المادة 15 من لائحة االتحاد الاوروبي التوجيهية بشأن الأهلية. كذلك التمييز بين "القانون الأوروبي" و"القانون الوطني"، يصبح ضروريا جدا، لأن لكل من هذين الشكلين من الحماية عواقب قانونية مختلفة. فبينما يوفر إطار الحماية القانوني الأوروبي حقوقاً أخرى، إلا انه يجب اختبارها في ظل فحص دواعي السلامة الوطنية. وهو ما يقع ضمن صلاحيات المكتب الفدرالي الألماني.4

وبشكل مركزي، فان مصطلح "لاجئ" يستند إلى ما ورد في الاتفاقية الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين (جنيف1951)، أما الشخص عديم الجنسية، فيشير إلى "الاتفاقية الدولية بشان وضع الأشخاص عديمي الجنسية" (نيويورك، 1954). 

 

الخدمات المقدمة لطالبي اللجوء:

إن الأجنبي الذي يسعى للحصول على الحماية من الاضطهاد في ألمانيا، يتوجب عليه أن يقدم نفسه على انه طالب لجوء. لذلك لا بد له أن يذهب شخصيا إلى مركز الاستقبال الأولي. أما بعد ذلك،  فيفترض توفر الإمكانية أمامه من اجل طلب اللجوء. وفي الفترة الواقعة أثناء عملية فحص طلب اللجوء، يسمح لهذا الشخص طالب اللجوء بان يبقى في ألمانيا. حيث يتم منح الشخص طالب اللجوء تصريح إقامة مؤقت في ألمانيا في حال تقدمه بطلب اللجوء. لكن هذا التصريح المؤقت بالإقامة، يقتصر على المنطقة التي تقدم فيها اللاجئ بتسجيل طلبه. كما يحصل طالبو اللجوء على احتياجاتهم اليومية، وهذا في ظل قانون اللجوء الذي يوفر لهم احتياجاتهم الحيوية وينص على توفير الرعاية لهم. حيث يستفيدون من تقديم الخدمات التالية:

·        الخدمات الأساسية من غذاء ومأوى وتدفئة وملبس وصحة ورعاية شخصية، إلى جانب سلع الاستخدام المنزلي.

·        مصروف الجيب، لتأمين الاحتياجات اليومية.

·        الرعاية الطبية في حالات المرض والحمل والولادة.

·        في الظروف الاستثنائية والطوارئ، يتم تزويد اللاجئ بالاحتياجات لمواجهة هذه الظروف.

كما ويتم تزويد اللاجئ بالخدمات الأساسية على شكل سلع، وليس على شكل مبالغ نقدية.

 

عديمو الجنسية:

الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين هم من عديمي الجنسية وفقا للقوانين الألمانية. وهذا لان ألمانيا لا تعترف بدولة فلسطينية، ولا حتى بالمفهوم القانوني للجنسية الفلسطينية كذلك. وفي هذا الصدد، قال (احمد ك) من برلين: "على الرغم من أن لدي بلد –وطن-، إلا إنني مصنف كشخص عديم الجنسية في ألمانيا"، وهذا ما هو وارد في جواز سفره الصادر من قبل السلطات الألمانية؛ حيث ان الاغتراب أو الطرد أو انحلال الدولة يمكن اعتباره سببا لانعدام الجنسية في هذه الحالات. و في حالة الفلسطينيين، فإنهم أصبحوا عديمي أو فاقدي الجنسية، في العام 1948، بعد تعرض بلدهم للغزو من قبل الميليشيات الصهيونية. كما أن ألمانيا بدورها، ملتزمة تبعا لاتفاقية جنيف، بتسهيل تجنيس الأشخاص عديمي الجنسية وذلك استناداً إلى قانون الجنسية الألمانية للعام 2000،  والذي ينص على وجوب الأخذ بالخطوات التالية:

·        بعد مرور 6 سنوات على إقامة الشخص في ألمانيا، يمكن تجنيس هذا الشخص مجنسا.

·        بتقديم وثيقة سفر للأشخاص عديمي الجنسية.

·        بإتقان ما يكفي من اللغة الألمانية.

·        باجتياز اختبار التجنيس.

·        بالتأكد من القدرة على تأمين معيشة هذا الشخص وعائلته، دون الاعتماد على المساعدات العامة.5

و تجدر الإشارة هنا إلى إن أطفال عديمي الجنسية، هم الوحيدون المؤهلون وفقا لهذا القانون بالحصول على الجنسية، في حال ولدوا في ألمانيا وأقاموا بصفة قانونية  فيها لمدة 5 سنوات.6

 

المجتمع الفلسطيني في برلين:

لقد أظهرت التحقيقات الأخيرة، الصادرة عن مكتب برلين- براندنبيرج  للإحصاء، أن المهاجرين من أصول عربية يشكلون الجالية الرابعة في الترتيب من حيث الحجم بين جاليات أو مجتمعات اللاجئين في برلين. وبلغة الأرقام، هنالك ما يقرب من 64.000 إنسان من ذوي الأصول العربية في برلين، ويتمتع نصفهم بالجنسية الألمانية. إلا أن غالبيتهم كذلك تتوزع بين منطقتي "ميته" و"نيوكولن".

لكن إذا سعينا لحصر العدد الإجمالي للفلسطينيين من بين هؤلاء، فان ذلك من الصعب تحديده، وهذه الصعوبة نابعة بالدرجة الأولى من عدم تسجيل السلطات الألمانية للاجئين الفلسطينيين كفلسطينيين. فاللاجئون الفلسطينيون يسجلون ضمن مختلف الجنسيات، وفقاً للبلدان التي قدموا منها إلى الأراضي الألمانية، وبشكل خاص من لبنان وسورية والأردن.  كما أن الإحصائيات ذاتها تشير إلى وجود 1900 شخص من عديمي الجنسية، بالإضافة إلى 12.000 غير مصنفي الحالة.  وبالحديث عن الفئتين الأخيرتين المذكورتين، تجدر الإشارة إلى أنهما في الغالب مكونتان من الفلسطينيين.7

كما تتحدث التقديرات عن أن نصف سكان برلين ذو الجذور العربية الفلسطينية، قد قدموا إلى ألمانيا من لبنان. بينما في نهاية العام 2005، أجرت جمعية الكرمل العربية، وبالتعاون مع مؤسسات وجمعيات عربية أخرى، مسحاً بحثيا، أثبتت فيه أن 30.000 فلسطيني كانوا يعيشون في برلين آنذاك.

يذكر انه خلال سبعينات القرن المنصرم، أي خلال فترة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، قد فر العديد من اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى ألمانيا.  بينما أعطى الوضع الخاص لبرلين، امتياز حق الانتقال إلى برلين الغربية للفلسطينيين.  فقد كانوا يسافرون إلى برلين الشرقية، ومن هناك يحصلون على تأشيرة مرور سياحية في مطار شونفيليد، من ثم ينتقلون من خلال نقطة التفتيش المعروفة باسم "شارلي" إلى برلين الغربية. وهناك كانوا يتقدمون بطلب اللجوء، أو يواصلون سفرهم بهدف اللجوء إلى أقطار أخرى مثل السويد والدنمارك وبلجيكا وهولندا. لكن على الرغم من توفر هذه الإمكانية أمامهم، إلا أن معظمهم فضل البقاء واستقروا كلاجئين في برلين الغربية.8

لقد تقدم ما نسبته 95% من العائلات القادمة من لبنان بطلبات اللجوء في ألمانيا، لكن تبعا لذلك ظهرت بعض العقبات أمام منح الحق في اللجوء لهؤلاء اللاجئين. وقد تلا ذلك، وكنتيجة لمبادرة من الأحزاب السياسية والكنائس والمنظمات المدنية، أن قامت برلين في العام 1984 بتقرير أول بند استثنائي، ونتيجة لذلك، حصلت معظم العائلات التي وصلت برلين و كانت قد أمضت أكثر من 5 سنوات فيها، على تصريح إقامة مؤقت. بينما تم التغاضي عن الآخرين الذين لم يستوفوا الشروط المطلوبة وتم تجاهلهم، إذ لم يتمتعوا بحرية الوصول والعمل في سوق العمل، كما أن أطفالهم لم يتمتعوا بحق الدخول إلى المدارس والمؤسسات التعليمية. إضافة إلى أن غالبيتهم كانوا يمكثون في مراكز اللجوء.9

منذ العام 2003، وضع مجلس الشيوخ في برلين هدفاً معلناً ينص على وضع حد للوضع القائم بحق هؤلاء المهاجرين وإنصافهم. وهذا شكل خطوة ايجابية تجاه تحسين  ظروف وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 2003. ومن ابرز التحسينات الملحوظة، كان إلغاء نظام "البطاقة الذكية"، والتي كانت تفرض على اللاجئ التسوق من مراكز محددة فقط، وبالتالي شكلت هذه الخطوة إمكانية الخروج من مراكز اللجوء بشكل أوسع أمام هذا اللاجئ.

تبع ذلك قرار مجلس الشيوخ الداخلي في برلين،  الصادر بتاريخ 11/10/2005،  الذي ينص على أن الفلسطينيين الذين وصلوا برلين كلاجئين من لبنان، يحق لهم الحصول على تصاريح إقامة هناك، استنادا لأسباب إنسانية. وبدون اعتماد معايير مهارات اللغة أو أية معايير أخرى.

ومنذ العام 2006، قامت وزارة الداخلية الألمانية بإنشاء أحكام ومعايير متعلقة بحقوق الإقامة للمهاجرين المندمجين اقتصاديا واجتماعياً في ألمانيا؛ حيث أن من يستوفي هذه المعايير، يحق له الحصول على تصريح إقامة في ألمانيا. وابتداء من العام 2009 تم فرض ما يعرف بعينة الإقامة،  والتي بناء عليها يتم تجديد التصريح كل ستة أشهر، على أن يثبت المهاجر انه يعمل، حتى لو كان هذا العمل بدوام جزئي، فالمطلوب في هذه الحالة هو إثبات مقدرته في الاعتماد على ذاته، وعدم حاجته للخدمات الاجتماعية المقدمة من قبل برامج الرعاية التابعة للدولة.10

وقد كان من نتيجة هذه الأحكام، أن استقبل آلاف الفلسطينيين أخيرا، ما يثبت ويؤكد وضعيتهم هم وعائلاتهم، بعد عشر سنوات من انعدام الوضوح وعدم اليقين. لكن، وللأسف فان الطريق لا زال طويل ووعر أمامهم للوصول إلى القبول التام والكامل، حتى لو كان على صعيد الجانب القانوني على الأقل، وبالمحصلة النهائية يظهر أن ألمانيا لم تشكل بيتاً مؤقتاً كما هو مفترض للاجئ الفلسطيني.

---------------

امجد متري: محامي دولي، منسق الإسناد القانوني في مركز بديل، فلسطيني من مواليد ألمانيا.

 


1More on this issue please read: Antje Krüger, Schuld und Sühne als Einflußfaktoren auf die deutsch-israelischen Beziehungen (GRIN Verlag, 2007).

2Bundesamt für Migration und Flüchtlinge (2012), available at: http://www.bamf.de/.

3Sanem Kleff and Eberhard Seidel: Stadt der Vielfalt. Das Entstehen des neuen Berlin durch Migration (Der Beauftragte des Berliner Senats für Integration und Migration, Berlin 2009).

4Helmut Rittstieg, Deutsches Ausländerrecht: die wesentlichen Vorschriften des deutschen Fremdenrechts (Deutscher Taschenbuch Verlag, 2003).

5See Georg Dahm, Jost Delbrück, Rüdiger Wolfrum: Völkerrecht, Bd. I/2 (Walter de Gruyter, Berlin 1989).

6Die Beauftragte der Bundesregierung für Migration, Flüchtlinge und Integration (3. überarbeitete Auflage April 2005).

7Ibid.

8Frank Gesemann, Migration und Integration in Berlin: wissenschaftliche Analysen und politische Perspektiven (Leske + Budrich, 2001).

9Ibid.

10Jürgen Bast, Aufenthaltsrecht und Migrationssteuerung (Mohr Siebeck, 2011).