بقلم: رائد أبو عبيد*

خلفية تاريخية:

أفادت التقديرات الإحصائية لعدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق عام 1948، إلى أن أعدادهم تراوحت ما بين 4-5 آلاف لاجئ فلسطيني، في حين أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCRقدرت عدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق سنة 2003 بين 30 ألفاً إلى 42 ألفاً.

ينحدر اللاجئون الفلسطينيون في العراق، في معظمهم، من قرى حيفا، وعلى وجه التحديد من ثلاث قرى هي: إجزم، وجبع، وعين غزال. وهم الذين قدموا مع الجيش العراقي العائد من حرب فلسطين عام 1948، بعد أن تعهد الوصي على عرش العراق الأمير عبد الإله وأخته الملكة عالية الذي زار فلسطين إبان الحرب بحمايتهم باعتبارهم ضيوفاً على الحكومة العراقية.

وتبعاً لذلك، فقد تولّت وزارة الدفاع العراقية رعاية اللاجئين الفلسطينيين بعيد وصولهم إلى العراق؛ حيث تمّ توزيع سكنهم ما بين المقرات الحكومية التي لا تستخدم عادة في العطلة الصيفية، مثل دار المعلمين والمباني الجامعية، ومع انتهاء العطلة الصيفية كانوا يوزعون على معسكرات تتبع للحكومة في مناطق مختلفة من العراق بين بغداد والبصرة والموصل. ومن الجدير ذكره أن اللاجئين الفلسطينيين قد تمتعوا بمخصصات غذائية بشكل يومي كباقي قطاعات الجيش العراقي؛ إذ كانوا يعتبرون جزءاً من قطع الجيش في هذه الناحية. وبقي الحال هكذا حتى سنة 1950، حيث انتقلت بعد ذلك إدارة شؤونهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ضمن مديرية خاصة سُمّيت مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وأعيد توزيع سكنهم وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ.

مع تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –الأونروا- في 8/12/1949، رفضت الحكومة العراقية رفضاً كاملاً أن يكون العراق هو المنطقة السادسة من مناطق عملياتها، وتعهد العراق للأونروا بوضع إمكانياته كافة للإشراف الكامل على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وتقديم المساعدات لهم كافة، مقابل عدم دفع العراق لأية تبرعات نقدية للأونروا، مع احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم، ومن دون أن تجرى أي عملية توطين. مما جعل الأونروا تسقط جميع اللاجئين الفلسطينيين في العراق من حسابها، ما يفسر تبعية اللاجئين الفلسطينيين في العراق للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين رغم اختصاص وكالة الغوث (الاونروا) بالقضايا ذات العلاقة بإغاثتهم وتشغيلهم.

أما من الناحية القانونية، فقد بقي وضع اللاجئين الفلسطينيين في العراق ضبابياً قابلاً للتأويل على أكثر من وجه حتى صدور القرار 202. ففي سنة 1961 صدر قرار مرقم بـ26 ينظم عملية منح الفلسطينيين في العراق وثائق سفر خاصة ويحدد مدة صلاحيتها، وفي سنة 1964 صدر قرار بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في الوظائف الحكومية من حيث الرواتب والعلاوات، لكن الفلسطيني استثني بموجب هذا القرار من حصوله على امتياز الخدمة التقاعدية بحجة أن ذلك قد يدفعه للتمسك بالبقاء في العراق والتفريط بحق العودة. في سنة 1980 صدر قرار مجلس قيادة الثورة رقم 215، والذي يحق بموجبه تملك الفلسطيني المقيم إقامة دائمة داراً للسكن بعد التدقيق وأخذ موافقة وزارة الداخلية والموافقات الأمنية اللازمة، على أن تسجل الدار التي اشتراها الفلسطيني المقيم باسم وزارة المالية. وفي سنة 1983 صدر قرار يوجب على الفلسطيني استصدار موافقة المؤسسة العامة للعمل والتدريب المهني عند عمله أو انتقاله لعمل آخر حتى ضمن القطاع الخاص، وهددت التعليمات كل من يخالفها بحمله على مغادرة البلاد ومنع دخوله مستقبلاً. وفي سنة 1987 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة رقم 936 والذي يحق بموجبه للفلسطيني المقيم إقامة دائمة تملك قطعة أرض سكنية أو دار سكنية أو قطعة أرض زراعية.

لكن تلا ذلك في سنة 1989 إصدار قرار يوقف العمل بالقرار 215 والقرار 936 لمدة خمس سنوات، وفي نهاية المدة صدر في 7/3/1994 عن مجلس قيادة الثورة قرار رقم 23 ينص على أن: «يوقف العمل بالقوانين والقرارات التي تجيز تملك غير العراقي العقار أو استثمار أمواله في الشركات داخل العراق، وكل ما من شأنه التملك أو الاستثمار في أي وجه كان».

 

بدايات رحلة اللجوء الجديدة:

حملت الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2011، عودة للحديث عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق من بوابة إيطاليا؛ التي نقل إليها قبل ذلك بنحو عام ونصف 105 من لاجئي مخيم "التنف" على الحدود العراقية ـ السورية. جرى هذا بالتوازي مع تصاعد أعمال العنف ضدهم من قبل المافيا الإيطالية، مما أضطرهم إلى النزوح الرابع منذ العام 1948، من إيطاليا إلى السويد، وما تبع ذلك في الأسابيع الأولى من العام 2012، من تجدد وتصاعد الهجمات ضد المتبقين من اللاجئين الفلسطينيين في العاصمة العراقية بغداد، والمقدر عددهم بنحو 12 ألف لاجئ حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ونحو 7 آلاف لاجئ حسب اللاجئين الفلسطينيين في العراق أنفسهم.

لم يكن تحذير الشبكة الدولية للحقوق والتنمية يوم 19/1/2012 من كارثة قد تصيب اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على الأراضي العراقية نتيجة لما قيل بأنها حملة منظمة تقوم بها السلطات العراقية ضدهم، وتدارس البرلمان الأوروبي يوم 25/1/2012، قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق باعتبارها «أزمة» تندرج تحت المادة 117 من النظام الداخلي. فالمجزرة كانت قد انعقدت شروطها الكاملة مع سقوط العاصمة العراقية بغداد بيد قوات الاحتلال الأميركي في نيسان (إبريل) 2003، وحالة الفوضى وسيطرة المليشيا المذهبية على الحياة العامة. ومع تفجير مرقد الإمامين العسكريين يوم 22/2/2006، وصلت عمليات استهداف اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى ذروتها، مدعومة بتجييش إعلامي ضد الوجود الفلسطيني في العراق من قبل صحف مثل «الصباح»، ومحطات فضائيات كـ«العراقية»، متهمين الفلسطينيين بالعمالة للنظام السابق.

وفي معمعان هذه الأحداث، اندلعت عمليات الطرد والتهجير القسري، ولا سيما من أحياء الدورة وأم المعالف والسيدية والحرية، فنصبت الخيام مجدداً في نادي حيفا الرياضي بحي البلديات، بهدف إيواء بعض المهجرين، وانتشرت عمليات الاختطاف والقتل التي كان يقوم بها «لواء الذيب»، والمليشيات المذهبية، وكان أشهرها ما جرى في 12 أيار (مايو) 2005، عندما اختطف وقتل عشرات الفلسطينيين. وترجح مصادر مختلفة بأن أكثر من 500 فلسطيني قتلوا أو فقدت آثارهم في العراق منذ اجتياح العراق، من أصل نحو 34 ألفاً شكلوا تعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق عشية الاجتياح الأميركي لهذا البلد العربي.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الحكومة العراقية بادرت في العام 2006 إلى إلغاء الإقامة الدائمة للاجئين، وفرضت عليهم المراجعة الدورية أمام السلطات الأمنية وأوقفت إصدار وثائق السفر إلا بشروط تعجيزية، وكان نتيجة ذلك  أن انشطر الفلسطينيون في العراق إلى ثلاث فئات:

1 ـ فئة ما زالت تقيم في العراق، وتعيش هاجس القتل والاختطاف والطرد، ويقدر تعدادهم بنحو 7 آلاف لاجئ.

2 ـ فئة حبيسة مخيمات الهول في سوريا والوليد في محافظة الأنبار في العراق ـ بعد إغلاق مخيمات الرويشد وطريبيل على الحدود الأردنية، والتنف على الحدود السورية في وقت لاحق، ويقدر عدد هذه الفئة ب 1124 لاجئ.

3 ـ فئة نجحت في تأمين خروجها بجوازات مزورة، كانوا قد دفعوا مقابل الحصول عليها حصاد عمرهم.

 

خلفيات إنشاء مخيم التنف وإغلاقه:

شكل لقاء وزير خارجية الحكومة الفلسطينية التاسعة محمود الزهار بالرئيس السوري بشار الأسد بتاريخ 19/4/2006، نهاية جزئية لمأساة 460 لاجئاً فلسطينياً من العراق اتخذوا من الصحراء في الأرض الحرام بين سوريا والعراق ملاذاً أخيراً، وبداية لمأساة أكثر من 1400 لاجئ على امتداد خمس سنوات لاحقة. لم يسعف هؤلاء  أملهم بأن يكونوا قادرين في يوم من الأيام على الالتحاق بمن سبقوهم إلى مخيم الهول، أو أن تسمح لهم السلطات السورية بالإقامة في المدن السورية أسوة بنحو مليوني لاجئ عراقي أحصتهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والحكومة السورية في ذروة النزوح العراقي نحو سوريا عام 2008. فالرئيس السوري بقي عند تصريحه الذي أطلقه بعد لقائه بالزهار؛ من أن مجموع 142 أسرة من فلسطينيي العراق الذين تم استقبالهم في مخيم الهول كانت الدفعة الأولى، والأخيرة، التي ستقبلها سوريا من اللاجئين الفلسطينيين في العراق. بالمقابل، كان على لاجئي مخيم التنف الذي تشكل بعيد دخول الدفعة التي شكلت مخيم الهول، مدفوعين بأمل السماح لهم بعبور الحدود، الانتظار حتى الأول من شباط (فبراير) 2010، وهو الموعد الرسمي الذي أعلنته المفوضية السامية للاجئي المخيم الصحراوي بصورة دائمة، بمساعدة دول أخرى نقلت لاجئي التنف إليها ض