الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة

بقلم: عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل)*

مما لاشك فيه أن الحرب الصهيونية عام 1948 كانت السبب الأساسي في تهجير الفلسطينيين، وبعد أن تبلورت القضية الفلسطينية تداخلت الأسباب بالنتائج بحيث صار هنالك إمكانية للخلط فيما إذا كانت مشكلة اللاجئين هي سبب القضية الفلسطينية أم أنها نتيجة لها؛ أي هل حل قضية اللاجئين يؤدي إلى حل القضية الفلسطينية أم العكس؟ تطور هذا التعقيد لينتقل من الاعتقاد السائد أن حل مشكلة اللاجئين هو مفتاح السلام ولا سلام بدونه، الى الوهم بأن السلام هو مفتاح حل مشكلة اللاجئين، ولا حل لها بدونه.

وبعد قيام السلطة الفلسطينية (كأحد مواليد اتفاقية اوسلو)؛ كانت مشكلة اللاجئين هي الأعقد سواء في مجال التفاوض مع الحكومات الاسرائيلية، او في إعداد الوثائق الدستورية. فمثلا في مسودة الدستور الفلسطيني التي إعدّت بشكلها النهائي في 4/5/2003 وقعت في ارباك يكاد يثير السخرية، حيث نصّت المادة 12 على ان "الجنسية الفلسطينية ينظمها القانون. دون المساس بحق كل من أكتسبها قبل الخامس عشر من أيار / مايو 1948 وفقا للقانون، أو بحق الفلسطيني الذي كان يقيم في فلسطين قبل ذلك التاريخ وهُجّر أو نزح منها أو منع من العودة إليها. وينتقل هذا الحق من الآباء أو الأمهـات إلى ذريتهم ولا يزول أو يسقط إلا بالتخلي عنه طواعية". وهنا يثور السؤال المربك: هل سيكون اليهود الذين كانوا فلسطينيين قبل ذلك التاريخ وذريتهم مواطنين في الدولة الفلسطينية التي تقوم على حدود الرابع من حزيران 1967 ؟!

اما المادة 13 فتقول "للفلسطيني الذي هُجِّر من فلسطين أو نزح عنها نتيجة لحرب عام 1948 ومنع من العودة إليها، حق العودة إلى الدولة الفلسطينية وحمل جنسيتها، وهو حق دائم لا يسقط بالتقادم. تعمل الدولة الفلسطينية على متابعة السعي لتنفيذ الحق المشروع للاجئين الفلسطينيين في العودة لديارهم، والتعويض، من خلال المفاوضات والسبل السياسية والقضائية وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194 لسنة 1948 ولمبادئ القانون الدولي". وهنا ايضا يظهر الارباك فإذا كان الجزء الاول من هذه المادة هو مادة دستورية، فان الجزء الثاني منها لا يجوز ان يكون نصا دستوريا ولا حتى قانونيا، وانما يصلح جزءا من برنامج سياسي مرحلي.

وبما اننا معنيون في هذا المقال ببحث الحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، فدعونا بداية نشير الى مبادئ حقوق الانسان المعترف بها دوليا، والتي لا يجوز لدولة ان تدخل الامم المتحدة في حال عدم اعترافها بجملة هذه الحقوق. وبذلك يستطيع اي قارئ ان يلمس إن كانت هذه الدولة المضيفة ملتزمة بالحد الادنى للحقوق الانسانية للاجئين الفلسطينيين.

فالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أعلن عام 1948 (وهو بالمناسبة ذات العام الذي بدأت به مشكلة اللاجئين الفلسطينيين)، تقول المادة الثانية منه انه "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون تمييز، بغض النظر عن الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلده، سواء كان هذا البلد مستقلا أو تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود".

اما المادة السادسة، فتنصّ على انه "لكل شخص أينما وجد الحق في أن يُعترف بشخصيته القانونية". اما المادة الثالثة عشرة فتشير الى انه "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، كما يحق له أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه". اما المادة الثالثة والعشرون فتؤكد ان "لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة".

اما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فقد قسّم الحقوق الى حقوق فردية وحقوق جماعية واهمها الحق في تقرير المصير. اما معاهدة اللاجئين لعام 1951 الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والتي دخلت حيز التنفيذ في 22/4/ 1954، فقد حددت مسؤولية الدول المضيفة اتجاه اللاجئين، وكان اهمها:
1-الإعفاء من المعاملة بالمثل: باستثناء أفضلية التقديمات في هذه المعاهدة فإن الدول الموقعة على المعاهدة ينبغي أن تعامل اللاجئين معاملة شبيهة للتي تقدم لحلفائها (المادة السابعة/ فقرة 1).
2-لا شيء في هذه المعاهدة ينبغي أن ينتقص من حقوق أعطيت للاجئين، أو يؤثر على مكاسب مُنحت لهم من الدول بمعزل عن توقيعهم عليها (المادة الخامسة).
3- الدولة تمنح اللاجئين معاملة بما يتعلق بالملكية المنقولة أم غير المنقولة كتلك التي تمنح للأجانب (المادة الثالثة عشرة).
4- السماح للاجئين بكسب العيش والعمل في ظل أكثر الشروط الميسرة للأجانب، وفي حال اتخاذ تدابير لحماية العمالة المحلية بوجه المنافسة الأجنبية فإن اللاجيء يستثنى من هذا المبدأ (المادة السابعة عشرة).
5- تعمد الدول المعنية إلى تقديم تسهيلات للاجئين، أقلها تلك التي تقدمها للأجانب في ظروف مشابهة (المادة التاسعة عشرة).
6-معاملة اللاجئين كمعاملة المواطنين عبر الحق في تلقي التعليم العام الابتدائي. وتقديم معاملة ذات أفضلية بالنسبة للتعليم غير الابتدائي (المادة 22).
7- للاجئين الحق في المساواة مع المواطنين بالنسبة لتشريعات العمل والضمان الاجتماعي (المادة 24).

باستثناء المغرب، تونس، الجزائر، السودان، الصومال، ومصر، لم تصادق الدول العربية الأخرى على اتفاقية اللاجئين لعام 1951. وحتى الدول الموقعة، ظلت تفضل معاملة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرارت الجامعة العربية، وانظمتها الخاصة. فقد حاولت جامعة الدول العربية خلق معايير إقليمية لحماية اللاجئين الفلسطينيين المهجرين في العام 1948، استنادا إلى المضامين الواردة في قرارات الجامعة، وفي بروتوكول كازبلانكا ـ الدار البيضاء 1965. وبشكلٍ عام، وضعت الجامعة العربية معايير للتعامل مع وضعية الإقامة، وثائق السفر والتنقل، وحقوق العمل والتشغيل للاجئين الفلسطينيين في الدول الأعضاء في الجامعة. ولكن الاعضاء في الجامعة كانت تحرم الفلسطينيين من التمتع بحقوقهم الانسانية، او التضييق عليهم فيها، بحجة المحافظة على هويتهم وعدم توطينهم. وكأن اللاجئ الفلسطيني اذا حصل على حقوقه الانسانية يفقد هويته الوطنية، او لا يعود راغبا بالعودة الى وطنه اذا أتيح له ذلك!

وقد ترتب على هذه السياسة الخرقاء، أن تضاعفت معاناة الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة طوال فترة تواجدهم على اراضي تلك الدول. وكان ابرز اشكال هذه المعاناة التمييز ضدهم. كان التمييز ضد الفلسطينيين ليس فقط قياسا بمواطني الدولة المضيفة، بل قياسا بمواطني الدول العربية الاخرى، وغير العربية ايضا.
وبما ان اهم الدول العربية المضيفة هي سوريا ولبنان والاردن ومصر والعراق، فسنتعرّض لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدول على التتالي.

اولا: حقوق اللاجئين الفلسطينيين في سورية:
طالت عملية التهجير في عام 1948 نحو 750 ألف فلسطيني، يمثلون 54% من مجموع العرب الفلسطينيين، وفد منهم إلى سورية 85 ألف فلسطيني، استقر معظمهم في دمشق العاصمة، والأقلية الباقية في المدن السورية الأخرى. ونتيجة لمعدلات النمو الطبيعي بينهم، فقد ارتفع مجموعهم ليصل إلى (431) ألف لاجئ في نهاية عام2002، وقرابة (444) ألف لاجئ فلسطيني في عام 2004 (ابراهيم دراجي). وينبغي الإشارة هنا إلى أن هجرة اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية لم تقتصر على موجات النزوح العام في سنة 1948، وإنما استمرت طوال السنوات اللاحقة بفعل الأحداث السياسية المتلاحقة نتيجة ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية، مرتبطة بما يتعرض له الشتات الفلسطيني من أزمات وتهجير ثانوي.
رغم ان الفلسطينيين في سوريا يتمتعون اجمالا بحقوق هي الافضل بين الدول العربية التي يحتفظ بها الفلسطينيون بهويتهم الوطنية، الا انهم ينقسمون الى فئات مختلفة الحقوق، كما يلي:

1- فئة لاجئي عام 1948: يشكل هؤلاء الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، و تشرف على شؤونهم الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب. ويتمتع هؤلاء بحقوق المواطن السوري في كافة المجالات الوظيفية، والمهنية، والتعليمية، عدا أمور تخص الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس الشعب، مع الاحتفاظ بالجنسية العربية الفلسطينية. كما يؤدون خدمة إلزامية عسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، و يحصلون على وثائق سفر خاصة باللاجئين الفلسطينيين، لتسهيل الانتقال من وإلى سورية، و لا تقييد على حركتهم داخل البلد. كما أن لهم الحق في العمل، و التدرّج الوظيفي إلى أعلى الدرجات في السلم الوظيفي (ولو نظريا). ويتلقون خدمات صحية وتعليمية منتظمة، حيث يشار إليهم دوماً بعبارة "من هم في حكم السوريين"، وخاصة عند التسجيل في المعاهد والجامعات السورية المختلفة .
2- فئة لاجئي عام 1956: تم تسجيل هؤلاء على قيود مؤسسة اللاجئين وعلى قيود "الأونروا". وينطبق عليهم ما ينطبق على المنتسبين إلى الفئة الأولى، ماعدا أنهم لا يستطيعون دخول سوق العمل إلا من خلال التعاقد بصفة مؤقتة، ولا يخضعون للخدمة الإلزامية في جيش التحرير الفلسطيني الذي تأسس في عام 1964.
3- فئة نازحي عام 1967 : بالنسبة لمن استطاع التسجيل على قيود المؤسسة من هؤلاء، فإنه يعامل معاملة فئة لاجئي عام 1956، أما بالنسبة لغير المسجلين، فإنهم يعاملون معاملة الأجنبي، إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية (قطاع غزة)، ومعاملة العربي المقيم إذا كانوا من حملة جوازات السفر الأردنية (المؤقتة).
4-فئة نازحي عام 1970 : تعتبر أوضاع هذه الفئة، الأكثر تعقيداً، إذ أن الغالبية العظمى منهم لا تملك وثائق، بعد إلغاء أو انتهاء صلاحية جوازات السفر الأردنية التي كانوا يحملونها، وبعضهم يحمل وثائق سفر مصرية لأبناء قطاع غزة. يتوجب على حملة الوثائق المصرية منهم، تجديد إقامتهم في سورية دورياً كل سنة. و ثمة تقييدات على دخولهم سوق العمل، وإن كانوا لا يعانون تمييزاً في الخدمات الصحية والتعليمية .
أما من فقدوا جوازاتهم الأردنية نتيجة أسباب الهجرة والنزوح فلا يُطلب منهم الحصول على بطاقة إقامة، و لكنهم بالطبع لا يستطيعون الحركة خارج سورية لانهم لا يملكون وثائق سفر صالحة. ولا يستطيعون ايضا الدخول إلى سوق العمل بشكل منتظم.

ثانيا: حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان:
يمكن القول أن اللاجئين الفلسطينيين قوبلوا على الصعيد الإنساني بتعاطف رسمي وشعبي من قبل اللبنانيين. ولكن التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تميّز بالتقلب وبعدم الثبات، تبعا لطبيعة القوى المؤثرة في الشارع وفي السلطة، وكيفية فهمها وإدارتها لما عرف فيما بعد بالملف الفلسطيني.
وفي عام 1950 شكلت الحكومة اللبنانية "اللجنة المركزية لشؤون الفلسطينيين". وكان اولى المهام التي قامت بها هي اجراء احصاء عام للفلسطينيين في لبنان، والذي بدأ في اواخر عام 1951 واستمر حتى حزيران 1952. ومن الجدير ذكره هنا ان "مكتب الهيئة العربية العليا" الفلسطيني كان يعمل بالتنسيق مع هذه اللجنة.
وقد عاملت الدولة اللبنانية، اللاجئين الذين حضروا بعد إحصاء عام (1952)، بشكل مختلف، فقد تُرك موضوع تنظيم قيودهم وإقامتهم للأمن العام اللبناني.

وعلى صعيد العمل، شهدت الفترة الأولى تسامحا من الدولة اللبنانية، تجاه الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الخاصة، إلى أن أثير الموضوع في جلسات مجلس النواب اللبناني في نهاية عام (1951)، بعد أن أصدر وزير الشؤون الاجتماعية (آنذاك)، قانونا "طلب فيه من اللاجئين التوقف عن العمل، بحجة أنهم يعملون بدون أجازات، وينافسون اليد العاملة اللبنانية". وقد سُمح للاجئين بالعمل، في الميادين التي لا يُلزم العاملون فيها باستصدار إجازة عمل، كمشاريع العمران في المدن، والزراعة في الريف، وغير ذلك من الميادين، كما سُمح للفلسطينيين بالعمل في الأنروا، بدون إجازة عمل (محمود العلي- باحث اجتماعي). وفي عام 1963 بدأت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتشديد إجراءاتها بتطبيق قانون العمل على الأجانب. وكان من نتيجة عدم استثناء الفلسطينيين أن المئات منهم سُرّحوا من أعمالهم لدى الشركات والمؤسسات اللبنانية، فناشد هؤلاء الرئيس اللبناني فؤاد شهاب التدخل لرفع هذا الظلم عنهم، وكان من نتيجتها أن أخذ مجلس الوزراء اللبناني، قرارا، "باستثناء الفلسطينيين، الذين وصلوا قبل عام 1961، من أحكام قانون عمل الأجانب".

بقي وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على هذا النحو حتى عام (1959)، حين صدر مرسوم جمهوري بتشكيل مديرية خاصة للاجئين الفلسطينيين، تابعة لوزارة الداخلية. وقد كُلفت هذه المديرية، بمتابعة كافة أوجه حياة الفلسطينيين الاجتماعية، فعينت مراقبا لها في كل مخيم، مهمته التنسيق مع الأنروا من جهة، ومتابعة إصدار الوثائق المتعلقة بالأحوال الشخصية من جهة أخرى.

ولكن الصدام بين المقاومة الفلسطينية والسلطة اللبنانية أدى إلى عقد اتفاق القاهرة عام 1969، وشكلت هذه الاتفاقية منعطفا بارزا في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث سُمح لهم بالتنقل بين مختلف المناطق بدون أذون مسبقة، وسُمح لهم (مبدئيا) بحرية العمل، إضافة للانتماء للمقاومة الفلسطينية المسلحة. وعلى كل لم يعد الحصول على التراخيص ضروريا، ذلك أن تدهور مؤسسات الدولة التدريجي، وميزان القوى في الفترة بين عامي (1969 – 1982)، لم يكن يسمح للدولة بالتشدد تجاه الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الخاصة، وبعض الحرف والمهن الحرة، باستثناء تلك التي تتعلق مباشرة بعمل الدولة ومؤسساتها.
وقد شكل كل من الاجتياح الإسرائيلي عام (1982)، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، مفصلا بارزا في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحيث "امتلأت السجون اللبنانية بالمعتقلين الفلسطينيين، بدون أي سبب إلا لكونهم فلسطينيين".

وتوالت الإجراءات المناوئة للفلسطينيين، فصدر القرار رقم (289/1) تاريخ (18/12/1982) عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، والذي "اغلق باب العمل في لبنان أمام الفلسطينيين في مجالات عديدة. وقد حدد القرار حوالي (69) مهنة ومصلحة، منع الفلسطينيون من العمل بها. وقيل يومها "أن الفلسطيني ممنوع من العمل خلف الجدران او تحت السقوف".

وفي محاولة لفك الطوق الاقتصادي الخانق على رقاب اللاجئين، شكلت القيادات الفلسطينية خلال عام (1991)، لجنة من أجل الحوار مع الحكومة اللبنانية، بشأن ما سمي بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان. وقد أسمت الحكومة اللبنانية من جانبها، لجنة من الوزيرين شوقي فاحوري وعبد الله الأمين، لمناقشة الجانب الفلسطيني في طروحاته، إلا أن الموضوع طوي بعد سلسلة من الاجتماعات، بانتظار ما ستسفر عنه مفاوضات التسوية في المنطقة. وقد توقف الحوار من قبل الحكومة بدون إعلان رسمي (محمود العلي- باحث اجتماعي).

وفي خطوة تعكس تشددا من الدولة بِما يتعلق باستقرار الفلسطينيين وشعورهم بالاطمئنان، أصدر مجلس النواب اللبناني قانونا يتعلق بتملك الأجانب بتاريخ 21 آذار 2001، نصّ على أنه "لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان، لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين"، اي لاي شخص من اصل فلسطيني، حتى لو كان يحمل جنسية دولة معترف بها.
وقد كان من تداعيات المرسوم المذكور إشكاليات قانونية تتعلق بالفلسطينيين الذين اشتروا مساكن قبل صدور المرسوم، حين تبين أن هؤلاء يفقدون الحق في توريث الملكية لأبنائهم. مع العلم أن هؤلاء كانوا قد دفعوا رسوما لتسجيل ممتلكاتهم تفوق تلك التي كان يدفعها اللبناني (سهيل الناطور- النهار اللبنانية 26/8/2002 ذكرها محمود العلي).

وبالتالي يتضح أن الفلسطينيين لم يعاملوا في لبنان كلاجئين، حسب المبادئ الدولية، الورادة في الاعلان العالمي، او في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، او العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث ان لبنان من الدول المصادقة عليها، ولا حتى حسب احكام برتوكول الدار البيضاء وقرارات الجامعة العربية اللاحقة.

ثالثا: حقوق اللاجئين الفلسطينيين في الاردن:
إن وضع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن هو الأكثر التباساً من وضع اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة ولا سيما في سوريا ولبنان ومصر. ذلك أن الغالبية العظمى منهم قد اكتسبوا الجنسية الأردنية. وبالضرورة القانونية، يصبحون أردنيين متساوين في الحقوق والواجبات كالأردنيين من مواطني الضفة الشرقية.
يمكن القول أن العلاقة الأردنية – الفلسطينية، ظلت تتمتع – بشكل عام – بالصحة النسبية خلال الفترة من إعلان توحيد الضفتين في العام 1950 إلى العام 1967. وعلى إثر هزيمة حزيران وبداية تطور منظمة التحرير الفلسطينية على مسرح الأحداث، وتطور فصائل المقاومة الفلسطينية، بدأ التصارع يتركز حول الهوية الوطنية في الأردن، وحول الولاء وازدواجيته. وخلال الفترة التالية لأحداث أيلول 1970، أصبح التصارع أكثر حدّة. ويمكن تلخيص مظالم الفلسطينيين من حملة الجنسية الأردنية (كان ومازال) بأن نسبة تمثيل الفلسطينيين في الحكومة والبرلمان لا يتناسب وعددهم من مجموع سكان الأردن، وأن الوظائف العليا والوظائف الحساسة مقصورة على المواطنين من أصل أردني (خاصة بعد احداث ايلول 1970)، وأن الجهاز الحكومي يحابي المواطنين من أصل أردني في مختلف المعاملات. ومن الاقوال الدارجة في الشارع الاردني أن "السلطة الرسمية للشرق اردنيين، اما السلطة الاقتصادية فللفلسطينيين".

وبتاريخ 11/9/1988، صدر عن مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات الاردني تعليمات (استنادا لقرار مجلس الوزراء)، وأهم ما ورد في هذه التعليمات انه اعتبر "كل شخص مقيم في الضفة الغربية قبل 31/7/1988 (يوم خطاب الملك حسين الذي أعلن فيه فك الارتباط مع الضفة الغربية) مواطنا فلسطينيا ويشمل ذلك الفلسطينيين المتواجدين في (المملكة) أو خارجها ويحملون بطاقات جسور خضراء". واستثنت التعليمات الذين يحملون بطاقات جسور صفراء، واعتبرتهم أردنيين. وحددت التعليمات انه إذا كان الأب فلسطينيا ومقيما بالضفة الغربية والأم أردنية مقيمة في المملكة مع أولادها، "يعطى الأولاد جوازات سفر مؤقتة.." وتحتفظ الزوجة بجنسيتها الأردنية. أما إذا كان الأب أردنيا ولدى أولاده لم شمل ويقيمون في الضفة الغربية، فانهم يعتبرون فلسطينيو الجنسية. ثم توالت تعليمات وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية، والتي هي في مجملها تجريد مواطني الضفة الغربية من جنسيتهم الأردنية، وبالتالي من حقوقهم التعليمية والتموينية والصحية.

وبدون الدخول في لعبة الأرقام والتعريفات، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن والمسجلين في سجلات الأونروا، وما زالوا يحملون الجنسية الاردنية يبلغ حوالي مليونين، كما أن هناك فلسطينيين لم يدرجوا في سجلات الأنروا، إلاّ أنهم يتمتعون بالجنسية الأردنية.

رابعا: حقوق اللاجئين الفلسطينيين في مصر:
جاء اللاجئون الفلسطينيون بأعدادهم الكبيرة، عام 1948، وخاصة سكان محافظة يافا الى مصر. وبعدهم توافدت أعداد قليلة، ممن قذف بهم، احتلال القوات الإسرائيلية لقطاع غزة، خريف 1956، خلال العدوان الثلاثي. على أن أعداداً أكبر وصلت مصر بعد احتلال القوات الإسرائيلية للضفة الغربية وقطاع غزة، في حرب يونيو/حزيران 1967.
في عام 1948 تجمع في معسكر القنطرة ما يقرب من اثني عشر ألف لاجئ فلسطيني. وما لبثت العائلات التي خرجت من ديارها ببعض المال، أن طلبت السماح لها بترك المعسكر، والإقامة داخل القطر المصري. هنا تشكلت لجنة خاصة للنظر في هذه الطلبات، وسمحت اللجنة بالخروج لكل من توفر فيه شرطان أساسيان: القدرة المالية، وكفيل ميسور من أهل البلاد (كما يذكر عبد القادر ياسين). وبقي داخل معسكر القنطرة حوالي سبعة آلاف لاجئ فقط تحت إشراف اللجنة العليا.
عندما استقر قطاع غزة تحت رعاية الإدارة المصرية، أصدر مجلس الوزراء المصري قراراً في أيلول/سبتمبر سنة 1949، يقضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من معسكر ((القنطرة)) إلى قطاع غزة.

بعد الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 دُعي الفلسطينيون المقيمون في غزة للدراسة والعمل والتملك في مصر حيث عُوملوا كمواطنين مصريين. ففي عهد عبد الناصر، كان باستطاعة أبناء الفلسطينيين المقيمين في مصر وغزة الالتحاق بالمدارس الحكومية والاستفادة من الرسوم الجامعية المُخفَّضة. وفي وقت لاحق، شملت هذه المزايا الموظفين والمقاتلين المنخرطين مع منظمة التحرير الفلسطينية والموظفين الفلسطينيين السابقين في الهيئات الحكومية المصرية. وفي أعقاب حرب حزيران/يونيو عام 1967 وبعد احتلال إسرائيل لِما تبقى من فلسطين، ومرتفعات الجولان السورية، وشبه جزيرة سيناء، لم يستطع الفلسطينيون القاطنون في مصر العودة إلى غزة. وبحلول عام 1969 تم إدماج الفلسطينيين في مصر. اما تجنيس الفلسطينيين فلم يكن يومًا أحد الخيارات المطروحة.

وفي سنة 1960، واستناداً إلى الإحصاءات الرسمية المصرية، كان في القطر المصري 15.493 فلسطينياً. وانتشر الفلسطينيون في أربعة عشر محافظة، لكن عدد الوافدين إلى مصر من أهل قطاع غزة ازداد أوائل الستينيات بسبب استعادة الاقتصاد الفلسطيني عافيته من جديد.
في أواسط الثمانينات حددت إحصائيات إدارة الحاكم العام لقطاع غزة مجموع الفلسطينيين المقيمين في مصر، بصورة قانونية بحوالي 27.500 شخصاً، فضلاً عن قرابة ثمانية آلاف آخرين يقيمون في مصر بصورة غير رسمية.

ارتبطت معاملة الفلسطينيين في مصر بالشأن السياسي ارتباطاً قوياً. فقد شهدوا عصرهم الذهبي في ظل الحكم الناصري، وما أن اتجه السادات إلى الغرب بقوة حتى بدأت معاملة الفلسطينيين في مصر في التدهور المضطرد.
جاءت بداية التحول مع زيارة السادات للكيان الصهيوني، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1977، حيث قامت أجهزة الأمن المصرية بترحيل عشرات الطلبة الفلسطينيين، ممن احتجوا على هذه الزيارة، أو اشتبهت هذه الأجهزة في ارتباطهم العضوي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالذات، كما تم ترحيل أربعة من قيادة فرع الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، من بين تسعة أعضاء هم مجموع قيادة الفرع (الهيئة الإدارية؛ ومندوبي المؤتمر العام)، وأغلقت هذه الأجهزة مقر فرع الاتحاد في العاصمة المصرية. وسرعان ما ألحقتهم بطرد معتمد فتح في مصر، ومدير مكتب منظمة التحرير، ورئيس الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين.

في تموز/يوليو 1978، صدر قرار رئيس الجمهورية بإلغاء القرارات التي كانت تعامل الفلسطينيين معاملة المصريين، كما حظرت وزارة القوى العاملة اشتغال الأجانب –وخاصة الفلسطينيين- في الأعمال التجارية، والاستيراد والتصدير، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية، منذ أكثر من خمس سنوات.
منذ بداية ثمانينات القرن العشرين، عومل اللاجئون الفلسطينيون في مصر معاملة الأجانب الغرباء، فلم يسمح لهم بمزاولة أي عمل من الأعمال، سواء أكان ذلك العمل وظيفياً، أو تجارياً، أو صناعياً. بل لقد كانت مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية تكتب على بطاقة الإقامة، أو جواز سفر أي لاجئ فلسطيني العبارة التالية: "لا يجوز له العمل، بأجر أو بدون أجر"، كما صدر قرار وزير التربية والتعليم المصري عام 1981 بنقل الطلاب الفلسطينيين من المدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، ما عدا أبناء العاملين في الجيش وإدارة الحاكم. ويعامل الفلسطينيون معاملة الأجانب الوافدين. كما حُظر على الطلبة الفلسطينيين الالتحاق بكليات الطب والهندسة والصيدلة والاقتصاد والإعلام.

طال العسف سفر الفلسطينيين وإقامتهم. وكان الفلسطينيون في مصر وقطاع غزة يحملون وثائق سفر من "حكومة عموم فلسطين" حتى سنة 1960، حيث صدر في مصر انذاك القانون رقم 28 لسنة 1960، ومنح بموجبه فلسطينيو مصر وقطاع غزة وثائق سفر مصرية ضعيفة الفاعلية، حيث لم تمنح حاملها حق الدخول إلى مصر، إلا بإذن مسبق من قنصليات مصر في الخارج، كما ان عدم الحصول على اذن مسبق بالعودة لمن يساقر خارج مصر، كان يؤدي الى فقدانه حق الاقامة فيها حتى لو امتلك وثيقة مصرية.

وتفاوتت سنوات الإقامة التي تمنح دورياً للفلسطيني في مصر بحسب سنة قدومه إلى البلاد، وسنوات إقامته. فمن قدم ما بين سنتي 1948 - 1953 منح إقامة لمدة خمس سنوات متصلة. أما أقل من هذه المدة فيمنح إقامة لمدة سنة كاملة، عليه تجديدها من مصلحة الجوازات، عند انتهائها.
وإذا ما افتقد الفلسطيني سبب الإقامة، مثل العمل أو الدراسة، فيمكنه إبراز ما يفيد إيداعه مبلغاً من المال في صندوق البريد، أو أحد البنوك كمبرر للحصول على هذه الإقامة. في مطلع سنة 1984، صدر قانون فرضت بموجبه وزارة الداخلية المصرية على الإقامة السنوية لكل فلسطيني رسماً قدرة 42,5 جنيهاً مصرياً. على الفلسطينيين الوافدين إلى مصر والراغبين في الإقامة فيها أن يحولوا 180 دولاراً عن كل فرد، شهرياً، عدا ما أصبح الفلسطيني يتعرض إليه من مضايقات في المعابر المصرية.

خامسا: حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العراق:
كان لوجود الجيش العراقي عام 1948 بمدينة جنين الأثر الكبير في نسج الخيوط الأولي للعلاقة مع المهجرين من شمال فلسطين، وعلى وجه التحديد من مدينة حيفا وقراها، حيث عمل الجيش العراقي علي نقل جزء من هؤلاء المهجرين خصوصا الاطفال والنساء وكبار السن بشاحنات التموين التابعة له إلي العراق مع بقاء الشباب للقتال في فوج الكرمل الذي شكله الجيش العراقي. وبعد أن وضعت حرب الـ 48 أوزارها إلى غير ما كان يحلم به الفلسطينيون، التحق الشباب الفلسطيني الذي انخرط في فوج الكرمل بعائلاتهم في العراق، وهذا قد يفسر فيما بعد التضارب بعدد الذين وصلوا العراق في الدفعة الأولى.
ففيما يتعلق بأعداد اللاجئين قبل احتلال العراق، لحق الكثير من اللغط والضبابية، وذلك لأسباب عديدة أهمها:

1- عدم وجود إحصاء دقيق لهم من قبل الحكومة العراقية لرفضها القيام بتلك الإحصاءات، والتي إن وجدت كان لا يصرح عنها. وقامت السفارة الفلسطينية ببغداد في محاولة لإحصاء اللاجئين في العراق إلا أن الحكومة العراقية أوقفت تلك المحاولة، وبقي العدد الحقيقي يخضع لاجتهاد المجتهدين.
2- غياب المؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين في العراق خصوصا وكالة الغوث للاجئين، وقصور المفوضية في اداء عملها لرفض العراق لذلك التدخل.
ولكن اللقاءات التي جرت مع تجمعات اللاجئين بعد احتلال العراق كانت تشير إلي أن عدد الفلسطينيين قريب من 18 ألف شخص. وقد أكدت هذا العدد الإحصائية التي قامت بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في نهاية شهر آب 2003، علما أن هذه الإحصائية قد شملت كل الفلسطينيين في العراق من حملة الوثائق العراقية والمصرية من المبعدين من الكويت، وجوازات السفر الأردنية. ويشار هنا الى ان هذا العدد هو حصيلة ما خلصت اليه المفوضية التي لم تكمل علمية الاحصاء، بينما اشارت التقديرات الى وجود ما يقارب 38 الفا. اما من حيث التوزيع السكاني، فقد توزعوا علي ستة مجمعات في بغداد، وواحد في البصرة، وآخر في الموصل. وكان التجمع الأساسي لهم في البداية في معسكر الشعيبة في البصرة، ليتم نقلهم فيما بعد إلي بغداد. كما أن هناك تجمعات في الزبير، المربد، العشار.

اما بخصوص الانماط السكنية، فهناك عدة أنماط سكنية شغلها اللاجئون في العراق، والتي يمكن تقسيمها كما يلي: الشقق أو البيوت التي منحتها الحكومة لأبناء الجالية وهي النسبة السائدة، الملاجيء، البيوت المؤجرة من قبل الحكومة، البيوت المجمدة، وهي عبارة عن البيوت التي تركها اليهود، البيوت المؤجرة من قبل اللاجئين أنفسهم، والبيوت المملوكة من أبناء اللاجئين وهؤلاء يشكلون نسبة ضئيلة منهم.

اما المشاكل السكنية التي يعاني منها الفلسطينيون في العراق فهي الاكتظاظ، وخاصة إذا علمنا بأن الشقة الواحدة المؤلفة من غرفتين قد تحوي في إطارها عائلتين أو اكثر أحيانا، وكذلك الحال بالنسبة للملاجيء. وهذا من شأنه أن يزيد من الأزمة الاجتماعية ومشاكلها في الوسط الفلسطيني.
اما الظروف الصحية وتدني الخدمات، فلا شك بأن تقادم البنايات وارتفاع عدد ساكنيها خلق أزمة من حيث مواءمة هذه المساكن للشروط الصحية، خصوصا بعد الاحتلال.
نتيجة للازدحام في الشقق وزيادة عدد العوائل القاطنين في الشقة الواحدة اضطر البعض منهم إلي البناء بشكل غير قانوني، وذلك في محاولة منه لحل أزمة السكن. بالنسبة للبيوت المملوكة من قبل اللاجئين عاني البعض منهم من مسألة تسجيل البيت باسمه بسبب القانون العراقي الذي يمنع ذلك باستثناء البعض منهم الذي استفاد من فترات السماح المتقطعة التي سمحت بها الحكومة العراقية بتسجيل البيوت بأسماء أصحابها من اللاجئين. بالنسبة للذين لم يسجلوا البيوت بأسمائهم، قاموا بتسجيلها باسماء زوجاتهم إذا كانوا متزوجين من عراقيات، أو بأسماء أصدقائهم من العراقيين، والذين تنكر البعض منهم ورفض التنازل عن البيت أو قام بإعطاء الفلسطيني ثمن البيت عندما صار الدينار العراقي بأدني قيمة له، وهي ولا شك لا تمثل قيمة البيت الحقيقية.
ويصنف الفلسطينيون في العراق الى:
1- الفلسطيني الذي دخل العراق وأقام فيه منذ عام 1948 ولغاية 1950 وهم الذين انطبق عليهم التعريف العراقي للاجيء وهؤلاء تمتعوا بحقوق لم يتمع بها باقي الفلسطينيين في العراق.
2- الفلسطيني الذي دخل بعد 1967، وقد دخل هؤلاء بجوازات سفر أردنية ولم يتمتع هؤلاء بحقوق من سبقهم.
3- الفلسطيني الذي قدم إلي العراق بعد أحداث الخليج في1991، وهم من حملة الوثائق المصرية الذين كانوا مقيمين في الكويت، وهؤلاء هم الاسوأ حظا.
مع دخول الفلسطينيين العراق في العام 1948 تولت وزارة الدفاع العراقية مسؤوليتهم حتي عام 1950. وكانت الوزارة توزع عليهم التموين، كما كانت توزعها علي الجيش. ومن عام 1951 لغاية أبريل 2004 كانت تتولي المسؤولية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وعندما تولت الوزارة المذكورة مسؤولية اللاجئين كانت تمنحهم في البداية بدلا نقديا قيمته دينار للفرد الواحد، وقد توقف هذا الدعم في عام 1970.

كان وجود الفلسطينيين في العراق منذ 1948 حتى 1958 بدون أي وثيقة تعريفية بهم، وفي عهد عبد الكريم قاسم تم إصدار أول وثيقة سفر للفلسطينيين في العراق. كما تمتع الفلسطينيون فيما بعد بحق العمل في أطر الدولة المختلفة إلي أن صدر قرار حرّم على غير العراقي التملك والاستثمار. وشمل ذلك الفلسطيني المقيم منذ عام 1948، لدرجة انه كان محروما حتى من تسجيل مركبة باسمه. وقد شكل هذا القرار عبئا كبيرا علي الفلسطينيين، مما دفع البعض منهم إلي الهجرة أملا في تحسين أوضاعه الاقتصادية.
وفي الأعوام 1990-1996 صدرت تعليمات عن ديوان الرئاسة استثني فيها الفلسطينيون القادمون منذ عام 1948 - 1950 من قرار عدم تمليك الأجانب حيث سمح لهم بتملك دار سكن واحدة.

كما أن الفلسطينيين في العراق تأثروا بظروف الحصار شأنهم في ذلك شأن كل العراقيين، وان اللاجيء الفلسطيني المتواجد هناك ليس بأفضل حال من العراقي بل كان وضعه أسوأ بكثير؛ فقد خسر الكثير من الامتيازات التي كان يتمتع بها وذلك إما بفعل القرارات الصادرة عن الحكومة العراقية أو بفعل تراكمات الوضع العام.
بعد احتلال العراق عام 2003 انشئت وزارة المهجرين والمهاجرين. وكان اللاجئون الفلسطينيون في العراق هم إحدى الفئات التي ترعاهم هذه الوزارة، وتملكت هذه الوزارة كل الملفات التي كانت موجودة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – مديرية شؤون الفلسطينيين في النظام السابق-، وأصبح كل فلسطيني لا يملك ملفاً في هذه الوزارة لا يُعَدّ من فلسطينيي عام 1948 الذين تطبق عليهم القوانين العراقية التي صيغت لهذه الفئة.

اما مديرية الاقامة في وزارة الداخلية العراقية، فهي أكثر مكان يراجعه اللاجئ الفلسطيني في العراق؛ فهي مسؤولة عن إقامة اللاجئ بصورة رسمية، فمن ليس لديه ملف في هذه المديرية، تكون إقامته في العراق غير شرعية. وهذه المديرية مسؤولة عن إصدار وثائق السفر العراقية، وهي المسؤولة عن إصدار هويات الإقامة للفلسطينيين من غير فئة فلسطينيي عام 1948، وهي المؤثر الأقوى في حياة اللاجئين. أما اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين في وزارة الداخلية، فهي المسؤولة عن كل اللاجئين الموجودين على أرض العراق، ومنهم الفلسطينيون.

أصدرت هذه اللجنة هويات تعريفية للاجئين الفلسطينيين، وهي ذات لون أحمر وتعني أن حاملها قد قبل بصفة لاجئ في العراق "الجديد"، ولكنها لا تمثل الإقامة الشرعية للفلسطيني الذي يجب أن يكون لديه ملف في مديرية الإقامة.
القانون رقم 202 لعام 2001، صدر عن مجلس قيادة الثورة، يعامل فيه الفلسطيني معاملة العراقي في الحقوق والواجبات، باستثناء الحصول على الجنسية. وهذا أول قرار واضح ولا يحتمل التأويل يعامل فيه الفلسطيني معاملة العراقي. لكنّ الفلسطينيين لم يستفيدوا منه، بسبب احتلال العراق في عام 2003، حيث رفض النظام الجديد تطبيق هذا القانون لانه "صدّامي"، وأصر على تطبيق القانون 51 لعام 1971 في زمن الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، والذي لا يتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، انما يتعامل مع اللاجئين السياسيين الذي يلجأون إلى العراق، ْ بحجة أنه القانون الوحيد الذي من الممكن أن تصدر من خلاله هويات تعريفية للفلسطينيين في العراق.
----------------------
* عبد الفتاح القليقلي (أبو نائل): كاتب وباحث فلسطيني، الأمين العام للمجلس الاعلى للتربية والثقافة والعلوم في م.ت.ف، وعضو الهيئة العامة لمركز بديل.