النضال من اجل تقرير المصير للفلسطينيين: القيادة اللامركزية والتضامن الدولي

بقلم: نورا عريقات*
بدلا من الحكم على الحالة المزرية والراهنة للشعب الفلسطيني- الذي يناضل باضطراد من اجل انتزاع حقوقه - على أنها قضية مؤسساتية ومنافية للمجرى الطبيعي للأمور، يتوجب النظر باتجاه المبادرات الفلسطينية التي تم إطلاقها في الأشهر الأخيرة؛ لتشكل احتجاجا واضحاَ على مشروع اسرائيل الاستيطاني والاستعماري. وعند الأخذ بالاعتبار عملية المفاوضات الإسرائيلية مع حركة حماس بشأن تبادل الأسرى، التي أدت في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح ما يقارب الف سجين فلسطيني- بعضهم كان معتقلا لاكثر من ثلاث عقود- إلى جانب الطلب الذي قدمته حركة فتح لعضوية الأمم المتحدة، والذي يشير إلى خروجها من القيود التي ادت الى نتائج عكسية على اثر المفاوضات الثنائية التي امتدت عبر العقدين الأخيرين، إضافة إلى تصاعد انجازات حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، و فرض العقوبات عليها، والتي تستهدف المؤسسات والشركات التي تقوم بدور متواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري، أضف إلى ذلك حملة ركاب الحرية؛ الذين اعترضوا حافلة المستوطنين التي كانت متجهه الى القدس الشرقية كي يبرهنوا عبر هذا على الطبيعة البغيضة لنظام التمييز المنهجي الإسرائيلي على المستويين العام والخاص، وإطلاق المشروع العالمي الذي يهدف الى تسجيل الفلسطينين في سبيل إعادة تأهيل الجسم التشريعي المشلول، والمسيرات التي نظمت على حدود اسرائيل من قبل الفلسطينيين في الشتات؛ كلها مبادرات تؤكد على أن التهجير المستمر والنفي للسكان الأصليين لم ينسهم ما حل ويحل بهم.

إن هذه الفعاليات سواء كانت جماعية أو فردية؛ إنما تعكس رؤية جديدة عن نظام الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري والممتد منذ فترات طويلة. ففي حين أن عملية تبادل الاسرى والمحاولة التي قدمها مشروع الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 تفضح حقيقة الغزو الاستعماري الذي توارى في كواليس مسرح المفاوضات، فان المقاطعة، والعمل المباشر، والنشاط المدني الوطني، تؤسس لمنهج جديد اساسه الديمقراطية والحرية.

وعلى وجه الخصوص، تأتي هذه الجهود اللامركزية، المنتشرة عالميا والمتجذرة محلياً لدى تجمعات السكان الفلسطينيين، دون وجود أي هيئة رسمية فلسطينية واحده توجهها. كما انه لا يوجد أية أجندة وطنية فلسطينية، وهذا يترتب عليه انعدام وجود إستراتيجية للتحرر الوطني. ومع ذلك؛ ما يبدو عائقا للعمل الجماعي يكمن في تفشي التوترات التي نتجت عن الانقسام الجغرافي والسياسي الفلسطيني. احد طلبة الدراسات العليا (نور جودة)، الموجود حالياً في واشنطن، والذي انضم إلى مجموعات من الشباب الفلسطينيين الناشطين في رام الله، يقول: "في بعض النواحي، {اللامركزية} هي أيضا متداولة للغاية، وكذلك هي كتكتيك تعود إلى أساليب وروح الانتفاضة الفلسطينية الأولى".

التضامن يستمد إلهامه من اللجنة الوطنية للمقاطعة
فيما احتشد الفلسطينيون للعمل عبر الحدود الوطنية، فقد حمل هذا الحشد معاني متعددة لحركة التضامن الدولية والتي بحاجة إلى ارشاد وتوجيه. وأسوء ما في الأمر أن الانتهازية السياسية الفاعلة ضيعت الجهود الجماعية للشعب الفلسطيني لان هذه الانتهازية تفتقر إلى الوحدة. وبالتحديد، منذ عام 2007، عندما أطاحت حركة حماس بحركة فتح في قطاع غزة، وقد وقع جدل بين المراقبين في حينه حول من يتحدث باسم الفلسطينيين، بينما كان المراقبون الأكثر إخلاصا والمعنيون بالوحدة الوطنية الفلسطينية مثل "عباس النقفي"، وهو طالب في مدينة فيلادلفيا متخصص في علم الوراثة والبيولوجيا الجزئية ومن منظمي حملة المقاطعةBDS ، قد وضح وجهة نظره حول قضية التمثيل الفلسطيني بالقول أنها "تعكس فجوة وحالة قطع مع ما يرغب به الفلسطينيون".

ونظراً للحاجة لدى هؤلاء المخلصين، فقد قدم نداء المجتمع المدني الفلسطيني في العام "2005" لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها جواباً لهم. ويؤكد ذلك عمر البرغوثي، وهو عضو مؤسس في حملة المجتمع المدني الفلسطيني BDS ضد إسرائيل، بالقول: " على مدى عقود، فإن التضامن العالمي مع فلسطين كان بمجمله رمزيا، بشكل خاص في ضوء انحطاط عملية اوسلو مع تأثير قليل واضح على اسرائيل...، مع نداء المقاطعة، وبالترافق مع إنشاء اللجنة الوطنية للمقاطعة، وهي أضخم ائتلاف يمثل المجتمع المدني الفلسطيني، نجد أن المرجع الفلسطيني الموثوق قد تأسس ومن شأنه أن يشكل دليلاً إرشاديا للنشاطين في مختلف مناطق تواجدهم". أما الناشطة والعضو القيادي في مؤسسة عدالة - نيويورك، "حنا ميلمرشتين"، فقد وافقت على تحليل البرغوثي، لكنها أضافت أن " نداء المقاطعة يمثل هدية لهؤلاء الناشطين".

ومع ذلك يمكن القول ان حركة المقاطعة، واللجنة الوطنية التي وجهتها، قد استجابت للاحتياج الذي كان مفقوداً؛ وذلك من خلال توفيرها نقطة مرجعية مركزية إلى جانب توجيهها لحركة التضامن، حيث أنها ملأت الفراغ الذي خلفه تراجع منظمة التحرير الفلسطينية. وإضافة إلى كونها شكلت بدون قصد توفيرها سلطة قيادية رديفة، فان نداء عام 2005 للمقاطعة شكل انتقالاً من نهج البحث عن دولة الى نهج اشمل أساسه الحقوق. وقد قدم هذا التوجه أيضا مسألة تقرير المصير للفلسطينيين بشكل واضح، ضمن الإطار الشامل للقانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يزال يفتقر إلى رؤية سياسية.

يقول البرغوثي:
" إن اللجنة الوطنية غير منحازة ضمن معادلة الجدل ما بين الحل القائم على أساس الدولة الواحدة مقابل حل الدولتين بين الفلسطينيين... حيث ندافع عن حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية الثلاث (العودة، وإنهاء الاحتلال، والمساواة التامة)
والتي بدونها، نحن كشعب، لا نستطيع ان نمارس حقنا غير القابل للتصرف في تقرير المصير. ولدينا توافق بشأن هذا البرنامج النضالي، على الرغم من الانقسامات العميقة التي تسود الساحه السياسية الفلسطينية".

بروز الشبكات الفلسطينية في الشتات وعبر الحدود
إن حالة انعدام وغياب برنامج سياسي يمثل التطلعات الوطنية الفلسطينية، ترافق مع استمرار انهيار منظمة التحرير الفلسطينية في اعقاب "عملية أوسلو للسلام". ففي ورقته غير المنشورة، والمعنونة بـ: "صعود وانهيار منظمة التحرير الفلسطينية: تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية"، يشير الكاتب سيف دعنا إلى أن اتفاقيات اوسلو لعام 1993 والتي ادت الى إيجاد السلطة الفلسطينية، قصد منها أن تكون سلطة ادارية مؤقتة، لكن وجودها أصبح دائما بسبب أن عملية السلام ظلت مستمرة دون إيجاد حلول".

يضيف دعنا قائلا:
"هيأت اتفاقية أوسلو أسباب الوفاة لمنظمة التحرير الفلسطينيه كبنية وبرنامج معاً، وبدأت حالة من الصراع داخل منظمة التحرير الفلسطينية ما بين البيروقراطيين المرتبطين بالطبقه الحاكمة الجديدة، والشخصيات المتمسكة بقيم منظمة التحرير الفلسطينية، والمتمثلة بالتحرر والاستقلال. وقد تكثفت هذه المنافسة التي لا مفر منها تدريجيا عبر تعزيز دور السلطة الفلسطينية كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينيه باعتبارها الهيكل السياسي، الأمر الذي ترافق معه إعادة تعريف القضية الفلسطينية بشكل واسع".

وقد اعتبر قادة شبكات أخرى في الشتات، أن صدى هذا الفراغ القيادي يشكل المبرر الوجودي لمبادراتهم. "اندرو دالاك"، أحد الأعضاء البارزين في شبكة فلسطين- الولايات المتحدة، التي تمثل شبكة لفلسطينيي الشتات والتي بدأت في عام 2006، وترسخت في عام 2008، يقول:

" إن الهدف الأساسي لشبكة فلسطين- الولايات المتحدة USPCN ، هو توفير جسم شعبي ممثل سياسياً، وخاضع للمساءلة، لفلسطيني الشتات والعرب. وان الشبكة تعبر عن الاستجابة للحاجة الوطنية الفلسطينية، وهذا من خلال توفير وسيلة يمكن للفلسطينيين في الشتات التأثير في مسألة تقرير مصيرهم والمستقبل الفلسطيني من خلالها. وأنه منذ توقيع اتفاقيات أوسلو والفلسطينيون بأمس الحاجة الى مخرج سياسي هادف، وهذه الشبكة تساهم في ملئ هذا الفراغ".

أما لبنى قطيمي، وهي المنسق الدولي العام لحركة الشباب الفلسطيني( PYM)، التي هي عبارة عن "هيئه دوليه من الشباب الفلسطينيين، ممتدة عبر ثلاثة وثلاثون بلدا بما فيها فلسطين، وتهدف إلى إعادة تنشيط الحركة الشعبية من اجل تحقيق التحرير الكامل والعوده للفلسطينيين"، فتقول:

"منذ الأيام الأولى لتشكيل حركة الشباب PYM ، كان من الواضح اننا تشكلنا نتيجة لحالة الجمود في المفاوضات الفاشلة والتي حاصرت شعبنا، وللتشرذم والفساد في قيادتنا والتعطيل الكامل لحركة التحرر الوطني الفلسطيني... كنا نعرف اننا نحاول ملئ الفراغ - الفراغ السياسي- هذا انه لا يوجد هيئة ممثلة او حل يشتمل على ما لدينا من تطلعات، كان علينا أن نقوم كجيل شباب، بالحفاظ على الإرث النضالي المشرف لأولئك الذين سبقونا؛ وهذا من خلال ضمان عدم اختزال النضال الفلسطيني فيما نشهده من اوضاع متردية في فلسطين".

أعادت حركة الشباب الفلسطينية كتابة ميثاقها على أساس الحقوق وابتعدت عن خطاب النهج القائم، وقد أتت هذه التطورات في الحركة نتيجة إجماع الآراء ما بين الأعضاء، على أن هذا النهج جعلهم يغفلون عن ضرورة التعبئة الشعبية المباشره بين التجمعات السكانية الفلسطينية، ومع ذلك لا يزال النهج السائد هو المرجع البارز لنشطاء التضامن الدولي.

اما "ميلمرشتين" فتضيف: " ليس بالضرورة أن يكون كل شخص في الشارع الفلسطيني ناشطا في حملة المقاطعة (BDS)، لكن حملة المقاطعة تشكل إطارا لا يتعارض معه الكثير من الفلسطينيين. فالحملة خط أساسي، وجملة من الحقوق، وإطار عمل، وبالنسبة لي هذا مهم كأهمية التكتيك نفسه".
وحملة المقاطعة، بكلمات البرغوثي فتمثل " اكبر وأوسع ائتلاف للمجتمع المدني الفلسطيني للنضال من اجل حقوق الفلسطينيين بموجب القانون الدولي". هذا على الرغم من انها تتمتع بالتأثير بين أجزاء كبيره من حركة التضامن الدولي؛ نجد البرغوثي يصر على أن ،" اللجنة الوطنية ليست، ولا تطمح لتصبح هيئه سياسية بديلة. كما يجب أن تبقى القيادة السياسية للشعب الفلسطينية ضمن هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية".

التضامن: التنوع والاستقلالية

لقد تجلت قيمة الشبكات الفلسطينية في الشتات والعابرة للحدود، كهيئات سياسية مخولة، في استجابتها لمحاولة السلطه الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية؛ نيل الاعتراف بإقامة دوله فلسطينية من خلال الأمم المتحدة. وفي خضم هذا التحول الأكثر أهمية لدى القيادة الوطنية الفلسطينية منذ مطلع التسعينيات، قامت هذه الشبكات ذات القاعدة العريضة على الصعيدين الوطني والدولي بمحاولة للطعن في شرعية السلطة الفلسطينية، ووجهت المتضامنين إلى إبداء دعمهم بوسائل اخرى.

وقد أصدرت شبكة فلسطين- الولايات المتحدة (USPCN) في البيان الصادر عنها في 27 من آب عام 2011 دعوة مفتوحه للفلسطينيين والعرب من اجل " رفض مبادرة الدولة الفلسطينية ووصفتها بأنها لا مبرر لها وغير مسؤولة، كما أنها تهدد الحقوق والمؤسسات الفلسطينية". وكذلك الحال في أواخر أيلول عام 2011، عندما أعلنت حركة الشباب الفلسطينية (pym) " أنها وقفت بعناد ضد الاقتراح من اجل مسعى نيل الاعتراف بدوله فلسطينية على حدود على 1967..ز حيث ورد: ( نعتقد ونؤكد ان إعلان قيام دولة يسعى فقط لاستكمال عملية التطبيع ... وهذه المبادرة لا تعترف أو تأخذ بعين الاعتبار بان شعبنا ما زال يعيش ضمن سيطرة نظام استعماري استيطاني، يقوم على التطهير العرقي لأرضنا والتبعية والاستغلال لشعبنا". إلا أن اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل كانت قد رحبت باعتراف غالبية الدول بإقامة دولة فلسطينية لكنها وضحت: " أن الاعتراف بالحق بإقامة الدولة الفلسطينية وحده غير كاف لوضع نهاية حقيقية للاحتلال والاستعمار الإسرائيلي".

وقد ترتب على البيانات والمواقف المعلنة من قبل الشبكات المذكورة أعلاه، أنها شكلت دليلاً للناشطين المتضامنين، مثل "كرستين ايس شور"، وهي صحفية في لوس انجلوس إلى جانب نشاطها ضمن حركة المقاطعة والتضامن، حيث تعترف "شور" أنها تلقت توجهات وأفكارا متضاربة حول مشروع الدولة الفلسطينية، لكنها اختارت في نهاية المطاف - توخياً لتوازن موقفها- الانحياز للتوجه القائم على تبني الحقوق والمعارضة الحاسمة لدعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل. وقد علقت شور: "ألجأ إلى الفلسطينيين لتزويدي بالمعلومات، لاعتقاي بان الفعالية تتطلب إدراك الفروق الدقيقة. وان المبادئ العالمية وحدها ليست كافيه في مثل هذا الوضع الذي يتحدى مجمل حقوق الإنسان، والقانون الدولي، والعديد من قرارات الأمم المتحدة". كذلك يوافق الناشط "اندرو دالك" ويضيف: " من دون نقطة مرجعية موثوقة، فإن منظمات التضامن مع الفلسطينيين تقع في حيز المخاطر، ففي أحسن الأحوال، ستفقد البصيرة، بينما في أسوأ الأحوال ستتجاوز حدود صلاحياتها وكأنها صوت الفلسطينيين".

ويشير "شون كلينتون"، العضو الناشط في حملة التضامن الايرلندية الفلسطينية على مدى السنوات العشر الماضية، أن هناك تضاربا فيما يتلقاه من قبل قيادة حركة المقاطعة ويترتب على ذلك انه يتبع "الفهم والتحليل الذاتي". بمعنى أن "كلينتون" لا يتقيد بمطالب الحركة ولكن ببساطة يتبنى النهج الاستراتيجي لها، ويأسف على حالة عدم وجود انعدام قيادة مركزية فيها. وفي هذا السياق أوضح البرغوثي، أن هذا النهج مقصود من قبل اللجنة الوطنية، حيث " يميز وبعناية بين التوجيه/الإرشاد والفرض".
ويثير موقف اللجنة الوطنية معضلة حقيقية هنا، حيث يؤكد على حق ملكية نداء المقاطعة الذي أطلقته اللجنة عام 2005، والذي في نفس الوقت يلتزم بكلمات البرغوثي "حيث يحترم فيها قرارات الشركاء فيما يتعلق بأي سياق محلي في اختيار تكتيكات المقاطعة ذات الصلة وتبني التكتيكات المناسبة لذلك السياق".
وتحذر القطيمي من المخاطر التي يشكلها المتضامنون الذين يمتثلون لنداء المقاطعة، بينما يشعرون بحقهم في أن يرفضون الانخراط مع المرجعيات الفلسطينية في مناطقهم. وتصف حادثة وقعت أثناء جلسات الاستماع لحملة المقاطعة في جامعة كالفورنيا بيركلي في ربيع عام 2010، حيث ذهب إسرائيلي كان قد لف نفسه بالعلم الإسرائيلي إلى الميكروفون للتعبير عن معارضته للهجمات على غزة ودعمه لحركة المقاطعة لإسرائيل. كما تلاحظ قطيمي ان:
" عزل غزة عن السياق الأوسع الفلسطيني وعدم التركيز أو التأكيد والتمكين للأصوات المحلية الفلسطينية واحتياجاتها، والنجومية التي بناها المتضامنون من خلال عملهم مدفوع الأجر في حركة المقاطعة... لا يبدو أنها تتلاءم مع فهم حركة التحرر الوطني وتفكيك الاستعمار."

التحديات المماثلة التي واجهتها حركات المقاومة الجنوب افريقية
على الرغم من بذل مجهود كبير لتميز نداء المقاطعة (BDS 2005) عن دعوات مماثلة أطلقت في أواخر الخمسينيات لمقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إلا أن نقاط الالتقاء فيما بينهما تطغى على نقاط الخلاف. فقد جاءت الدعوة لمقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا من قبل مجموعة من الدول الإفريقية في عام 1961 وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 1761 من العام 1962. ودعا القرار الأعضاء ان تتصرف بشكل منفصل أو جماعي، وفقا لميثاق الأمم المتحدة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع جنوب إفريقيا، وإغلاق الموانئ أمام السفن الجنوب افريقية، ومنع السفن التي ترفع أعلام هذه الدول من دخول الموانىء في جنوب افريقيا، والى المقاطعة التجارية لدولة جنوب أفريقيا، وتعليق حقوق الهبوط لطائرات جنوب إفريقيا. وفي المقابل، جاء نداء2005 لمقاطعة إسرائيل من قبل اكبر تحالف لمنظمات وشبكات المجتمع المدني الفلسطيني، واقر كإستراتيجية جزئية فقط وليس كدعوة من قبل السلطة الفلسطينية، ولم يتم تبنيها من قبل الانظمة العربية بشكل جماعي؛ ناهيك عن عدم تبنيه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى الرغم من سلطتها المتماسكة، فإن حركة المقاطعة في جنوب إفريقيا كانت تعاني من الانقسام الداخلي. بيل فليتشر الابن، الباحث والرئيس السابق لمنتدى "ترانس افريقا" (TRANS-AFRICA)، والذي شارك في الحركة كمنظم للعمل، علق على الحركة بالقول: " على الرغم من أن المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) كان أكثر حزب سياسي جنوب إفريقي منتشر في الولايات المتحدة، لكنه لم يكن الوحيد. فقد وجدت أطراف أخرى مثل مؤتمر عموم إفريقيا (PAC)، إضافة إلى الحركة الشعبية أزانيا (AZAP)، وبالتالي كان كل طرف يمثل تأثره بالسياسة الدولية والمحلية". على الصعيد الدولي فإن المؤتمر الوطني الإفريقي تحالف مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، بينما مؤتمر عموم أفريقيا (pac ) كان قد تحالف مع الصين، وكان قد حصل على أسلحة من الصين، كما تأثرت الحركة الشعبية AZAPO بالماوية، وتعرضت لبعض تأثيرات التروتسيكة بالترافق مع تشكيل (الوعي الأسود/الزنوجة) كما يشير فليتشر. ويتابع مضيفاً: "وبهذه الطريقة لا تختلف الحركة كثيرا عن فلسطين... ولكن ما كان مختلفا هو التضامن الواسع جدا؛ حيث لم يكن هناك مشكلة في اختيار اي منظمة للوقوف بجانبها او للتحالف معها".

وبالنسبة للجزء الأكبر، لم يقلق المتضامنون انفسهم بالفروق الداخلية بين الحركتين ولكن التزموا بمهمة إنهاء الفصل العنصري. وعلى الرغم من انه، وكما يلاحظ فليتشر " لم يكن احد متأكدا تماما مما ستعنيه نهاية الفصل العنصري"، وبدلا من ذلك، فإن النشطاء المتضامنين وافقوا على حكم الاغلبية السود، ووضع حد للفصل العنصري، وإعادة توزيع الأراضي، وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

ولم يكن التحدي الذي واجهته دعوة المقاطعة في جنوب افريقيا ناشئا عن التوتر الداخلي المميت، ولكنه جاء نتيجة لجهود المتضامنين الأفارقة - الأمريكيين. وعلى وجه الخصوص، فإن القوى التي عارضت الدعوة المتطرفة لحملة المقاطعة تلك قد التأمت حول مبادئ سوليفان، الذي صاغها القس ليون سوليفان. هذه المبادئ السبعة، والتي بدأت 6 مبادئ في عام 1977 ولكنها أصبحت 7 بحلول 1984، تعزى بأنها أصبحت "مخططا لإنهاء نظام الفصل العنصري". حيث قاد القس سوليفان حركة ناجحة لإلزام الشركات الأمريكية بهذه المبادئ. وعلى الرغم من احتفالهم بإرثهم، يوضح فليتشر، فقد كانت المبادئ " تسبب الإلهاء... وكان يهدف سولفان الى نزع الشرعية عن حزب المؤتمر الوطني الافريقي ANC و ومؤتمر عموم إفريقيا PAC ... والناس الذين دافعوا عن مبادئ سوليفان كانوا معارضين لقوة حركة المقاطعة في الولايات المتحدة والقوى الثورية في جنوب افريقيا".

وبحسب البرغوثي فان صراعا مماثلا داخل حركة المقاطعة من جهات إسرائيلية،" حيث حاولت في المراحل المختلفة بعض الجماعات الصهيونية المعتدلة، وبشكل ملح، التقليل من مطالب دعوة المقاطعة، واختصارها على إنهاء الاحتلال للأرض المحتلة عام 1967، وفي المقابل، حجب المرجعية الفلسطينية لحركة المقاطعة العالمية، ولكن جهودها فشلت وبشكل حاسم".

وسواء كان هناك قيادة متماسكة أم لا، فإن نشطاء التضامن لا يظهرون دائما الاحترام للسكان الذين يدافعون عنهم. فيما يتعلق بفلسطين، فان هذا يعود جزئيا إلى عدم وجود البرنامج السياسي واقتران فعل هيئة التضامن الأكثر نفوذا، وBNC ، وتكتيكاتها، وحملة BDS بعمومية الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية. من هنا، ينخرط النشطاء، وغالبا ما يتم تشجيعهم على ذلك، في دعم حقوق الإنسان، ولكن دون ارتباط نضالهم بالإرادة السياسية للمستفيدين.
وتسلط قطامي الضوء على خطر الخلط بين نداء المقاطعة كتكتيك استراتيجي ومع أهداف الحركة نفسها. ويعود هذا الخطر حسب قطامي إلى عدم وجود إستراتيجية وطنية شاملة؛ " فليس هناك قاعدة، ولا مشروع، ولامسار، ولا إدانة جماعية، ولا إستراتيجية لضمان المساءلة الدائمة من قبل الحركة".

الحلول السياسية غير الثورية
يضيف "اندرو دالك" كطالب ناشط يدعم نداء المقاطعة من خلال شبكة فلسطين- الولايات المتحدة، أن " إستراتيجية التحرير الوطنية الشاملة ينبغي ان تكون في جوهرها ثورية، وينبغي أن تعكس قدرتنا على إحداث تغيير على ارض الواقع من خلال اتخاذ إجراءات أخرى إلى جانب أنشطة المقاطعة، وعلى غرار الاحتجاجات الجماهيرية، وبناء المؤسسات، والتحدي المباشر."

وقد لاحت في الأفق احتمالية انجاز الحقوق دون تبني النهج الثوري، واعتبر ذلك تهديدا للحركة المناهضة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. بحيث لاحظ "فليتشر" بأنه على الرغم من اعتراف النشاطين بأنه تم حل الصراع الأمريكي الأفريقي للمساواة تشريعيا ومن دون حل ثوري، " كان من الشائع بالنسبة للشعب الافتراض أن لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC ومؤتمر عموم إفريقيا PAC منظمة عسكرية... وكان هناك افتراض أن التضامن في هكذا حال سيخدم بصورة ما (النظم القمعية)".
في عالم اليوم، فإن الحركات الشعبية مع جيوشها ليس لها مكان تاريخي، وباتت مهمشة ومصنفة كمنظمات إرهابية. وبشكل مثير للجدل، فإن احتمالات التحول الثوري يجب أن تنبثق من السياقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والمدنية. وليس من الواضح من الذي سوف يعيد إنتاج هذا السياق، وما مدى اتساع نطاقه الجغرافي والسياسي. وكما حذر "دعنا" في مقاله، فانه ينبغي أن لا نغرق في التغزل في منظمة التحرير الفلسطينية. هذا ليس فقط لأنها تشتعل بقلقها وتقع تحت طائلة هيمنة القطب الواحد، لكن على مدار مسيرة أوسلو، أتضح انها جاءت لتمثل فئة، أو طبقة معينة.

وكان الاستبعاد المطلق من عملية أوسلو للسلام، والهيمنة على السياسة الفلسطينية منذ ما يقارب عقدين من الزمان، قد أدى إلى غياب إستراتيجية شاملة للتحرر الدوران في فراغ بلا مضمون. ولكن يبدو أن هناك العديد من البذور لقاعدة جديدة. وقد علق النقابي العمالي والعضو المؤسس في شبكة – الولايات المتحدة – فلسطين، "مناضل حرز الله"، بالقول انه: " في حين أن قاعدة المقاومة الشاملة هي حاليا غير موجودة فإن لديها القدرة لتنمو من أسفل إلى أعلى من خلال الشبكات الأفقية مثل USPCN. ويضيف: "نحن في USPCN نفخر أن لدينا مصداقية متزايدة للتغلب على العديد من التحديات القائمة، وان التشكيلات مثل شبكة USPCN وأماكن أخرى يمكن أن توفر مناخا صحيا جماعيا لمثل هذه الإستراتيجية لكي تظهر إلى الوجود".

على أية حال ، فإن شبكة USPCN، وحركة الشباب الفلسطيني PYM، و اللجنة الوطنية والتي ليست سوى جزء من شبكات الشتات الفلسطيني والشبكات عابرة الحدود، لم تقدم حتى الان أية نماذج جدية بصدد التشبيك، أو في أحسن الأحوال، للتنسيق مع بعضها البعض بطريقة انتقائية. ولم يكن هناك أية محاولات لخلق تقسيمات في هذه التشكيلات. ويلاحظ السيد "جودة" أن هذا قد لا يكون عائقا، بل على العكس من ذلك، فإن " الى ان يقرر الشعب ما المبادرة التي تحظي بدعمه دون تلك، فستتواصل حركة التفاعل فيما بينها، مع بعضها البعض ومع الآخرين في أوساط المجتمع الناشط... وسيستمر العمل مع جميع الجهات... نداء المقاطعة، وتكتيكات التعطيل، والاحتجاجات، والتضامن الدولي والصحافة والعلاقات العامة... ومن خلال كل هذا، سوف يبقى لدينا التساؤل: ماذا بعد؟ يستمر ذلك، طالما بقي إهمال القيادة السياسية للمقاومة سائدا".
في هذه الحالة، يبقى للفلسطينيين، والعالم المتعاطف والمراقب الكثير لينظروا فيه ويتطلوا إليه.

______________________________________________
* نورا عريقات: ناشطة فلسطينية، مدرّسة قانون – واشنطن الولايات المتحدة، ومنسقة وحدة الدعم القانوني في مركز بديل.