منهجية العسكرة والتمييز في الجامعات الإسرائيلية وانعكاسها على الطلاب العرب

بقلم: يارا السعدي*

أقرّت الكنيست قبل بضعة أسابيع قانونا جديدا؛ تمول من خلاله الدولة أول سنة تعليمية "للجنود المتحررين" في الجامعة العبرية. هذا بينما يضج الإعلام بالأخبار حول حملات التحريض من قبل الزعماء الدينيين "الحاخاميم" ضد الطلاب العرب في مدينة صفد، علما أن حملات التحريض هذه، ليست بالأمر الجديد وعادة ما تتعدى التهديد، حيث يشهد لذلك ما يتعرض له الطلاب العرب في كلية صفد من حرق لسياراتهم ومنع أصحاب البيوت من تأجير المساكن لهم.1 من ناحية أخرى كشفت صحيفة يديعوت الإسرائيلية قبل أشهر قليلة؛ عن ان مجموعة طلاب إسرائيليين تم تجنيدهم لقسم أمن الجامعة بهدف "الحفاظ على الأمن العام"2. تتكرر مثل هذه الأحداث بوتيرة عالية حتى باتت جزءا من المشهد الاعتيادي في حياة الطالب الفلسطيني في الجامعات الإسرائيلية3، ولعلها تكوّن صورة واضحة حول تجربة الطلاب العرب في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. سأحاول هنا موضعة هذه الأحداث في السياق الأعم لسياسات المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية وأساليب تطبيقها.

المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية والعسكرة:

تروج إسرائيل لكون الجامعات والكليات الإسرائيلية مؤسسات قائمة على قيم ولغة وأهداف أكاديمية. الأمر الذي لا يتماشى مع مشاريع هذه المؤسسات العسكرية وفحوى مضامين التعليم المكرسة لتعزيز المشروع الصهيوني، كونها في الواقع أشبه بمراكز أبحاث داعمة للدولة في مختلف المجالات. والأنكى من ذلك هو كون المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تفاخر بعلاقاتها مع المؤسسة العسكرية، كما تتسابق فيما بينها على توطيدها4. فعلى سبيل المثال: يدأب معهد "التخنيون" للعلوم على تطوير مشاريع مشتركة مع شركات أسلحة، والتي تقوم بتطوير، تصنيع وبيع أسلحة للجيش الإسرائيلي،5 وقد يشمل ذلك تعيين مرشدين (غير أكاديميين) من الشركة لمراقبة المشاريع النهائية في المعهد. هذه العلاقة بين المعهد وشركات الأسلحة تثير تساؤلات حول دور الطالب ومكانته في المعهد – فهل هو طالب في مشروع علمي أكاديمي، أم انه أداة في الصناعة التكنولوجية لخدمة دولة إسرائيل؟! هذا الوضع يخلق واقعا معقدا بالنسبة للطالب العربي بوجه خاص. فكونه غير معدود ضمن " المجتمع الإسرائيليبالتالي فهو يتعرض للإقصاء من أجزاء أو بعض الأنشطة المتعلقة بهذه المشاريع "التعليمية". مثال مختلف للتعاون بين الأكاديمية والمؤسسة العسكرية؛ يتمثل فيما هو مألوف في بعض الجامعات والكليات، حيث تخصص الجامعة مسارات تعليمية لوحدات عسكرية في الحرم الجامعي. في جامعة حيفا على سبيل المثال لا الحصر، يتم تدريب وحدات استخبارات، كما تتواجد قاعدة عسكرية في مساكن الطلبة. والجدير بالذكر أن الجنود يتجولون في الحرم الجامعي بالزي العسكري، الأمر الذي يضفي شرعية على الطابع العسكري للجامعة. مثال آخر لتورط الجامعات والكليات في المؤسسة العسكرية هو سهولة انتقال الإفراد من مراكز في الجيش لمراكز في سلم التراتب الأكاديمي الإسرائيلي.6 كما أسلفت أعلاه، فإن هذه العلاقات الوثيقة ليست بسرية، لا بل علنية ومصدر افتخار للمؤسسات الأكاديمية في إسرائيل. مثال آخر على ذلك يكمن في تصريح الرئيس الأكاديمي للجامعة (ركتور) -جامعة حيفا، بن آرتسي، بمناسبة استمرار التعاقد بين جامعة حيفا والجيش حول تأهيل جنود في مسار تعليمي لدرجة الماجستير في السنوات الخمس المقبلة، حيث عبر عن افتخار الجامعة باستمرارها في تشكيل " البيت الأكاديمي لقوات الأمن".7

الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية:

يعود تاريخ تأسيس بعض المؤسسات التعليمية العليا الإسرائيلية إلى ما قبل النكبة، حيث شكلت جزءا من المؤسسات التي أوجدت في سبيل بناء المشروع الصهيوني في فلسطين. أما بعد النكبة، فقد انعكست هذه العلاقة في إقامة الجامعات على أراضي قرى مهجرة (كجامعة تل أبيب المقامة على أراضي قرية الشيخ مؤنس) وفي مستوطنات الضفة الغربية (مثال كلية ارائيل).8 حتى عام 1971، شكلت نسبة الطلاب العرب اقل من 1.7% من الطلاب في هذه المؤسسات التعليمية. وتثبت وثائق الأرشيف لتلك الفترة صعوبة دخولهم الجامعات؛ حيث رافقت عملية القبول فحص "امني" واستفسارات حول الآراء السياسية ليس للطالب فحسب، لا بل ولعائلته أيضا.9 أما في عام 2010، فقد شكلت نسبة الطلاب العرب 11.5% من الطلاب في مؤسسات التعليم العليا؛10 (علما بان نسبة العرب في إسرائيل تبلغ ما مقداره 20% من السكان). على الرغم من التغيير الذي طرأ في عملية قبول الطلاب العرب للجامعات خلال العقود الأخيرة، إلا أنها ما برحت خاضعة لسياسات "الغربلة" على أساس قومي، والتي كثيرا ما تعرقل المسار التعليمي للطلاب العرب؛ حيث تتجسد هذه العمليات بمختلف الممارسات أبرزهما شروط الدخول المنوطة بعلامة امتحان "البسيخومتري11 وبتحديد سن القبول لبعض المواضيع. يأتي هذا الشرط، والذي صادقت عليه المحكمة الإسرائيلية،12 كنوع من التمييز لمن لم يقم بالخدمة العسكرية. غير أن إعفاء الطالبات اليهوديات المتدينات (اللواتي لا يخدمن في الجيش) من شرط سن القبول لنفس المسارات التعليمية يفضح الهدف الحقيقي من وراء هذه "الحجة13 والمتمثل في إقصاء الطلاب العرب فحسب. أما في حالة عدم نجاعة ممارسات كهذه؛ فان المؤسسات الأكاديمية تضيف شروطاً أخرى بهدف "الغربلةكرفع علامة امتحان القبول. وحينما يتعسر الأمر فهي لا تتوانى عن إغلاق قسم كامل لتعدي عدد الطلاب العرب فيه النسبة المخطط لها، و هذا ما صرح بشأنه مسئولون رسميون في كلية "كارميل"14. كما يتكرر هذا السيناريو في محاور أخرى منها المنح، وكذلك شروط الحصول على مساكن الطلبة.15

حرية التعبير:
تشهد الجامعات والكليات الإسرائيلية مشاهدات عدة تتعلق بانحصار مبدأ حرية التعبير، وهذا ما يندرج في إطار تعزيز وتقديم الخطاب الصهيوني. ومن الجدير ذكره أن هذا المعيار يطبق على المحاضرين والطلاب على مختلف المستويات منها التصريحات، الأبحاث والنشاطات السياسية. وخير دليل على ذلك، التصريحات العنصرية للمحاضر "دان شفتان" خلال محاضرته، منها قوله أن " العرب هم اكبر فشل في تاريخ الجنس البشري"16. مثال آخر يكمن في تبرير الجامعة دعاية تدعو للإبلاغ عن محاضرين ذوي أراء " لا-إسرائيلية" مطلقين عليهم وصف " الطابور الخامس" في يوميات النقابة العامة للطلاب؛ بحجة اندراجها عبر معايير حرية التعبير عن الرأي17. إلا أن هذه "الليبرالية" والحريات معدومة فيما يخص الطلاب العرب، حيث تحظر ابسط حقوق التعبير التي تنطوي على انتقاد لسياسات المؤسسات الحكومية.18

أما فيما يختص بنشاط الحركات الطلابية؛ فقد نجحت الجامعة في خلق آلية للتضييق عليها وتهميشها. مثال على ذلك هو تصديق مكاتب عمادة شؤون الطلبة في الجامعات على دساتير ضبابية جدا تمنح عميد شؤون الطلبة صلاحيات واسعة في التعامل مع طلبات التصريح لنشاطات سياسية (كرفضها دون أي تبرير، تأجيلها، عرقلتها وغير ذلك). ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في فترة المظاهرات ضد الحرب على غزة في جامعة حيفا، حيث قامت الجامعة بقمع الاعتصام الصامت للطلاب العرب في تاريخ 6.1.2009، عن طريق استدعاء وحدة خاصة من الجيش لتفريق المعتصمين باستخدام أدوات القمع العنيفة جدا - انتهت باعتقال 11 شخصا واصابه بعض الطلاب، من ثم دعوة خمسة منهم للمثول أمام محكمة الطاعة في الجامعة19. في الأسبوع ذاته، لم تمنع إدارة جامعة حيفا جميع الفعاليات العامة للطلاب العرب فحسب، لا بل حذر عميد شؤون الطلبة الكتل الطلابية العربية من القيام بأي نشاط سياسي وان كان عفويا، بينما استمرت المظاهرات الداعمة للحرب دون قيد أو شرط.

إن موقف الجامعات الإسرائيلية أثناء حرب غزة لم يقتصر على التباين في طرق تعاملها مع "حرية التعبيرلا بل شملت نشاطات وتصريحات علنية، من ضمنها تخصيص صفحة خاصة لدعم الحرب في الموقع الالكتروني الخاص بها. هذا، إضافة للتسهيلات التعليمية التي منحت للطلاب الجنود وتوزيع المنح عليهم في السنة الدراسية التالية.

ويذكر أن منهجية الإقصاء والتمييز تتعدى الممارسات العينية من شروط قبول وقوانين تخص حرية التعبير، بل نجدها شاملة للثقافة العامة في المؤسسات والمتمثلة في اللغة المهيمنة، بالمعنيين: الحرفي والمجازي للمصطلح. فاستعمال اللغة العبرية (حتى في قسم اللغة العربية) لا يقتصر على استعمال اللغة كآلية تواصل وتعبير، لا بل كهدف بحد ذاته وكجزء من تعزيز " الثقافة الإسرائيلية".

خلاصة:
إن هذه السياسات والممارسات المنبثقة عنها، تخلق أجواء أبعد ما تكون عن ماهية المؤسسة الأكاديمية، وفي هذه الحالة ليس من الغريب أن تخلق لدى الطلاب العرب شعورا بالاغتراب المستمر. فالجامعات معدة، في أحسن الحالات، للطالب العربي " الجيد" – أي الطالب الذي يخضع لسياسة الأسرلة (