حظر الفصل العنصري في القانون الدولي

البروفسور ماكس دوبليسييس*
تعتبر الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD) أول بند صريح لحظر الفصل العنصري، والتي اعتمدت في العام 1965. كما تعتبر(ICERD) بمثابة معاهدة متعددة الأطراف لحقوق الإنسان، تسعى إلى القضاء على جميع أشكال ومظاهر التمييز العرقي، حيث وتنص مقدمتها على: " بناء مجتمع دولي خال من جميع أشكال التفرقة والتمييز العنصري".
تحذر ديباجتها أطراف الاتفاقية من مظاهر التمييز العنصري التي ما زالت ملحوظة في بعض المناطق في العالم بالإضافة إلى السياسات الحكومية المرتكزة على الاستعلاء العنصري، والكراهية، مثل سياسات الابرتهايد، والتمييز أو الفصل العنصريين. المادة الثالثة تلزم الدول الموقعة على الاتفاقية بمناهضة نظام الفصل العنصري:

"تشجب الدول الأطراف بصفة خاصة التمييز العرقي والفصل العنصري، وتتعهد بمنع وحظر واستئصال جميع الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها". وقد جاءت الإشارة إلى الفصل العنصري استثناء يراد به التأكيد؛ حيث ان القاعدة جرت على عدم الاشارة أشكال محددة من التمييز العنصري في معاهدة (ICERD ).هذا التشديد جاء لأن نظام الفصل العنصري يختلف عن الأشكال الأخرى من التمييز العنصري باعتبار انه يمثل "السياسة الرسمية لدولة عضو في الأمم المتحدة.

تم اعتماد الاتفاقية الدولية حول حظر جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصريخلال فترة قصيرة بعد اعتماد (ICERD) لتقديم عهد عالمي من شأنه أن يجعل "من الممكن اتخاذ تدابير أكثر فعالية على الصعيدين الوطني والدولي بغية قمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها". حيث يقصد بذلك أن اتفاقية الفصل العنصري تعتزم استكمال متطلبات المادة الثالثة من (ICERD)، كما أشارت مقدمتها بالرجوع إلى م 3. إضافة إلى ذلك، تعلن اتفاقية الفصل العنصري؛ أن الفصل العنصري يعتبر جريمة ضد الإنسانية، بل وتقدم تعريفاً لهذه الجريمة في المادة 2. بالتالي فإنها تفرض التزامات على الدول الأطراف لتتبنى التدابير التشريعية اللازمة في سبيل مناهضة جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها ، كما تصنف هذه الجريمة كجريمة دولية خاضعة للولاية القضائية العالمية.

بهذا الشكل فان اتفاقية حظر الفصل العنصري قد عززت اتفاقية (ICERD) لحظر التمييز العنصري، عن طريق تقديم تعريف مفصل للجريمة وإعطاء عدة أمثلة لحجم ممارسات الفصل العنصري عندما ترتكب " لغرض إقامة وإدامة الهيمنة لفئة عنصرية من الأشخاص على أي فئة عنصرية أخرى من الأشخاص وقمعهم بشكل منهجي". ونجد تفصيلاً لمعنى الفصل العنصري ضمن المواد اللاحقة منها، كذلك نجد تعريف العناصر والممارسات التي تشكل فعلا من أفعال جريمة الفصل العنصري.

أما الصيغة المستخدمة في اتفاقية حظر الفصل العنصري؛ فقد أتت مشابهة جداً لتلك الواردة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي اعتمد في العام 1998. حيث تعرف الاتفاقية جريمة الفصل العنصري وفقاً للمادة (2) منها، على أنها "أعمال غير إنسانية ترتكب لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية من الأشخاص على أية جماعة عرقية أخرى وقمعهم بشكل منهجيفي حين أن ميثاق روما الأساسي يشير إلى جرائم الفصل العنصري، بصفتها الأفعال غير الإنسانية التي ترتكب في سياق نظام مؤسسي قائم على القمع والسيطرة بصورة منهجية من جانب جماعة عرقية ضد أي جماعة عرقية أخرى، حيث ترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام" (المادة 7 (2) (ح) ). كلا المادتين تؤكدان على الطابع المنهجي والمؤسسي، إلى جانب الطابع القمعي للتميز العنصري، والذي ينطوي عليه نظام الفصل العنصري، الامر الذي يفسر السبب الأساسي لإدراجه في (ICERD) باعتباره شكلاً خاصا من التمييز العنصري.

وتتضح الطبيعة العرفية الإلزامية لحظر نظام الفصل العنصري في إطار جهود الأمم المتحدة الهادفة إلى القضاء على التمييز العنصري بشكل عام. لقد أدينت ممارسة الفصل العنصري في العديد من قرارات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية الأخرى، وتم التأكيد مجدداً ضمن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام (1998) أن ممارسة الفصل العنصري تشكل جريمة ضد الإنسانية. كما تم التأكيد كذلك على ان الفصل العنصري يعتبر مظهراً سيئاً من مظاهر التمييز العرقي، كون ممارسته تتعارض مع المبادئ التوجيهية الأساسية للقانون الدولي؛ بما في ذلك حماية حقوق الإنسان وتقرير المصير لجميع الشعوب. تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة في وضعت في ميثاقها ضمن المادة 55 حجر الأساس لذلك من خلال الطلب من الدول الأعضاء بـ (ج) أن تشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا. "

ما يتمتع بذات المستوى من الأهمية؛ يكمن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948)، حيث تنص المادة (2) منه على أن " لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر. " وقد جاء اعتماد اتفاقية حظر كافة اشكال التمييز ((ICERD فيما بعد لتكثيف الجهود في إطار القانون الدولي للتصدي للتمييز العنصري، وتحديدا مقاومة ممارسة الفصل العنصري.

نجد أن الدول الأطراف في اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة، تؤكد " بأنه لابد من استئصال شأفة الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا أريد للرجال والنساء أن يتمتعوا بحقوقهم تمتعا كاملا، ".
بينما في وقت كتابة تلك الاتفاقية كان هناك أكثر من 173 دولة موقعة على اتفاقية ICERD))، بالإضافة إلى 185 دولة موقعة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. مما يدل ويؤكد على أن الدعم والالتزام القانوني للقضاء على التميز العنصري، وحظر الفصل العنصري قد أمسى "شبه عالمي".
على الرغم من أن المحاكم الشعبيةthe Russell Tribunals” " لا تهتم بقضية المسؤولية الجنائية الفردية ضمن اطار جريمة الفصل العنصري، إلا أنها تؤكد على أن الفصل العنصري يعتبر جريمة دولية وتشدد على مدى الجدية التي ينظر إليها بموجب القانون الدولي، وتؤكد التزام المجتمع الدولي بالقضاء عليه كذلك. هذا وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أشارت إلى نظام الفصل العنصري على انه جريمة ضد الإنسانية وفقاً للقرار 2202 (1966)، الأمر الذي تم التأكيد عليه ثانية في إعلان طهران 1968، من قبل المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان. تبعاً لذلك استكمل الإعلان حول كون الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية في اتفاقية حظر التمييز العنصري (ICERD)، وتبعه إدراج جريمة الفصل العنصري في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1949 (1977)، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998).

على الرغم من أن غالبية الدول قد قبلت الحظر على جميع أشكال التمييز العنصري في اتفاقي ICERD، إلا أن عدد الدول التي صادقت عليها في ذلك الوقت كان قليلاً مقارنةً بذلك التأييد، وذلك جراء حدة الخلاف السياسي بينها في حينه؛ والذي يرجع إلى القلق الناجم من النظر إلى الاتفاقية على أنها تسعى إلى توسيع نطاق اختصاص محكمة الجنايات الدولية بشكل موسع وغير مدروس جيدا. أما الآن فيبلغ عدد الدول الموقعة على اتفاقية حظر الفصل العنصري 107 دولة. وقد صادقت غالبية الدول ال (168) على البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف لعام 1949، وهذا يشير إلى أن العدد في تزايد مستمر، حيث بلغ حالياً 117 دولة، والتي أصبحت دولا ًأطرافا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تعطي للمحكمة الصلاحية للحكم على جريمة الفصل العنصري. بالتالي فلا وجود لمعارضة واضحة ضد أحكام اتفاقية حظر الفصل العنصري من قبل الدول غير الإطراف في المعاهدات، وكذلك العديد من الدول غير الأطراف في اتفاقية الفصل العنصري التي صادقت على البنود الأخيرة (على سبيل المثال المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا).

____________________________________________________________________________
*بروفسور ماكس دوبليسيس: جامعة كوازلوناتال،دوربان، باحث منتسب، برنامج الجريمة الدولية في إفريقيا، معهد الدراسات الأمنية ،محامي في المحكمة العليا- جنوب إفريقيا.