خلال تجربتي المتواصلة على مدى خمسة وعشرين عاما في العمل مع حركات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم؛ كان لي الشرف بالعمل مع مئات المنظمات الكبيرة والصغيرة على حد سواء، ولكل منها أساليبها وقضاياها؛ ولكن جميعها تتقاسم الأمل المشترك لإجراء تغيير جوهري من اجل تحسين حياة الآخرين. مثل هذه المجموعات والناس الذين يشكلون فرق موظفيها هم – ودون استثناء تقريبا – هم أشخاص غير عاديون ولديهم طرقهم الفريدة الخاصة بهم، غالبا ما تتحدى وتتجاوز التعاقدات والسلطات، من اجل العمل لمنفعة جمهورها المحروم الذي وجدت من أجل خدمته.وكم هي  هائلة ظاهرة وجود هذه المجموعات؛ سواء كانت تناضل من أجل حقوق سكان الأحياء الفقيرة في "سانت دومنغو" أو "مومباي"، أو من أجل حقوق المرأة في "أوغندا" أو "غانا"، أو لأجل حقوق اللاجئين في "ألبانيا" أو "جورجيا"، ولكنني نادرا – إن لم يكن في أي وقت على الإطلاق- ما أعجبت حقا، ويكون لي الشرف أن أعمل مع، وأشهد على عمل مجموعة مخلصة ومتفانية حقا مثل مجموعة مركز بديل. وخاصة بمستوى الالتزام الذي يتمتع به الطاقم الفلسطيني والدولي في دعم ما اسميه على الدوام بـ"قضية حقوق الإنسان الأصعب بالنسبة للجميع"  فمركز بديل ظاهرة استثنائية حقا عندما تنظر إليها، بموازنتها المتواضعة، وظروف العمل غير المواتية للطاقم الذي يدير العمل من مكاتب المركز في بيت لحم. إن جهود مركز بديل الرائعة لتسليط الضوء على الحقوق المشروعة للاجئين الفلسطينيين، هي جهود تستحق الثناء حقا.



وربما تكون النكبة الفلسطينية هي جريمة حقوق الإنسان التي لم تحل، والتي كتب عنها على نطاق واسع أكثر من غيرها، ويقينا أنه لا توجد مجموعة من اللاجئين في العالم يمكنها أن تقترب من حجمها ومن الصدمة التاريخية التي تعرض لها أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، ويبدو أن العالم اليوم لا زال بعيدا، بقدر ما كان دائما، عن إقناع إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة الأمريكية، بالاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين والأشخاص المهجرين داخليا، للسماح لهم بالعودة إلى ديارهم وأراضيهم الأصلية – كما جميع اللاجئين الآخرين والمهجرين داخليا لهم مثل هذا الحق ويمكنهم ممارسته – وبالطبع، هذه ليست الطريقة الوحيدة لضمان حل عادل حقا لمحنة اللاجئين الفلسطينيين، ولكنه أمر مرتبط  بالإحساس المشترك للمساعي الواسعة من اجل سلام مستدام ومن أجل أمن المنطقة بأسرها.

وهذا هو السبب في كون مسار العمل الريادي الذي يقوم به مركز بديل، هو أمر حيوي جدا لقضية اللاجئين الفلسطينيين اليوم، فمن أجل ذلك يقوم مركز بديل وشركاؤه الكثيرون بثبات بتدعيم رسالة العديد من الاتفاقيات في إطار القانون الدولي، قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى بعض عناصر القانون الإسرائيلي، ووراء ذلك الاستمرار في حمل الفكرة الظاهرة بأن ملايين اللاجئين الفلسطينيين لم يحصلوا على حقوقهم الاساسية المتمثلة في العودة واستعادة الممتلكات والتعويض، انطلاقا من سوء الإرادة أو محاولات إعادة توطينهم في بلاد بعيدة عن ديارهم الاصلية، هي طرق غير مقبولة لمعالجة مشكلة عمرها ستين عاما وتتحمل إسرائيل المسئولية الاخلاقية والقانونية الكاملة عنها، وان مثل هذه المعالجات لا تملك حتى فرص الانطلاق. إن عمل مركز بديل في جميع أنحاء البلاد، في إسرائيل وفلسطين، بما في ذلك العمل مع مجموعات إسرائيلية مثل "زخروت"، وغيرها من المجموعات المستعدة للاعتراف بالحقائق التاريخية وبالمسئولية، كان ولا يزال عملا حيويا لإبقاء أوراق الحق في استعادة السكن، والأراضي واستعادة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة مطروحة على طاولة البحث.

إذا أتيحت لنا الفرصة الكافية للحديث المباشر مع اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم، فمن يستطيع أن ينكر أن غالبية كبيرة من اللاجئين يرغبون في نفس الشيء البسيط، وهو حقهم في أن يكونوا قادرين على استرداد أراضيهم وديارهم التي أجبروا على الفرار منها. وإذا ما تم التعامل بمساواة في الحقوق، ومع الحفاظ على الكرامة والاحترام، فكم هو عدد اللاجئين اليوم، الذين يمكن أن يكونوا مستعدين للتخلي عن هذا الحق، وإعطاء الفرصة لمثل هذه العملية لتأت أكلها؟ فكم عدد اللاجئين الذين سيكونون على استعداد لقبول تعويض اسمي، أو ما يتم وصفه اليوم بقسوة بـ"حق العودة إلى الأراضي الفلسطينية"، كما نسمع كثيرا هذه الأيام من أروقة "أنابوليس" وبيت "بلير" والكنيست؟ ونحن جميعنا نعرف ما هي الإجابات على هذه الأسئلة. ومرة أخرى هذا يوضح لماذا يكد مركز بديل، يبذل جهودا كبيرة بدون كلل ولا ملل (هل يوجد أحد في مكان ما في العالم يعمل لساعات طويلة مثل انغريد، محمد، تيري، كارين ونجوى ونهاد وكل أفراد الطاقم الآخرين؟؟؟) وذلك من أجل إبراز القصة الحقيقية للاجئين الفلسطينيين، لأوسع جمهور ممكن على امتداد العالم، ولمثل هذا الجهد أهمية حيوية جدا، وفي الحقيقة، يجب أن يتواصل حتى يتم انجاز الهدف من وراء هذه الجهود.

إن تناول قضية لها من قوة الأبعاد العاطفية، والغوص في جدلها المعقد مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين والمأزق الذي يعيشونه؛ إن تعهد مثل هذه القضية يمكن أن يقوم به فقط الأشخاص الأكثر شجاعة وحماسا من بين داعمي حقوق الإنسان؛ ولكن عندما تصبح الحقائق معروفة، وعندما يفهم التاريخ بشكل كامل، وعندما تتضح عبر العقود المتوالية؛ معاناة ويأس الملايين العديدة التي تم تطهيرها عرقيا؛ فكيف يستطيع أي ناشط في مجال حقوق الإنسان تجاهل محنة هؤلاء اللاجئين؟

نحن جميعا نعلم أن العقبات تتكدس ضد اللاجئين الفلسطينيين وفلسطين ككل، وأن المكاسب الملموسة التي تم إحرازها خلال ستة عقود من اجل العودة، هي مكاسب ضئيلة جدا، وأن تحريك او تغيير سياسة حكومات إسرائيل والولايات المتحدة باتجاه معالجة عادلة لهذه المسألة الجوهرية هو أمر ينطوي على صعوبات جمة، ولكن، وعلى الرغم من هذه التحديات الكبيرة؛ فإن الديناميات والخطط التي يسير عليها مركز بديل أسبوعا بعد أسبوع، وعاما بعد آخر، وطرح القضايا المختلفة وإنتاج التقارير الممتازة الثاقبة الرؤية، والتحليلات غير المتوفرة من أي مصدر آخر، وفوق كل ذلك وقبل كل شيء؛ الاستمرار في تعزيز الأمل في مستقبل يتسم بالعدالة والإنصاف للاجئين الفلسطينيين، وبغض النظر عن أماكن تواجدهم الحالية.

تهانينا لكل الذين جعلوا من مركز بديل ما هو عليه اليوم! فقد قمتم جميعا بعمل لا يصدق، ويحدوني الأمل الأكيد بأنكم ستحافظون على منجزاتكم، وستواصلون جهودكم ومهامكم حتى انجاز رسالتكم بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم.

من خلالكم، يا بديل يصبح صوت اللاجئين أعلى من أي وقت مضى، ورسالتهم الحقيقية سيتم اعتناقها على أوسع نطاق. وسيكون يوم عودتهم إلى ديارهم الأصلية؛أقرب من أي وقت مضى...

________________

المحامي سكوت ليكي هو مدير مؤسسة "حلول للتهجير" ومؤسس، مركز حقوق السكن والإخلاء (COHRE) – جنيف، سويسرا. ليكي هو عضو في شبكة مركز بديل للدعم القانوني.