دور التربية في تنمية ثقافة العودة

بقلم: فريال خروب*

إن تحقيق تنمية بشرية حقيقية في فلسطين يتطلب العمل بشكل حاسم على رفع مستوى التربية بكل قنواتها وحلقاتها (البيت، المدرسة،الجامعة، المؤسسة، الإعلام). كما أن الكلام عن حق العودة يجب ألا يكون مجرد حديث عابر، بل تجسديه كمطلب حقيقي وشرعي، عقلاني وواقعي، وحديث حاضر دائماً، لان شعبنا يرفض التوطين والتبديل وتزوير تاريخه.

ولأن مفهوم الوعي بثقافة العودة هو احد أشكال الوعي التربوي، بمعنى أن هناك أهمية للدور التربوي في تعزيز الوعي بثقافة حق العودة لدى الفلسطينيين؛ سواء على ارض الوطن أو في المنفى ودول الشتات، فمن الواجب أن يكون هناك فهم وإدراك عند الأجيال الجديدة للواقع الفلسطيني ولثقافة حق العودة، ولمجمل التغيرات التي ساهمت في نشوء قضيتهم، وبالتالي إصرارهم على هذا الحق وتطوير قدرتهم على تصوره واستيعابه بشكل كلي. وهذا بطبيعة الحال شرط إحداث تغيرات جذرية من جهة، وشرط تحفيزهم على المشاركة في بلورة اتجاهات وطنية وسياسية تعزز حقيقة الولاء والانتماء لفلسطين التاريخية. إن مهمة التربية بالأصل هي توفير البيئة الصالحة، والخبرة التي تساعد على رفع وعي الأفراد بما يدور حولهم، وخلق جيل قادر على الصمود في وجه التحديات والمساهمة في إنجاح عملية العودة.

إن واقع التربية في فلسطين، وبالذات التربية السياسية واقع يعلوه القصور، خاصة فيما يختص بحق العودة، لذلك يجب أن يقوم المهتمون بالتخطيط التربوي والسياسي في فلسطين بأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار وتفعيل دور كل المؤسسات المعنية.

لو أخذنا المدرسة والمناهج المدرسية كأحد عناصر التربية واهم مؤسسة تعمل على تجسيد الهوية الفلسطينية، فيجب أن يكون هناك اعتماد فلسفة تربوية للمنهاج الفلسطيني كمرتكز تربوي لتغرس وتكرس الإيمان بحق العودة. ضمن هذا السياق، أرى أن دور المناهج الحالية غير كاف بشأن ترسيخ ثقافة العودة، ولا يتناسب مع أهمية هذا الحق، ويجب إعادة النظر في كتب المنهاج وإثرائها بمعلومات أكثر لتعمق حق الفلسطينيين بأرضهم، لان تدني مستويات الوعي او تراجع القيم والمثل الوطينة العليا هو نتيجة لعدد من الأسباب، منها اهمال معالجة الحقوق بعمق ضمن المناهج التربوية- الدراسية، وعليه لا لوم على الجيل الجديد اذا ما لمسنا ضعف معرفته بقضيته وحقوقه أو تراجع ذلك. فدور المناهج المدرسية ليس التعليم فقط إنما إكساب الخبرات والمعلومات بما يدور في عصر هذا الجيل من قضايا، واهمها حق العودة وحتى لا يكون هناك نوع من التجني نقول أن بعض الكتب التعليمية تناولت بعض موادها حق العودة، لكن هذا التناول كان مرورا عابرا، وغير كاف لإعطاء هذا الحق أهميته.
لكن لو تناولنا دور بعض المؤسسات غير الحكومية، فإنها باعتقادي تلعب دورا اكبر من غيرها في تنمية الوعي اتجاه ثقافة العودة.
أما البيت، ودور الأهل في تنمية هذه الثقافة فيجب أن تكون الجلسات العائلية- خاصة مع الأجداد –ذلك الجيل الذي عاش أحداث النكبة كنوع من التاريخ الشفوي ووثيقة تاريخية تدعم ثقافة العودة وتعزز الانتماء إلى الوطن الذي له فوق ترابه كل الذكريات، ويجب أن يحتوي كل بيت فلسطيني على مكتبة تحوي على كتب مرتبطة بحق العودة حتى يتعلم أولادنا عن الوطن والقرية والأرض والتاريخ والهوية بالعلم والمعرفة وليس بالعواطف فقط .
وعن الجامعات فيجب أن يكون هناك مساق إجباري يعطى بطريقة متطورة وأسلوب يعتمد النقاش والحوار والتحليل والدراسة والبحث.

أما عن الإعلام الرسمي فله دور لكن موسمي- للأسف - بكل البرامج المتعلقة بثقافة العودة، ويجب إفراد مساحة اكبر سواء للإعلام الرسمي أو الخاص؛ لان العودة هي إحدى ثوابت شعبنا واهم أركان قضية.
حتى خطب المساجد والكنائس، يجب أن تتضمن تاريخ فلسطين وثقافة حق العودة، لأنه يجب أن يكون للمساجد دور تربوي وتوعوي لمجمل القضايا سواء الاجتماعية منها أو السياسية.
وختاما، فالوعي وحده لا يكفي والحديث عن ثقافة العودة لا يكفي الآن، اذ ان كل ذلك لا يجدي ان لم تتوافر أداة التحرك نحو التحرر وتصبح لدينا قوة فعلية وليس معلومات للتخزين فقط. ويجب أن يتخطى هذا الجيل مرحلة الصمت أو المعرفة إلى العمل والتفكير الجدي بالسؤال: كيف نعود؟ وماذا بعد العودة؟

--------
*فريال خروب: ميسرة برنامج تنمية وتدريب الناشئة في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين، مركز يافا الثقافي، مخيم بلاطة.