بقلم: إيريس ميمون

ينفجر القلب! ينفجر القلب من هول القتل والدماء الحارة التي تسيل من عروق الأطفال الناعمين وأعضائهم اللطيفة وقلوبهم النابضة. ينفجر القلب من دموع وصرخات الأمهات والآباء بعد أن انطفأ نور أعينهم من الألم الهائل، ألمٌ يصعب تصوّره، ينفجر نحو العالم من وسط ملايين الصرخات. والدماء لا تشربها الأرض، ترفض الأخيرة ذلك... في كل المرات التي تُبث الدماء رذاذا على شاشات التلفزيون. ينفجر القلب، والأدرنلين يتدفق في العروق وكذلك الخوف، فلا مَناصَ عندها، فتُطلق قُنبلة أخرى.

أغلق قلبي. أغلقه عن مشاهدة المناظر، وانتقل سريعا لكي لا أرى سَهْوا الناس الذين يحملون الجثث الصغيرة، وخاصة تلك الجثث الملطخة بالدم، وتتدلّى أعضاؤها، بينما الناس يركضون، والخيال يرفض الهذيان لأنني أغلق قلبي وأنتقل بسرعة إلى قناة أخرى لكي أسمع عن اقتراب وقف إطلاق النار، أو ما يمكن أن نسميه "وقف نزيف الدم". صمتٌ لهزّة تصمُّ الآذان، دون أيّة رنّة؛ أغلق قلبي، لكي لا ينفجر قلبي.

إنه نظام، أو عملية، تفيد بأنني لست أنا وإنما شخص آخر، لسنا نحن الذين اقترفنا ذلك، وإنما هي مسؤولية شخص آخر. وطبعا، لم يكن هنالك من مناص، أو بالأحرى كان متعمدا أن يتم دفعنا لأن نقف بلا مناص. وربما كان ذلك خيارنا، أو ربما لا يمكن التوقف للحظة واحدة لكي نقول جملتين: "كم هو رهيب، نعم، أنها جهنم ونحن فيها وإياكم"، نحن لا نتوقف لأننا لسنا نحن، وان توقفنا للحظة نرى.

إنها ليست نكبة أخرى، أو محرقة، إنها مجموعة محارق! محارق بربرية، وأنا لا اعرف كلمة بربرية هذه، لأن المحرقة كما يراد لنا، هي واحدة فقط الخاصة بنا، المحرقة لنا فقط، وليس من حق أحد أن يأخذها منا، ولا يمسّها! لأن المحرقة للشعب، والمحارق للأشخاص الفرادى الذين قد يتمكنون، أو لا يتمكنون من اجتيازها، والأعمال الوحشية هي نتيجة الحرب وليس المحرقة، وقد نواسي أنفسنا بأن ذلك هو حكم رباني مثل المحرقة الخاصة بنا تماما، كما لو أننا وحدنا من يعاني. فهل ما حدث، كان لا مناص منه؟


"فقط القوة؛ العرب يفهمون فقط لغة القوة"، قال لي. ولكنه لم يقل ما يفهمون. فقلت له: "كل هذه الدماء، ولم نتوصل إلى سلام مع جيل نكبة 48. ماذا سيحدث، إذن، عندما يكبر هذا الجيل؟ كيف سنتصالح معهم؟ كم عدد الشهداء الذين ولدوا في هذه الحرب؟"

يشبه هذا رمز "يين ويانغ"، هذا الرمز الجميل الذي يحوي دائرة فيها موجة سوداء وموجة بيضاء تكمل الواحدة الأخرى. وداخل الموجة السوداء هنالك نقطة بيضاء وداخل الموجة البيضاء هنالك نقطة سوداء. وفي قمة موجة "يين" تنطلق بداية موجة "يانغ"، وفي قمة موجة "يانغ" تنطلق بداية موجة "يين". كما أن نهاية الليل تحمل ضوء النهار. وربما هذا ليس ضوءا واحدا وإنما الكثير من الأضواء. إشعاعات القنابل، كثيرة الأضواء تضيء سماء غزة. حفلة ديسكو مع رقصات لم نرها بعد.
ويعلو صوت:
"لسنا نحن؛ حماس هي المذنبة...". الكل يعرف. وأنا أسأل: متى سنتعلم الدرس؟

---------------------------
* إيريس ميمون:معلمة لغة عربية في مدرسة بئر السبع حاصلة على ماجستير في الدراسات الشرق أوسطية