إسرائيل ولجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

بقلم: زها حسن*

في مؤتمر صحفي في ختام زيارتها الأولى للأرض الفلسطينية المحتلة، بصفتها مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (المفوض السامي)، سئلت "نافي فيلي" عن أفكارها بشأن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين. ولم يكن هذا سؤالا سهلا بالنسبة للمفوض السامي لحقوق الإنسان، فمكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لم يصدر، حسب الذاكرة القريبة، أي بيان أو تصريح بخصوص حقوق الإنسان الخاصة باللاجئين الفلسطينيين – وبالتحديد بشأن حقهم في العودة وجبر كافة أضرارهم. ولتفادي الإجابة المباشرة عن هذا السؤال، كانت المفوض السامي تستطيع حصر إجابتها وملاحظاتها في محنتهم الإنسانية: الوضع في المخيمات، الحاجة إلى مزيد من التمويل للأنروا... وما إلى ذلك من الكلام المعتاد. ولكنها، ووفقا لمصداقيتها وصراحتها، اختارت أن تدفع السؤال للأمام، وبدون تردد؛ قالت القاضية الجنوب-أفريقية والناشطة السابقة ضد "الأبارتهايد"، بأن اللاجئين الفلسطينيين، شأنهم شأن أي لاجئين آخرين هجروا من بيوتهم قسرا، لهم الحق في العودة إلى بلدهم الأصلي كما هو مطلوب بموجب القانون الدولي. وأهمية هذه الإجابة، هي أنها يجب أن تفهم على أن حقوق اللاجئين الفلسطينيين عادت إلى خارطة أعلى هيئة في نظام حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. بينما الهيئات السياسية في الأمم المتحدة، مثل مجلس الأمن الدولي، قد تكون غير راغبة، أو غير قادرة على الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ولكن الهيئات القانونية للأمم المتحدة لا زالت مفتوحة للعمل.

يوجد في الأمم المتحدة عنوان هام يجب عدم إهماله، وإعطائه الاهتمام والرعاية المطلوبة، وهو لجنة الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD)، وهي هيئة أنشئت بموجب معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD)، التي تتحمل المسؤولية عن مراقبة مدى التزام الدول الأطراف في المعاهدة الدولية. وإسرائيل طرف في المعاهدة حيث صادقت عليها في عام 1979، وبالتالي، هي ملزمة بأحكامها. ووفقا لهذه المعاهدة فإن "التمييز العنصري" يعرف بأنه: "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة." ولا تحمي المعاهدة حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من التمييز العنصري فحسب، بل أولئك الفلسطينيين في الأرض المحتلة الذين هم تحت السيطرة الإسرائيلية أيضا.

إن ملاحظات لجنة الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (اللجنة)، حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين في الأرض المحتلة وفي داخل إسرائيل، هي ملاحظات هامة للغاية؛ لأن أعضاء اللجنة هم خبراء قانونيون في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان، وهم من جميع أنحاء العالم. وتوفر الملاحظات الختامية للجنة سجلا للنمط والممارسة الإسرائيلية للتمييز العنصري ضد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت ولايتها وسلطتها الفعالة، هذا السجل للتمييز العنصري المؤسسي والمنهجي، يمكن لمحكمة العدل الدولية استخدامه رسميا، في أي وقت يطلب منها رأيا استشاريا في المستقبل، بخصوص مدى قانونية السلوك الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى إمكانية استخدامه في أي دعوى جنائية ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين يمكن جلبهم بموجب نظام روما أمام محكمة الجنايات الدولية، ومن المقرر أن تقوم اللجنة باستعراض وضع إسرائيل مجددا في شهر آب 2011.

وضعت اللجنة بعض الملاحظات والتوصيات الهامة بشأن معاملة إسرائيل للفلسطينيين، خلال مراجعاتها الدورية لمدى امتثال إسرائيل باتفاقية مكافحة العنصرية. ففي عام 1998، كمثال، وجدت اللجنة أن المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ليست فقط غير قانونية حسب القانون الدولي، ولكنها تشكل عقبة أمام " التمتع بحقوق الإنسان لجميع سكان المنطقة". كما ذكرت اللجنة بأن " الأعمال التي من شأنها تغيير التركيبة السكانية للأرض الفلسطينية المحتلة تثير القلق باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني المعاصر". كما أكدت اللجنة أيضا، على حق الفلسطينيين في العودة، مشيرة إلى أنه ينبغي على إسرائيل أن تسمح للفلسطينيين بالعودة واستعادة ممتلكاتهم وبيوتهم في إسرائيل، وذكرت أنه يجب إعطاء ذلك "أولوية قصوى" أيضا.

في عام 2007، كررت اللجنة مرة أخرى ملاحظاتها السابقة، ولكنها ذهبت خطوة أخرى إلى الأمام بخوضها في الإدعاء الإسرائيلي بأن الفرق الوحيد المهم فيما يتعلق بالتمتع بحقوق الإنسان بين المواطنين اليهود والمواطنين الآخرين، موجود فقط فيما يتصل بتقرير/تحديد الحق في الهجرة إلى إسرائيل. وأشارت تقارير اللجنة بأن امتياز الحصول على الجنسية عن طريق " قانون العودة اليهودي" تصاحبه امتيازات أخرى، ومن ضمنها الحصول على الأرض وفوائد أخرى. وأوصت اللجنة بأن تقوم إسرائيل بـ" ضمان أن تعريف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، لن ينتج عنه أي تمييز منهجي، استبعاد، تقييد، أو تفضيل على أساس العرق، اللون، النسب أو الأصل القومي أو العرقي في التمتع بحقوق الإنسان".
وفي العام نفسه، قامت اللجنة بمساءلة دولة إسرائيل حول علاقتها بالمنظمة الصهيونية العالمية، الوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي، وذكرت أنها قلقة من المعلومات التي تفيد بأن هذه المؤسسات تدير الأراضي، والإسكان والخدمات لمصلحة السكان اليهود حصريا. كما دعت إسرائيل إلى إلغاء القانون الذي يحول دون جمع شمل العائلات الفلسطينية لإسرائيليين يعيشون في إسرائيل، والمتزوجين من فلسطينيين من الأرض الفلسطينية المحتلة، ودعتها لاتخاذ جميع التدابير لضمان أن أراضي الدولة يتم تخصيصها بدون تمييز مباشر أو غير مباشر، على أساس العرق، اللون، النسب، أو الأصل القومي أو الإثني.

وحول جدار إسرائيل للفصل العنصري؛ لاحظت اللجنة بأنه ينتهك بشكل خطير العديد من حقوق الإنسان للسكان الفلسطينيين المقيمين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبأن هذه الانتهاكات لا يمكن تبريرها بالضرورات العسكرية ومتطلبات الأمن القومي والنظام العام. ودعت اللجنة الدولة الطرف (في الاتفاقية) إلى وقف بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقيام بتفكيكه والتعويض عن جميع الأضرار الناجمة عنه.

كما أعربت اللجنة عن قلقها العميق إزاء القيود الصارمة المفروضة على حرية التنقل في الأرض الفلسطينية المحتلة، واستهداف مجموعة قومية أو إثنية بعينها، ولا سيما من خلال الجدار ونقاط التفتيش والطرق المحظورة ونظام التصاريح، وكلها إجراءات قد أوجدت الكثير من الصعوبات، وأن لها آثارا ضارة للغاية على تمتع السكان الفلسطينيين بحقوق الإنسان، ولا سيما حقوقهم في حرية التنقل، والحياة الأسرية والعمل والتعليم والصحة.

ورغم أن إسرائيل لم تصدر الإعلان اللازم بحسب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (ICERD) والذي يسمح للأفراد بتقديم شكاوى ضد الدولة على انتهاكاتها لحقوق الإنسان التي تنطوي على تمييز عنصري، ومن ضمنها بعض الانتهاكات الأكثر خطورة مثل التمييز العنصري. وقد أصبحت إسرائيل خاضعة للتحذير المبكر وللإجراءات العاجلة للجنة القضاء على التمييز العنصري. وهذه الإجراءات العاجلة والإنذار المبكر هما وسيلة للفت الانتباه إلى خطورة الأوضاع في بلد ما، قبل أن تصبح الأضرار الواقعة على الجماعات المحمية غير قابلة للإصلاح. وإذا ما قررت اللجنة أنه في ضوء خطورة وحجم وضع معين، بما في ذلك تصعيد العنف أو الأضرار غير القابلة للإصلاح، التي يمكن أن تقع على ضحايا التمييز على أساس العرق، اللون، النسب أو الأصل القومي أو العرقي. واللجنة مخولة بالرّد، من بين أمور أخرى، عن طريق توجيه الطلب لإسرائيل لتقوم بتقديم معلومات عن الوضع، ومن ثم اتخاذ قرار موجه إلى إسرائيل، ويستطيع كل من: المقرر الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية، التمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، والإجراءات الخاصة الأخرى بمجلس حقوق الإنسان، والمستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، والأمين العام عن طريق المفوض السامي لحقوق الإنسان، ــ يستطيع كل هؤلاء مجتمعين، العمل جنبا إلى جنب من أجل وضع المسألة بتصرف مجلس الأمن الدولي.

لقد قامت اللجنة بتحديد عدد من الـ"مؤشرات" التي تبرر القيام باتخاذ إجراءات ضد دولة طرف (في الاتفاقية) بسبب انتهاكاتها للاتفاقية، ويوجد من بينها ثلاثة مؤشرات هي الأكثر صلة بالحالة الفلسطينية:

1. وجود سياسات أو ممارسات للإفلات من العقاب لموظفي الدولة عن أعمال مثل العنف ضد أعضاء في جماعة تم تعريفها على أساس العرق، اللون، النسب، الأصل القومي أو الإثني. أو إعطاء التصريحات الخطيرة من قبل القادة السياسيين/ الشخصيات البارزة التي تتغاضى عن، أو تبرر العنف ضد مجموعة تشملها الاتفاقية- ولا شك ان حصار غزة وعملية الرصاص المصبوب اول ما يخطر في الذهن هنا.
2. وجود نزوح ملحوظ للاجئين أو الأشخاص المهجرين، خاصة عندما يكون هؤلاء ينتمون لمجموعة عرقية أو إثنية محددة ـ وما يتوافق مع هذا المؤشر في الحالة الفلسطينية هو استمرار رفض إسرائيل السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة، وفي خلق المزيد من الفلسطينيين المهجرين داخليا كنتيجة لسياستها الاستيطانية.
3. وجود التعدي (على الأراضي وممتلكات للشعوب الأصلية أو الإبعاد الإجباري لهذه الشعوب عن أراضيهاـ وينطبق هذا المؤشر على سياسة إسرائيل طويلة الأمد من الإبعاد القسري للفلسطينيين من أراضيهم، وآخرها حالة بدو النقب ومحيط القدس.

ومن المهم ملاحظة أن المبادئ التوجيهية للجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تخول الوكالات غير الحكومية بتنبيه اللجنة لأوضاع تقع تحت الإنذار المبكر والإجراءات العاجلة، وحتى الآن، لم يتم اتخاذ جميع التدابير التي تستنفذ الإمكانات الكاملة لهذه الإجراءات من طرف المجتمع المدني في فلسطين. على موقع اللجنة على الانترنت، يجري الحديث حاليا عن العمل على قرارين يتعلقان بموضوع لم شمل العائلات في إسرائيل والقوانين الإسرائيلية التي تحرم الأزواج الفلسطينيين من الأرض المحتلة من الإقامة في إسرائيل- وهي قضايا هامة لفضح الممارسات العنصرية الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين الأصليين، سكان فلسطين التاريخية. ولكن هذا جانب واحد فقط من طرق وأساليب لا تعد ولا تحصى لحرمان الفلسطينيين من معظم حقوقهم الإنسانية الأساسية، وذلك في خدمة هاجس ذهني واحد، وهو الحفاظ على أغلبية سكانية يهودية في الأراضي الفلسطينية، التي تدعي حكومة إسرائيل أنها أرضها.

وفي مثل هذه الأوقات، وعندما يكون علينا أن نواجه مرة أخرى بـ"فيتو" أمريكي في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي يمنع تثبيت حقوق الفلسطينيين وحمايتها؛ فانه من الأهمية بمكان أن نتذكر أن هناك هيئات حقوق إنسان غير متحيزة موجودة في الأمم المتحدة، مثل اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، حيث يتم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وتأييدها. ويجب علينا الاستفادة من هذه الهيئات إلى أقصى حد ممكن، حيث قرارات وتوصيات هذه الهيئات هي التي سوف تقوم ببلورة وإرساء القاعدة لآراء قضائية مهمة في محافل وأماكن أخرى، ومن بينها محكمة الجنايات الدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* زها حسن: محامية في مجال حقوق الإنسان، وتعمل حاليا بصفتها مستشار قانوني مستقل في رام الـله، ويمكن الاتصال بها عن طريق البريد الإلكتروني: [email protected]