أيها الإسرائيليون، الغيتو ليس ملاذكم الآمن!

بقلم: عيسى قراقع*

أيها الإسرائيليون، بعد كل الذي جرى بيننا وبينكم، فإننا نأسف على إزعاجكم، لأن الضحية فينا أبت أن تخرج روحها مرة واحدة لتريحكم إلى الأبد، صبرت أكثر مما يحتمل، فتحملتم خسائر باهظة عسكريا واقتصاديا ونفسيا للسيطرة عليها أو لإزهاقها ولم تنجحوا.

نأسف لكم، لأن أرضنا فيها زيتون كثير يعيق زرقة عيونكم التي اعتادت على النباتات والأشجار المستوردة أو الصناعية، فتحملتم تكاليف حرب المستوطنين في ملاحقة الفلاحين وحرق الأشجار وحبات الزيتون.

نأسف على إزعاجكم لأن نسبة المواليد عندنا أكثر من عندكم، فأصبحنا خطرا ديمغرافيا على وجودكم ومستقبلكم ويهودية دولتكم ونقاءها التام منا.

أيها الإسرائيليون نأسف لكم، لأننا نقف عقبة أمام التطور الطبيعي لمستوطناتكم الجميلة ومساكنكم الفاخرة، ونحرم أطفالكم من اللعب واللهو والجري في ساحات كريات أربع ومعالي أدوميم وبيت أيل وافرات وعصيون وغيرها.

نأسف على إزعاجكم من قبل عمالنا البائسين الفقراء، وهم يتزاحمون في ساعات الفجر الباكر على حواجزكم تارة بتصاريح، وتارة بلا تصاريح، بلباسهم الرث، ونعاسهم المشحون بفوضى الجوع والليل.

أيها الإسرائيليون نأسف لكم، لأن مركباتنا القديمة تمر من شوارعكم الالتفافية الباهرة، وجوه ركابنا تستفزكم، ملامحهم وكآبتهم الدائمة، ملابسهم المتسخة وأصواتهم العالية تسبب لكم الأرق والخوف والتلوث البيئي.

نأسف لكم، لأن أسرانا وأسيراتنا صبروا في سجونكم أكثر من 33 عاما ومازالوا صامدين، يتجرأون على الدفاع عن زمن حريتهم القادم دون أن ييأسوا.

نأسف لكم، لأنكم اضطررتم إلى بناء سجون ومعسكرات جديدة، وتوسيع القائم منها، لاستيعاب آلاف الأسرى والمعتقلين، مما كلفكم موارد بشرية كثيرة من السجانين، وأجهزة عديدة وثمينة من أدوات القمع والبطش.

أيها الإسرائيليون نأسف على الإزعاج، لأن أطفالنا يكرهون مستوطنيكم، فيرجمونهم بالحجارة، ويعلقون العلم الفلسطيني فوق الأسطح والأشجار، مما يشوش سماءكم وذاكرتكم التي لا تريد أن تتذكرنا.

ناسف لكم، لأن إحدى أمهاتنا الفلسطينيات واسمها حورية، أنجبت شخصا يسمى محمود درويش، فهتكت قصائده أسطورتكم الزائفة، عندما دعاكم للعيش معنا كبشر وليس كجنود مسلحين خائفين من الآخرين، وهو يقول: نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.

نأسف لكم، لأن قبة الصخرة والمسجد الأقصى لا زالا ثابتين في القدس، رغم عملكم الدءوب ليل نهار في الحفر تحتهما بحثا عن هيكل لم تجدوه.

نأسف لأن بيت لحم أضاءت شجرة ميلادها من جديد، بعد أن حاصرتم كنيسة المهد وأطلقتكم القنابل على العذراء، واعتقدتم أن بابا نويل قد مات أو رحل عن مدينة السلام.

أيها الإسرائيليون، نأسف على إزعاجكم، فقد شوشنا ذاكرتكم الجماعية، عندما احتفلنا بمدينة أريحا عشرة آلاف سنة، فشككنا بوجودكم وتاريخكم على هذه الأرض، عندما لم نجد اسما لكم فيها، ولا حجرا يدل عليكم.

نأسف على إزعاجكم في 15 أيار من كل عام، ونحن نحيي ذكرى نكبتنا ومأساتنا الفلسطينية عام 1948 وفي ذكرى استقلال دولتكم، حيث تخرج ضحايانا من مذابحها ومنفاها لتشير إليكم وتعكّر احتفالاتكم.

نأسف لأن أما فلسطينية أنجبت شخصا يسمى مروان البرغوثي، وأخرى أنجبت احمد سعدات، وثالثة تحمل في أحشائها بطلا تشير كل الدلالات انه سيظل يرفض الاعتراف بشرعية محاكمكم، وسيهتف ساعة الولادة على مسامعكم: الاحتلال مصيره إلى زوال.

أيها الإسرائيليون، نأسف على إزعاجكم، لأن تلاميذنا في صباح المدارس يهتفون كل يوم: بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي، فسقطت حسابات قادتكم بان الكبار يموتون والصغار ينسون.


نأسف لكم، لأننا أسرنا الجندي شاليط، حيث كان يقوم بمهمة إنسانية في قطاع غزة، يلقي على سكانها القنابل والفسفور الأبيض كي يناموا هادئين!

نأسف لكم، لأننا أطلقنا على دوار المنارة في مدينة رام الله اسم الشهيدة دلال المغربي، فذكرناكم بشهدائنا المحجوزين في مقابر الأرقام سنين طويلة، وأثرنا فيكم الخوف من عودة الشهداء من موتهم ليعلنوا الحقيقة.

أيها الإسرائيليون، نأسف على إزعاجكم، لأن استمرار بقائنا في هذا المكان قد أضر بمجتمعكم، وأثار أسئلة وجودية في صفوفكم، فتحولتم من دولة مدنية وحضارية كما أرادها هرتسل إلى دولة عنصرية فاشيّة.

نأسف لكم، لأننا لم نكن نعلم بعد قبولنا مبدأ التعايش المتكافئ معكم على ارض وطننا التاريخي، بأنكم ستهربون إلى الغيتو من جديد، هناك وراء الجدار والحاجز العسكري وأبراج المراقبة، كأنكم تكرهون السلام والحياة.
------------
*عيسى قراقع: وزير شؤون الأسرى والمحررين، نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضو في الجمعية العامة لمركز بديل.