تدخل مؤسسات المجتمع المدني في دورات مجلس حقوق الإنسان

بقلم: رانيا ماضي*

تقرير خاص عن أعمال مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة بالقضية الفلسطينية

بتاريخ 16 تشرين أول 2009، اعتمد مجلس حقوق الإنسان قرارا يصادق فيه على "تقرير غولدستون"، وذلك في متابعة لدورته الاستثنائية الثانية عشرة حول وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتم اعتماد القرار بأغلبية 25 صوتا مقابل ستة أعضاء صوتوا ضد القرار، وهم: هنغاريا، ايطاليا، هولندا، سلوفاكيا، أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبامتناع 11 عضوا عن التصويت: دول اتحاد أوروبي، الكاميرون، الغابون، بوركينا فاسو، اليابان، المكسيك، النرويج، جمهورية كويا الجنوبية وسويسرا. ويوجد خمس دول أعضاء لم ترغب في التصويت على قرار "مثير للجدل"، وهي أنغولا، فرنسا، قرغيزستان، مدغشقر والمملكة المتحدة

 

وشاركت جميع الدول الأعضاء في المناقشات خلال الدورة الاستثنائية، فيما عبرت كل من إسرائيل والولايات المتحدة عن وجهة نظر مفادها بأن التقرير "خطير"، ويستحق دراسة متأنية من قبل المجلس (مجلس حقوق الإنسان). كما شددت الغالبية الساحقة من الدول الأعضاء على الحاجة إلى تحقيقات مستقلة تجريها كل من إسرائيل والفلسطينيين في المزاعم الموجودة في التقرير بشأن ارتكاب انتهاكات خطيرة لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

وأشارت كل من الصين والاتحاد الروسي بأنهما يمكن أن تمتنعا عن التصويت، لأن القرار كان يركز فقط على "تقرير غولدستون"، ويوجد لهما تحفظات جدية حول توصياته المتعلقة بإحالة التقرير إلى مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية.

وعلى الرغم من النداءات المتكررة التي وجهتها المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والعالمية، اختار مجلس حقوق الإنسان عدم إحالة الانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي جرت في سياق العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة في نهاية عام 2008 ("عملية الرصاص المصبوب") إلى مجلس الأمن، أو الجمعية العامة أو المحكمة الجنائية الدولية. وبدلا من ذلك، قرر المجلس تمديد ولاية لجنة الخبراء المستقلين للاستمرار في رصد التقدم الذي تحرزه التحقيقات المحلية (الوطنية) في الانتهاكات التي ارتكبها كلا طرفي الصراع.

وقام مجلس حقوق الإنسان، في السابع والعشرين من أيلول، بتنظيم حوار تفاعلي حول تقرير "لجنة الخبراء المستقلين" في إطار البند رقم 7، الذي عنوانه وضع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، و كان قد تم إنشاء اللجنة وفقا للقرار 13/9 من أجل النظر والتدقيق في التحقيقات التي تجريها حكومات إسرائيل وفلسطين، كاستجابة للمزاعم حول حدوث انتهاكات خطيرة لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي جاءت في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها القاضي "غولدستون". وقد تشكلت اللجنة من السيد كرستيان توموشات، وهو عضو سابق لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والقاضية ماري ماكغوان ديفس، وهي قاضية سابقة في المحكمة العليا لولاية نيويورك ومدع عام فدرالي سابق، ومن السيد بارام كماراسوامي، الذي شغل منصب المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين في اللجنة السابقة لحقوق الإنسان.

وقام ممثلو الدول الأعضاء الذين أخذوا دورا في الكلام أثناء الحوار التفاعلي بتقديم بعض المقترحات بشأن الخطوات المستقبلية لمجلس حقوق الإنسان، وانعكست هذه المقترحات في القرار الذي اعتمده المجلس في 29 أيلول، والذي جدد ببساطة ولاية لجنة الخبراء المستقلين.

ضغط المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والعالمية على الدول:

قدمت المنظمات غير الحكومية المشاركة في الحوار التفاعلي مقترحات ملموسة أكثر من مقترحات الدول الأعضاء، ومن هذه المنظمات: الاتحاد الدولي لمنظمات حقوق الإنسان (FIDH)، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، ومنظمة العفو الدولية، محامون ديمقراطيون، مجموعة الـ21 شمال-جنوب (North south XXI) والمحامون العرب. ولم تتخذ هذه المنظمات غير الحكومية مواقف نقدية تجاه التحقيقات الإسرائيلية فقط، وإنما تجاه تحقيقات السلطة الفلسطينية أيضا. وأشارت جميع المنظمات الحكومية، ومن ضمنها مركز بديل، إلى فشل الجانب الفلسطيني في مراعاة المعايير الدولية في التحقيقات. واقترحت عدة منظمات غير حكومية أن يقوم المجلس بإحالة التقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك عن طريق وباللجوء إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي.

دور المنظمات الفلسطينية غير الحكومية:

في ضوء عدم فعالية الآليات المحلية، كانت المنظمات الفلسطينية غير الحكومية تحاول ممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية، ودول أخرى كي تتخذ مواقف عاجلة من أجل تحقيق العدالة الدولية،. فغياب المساءلة يديم ارتكاب المزيد من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي ويطيل أمد الإفلات من العقاب. ومن الضروري اللجوء لآليات دولية للتأكيد على عدم استثناء أي كان من قبضة العدالة الدولية، أو من حماية القانون الدولي. وفي ظل غياب حكم القانون، تصبح العدالة شرطا مسبقا لتحقيق سلام مستدام، ويجب أن تكون جزء لا يتجزأ من أية مفاوضات سلام، وعندما لا يتاح توفير العدالة من خلال الآليات المحلية، ينبغي اللجوء إلى آليات العدالة الدولية.

وقد شرحنا رأينا المذكور أعلاه خلال مؤتمرنا الصحفي، وكنا نكرر القول بأن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أصبحت مرهونة بالمصالح السياسية للدول وخصوصا العظمى، ولعملية سلام وهمية، وقدمنا عدة أمثلة على ذلك منذ بدء عملية أوسلو. ولكننا صدمنا بقرار السلطة الفلسطينية بالموافقة على طلب عدم الإحالة، وتمديد فترة عمل لجنة الخبراء. وقد رأت مؤسسات المجتمع المدني ان هذه الموافقة لن تسهم في تحقيق العدالة الجزائية الدولية؛ الأمر الذي يديم هذه الممارسات ويتسبب في إحباط الضحايا ويضر بحقوقهم بشكل جسيم. فمن خلال جعل العدالة رهينة للمصالح السياسية، ولعملية السلام، فإن الموقف الرسمي الفلسطيني يمنح فرصة لإسرائيل وقياداتها للإفلات من العقاب. وأكدنا بأن المساءلة العدالة شرط مسبق من أجل التوصل إلى سلام مستدام، ويجب أن تشكل القاعدة لأية محادثات سلام،وعلى الأقل لا يوجد أي تعارض منهجي او مبدأي بين المسارين: مسار المفاوضات، ومسار مساءلة إسرائيل ومحاسبتها.

التقينا مع ممثلي دول عربية مختلفة، وعندما تمنينا عليهم عدم دعم هذا القرار ذو الدوافع السياسية؛ لأنهم في النهاية سوف يفشلون تماما في حمل مسؤوليتهم القانونية القاضية بضمان احترام القانون الدولي، وبذلك يتورطون في نشر المناخ السائد ويشجعون على إفلات مرتكبي الانتهاكات في الأرض الفلسطينية المحتلة من العقاب. وكان جوابهم بأنه يتوجب عليهم التحدث مع ممثل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الذي يعتقد بأن موقفه نابع من الرغبة في الحفاظ على الأمل من أجل السلام والمفاوضات. وكنّا طوال الوقت مستمرين في حث ممثلي السلطة الفلسطينية على إعطاء الاولوية لحقوق الضحايا الفلسطينيين، وعدم التضحية بحقوقهم. لكن الرغبة في "تهيئة الأجواء لعملية السلام"، كان لها الغلبة على صوتنا.

حصلنا على دعم من وسائل الإعلام المحلية في العديد من الدول العربية، وفي دول أمريكيا الجنوبية والدول الأفريقية، ولكن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تبنت موقف السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، هذا على الرغم من أنهم اقتنعوا بوجوب النظر إلى الإسرائيلي بصفته المستعمر وليس الشريك في هذه المفاوضات، وأن على القيادة الفلسطينية، بصرف النظر عن عملية التفاوض، أن تذكر المجتمع الدولي وكل الناس الذين تريد تمثيلهم، بأن الشعب الفلسطيني يعيش تحت وطأة نظام الأبارتهايد والاحتلال الإسرائيلي.

لقد نتج التباين في المواقف والأولويات في ظهور الجانب الفلسطيني منقسما أمام العالم، وكأن المواجهة ليست مع المستعمر الإسرائيلي. وبتقييمها للأمور، رأت منظمات المجتمع الفلسطيني في حينه انه من الضروري تجنب إثارة الأمر على النحو، خصوصا وان الطرف الفلسطيني، بشقيه المدني والرسمي، بحاجة إلى ترتيب جهودهما جيدا للجولة القادمة في الدورة السادسة عشر، في آذار 2011.

ريتشارد فولك يدعم تقرير غولدستون:

توفر لنا مصدر آخر مساند لموقفنا، ففي 14 حزيران 2010، قام السيد ريتشارد فولك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتأكيد أمام مجلس حقوق الإنسان على أهمية "تقرير غولدستون" (A/HRC/12/48)، ودعا إلى التنفيذ الكامل لكافة التوصيات الواردة فيه. ودعمت باكستان هذا الموقف بقوة (نيابة عن منظمة المؤتمر الإسلامي).

هيمن تقرير غولدستون على الكثير من الحوارات في كثير من البلدان التي أعادت تجديد مواقفها بشأن التقرير. ومن الموضوعات الرئيسة الأخرى التي ركز عليها التقرير السنوي للسيد ريتشارد فولك، كانت التطورات المتعلقة بمستقبل المستوطنات، وخاصة في القدس الشرقية وموضوع الحصار على قطاع غزة. وذكر المقرر الخاص بأن الحصار المستمر على قطاع غزة يمثل انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة، كما كان شديد الانتقاد للاحتلال الإسرائيلي المستمر للأرض الفلسطينية، مشيرا إلى أن استمرار " التنكر لحق تقرير المصير" بالعامل المدمر الصامت" لجميع التطلعات الفلسطينية.

وصرح السيد فولك بأنه على الرغم من تقديمه طلبات رسمية للقيام بزيارة للأرض المحتلة، إلا أنه لا يوجد أية مؤشرات تفيد بأن إسرائيل ستعيد النظر في سياستها الرافضة للتعاون مع المقرر الخاص. وهكذا، فإن تقرير السيد فولك لم يكن مستندا لزيارة فعلية للأرض الفلسطينية المحتلة، وقال أنه سيتم ترتيب زيارة له إلى قطاع غزة عبر مصر من أجل تقييم الاحتياجات الإنسانية بشكل أفضل، والقيام بصورة مباشرة بدراسة المعاناة الإنسانية المترتبة على الحصار. وأعرب السيد فولك عن أسفه لأن الدول الذي ظلت تنتقد عدم تعاون ميانمار وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية مع الإجراءات الخاصة، ظلت صامتة تماما بشأن عدم التعاون من جانب إسرائيل. وفي رده على موضوع استخدام تهم "التشهير والتحريض" لإسكات صوت قيادات المعارضة، قال المقرر الخاص بأنه قلق أيضا بشأن إصدار أحكام بالسجن على أعضاء في البرلمان الفلسطيني، ولكن ذلك يحتاج منه أولا دراسة هذه الأحكام بالتفصيل قبل أن يبدي المزيد من التعليقات.

مجلس حقوق الإنسان يقرر متابعة تقرير التحقيق حول أسطول الحرية:

نظر مجلس حقوق الإنسان في 28 أيلول 2010 في تقرير بعثة تقصي الحقائق الخاصة بالتحقيق في انتهاكات للقانون الدولي أثناء مهاجمة إسرائيل لقافلة بحرية محملة بمساعدات إنسانية لقطاع غزة. وقام القاضي كارل هودسون-فيليبس، الذي ترأس بعثة تقصي الحقائق، بتقديم تقرير البعثة للمجلس، وذكر أن البعثة كانت قادرة على التوصل إلى تقييم شامل للأحداث على الرغم من عدم التعاون من جانب إسرائيل. وأشار القاضي هودسون فيلبس إلى أن البعثة ترى أن هناك حاجة إلى إعادة تفسير اختصاصها (تفويضها) من أجل ضمان عدم فرض اتجاهات مسبقة للنتائج التي تتوصل إليها. ومن المثير للاهتمام، أن عددا من الدول رحبت بهذه الخطوات التي اتخذتها البعثة لضمان إتباع منهجية متوازنة. (الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل وماليزيا).


رسالتنا للحكومات الأوروبية: العدالة والقانون الدولي أساس النجاح في تحقيق سلام حقيقي

عندما كنا نلتقي ببعض ممثلي دول الاتحاد الأوروبي، كنا نقول لهم أن لا يضيعوا وقتهم وأموالهم على قضايا تافهة، وندعوهم للعمل على معالجة المشكلة من جذورها. وبانه يتعين على المجتمع والقوى الدولية أن يعترفوا في نهاية الأمر بأن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، وأنه يتناقض مع جميع قيم العدالة وحقوق الإنسان، وأن الأولوية هي لإنهاء الاحتلال أكثر من مساعدته في إدامة نفسه. وتحدثت العديد من وسائل الإعلام بأن "البراغماتية" في العالم لن يحالفها النجاح حتى يعترف أصحاب المصالح بأن الاحتلال الإسرائيلي هو العقبة الرئيسة أمام السلام. وفي الوقت نفسه، أن المفاوضات بصيغتها الحالية لن تجلب أية أخبار جيدة للفلسطينيين، سواء كانوا يعيشون في داخل الأرض المحتلة أو خارجها، والسبب البسيط وراء ذلك هو أن تقييد المفاوض الفلسطيني بالعديد من القيود وخاضع لضغوط شديدة. وإذا كانت أية مفاوضات ستقود يوما ما إلى نهاية الاحتلال، فسيتم ذلك لأنها ستكون قائمة على أساس العدالة، المساواة والحرية.

* رانية ماضي: قانونية وناشطة فلسطينية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، منسقة مكتب ونشاطات مركز بديل- جنيف.