حملات الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين في لبنان

بقلم: هيفاء جمال*

بالرغم من مرور أكثر من 62 عاماً على اللجوء الى لبنان وحرمان الفلسطينيين من الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية مثل: حق العمل، وحق التملك، وحق الاستفادة من الضمان الإجتماعي، وحق تأسيس الجمعيات الأهلية وغير ذلك، إلا أن التحركات للمطالبة بهذه الحقوق لم تبدأ قبل العام 1991؛ أي بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان. وقد طرح هذا الملف للمرة الأولى بعد اتفاق الطائف، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة عام 1991، بحيث تقرر فيه فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين، وحدد جدول أعماله ببعض العناوين التي تحتاج الى معالجة لتصحيح العلاقة، ومن ضمن تلك العناوين ملف الحقوق المدنية والإجتماعية.

 

وبالرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء المذكور أعلاه وأخذ بعض الخطوات العملية باتجاه معالجة ملف الحقوق مثل تشكيل لجنة من وزيرين يقابلهما وفد فلسطيني لبدء الحوار، إلاّ أنه سرعان ما توقف كل شيء بعد مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في تشرين الثاني 1991 بين إسرائيل وكل من سوريا، لبنان، الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. عند ذلك بدأت تتصاعد الحملات المطالبة بهذه الحقوق.

 

الحملات التي نظمت للمطالبة بهذه الحقوق

بالرغم من التحركات العديدة التي نظمت من قبل العديد من الفصائل السياسية الفلسطينية، ومن الجمعيات الأهلية، إلا أنه لم تطلق حملات منظمة للمطالبة بهذه الحقوق حتى العام 2005. وسوف نتناول في هذا المقال بشكل موجز أبرز الحملات التي تمت للمطالبة بالحقوق المدنية:

 

الحملة الأهلية للدفاع عن الحقوق الإجتماعية والمدنية للفلسطينيين في لبنان: أطلقت هذه الحملة من قبل دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، تحت شعار: "حقوق مدنية وصولاً لحق العودة"، في ورشة عمل عقدت في 30 نيسان 2005، في قصر الأونيسكو، وبحضور 96 شخصا يمثلون جمعيات أهلية ودولية، ومنظمات شبابية، واتحادات شعبية ومهنية، بالاضافة الى شخصيات وطنية ودينية. اتفق في ورشة العمل على اطلاق الحملة. وبالفعل تم تشكيل لجنة متابعة، وقد تم عقد ورشات عمل في معظم المخيمات بهدف التوعية والتعريف بالحملة. وكذلك عقدت ندوتان في مدينة صيدا، وندوة في مدينة صور. وقد جال ممثلون عن الحملة على عدد من الهيئات الأهلية وشخصيات وطنية وسياسية لبنانية. كما أصدرت الحملة مذكرة حول الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان وجهت إلى السلطات اللبنانية المختصة، كما ووزعت هذه المذكرة على عدد واسع من المعنيين بالشأنين السياسي والقانوني. كما أصدرت الحملة عدة ملصقات، بالإضافة إلى فيلم وكتيب. وقد تم دعم هذه الحملة من قبل مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية، وجمعية المساعدات الشعبية النروجية، والمنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان.

 

نشاطات وتحركات لجنة عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان(CEP): تشكلت هذه اللجنة كمحصلة لورشة عمل مشتركة نظمت من قبل الأنروا ووزارة الخارجية اللبنانية في العام 2006. وهي تضم ممثلين عن :منظمة العمل الدولية، ووزارتي الخارجية والعمل اللبنانيتين، المجتمع المدني، الأونروا، ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويترأسها السفير السابق سمير خوري. لقد قامت اللجنة بالعديد من المهام أبرزها: اصدار دراسة بعنوان "الأوضاع القانونية التي ترعى الفلسطينيين في لبنان"، ودراسة أخرى خاصة بالمؤسسات التي لديها برامج تأهيل مهني للفلسطينيين، ومراجعة للدراسات الخاصة بعمالة اللاجئين الفلسطينيين في سوق العمل اللبناني، وإنشاء قاعدة معلومات عن الخريجين الفلسطينيين. هذا بالإضافة الى تنظيم العديد من الطاولات المستديرة وورشات العمل المتخصصة. بالإضافة إلى ذلك، عقد مؤتمر مشترك بالتعاون مع جمعية المساعدات الشعبية النروجية حول حق العمل: المشاكل والحلول، وقد حضره أكثر من مئة شخص يمثلون هيئات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني، وممثلين عن ست أحزاب رئيسية لبنانية من اتجاهات مختلفة. وتلقت هذه اللجنة الدعم المالي من قبل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، والوكالة الكندية الدولية للتنمية، والسفارة النروجية في لبنان، والمساعدات الشعبية النروجية.

 

حملة حق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان: انطلقت هذه الحملة مطلع العام 2005 بمبادرة من جمعية النجدة الاجتماعية. بدأت الحملة في تشكيل تحالفات في المناطق، ثم تم تشكيل ائتلاف ولجنة متابعة للحملة. ويشارك في هذه الحملة 85 هيئة من الجمعيات الأهلية والاتحادات الشعبية. أصدرت الحملة دراسة بعنوان: " مساهمة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات في الاقتصاد اللبناني"، كما أصدرت ملصقات ومطويات تعريفية. ونظمت الحملة العديد من الطاولات المستديرة وورشات العمل والمهرجانات، كما نظمت اعتصامات خاصة بمناسبة عيد العمال. وتم اعداد مذكرة، وعريضة تم التوقيع عليها من قبل عدد من النواب ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي الأستاذ وليد جنبلاط في البرلمان اللبناني. وكما تم عقد لقاءات مع عدد واسع من الأحزاب السياسية اللبنانية والشخصيات السياسية والبلديات والفعاليات في العديد من المناطق. وقد تم دعم هذه الحملة من قبل جمعية دياكونيا وجمعية كرسشيان إيد بالإضافة الى جمعيات اخرى.

 

مسيرة الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية: بدأ التحضير لهذه المسيرة منذ مطلع العام 2010 من قبل عدد من الأكاديميين والجمعيات الأهلية اللبنانية والفلسطينية والدولية. وكان الهدف منذ البداية هو تنظيم مسيرة حاشدة تنطلق من جميع المناطق والمخيمات وصولاً إلى وسط مدينة بيروت بالقرب من مبنى البرلمان تحت شعار: " بدنا نعيش بكرامة لنعود"، وما أن بدأ التحضير لهذه المسيرة حتى انضم اليها العديد من الجمعيات الأهلية اللبنانية والفلسطينية والمنظمات الشبابية والنسائية والاتحادات الشعبية والجماهيرية من معظم المناطق اللبنانية والمخيمات والتجمعات الفلسطينية. وقد بلغ عددهم حوالي 130. وشكلت لجنة متابعة للمسيرة. وقد حظيت المسيرة بتأييد سياسي واسع فلسطينياً ولبنانياً.

 

تم اعداد خطة اعلامية تضمنت انتاج اعلان مصور تم بثه على الستالايت في جميع المخيمات، وملصق خاص بالمسيرة تم توزيعه على كل المخيمات وبعض المدن اللبنانية خاصة في بيروت، واغنية ايضاً للمسيرة. هذا بالاضافة إلى التغطية الاعلامية قبل وخلال المسيرة.

 

انطلقت المسيرة صباح يوم الأحد الموافق 27 حزيران 2010 من جميع المناطق اللبنانية نحو بيروت. وتم تنظيم مهرجانات في بعض المناطق قبل التحرك الى بيروت. تم التجمع للمشاركين القادمين في حافلات من صور وصيدا والجبل والبقاع وبيروت في المدينة الرياضية. أما المشاركون من منطقة الشمال فتجمعوا في منطقة الكرنتينا. وبعد ذلك انطلقت المسيرتان مشياً على الأقدام للتجمع في حديقة جبران أمام مبنى الأوسكوا. وقد حمل المشاركون الأعلام الفلسطينية واللبنانية، والملصقات الخاصة بالمسيرة، واليافطات التي تطالب بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية وفي مقدمتهم حق العمل وحق التملك. وقد ارتدى جميع والمشاركين قبعات كتب عليها شعار المسيرة، وصدحت مكبرات الصوت المحمولة على السيارات بالأغاني والشعارات والهتافات الوطنية الموحدة وبشكل خاص الأغنية الخاصة بالمسيرة. سار المشاركون في المسيرة بشكل حضاري لم يشوبه أي حادث مخل بالأمن أو النظام العام. وقد قدرت بعض وسائل الاعلام أن عدد المشاركين بالمسيرة فاق 5000 مشارك ومشاركة. واختتمت المسيرة ببعض الخطابات وبتسليم مذكرة تتضمن مشاريع قوانين خاصة بحق العمل وحق التملك الى سكرتير المجلس النيابي الذي كلفه رئيس المجلس باستلامها بالنيابة عنه. وبحفل فني تخللته دبكات شعبية وأغاني وطنية من قبل فرق فنية فلسطينية من المخيمات. وشهدت المسيرة تغطية اعلامية واسعة جداً من قبل وسائل اعلام محلية وعربية وأجنبية.

 

وتم دعم هذه المسيرة مالياً من قبل السفارة النروجية في لبنان، والمساعدات الشعبية النروجية التي قدمت الدعم الاداري واللوجستي للمسيرة أيضاَ، مجلس اللاجئين الدانماركي، المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان، بالإضافة لمساهمات أخرى من بعض الجمعيات المشاركة بالمسيرة وبعض الشخصيات الوطنية الفلسطينية.

 

والى جانب هذه الحملات كان هناك العديد من التحركات والأنشطة التي تركز على المطالبة بالحقوق المدنية، منها على سبيل المثال:


• التحركات التي قام بها الحزب التقدمي الإشتراكي، حيث نظم مؤتمرا في 13/1/2010 لدعم الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. وقد حضر هذا المؤتمر عدداً من الوزراء والنواب وممثلو الأحزاب اللبنانية وممثلون عن منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني، وشخصيات سياسية ودينية لبنانية وفلسطينية ومؤسسات دولية. وبعد المؤتمر شرع الحزب باعداد مشاريع قوانين لطرحها على البرلمان خاصة بالحقوق المدنية، بالإضافة إلى حملة إتصالات واسعة. وبالفعل تم بلورة مشاريع القوانين وطرحها على البرلمان الأمر الذي سرّع في اصدار القوانين الخاصة بحقوق الفلسطينين. هذا وكانت جبهة التحرر العمالي التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي قد نظمت ورشة عمل أيضاَ بالتعاون مع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في لبنان من أجل دعم حقوق الفلسطينيين في لبنان وفي مقدمتها حق العمل.
• ورشة عمل خاصة بحق العمل نظمت من قبل المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان في العام 2008. بالإضافة لاصدار دراسة بعنوان: " قوانين العمل اللبنانية والأوضاع الراهنة للاجئين الفلسطينيين: مساهمة الفلسطينيين بالاقتصاد اللبناني" بدعم من السفارة الهولندية، وفيلم وثائقي بعنوان: "اللاجئون الفلسطينيون في لبنان...إسهامات مهمشة" بدعم من السفارة الفلندية.
• كما أن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في لبنان نظم العديد من التحركات، وأعد ورقة عمل تحدد موقفه بشأن التشريعات المطلوبة الخاصة بحق العمل قدمها الى وزير العمل اللبناني والى مختلف أطياف الحركة النقابية اللبنانية. كما شارك بشكل واسع بورشة العمل التي نظمت من قبل مؤسسة " صدى للدراسات والاستشارات العمالية" في نيسان 2009 في الأونيسكو بمناسبة عيد العمال برعاية وزير العمل.

 

هذا بالاضافة إلى التحركات والفعاليات المختلفة التي قامت بها مختلف الفصائل الفلسطينية وجمعيات أهلية أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعاً.

 

وبالرغم من كل هذه التحركات والحملات التي تمت، وبالرغم من المطالبة المحقة بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، هذه الحقوق التي تكفلها شريعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية الموقع والمصادق عليها لبنان، وبروتوكول الدار البيضاء لجامعة الدول العربية، إلاّ أن القوانين التي شرعها البرلمان اللبناني مؤخراً بخصوص منح بعض الحقوق للفلسطينيين جاءت محدودة جدا، ولا ترقى لمستوى الضجيج والحملات المحمومة ضد إقرار هذه الحقوق الذي رافق طرحها في البرلمان. وطرح فزاعة التوطين من قبل بعض الأطراف كلما فتح هذا الملف، بالرغم من أن الجميع يعلم أن الفلسطينيين هم أول من يرفض التوطين والتهجير، وهم أول من يتمسك بحق العودة الى ديارهم الأصلية.

 

إن ما أقر من قوانين خاصة بحق العمل والاستفادة المحدودة من تقديمات الضمان الاجتماعي، يتطلب إعادة تنشيط الحملات والتحركات من قبل كل مكونات المجتمع الفلسطيني في لبنان من مؤسسات وجمعيات واتحادات شعبية وفصائل سياسية. كما يتطلب التنسيق والتعاون مع هيئات المجتمع المدني اللبناني من جمعيات ومنظمات حقوق انسان ونقابات وأحزاب سياسية. ولكن يجب أن تكون هذه الحركة منسقة إذا تعذر أن تكون موحدة، من أجل إقرار باقي الحقوق للعيش بكرامة لحين العودة.

 

______________________
*هيفاء جمال: منسقة برنامج حقوق الإنسان/المساعدات الشعبية النرويجية - لبنان