استعراض أنشطة الأمم المتحدة منذ صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حتى اليوم

بقلم: زهــا حســـن 
                                           الحقوق الفلسطينية والأمم المتحدة
لقد حضرت عددا كبيرا من الاجتماعات حول حقوق الشعب الفلسطيني، وأنا مندهشة من كيفية استمرار الناس في الإصرار على الصبر بينما يجري صلب إخوتنا وأخواتنا. في اعتقادي أن الصبر فضيلة، ولكن لا يوجد شيء من الفضيلة في الصبر على معاناة الآخرين.صريحات رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأب "دي اسكوتو"، بشأن قضية فلسطين قبيل الجلسة العامة السابعة والخمسين، ... والتي أشار فيها إلى أن مشكلات هيكلية محددة كامنة في الأمم المتحدة هي التي تجعل من الممكن التوصل لحلول سياسية للصراعات الدولية، وفي بعض الأحيان تجعل تلك الحلول السياسية تتقدم وهي منفصلة تماما عن المبادئ القانونية التي تروج لها نفس المؤسسة. ويتجلى هذا الانفصام بشكل أكثر وضوحا في حالة فلسطين/إسرائيل.
الأمم المتحدة وسلفها، عصبة الأمم، والهيئات التي لعبت الدور المؤسسي في ولادة القضية الفلسطينية، تواجه الآن، وبعد 60 عاما من فقر الأبوة والأمومة، مشكلة الوليد بأبعادها العالمية؛ ورغم أن الهيئات الأساسية للأمم المتحدة ولجانها المنبثقة بموجب المعاهدات الدولية، تعهدت بالتمسك وبتدعيم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتي تشكل الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وهي مصادر للقانون الدولي ولمساندة الحقوق الفلسطينية، ومن ضمنها الحق في تقرير المصير والحق في التعويض. ويبدو أن بعض هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها الأخرى؛ تعمل ضمن مسارات سياسية تكون فقط على اطلاع على الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وغالبا ما يتم السؤال: ما هي القيمة في وجود كل من الحقائق والقانون على الجانب الخاص بك؛ إذا كان مجلس الأمن يقف في طريق تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في سياق حالة فلسطين/إسرائيل؟

ولكي نفهم لماذا يصب تطور المبادئ القانونية  في دعم حقوق الإنسان الفلسطيني ضمن مسائل الأمم المتحدة، علينا أن ندرك أن القانون الدولي والإرادة الدولية هما أمران منفصلان، ولكن ليس بالضرورة على أساس تبادلية حصرية للأمور. فالأثر التراكمي للقانون يساعد على بناء قوة الدفع التي يمكنها أن تحرك الإرادة الدولية نحو الفعل، وخير مثال على قوة الأثر المتراكم للقانون الدولي، هو حالة تفكيك نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا؛ حيث استغرق أكثر من صدور رأي استشاري واحد عن محكمة العدل الدولية لإجبار مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي؛ للعمل بصورة منفردة أو جماعية والقيام بفعل عبر فرض عقوبات من نوع أو آخر على نظام الفصل العنصري في نهاية المطاف، وهذه الأفعال العالمية مترافقة مع كفاح الجنوب أفريقيين أنفسهم ضد نظام الأبارتهايد، قادت معا لإنهاء عقود من الفصل والتمييز العنصري.

وبالتالي، يتعين على الفلسطينيين الذين لم يكونوا ممثلين بصورة كافية وعلى قدم المساواة مع إسرائيل على الساحة العالمية أن يواصلوا العمل من أجل تطوير القانون الدولي والمبادئ القانونية التي سوف تحرك الجهود من أجل إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. في الذكرى الستين للنكبة ولصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي وقت يتجرأ فيه رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة للدعوة لحملة مقاطعة، سحب استثمارات وفرض عقوبات على نظام "أبارتهايد" دولة إسرائيل، وهذا يعني أن الإرادة الدولية ربما تكون على شفا مرحلة تحول نحو الفعل، وأن على فلسطين أن تكون مستعدة لاغتنام الفرصة عند ظهورها.

ولتقييم ما نحن عليه اليوم فيما يتعلق بالأمم المتحدة والحقوق الفلسطينية، وبشكل أساس فيما يتعلق بحق تقرير المصير، وحق العودة والتعويض، فإن هذه المقالة ستعيد بحث القرار التاريخي الهام الذي صدر عن محكمة العدل الدولية عام 2004، مع مراجعة أنشطة الأمم المتحدة وهيئاتها المنشأة بموجب المعاهدات الدولية، وكذلك تطور المبادئ القانونية منذ صدور ذلك القرار وحتى اليوم.

محكمة العدل الدولية

إن صدور فتوى محكمة العدل الدولية عام 2004 يمثل نقطة هامة للبدء في نظرتنا للوراء؛ من حيث أن محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيس للأمم المتحدة، وبسبب الصفة المرجعية لهذا الجسم القضائي وللصفة الحاسمة لآرائها القانونية. فمن صلاحية محكمة العدل الدولية أن تقرر في النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكذلك تقديم آراء استشارية عندما يطلب منها ذلك من قبل وكالات وهيئات الأمم المتحدة مثل الجمعية العامة. وقد أخذت بالاعتبار كل من النشاطات القانونية المستمرة على شكل مراجعات دورية من قبل الهيئات المنشأة بناء على المعاهدات الدولية لسجل إسرائيل في موضوع حقوق الإنسان، والتحقيقات الخاصة من قبل وكالات وآليات الأمم المتحدة، وكذلك الإرادة السياسية الدولية التي تمثلت بطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.

وبذهاب المحكمة للبحث في خلفية بناء جدار الفصل في الضفة الغربية؛ أخذت على عاتقها أن تعلن بأن الشعب الفلسطيني هو أحد الشعوب التي لها الحق في تقرير المصير بموجب القانون الدولي، وحكم قضاة المحكمة الخمسة عشر بأن إسرائيل ملزمة  بدفع تعويضات بموجب مبادئ القانون الدولي بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني خلال عملية بنائها لجدار الفصل. ورأت المحكمة أن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناشئ عن بناء الجدار، وعليها أن  تلتزم بعدم تقديم أية مساعدة من شأنها المساهمة في الإبقاء على هذا الوضع الناشئ عن تشييد الجدار. وبالإضافة لذلك؛ قررت المحكمة أن جميع الدول الأطراف في معاهدة جنيف الرابعة ملزمة بالعمل بموجب أحكام هذه المعاهدة، كما ذكرت المحكمة، ومن أجل ضمان امتثال إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني على النحو الوارد في اتفاقيات جنيف.

وكنتيجة لفتوى محكمة العدل الدولية، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في كانون أول 2006 يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء مكتبا لتسجيل وتوثيق الأضرار الناجمة عن بناء الجدار والتي تقع على أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، وقد قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين ثلاثة خبراء قانونيين لإدارة هذا السجل، من كل من اليابان، فنلندا والولايات المتحدة، وتم تحديد مكتبا لهذا السجل في مقر الأمم المتحدة في فيينا. وبالرغم من قرار إنشاء سجل للأضرار لا ينص على أي لجوء لإجراءات قضائية أو أية أشكال بديلة للتعويض؛ إلا أنه قرار هام لأنه يضع الأساس لمطالبات مستقبلية، ويسلم بمساءلة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.

مجلس حقوق الإنسان

يتشكل مجلس حقوق الإنسان من 47 عضوا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والذي خولته الجمعية العامة للأمم المتحدة صلاحية معالجة حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات حول هذه الانتهاكات. ومنذ ذلك الحين أصبح مجلس حقوق الإنسان هو الوريث لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومن بين الاجتماعات السبعة التي عقدها المجلس، كانت أربعة منها تتعلق بإسرائيل: ثلاث جلسات خاصة حول وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجلسة خاصة إضافية حول غزو إسرائيل للبنان في آب 2006. وقد تناولت الجلسة الخاصة الأولى اعتقال إسرائيل التعسفي لوزراء وأعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني، إضافة إلى معالجة تدمير إسرائيل للبنية التحتية المدنية، واهتمت الجلسة الثالثة في تشرين ثاني 2006 بقتل إسرائيل للمدنيين في بيت حانون، وفي الدورة الاستثنائية السادسة التي عقدت في كانون ثاني 2008، تناول المجلس التوغلات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأوضاع في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي؛ وقد وجد المجلس أن هذه الإجراءات الإسرائيلية غير قانونية وطالب إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة.

كما يقوم مجلس حقوق الإنسان كل أربع سنوات بمراجعة دورية شاملة لسجل حقوق الإنسان في جميع الدول الأعضاء الـ 192، ويتيح هذا الاستعراض الدوري الشامل الفرصة  لكل دولة من الدول الأعضاء لمناقشة وبحث الإجراءات المتخذة لتحسين وضع حقوق الإنسان في بلدانهم، وكيف عملوا من أجل الوفاء بالتزاماتهم فيما يخص حقوق الإنسان. وجرى استعراض وضع إسرائيل خلال دورة كانون أول 2008؛ حيث قدم ثلاثون من أصحاب المصالح وذوي العلاقة، ومن ضمنهم منظمات غير حكومية، ومن خلال التوثيق الدقيق لسجل حقوق الإنسان داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة؛ قدموا معلومات لتعزيز عملية مراجعة المجلس لوضع إسرائيل، كما اعتمد المجلس على معلومات عبر آليات وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة خلال عملية الاستعراض وتقييم سجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان.

الإجراءات الخاصة

ومن بين الآليات المتاحة لمجلس حقوق الإنسان للتحقيق وتقديم توصيات محددة بشأن مشكلات البلدان أو القضايا التي تتعلق بتعيين المقررين الخاصين.

المقرر الخاص الرئيس لحقوق الإنسان الفلسطيني هو المقرر الخاص بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي تم اعتماده عام 1993، وقد قدم أحد عشر تقريرا لمجلس حقوق الإنسان وسلفه المفوضية السامية لحقوق الإنسان. ومنذ صدور فتوى محكمة العدل الدولية عام 2004؛ ترفض إسرائيل الاعتراف بولاية المقرر الخاص بحقوق الإنسان وترفض الإلقاء به.

كان المقرر الخاص، خلال السنوات الأربع الماضية، من كبار منتقدي إسرائيل. ومنذ صدور فتوى محكمة العدل الدولية عام 2004؛ دعا المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، السيد جون دوغارد، ـ دعا المجتمع الدولي مرارا لتعاميه (عبر الإرهاب) وفشله في التصدي لأسباب الجذرية للصراع، كما انتقد الأمم المتحدة لاستمرار مشاركتها في اللجنة الرباعية التي تعتمد مسارا مخالفا لقرار محكمة العدل الدولية، وعلى عدم قيام الأمم المتحدة بمعاقبة إسرائيل على استمرارها في بناء جدار الفصل، كما دعا دول الاتحاد الأوروبي لرفض قبول أية منتجات من إسرائيل يمكنها أن تنتهك قرار محكمة العدل الدولية. وبذلك يكون المقرر الخاص جون دوغارد هو أول مسئول رسمي في الأمم المتحدة يشبه نشاطات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالأبارتهايد، ويصف الجيوب الفلسطينية التي خلقتها إسرائيل بالمعازل المشابهة للـ"بانتوستونات".


وبذلك منع من دخول البلاد في إطار أية مهام للأمم المتحدة، أما المقرر الخاص الحالي، ريتشارد فولك، فقد قام بتحضير أول تقرير له حول حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 2008، وأوصى في تقريره الأول لمجلس حقوق الإنسان؛ بأن تقوم الجمعية العامة بالتوجه لمحكمة العدل الدولية مرة أخرى من أجل البحث عن إرشاد قانوني حول مدى الأخطار التي يشكلها الاحتلال على تحقيق الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واشتملت توصيته أيضا على أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بطلب مساعدة مجلس الأمن الدولي من أجل تنفيذ الالتزامات الواردة في فتوى محكمة العدل الدولية عام 2004، وكذلك دعوة حكومة سويسرا، باعتبارها الدولة الراعية لاتفاقيات جنيف، لكي تقوم بعقد اجتماع للدول الأطراف في المعاهدة من أجل استكشاف مسئولياتها في مواجهة إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.

المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام بدون محاكمة والإجراءات التعسفية، والمقرر الخاص بشأن الحق في الصحة، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لحقوق الإنسان للأشخاص المهجرين داخليا، والمقرر الخاص بالحق في سكن ملائم؛ قاموا بالمشاركة في بعثة مشتركة للمنطقة في عام 2006 وأبدوا ملاحظات حول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني خلال غزو إسرائيل للبنان في ذلك العام. كما زار إسرائيل في عام 2007 و2008 كل من المقرر الخاص بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمقرر الخاصة بالحرية الدينية وحرية المعتقد، وقيموا مدى الامتثال لمعايير حقوق الإنسان في المنطقة الخاضعة لسيطرة إسرائيل السيادية. وقد أرسلت ست وستون رسالة ونداء من قبل أفراد ومنظمات غير حكومية؛ من خلال نظام الإجراءات والآليات الخاصة بالأمم المتحدة تلتمس وتطلب القيام بعمل لمعالجة وضع إسرائيل، وردت إسرائيل على أقل من نصف هذه الرسائل.

الهيئات المنشأة بموجب المعاهدات الدولية

من أهم الهيئات المنشأة بمعاهدات حقوق الإنسان والتي تلعب دورا في دعوة إسرائيل لتحمل مسئولياتها عن انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في التعويض؛ لجنة حقوق الإنسان (CHR)، لجنة القضاء على التمييز العنصري (CERD) ولحنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (CESCR)، فخلال الأربع سنوات الماضية؛ قامت هذه الهيئات وغيرها من الهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان، باغتنام الفرصة لإعادة تأكيد وجهة نظرها القاضية بان إسرائيل ملزمة بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان بالعمل على توسيع نطاق حماية حقوق الإنسان، وملاحظة ضرورة احترامها لهذه الحقوق في جميع الأراضي والتجمعات السكانية الخاضعة لسيطرتها الفعالة. وهكذا، فإن إسرائيل مدينة بالتزامات قانونية حيال جميع الفلسطينيين، سواء كانوا يعيشون داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي عام 2007، وبعد سنوات من عدم خضوع إسرائيل للاستعراض الدوري لسجلها ولعدم امتثالها لأحكام المعاهدة الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؛ قامت إسرائيل أخيرا بالرد على أسئلة لجنة القضاء على التمييز العنصري (CERD) حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها السيادية. وعبرت لجنة القضاء على التمييز العنصري عن قلقها من فشل إسرائيل في تحقيق المساواة وفشلها في تحريم التمييز العنصري في قوانينها الأساسية: مثل قانون الحرية والكرامة الإنسانية لعام (1992). وأوصت اللجنة بـ"ضمان أن حظر التمييز العنصري وضمان مبدأ المساواة يجب أن يتم سنها كجزء من القواعد العامة وبمنزلة عالية في القوانين الوطنية"، وكذلك لـ"زيادة جهودها لضمان التمتع المتساو بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية  للمواطنين العرب في دولة إسرائيل...". كما طالبت لجنة التمييز العنصري دولة إسرائيل لضمان أن تعريف دولة إسرائيل لنفسها كدولة يهودية لن ينجم عنه "تمييز منهجي، استثناء، أو قيود أو معاملة تفضيلية على أساس العرق، اللون، النسب، الأصل الاثني أو القومي"، كما دعت إسرائيل لضمان "المساواة في حق الشخص في العودة لبلده وفي حيازة الملكية". وعبرت اللجنة عن قلقها بشأن كيفية قيام مؤسسات مثل الصندوق القومي اليهودي، المنظمة الصهيونية العالمية، إدارة إسرائيل بعمليات إدارة الأراضي، الإسكان والخدمات بطريقة حصرية لمصلحة السكان اليهود، ودعت إسرائيل إلى "ضمان أن هذه المؤسسات مقيدة بمبدأ عدم التمييز خلال ممارستها لمهامها".

وقد اعترفت لجنة القضاء على التمييز العنصري بالحق في الأرض للمجتمع البدوي في النقب، وطالبت إسرائيل بإعادة النظر في بقانون الجنسية والدخول لإسرائيل (نظام مؤقت) والذي يعرقل  لم شمل العائلات الفلسطينية، وذلك "من أجل تسهيل لم شمل العائلات على أسس غير تمييزية".

وإسرائيل، بوصفها موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، من واجبها أن تقدم استعراضا لسجل امتثالها لتلك المعاهدة والامتثال لمراجعة سجلها في مجال حقوق الإنسان كل أربعة سنوات؛ لم يتم استعراض وضعها منذ عام 1993، وهكذا تم جدولة هذا الاستعراض ليتم أثناء جلسة اللجنة في تشرين أول 2009، ولكن لم يحدد التاريخ النهائي بعد، وفشلت إسرائيل في مواكبة الاستعراض الدوري أمام لجنة الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، والذي هو عهد إنفاذ هذه الحقوق. وتقرير إسرائيل الثالث لهذه اللجنة كان مقررا أن يتم في حزيران 2008، ولكنه لم يعرض أمام اللجنة. وعبرت اللجنة في تقرير سابق لها عن قلقها من استمرار الاختلاف في معاملة اليهود وغير اليهود، وبشكل خاص معاملة العرب والبدو الفلسطينيين فيما يتصل بتمتعهم بالحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية داخل الخط الأخضر.

وذكرت اللجنة أن إسرائيل، ومن خلال تشديدها المفرط على أن الدولة هي "دولة يهودية" تشجع على التمييز وتضع المواطنين في منزلة مواطنين من الدرجة الثانية". وقد لاحظت اللجنة الفرق في معاملة المهاجرين اليهود لإسرائيل الذين ينتفعون فورا من قانون العودة الإسرائيلي، وفي معاملة اللاجئين الفلسطينيين الذين تحرمهم إسرائيل من ممارسة حقهم الإنساني في العودة لوطنهم المعترف به دوليا. وأعربت اللجنة عن قلقها إزاء وضع "الجنسية اليهودية" في القانون الإسرائيلي بوصفه أساسا لمعاملة تفضيلية تقتصر على المواطنين اليهود في دولة إسرائيل.

الأمم المتحدة واللاجئين الفلسطينيين

تشكلت لجنة التوفيق الدولية بشأن اللاجئين الفلسطينيين عملا بقرار الجمعية العامة رقم 194 (III) لعام 1948، وكان ينبغي أن تكون هذه وكالة يقضي انتدابها بتوفير الحماية، الإعادة للوطن والتعويض للاجئين الفلسطينيين عام 1948. وقد تم حل هذه اللجنة في بداية الخمسينات من القرن لماضي تبعا لكل الأسباب العملية ولغياب الإرادة السياسية. ومع أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا) تقدم المساعدة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها (الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان وسوريا)، ولهذا فإن اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في هذه المناطق يقعوا خارج نطاق ولاية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، ولولا ذلك لكانت المفوضية مسؤولة عن توفير الحماية للاجئين، والبحث عن حلول دائمة لقضيتهم. وبالرغم من ذلك، فإن الدور الفعال لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، المفوضية السامية والأنروا تعمل معا في التصدي لقضايا تواجه اللاجئين الفلسطينيين والأشخاص المهجرين داخليا. وذلك فيما يتعلق بالضغط على إسرائيل من اجل تنفيذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، وبذلك، فهي تلعب دورا هاما؛ هذا الدور يكون غالبا كرد فعل، ولكن استباقيا وبصورة لطيفة في بعض الأحيان.

وتستطيع الأنروا، وجنبا إلى جنب، مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) توفير المعلومات وتقديم التقارير الهامة لتسهيل وظيفة غيرها من هيئات الأمم المتحدة الأخرى، وخاصة فيما يتعلق بالاستعمار الإسرائيلي، هدم البيوت، وسياسة إسرائيل في بناء الجدار الفاصل لأنها تؤثر على اللاجئين الفلسطينيين، ويخلق مزيدا من المهجرين داخليا. ومنذ حرب العراق عام 2003، وإضافة إلى قيام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتقديم مساعدة ملموسة للاجئين الفلسطينيين من/في العراق، قامت بالعمل على إشراك السلطات الإسرائيلية والضغط من أجل أن تسمح للاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق بدخول الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ هذا بالرغم من أن إسرائيل رفضت ذلك.

تقييم عمل الأمم المتحدة

هذا العام، وبمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، قدم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وزير خارجية نيكاراجوا السابق، الأب ميغيل دي اسكوتو بروكمان، قام بتقديم تقييمه للأمم المتحدة بشأن فلسطين:

"أعتقد أن الفشل في إقامة دولة فلسطينية كما وعد بها؛ هو الفشل الأعظم في تاريخ الأمم المتحدة. فقد مضت ستون سنة منذ طرد أكثر من 800,000 فلسطيني من بيوتهم وأملاكهم، حيث أصبحوا لاجئين مقتلعين من وطنهم وأناس مهمشين، ونحن لا نستطيع تجنب السخرية المريرة بأننا في الشهر القادم سنحتفل بالذكرى الستينية لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يكرس حق تقرير المصير لهؤلاء الناس أنفسهم".

الأب دي اسكوتو محق تماما: أنها سخرية حقا، أن المؤسسة التي وجدت لحماية حقوق الإنسان، ومثلها الأعلى هو حق تقرير المصير للشعوب، هي نفس المؤسسة هي التي كانت مسئولة عن تهيئة الفرصة لاقتلاع الفلسطينيين وعن إهمال إنفاذ الحقوق الفلسطينية على مدى سنوات عمرها. ولكن الأمم المتحدة ليست كلها راضية عن ذلك؛ فهناك وكالات مختلفة قامت بالعمل – وعلى درجات مختلفة من الفعالية – من أجل ضمان أن يتم إرساء أساس واضح لما يجب أن يكون عليه الحل العادل. وتلعب منظمات المجتمع المدني الفلسطيني ومنظمات غير حكومية متضامنة أخرى، ــ تلعب دورا حاسما في التأكيد على أن الأمم المتحدة باقية على عهدها لدعم تطوير "احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب". وأن البحث في إطار الأمم المتحدة عن حل عادل للصراع يجب أن لا ينظر إليها على أنها ممارسة بدون معزى عملي؛ وأنها جزء من برنامج مترافق مع استمرار الضغط المتنامي للمجتمع المدني، للمنظمات غير الحكومية والدول، وضمن صيغة للعدالة والحرية في زوايا أخرى من العالم. ومنذ صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004؛ فإن التوثيق الهام لسجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان قد أدهشت وكالات الأمم المتحدة؛ هذه التقارير، التحقيقات، السجلات والملاحظات سوف تكون، بلا شك، مادة يتم الاعتماد عليها عند التوجه لمحكمة العدل الدولية مرة أخرى. وبالتالي؛ فإن القرار الهام القادم سيجلب فلسطين خطوة واحدة أقرب نحو الحل العادل، الحل الذي سيكون قريبا أكثر مما نجرؤ على الحديث عن إمكانيته هذه الأيام.

________________

زها حسن هي خبيرة قانونية وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان الفلسطيني، تقيم في بورتلاند، الولايات المتحدة.