قانون تصفية أملاك اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين

بقلم: محمد الياس*

في الثالث من آب 2009، صادق البرلمان الإسرائيلي على "قانون مديرية أراضي إسرائيل". بموجب هذا القانون سيتم خصخصة 800.000 دونم من الأراضي المدينية التي تشرف عليها دولة إسرائيل. نصف هذه المساحة سيتم خصخصتها حتى 2014، والبقية تستكمل بعد ذلك.

التعريفات التي شكلت مقدمة ذلك القانون عرفت الأراضي المدينية بـ "تلك التي يسمح تخطيطها في الخارطة... لأغراض السكن، أو العمل غير الزراعي (صناعة، تجارة، سياحة ، خدمات).

هذه المقالة تلقي الضوء على أهم الآثار المترتبة على تنفيذ هذا القانون، والدوافع الحقيقية لاتخاذ مثل هكذا خطوة مفصلية، كونها ترسم، دستوريا وميدانيا، مستقبل الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها إسرائيل منذ عام 1948 ـ اضافة الى الأجزاء التي ضمتها بعد احتلالها عام 67.

حتى تاريخ إعلان قيام دولة إسرائيل لم يزد مجمل ما كان يمتلكه اليهود عن 6% من مساحة أراضي فلسطين التاريخية، نصفها كان مسجلا كملكية خاصة. جملة القوانين والأوامر المختلفة ـ سواء تلك التي سنتها أو التي أبقت عليها منذ العهدين التركي والانتدابي ـ أسفرت في نهاية الأمر عن تقليص الملكية الفلسطينية الفعلية من 94% إلى 3% فقط من مجمل مساحة الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل. وأسفرت أيضاً، عن وضع 93% من مساحة (فلسطين 48) تحت تصرف ثلاث سلطات ـ دولة إسرائيل، الصندوق القومي (الكيرين كاييمت)، وسلطة التطوير ـ رغم انضوائها تحت مسمى "دائرة أراضي إسرائيل".

مساحة الأراضي الخاضعة لسلطة الصندوق القومي اليهودي تصل إلى 2.5 مليون دونم (13%) من مجمل المساحة التي أقيمت عليها إسرائيل. 2% تم نقل ملكيتها ما قبل قيام إسرائيل، و11% تمت بعد ذلك بواسطة السلطة الإسرائيلية. ونظرا لأن مبادئ الصندوق اليهودي تحرم تأجير اواستغلال ممتلكاته لغير اليهود فقد جرى الاتفاق ما بين الحكومة والصندوق على أن يحصل الأخير على 70 ألف دونم (في النقب والجليل) كتعويض عن الأراضي التي ستباع داخل المدن. وهنا، من المهم أن نلاحظ أن الأراضي التي ستحول للصندوق القومي هي الأراضي الفلسطينية المتاخمة للقرى والمدن العربية، والتي ستكون مهمتها الأساسية محاصرة هذه البلدات وحجز تطورها.

أما بالنسبة لأراضي سلطة التطوير: فهي الأراضي الخاصة باللاجئين الفلسطينيين والمهجرين (الغائبين الحاضرين). مساحتها وفق احصائيات الانتداب لسنة 1945 بلغت 50% من مساحة فلسطين. قانون أملاك الغائبين لسنة 1950 وضعها تحت سلطة وصي "أبتروبوس". ومع أن قانون 1950 تم تفصيله أساسا، على مقاس المهجرين ـ الحاضرين الغائبين ـ وإن شمل اللاجئين، إلا انه شدد على عدم بيع تلك الأملاك. لهذا فان القانون الاخير جاء ليؤسس لتصفية هذه التركة العالقة، ويوئد آمال المهجرين واللاجئين بالعودة الى بيوتهم او أطلالها. ذلك انه استهدف في الواقع، وان لم يسم ذلك ، الاراضي الخاصة بالمهجرين واللاجئين.

أما أراضي الدولة، فهي بقية الأراضي الفلسطينية التي سيطرت عليها اسرائيل بعد النكبة، بما فيها الاراضي الخاصة التي صادرتها بقوة الاوامر والقوانين العسكرية والإدارية، وكذلك الأراضي التي جرى اعتبارها "اراضي دولة" من قبل الأتراك والانجليز.

تسويق القانون شكليا، جرى تحت مسوغات مختلفة أهمها: الاستجابة لشروط الاندماج الكامل في منظومات العولمة الاقتصادية ـ إسرائيل، الدولة الأولى في العالم من حيث هيمنة الدولة على سوق الاراضي ـ وتطوير ميكانيزمات الدفع الاقتصادي الداخلية (التخلص من الترهل البيروقراطي في دائرة اراضي اسرائيل، تشجيع الاستثمار، زيادة المداخيل الحكومية، رفع مشاركة القطاع الخاص...).

شكليا أيضا، غير القانون الجديد تسمية "دائرة اراضي اسرائيل" بـ "سلطة اراضي اسرائيل". وأعاد تشكيلها، بحيث أصبحت ادارتها تتألف من 9 اعضاء يهود فقط. 7 منهم يمثلون افرع الحكومة المختلفة، و 2 يمثلان الصندوق القومي، على ان تدار املاك الاخير من قبل السلطة الجديدة وفقا لمبادئه التي تقصر استغلالها على اليهود فقط.

الآثار الكارثية المترتبة على هكذا خطوة تطال أبعادا متعددة ومختلفة. على أننا في هذه العجالة، وان كنا لا نستطيع التوقف عندها جميعا وخصوصا ما يمثله ذلك من خرق وتجاوز للقانون الدولي الانساني وقرارات الشرعية الدولية، فسنكتفي بالإشارة إلى تلك التي لم يتضمنها متن هذه المقالة.

القانون الجديد يعني ان جزءا من الاراضي العربية المحتلة عام 67 والتي جرى ضمها (القدس، الجولان، قرى اللطرون) ستصبح بموجب هذا القانون عرضة للبيع، لليهود طبعا، بمزاد علني او بدونه، وبما يعنيه ذلك من قطع للطريق على امكانية استعادتها في سياق حل سياسي مستقبلي. وجعل تطبيق حق العودة امرا غير ممكن.

هذا القانون يعني ايضا شطب حقوق الملكية للاجئين والمهجرين، ويغير من المبدأ المعلن لقانون املاك الغائبين (الحفاظ على املاك الغائبين وعدم السماح بالاعتداء عليها)، إذ ستصبح سلطة الاراضي المالكة الفعلية لاراضيهم الموضوعة تحت الوصاية. وهو ما يعتبر بمثابة مصادرة ثانية لها.

النتيجة الأولى الملموسة لهذا القرار ستتمثل في تكريس أزمة السكن لدى العرب، وتفاقم أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية التي ستتجلى بوضوح بعد دخول الرأسمال اليهودي بقوة الى السوق.

----------------------------------------------------------
* محمد الياس: كاتب وباحث فلسطيني، وناشط في مجال مقاومة الاستيطان ومصادرة الأراضي.