مقاومة النكبة الفلسطينية المستمرة يعتمد على تعزيز مفهوم الارتباط بالأرض والمكان

بقلم: راوية الشوا*

بعد مرور 62 عاماً على حدوث النكبة، لا يزال هذا الجرح الكبير الغائر في النفس الفلسطينية مفتوحاً نازفاً ومؤلماً، وكأن هذه المذبحة التاريخية للإنسان والأرض وقعت بالأمس. لا يمكن أن أتخيل - حتى بعد مرور هذا الزمن الطويل – أن حيفا وعكا والناصرة وعسقلان وبئر السبع، تختلف في هويتها الفلسطينية العربية عن القدس ورام الله ونابلس والخليل وغزة وخان يونس ورفح.

إن وجه ولسان وقلب هذه الأرض لا تشبه بأي حال إلا صاحبها الذي عاش عليها مئات بل آلاف السنين. أيُّ تشويهٍ للحقيقة أن يقام على تراب فلسطين كيان لا يمت لهذه المنطقة بصلة على حساب الإنسان الأصلي، هذه المنطقة بطولها وعرضها، من المحيط إلى الخليج، لا تتكلم إلا عربي.

 

إن كل المشاريع والمقترحات الإقليمية والدولية، لحل هذا الصراع الكبير لن تكون منصفة إذا تجاهلت التاريخ والحقيقة، وهذا بالضبط ما أدى إلى هذا الفشل الذريع لما يسمى بمسيرة التسوية لأنها غير عادلة، وحتى غير منسجمة مع الحد الأدنى من العدالة المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة إلى بلادهم وأراضيهم التي هجروا منها بالقوة والعنف والمذابح.

وفي ظل استمرار هذا الاختلال الكبير في موازين القوى الدولية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وتجاهل حقوق ومعاناة الشعب الفلسطيني، وخاصة أولئك المشردين في مخيمات اللجوء في الضفة والقطاع والأردن وسوريا ولبنان وغيرها من مناطق العالم، فإن الإنسان الفلسطيني يقع عليه الدور الأكبر في حماية قضيته الوطنية وأرضه المستلبة، التي لا زالت تنتقص من أطرافها ليل نهار. وبالرغم من الإمكانيات الهائلة لدى الاحتلال، ومخططاته التي لا تتوقف من أجل تهويد وأسرلة الأرض والمكان والتاريخ، فإن الإنسان الفلسطيني متسلحاً بحقه التاريخي وبدفاعه المستميت عن وجوده وارتباطه بالأرض، لا يزال هو العقبة الصلبة في طريق تنفيذ تلك المخططات الإسرائيلية. أفواج من الشهداء، وأخرى من الأسرى، وثالثة من الجرحى لا تتوقف، من مرحلة لأخرى من أجل الدفاع عن الحق والأرض، وكأن لسان حال الفلسطيني في هذه البلاد يردد ما قاله الشاعر العربي المغربي:
أرضنا لن تأخذوها اقتلونا ودعوها

الإنسان الفلسطيني، وبعد 62 عاما من النكبة، لا يزال يؤدي ما عليه بكل ما يستطيع، رغم أن الظروف الإقليمية والدولية غير مواتية. وما يحز في النفس ويؤلمها في هذه الأيام، هو ذلك الانقسام المرير الذي ضرب عميقاً في المجتمع الفلسطيني، على المستوى الجغرافي والنفسي والاجتماعي والسياسي، وهذا الحصار الطويل للشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة والذي يراد منه إرهاق الإنسان وقتل الروح فيه حتى تضعف عزيمته وهمته الوطنية وتمسكه بقضيته وأرضه.

ويا ليت شعري، أن تدرك قيادات الشعب الفلسطيني بعد مرور 62 عاماً من النكبة، أهمية وضرورة وحتمية الوحدة الوطنية لتعزيز روح الصمود والمقاومة لدى الإنسان الفلسطيني العنصر الأساسي في المواجهة مع المحتل. يا ليت هذه القيادات، من كل الفصائل، لا تخيب أمل الشعب الفلسطيني، كما لم يخيب الشعب أمل هذه القيادات في كل المراحل، فقدم الغالي والنفيس من أجل الواجب.

الشعب كله، بمختلف توجهاته، موحد خلف حقه الثابت وغير القابل للتصرف في العودة إلى الديار الأصلية، وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية كما كانت عليه حدود الرابع من حزيران عام 1967 بقدسها والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة والأغوار والمرتفعات والتلال والسهول بدون مستوطنات إسرائيلية، أو مواقع عسكرية احتلالية أو أحزمة عازلة، وبوحدة جغرافية بين الضفة والقطاع. وهذه الوحدة في المطلب والحق تحتاج إلى وحدة في الموقف الفصائلي والسياسي وبرنامج العمل الوطني.

ولن يضيع حقنا في أرضنا وفي عودتنا ما بقى طفل فلسطيني في هذا العالم.

-------------------------------------------------------
* راوية الشوا: عضو مجلس تشريعي فلسطيني، قطاع غزة.