حق العودة: معطل لحل سياسي، أم ركيزة في عدالته؟

بقلم: احمد أبو غوش*

استخدمت هنا تعبير" الحل السياسي" بدلا من التسوية، لأن التسوية تعني حلا وسطا بين موقفين في زمن محدد، التوازن بينهما يعتمد على موازين القوى. والتسوية المطروحة اليوم هي تسوية بين موقفين: الأول، موقف بعض القوى العربية والفلسطينية التي تنازلت إلى أبعد حد، وقبلت بنتائج منطق القوة، فقلصت أهدافها إلى دولة على الأراضي المحتلة سنة 1967 أو أقل،

والثاني، الإسرائيلي الذي حقق سنة 1948 أكثر مما أُعطي بقرار تقسيم فلسطين، ولم يكتف، إذا سعى وما زال، إلى ضم مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة سنة1967، هذا إذا افترضنا وجود نية للحل السياسي لديه. 

حق العودة كما تنص عليه الأعراف والقوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية، هو حق لكل من هُجِر من وطنه في حالة حرب أو نزاع أو بسبب الضغوط، أو الممارسات القمعية، أو الخوف المبرر من الاضطهاد، أو غيرها من الأسباب. ويشمل هذا الحق أيضا، استعادة الأملاك والتعويض عن الخسائر التي لحقت به. والمطروح في ظل التسوية السياسية الحالية هو، عودة جزء من اللاجئين إلى المناطق المحتلة سنة 1967 وتوطين الباقي خارج وطنهم.

من يخشى طرح حق العودة كحق شرعي وأساسي في حل قضية فلسطين التي أصبح أكثر من نصف سكانها مهجرين ومشتتين في أصقاع الأرض، بالإضافة إلى جزء منهم مهجر في وطنه ومضطهد ويمارس ضده التمييز العنصري بأبشع صوره، ليس سياسيا أولا، ومتهاو قبل أن يبدأ بالتفاوض ثانيا، ولم يقرأ أو يفهم إستراتيجية قوى الحركة الصهيونية التي أصبحت أكثر وضوحا بطرح الدولة اليهودية غير المحددة جغرافيا ثالثا. لذلك هو، وبغض النظر عما إذا كان فلسطينيا أو عربيا، يسعى إلى تحقيق حل سياسي يقوم على الممكن الآن، وغير مستعد للنضال من أجل حقوقه. والممكن الآن هو، بقاء حالة اللا حل، واستمرار قضم وهضم الأراضي الفلسطينية، وتشريد وتهجير الشعب الفلسطيني. إن الحل القائم على إقامة دولة مستقلة على كامل الأراضي المحتلة سنة 1967 غير ممكن حاليا، وطرح حق العودة ليس هو العائق أمامه، بل أطماع إسرائيل في مزيد من الأراضي الفلسطينية المفرغة من سكانها. إن طرح حق العودة، كحق فردي طوعي شرعي يستلزم استكماله بعد العودة إلى الديار، استعادة الأملاك والتعويض عن الخسائر، يشكل ركيزة من ركائز تحقيق حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني الذي احتل وطنه ودمرت مدنه وقراه، وشرد وشتت، ويعاني من أثر ذلك منذ 62 عاما.

لذلك، استنادا إلى منطق الحق، لا يجوز غمغمة المطالب السياسية العادلة، وإلى منطق الوعي السياسي، لا يجوز الاستسلام قبل الشروع في التفاوض (وبالنسبة لي، ولا بعد ذلك)، وإلى منطق العدل، يكون ظلم النفس أقسى من ظلم الأعداء، وإلى أسس حل أي صراع سلميا، يعتبر التفاوض شكلا من أشكال النضال، بل معركة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، لا يجوز الانسحاب أو التراخي فيها قبل بدئها، ولا مجال فيها للتردد في استخدام كل الأسلحة المتاحة لتحقيق نصر، فكل المعارك، سواء كانت عسكرية أو سياسية، يكون الانتصار أو الهزيمة فيها محكومة بالاستعدادات المسبقة والبناء في القدرة، والتخطيط السليم، واستخدام التكتيك الملائم الذي يخدم تحقيق إستراتيجية واضحة وصولا إلى تحقيق هدف سياسي. وركائز تحقيق النصر هي، بناء القدرة الذاتية، وطرح مواقف تستند إلى الحقوق، ومدعومة بها، والثبات على المواقف بليونة تكتيكية.

وحق العودة، بهذا المفهوم، مطلب استراتيجي لا يجوز التلاعب به أو التعامل معه على أساس أنه تكتيك. وإذا كان طرحه يعيق الحل، فهذا يعني أنه لا أساس لحل عادل قبل ذلك أو بعده.

--------------------------
* احمد أبو غوش: كاتب وباحث فلسطيني.