الدراما العربية في خدمة القضية الفلسطينية خلال ال62 عاما المنصرمة
بقلم: هاني السعدي*
قياسا لأهمية القضية الفلسطينية وتاريخها الطويل، فان ما قدمته الدراما من أجلها حتى الآن، لا يرقى إلى ما يجب أن يقدم. فالأعمال الدرامية المقدمة لم تتمكن من هز الوجدان العالمي قبل العربي. ربما دغدغت المشاعر في بعض الأعمال الدرامية القليلة التي نفذت حتى اليوم؛ لكن وظيفة الدراما ليست دغدغة المشاعر، ولا التعاطف السلبي مع قضية بهذا الحجم تحديداً.
الدراما المطلوبة يجب أن تكون بحجم القضية التي كانت وما زالت صراع بين عدو ظالم يتمثل بالحركة الصهيونية والمتحالفين معها من منظومة الامبريالية العالمية، وبين شعب فلسطيني طرد من أرضه بقوة السلاح، منه ما هو في المنافي حالياً، ومنه ما هو مقيم على الجمر داخل فلسطين.
برأيي، على الدراما أن تدخل إلى أعماق إشكالية القضية التي فرضها أعداء هذه القضية، رغم كل قرارات هيئة الأمم ومجلس الأمن التي فرضت على العدو وضرب بها عرض الحائط. صحيح انه يوجد بعض الأعمال الدرامية التي لا يجب إغفالها، والتي سلطت الضوء على القضية وتركت بصمتها عند المشاهد العربي مثل، التغريبة الفلسطينية، والاجتياح. ولو لم يتدخل المخرج المنتج في مسلسل "سفر الحجارة" بإضافاته الخيالية الذي بث على شاشات التلفزة العربية في رمضان المنصرم، لكانت بصمة سفر الحجارة واضحة ونافرة كتأكيد صريح لطغيان العدو وعنصريته في أعين المشاهدين، العرب منهم على الأقل.
الدراما وظيفتها إلقاء الضوء الساطع على القضية بكل أبعادها. لكن الدور الأكبر يقع على مسؤولية الإعلام في إيصال تلك الدراما إلى العالم الغربي قبل العربي. وللأسف، إعلامنا ما زال عاجزا حتى الآن عن إيصال حقيقة الصهاينة ومأساة الفلسطينيين، على عكس ما يفعله الإعلام الإسرائيلي وأنصارهم. وللأسف أيضاً فإن الدول العربية والمنتجون العرب الكبار الذين يسارعون إلى فتح محطات فضائية، أكانت للدراما أو للبرامج الترفيهية أو الدينية أو حتى الخلاعية، لم يفكر أحدهم بفتح محطة تنقل للعالم حقيقة ما جرى من مؤامرة على فلسطين قبلا وأثناء عام 1948 وما يجري عليها حتى الآن. بينما الإعلام الغربي الذي تقوده إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، برع عبر ما يبثه ويصدره للعالم من أن إسرائيل مضطهدة مسكينة ومحاصرة من قبل العرب الذين يريدون رميهم في البحر. أنا شخصيا أستثني محطة الجزيرة التي تواكب تطورات القضية بشكل دائم.
إنها اثنان وستون عاما ومكانك راوح أيها المواطن العربي! ولتغرق وتشرد أكثر أيها الفلسطيني الذي كنت مواطنا في دولتك ووطنك، فأنت خارج نطاق صلاحياتنا، وليس لك إلا الرب يعطيك حقك المسلوب، فمتى يأتي الفرج الذي لا يريد العالم بأسره أن يقدمه لنا؟
ولا نريد أن نقول متى يستيقظ العالم المتحضر على نداء الضمير الإنساني، متى تشعر الدول التي كانت عظمى ولا تزال تحس بأنها عظمى؟ متى تشعر أنها مضغة بين أسنان الدولة العظمى بحق، ملكة الدول كلها وسيدتها، أمريكا؟ ودون أن ننسى أن يقظة العرب والمسلمين يمكن أن يسحب بساط التسلط الأمريكي والعنجهية الإسرائيلية من تحت أقدامها.
على الإعلام العربي والإسلامي أن يقوم بدوره، لأن الدراما وحدها لا تملك خاتم سليمان، مع إصرارنا على تقديم المزيد المزيد من الأعمال حول فلسطين، خاصة في الوقت الراهن وقد كشرت إسرائيل عن أنيابها أكثر فأكثر، وكأنها المسيطرة على العالم.
مصر عبر بعض أعمالها التي شاهدتها وشاهدها الكثيرون معي "أعني أفلام القطاع الخاص"، قدمت مشكورة الكثير من الأفلام التي تسلط الضوء على حقيقة قضية فلسطين، وسوريا قدمت الأكثر، ولا ننكر أيضا بعض المحاولات الجادة من قبل دول عربية أخرى لخدمة القضية. ولكن كل ما فعلناه لا يعادل هدم بيت فلسطيني فوق ساكنيه من قبل الصهاينة، ولا يقترب من صرخة طفل وامرأة تحت بساطير عسكر إسرائيل، فالقضية أكبر بكثير مما قدمنا لها حتى الآن.
أخيرا أود أن أنوه إلى أنني إضافة إلى مسلسل سفر الحجارة الذي اغتيل، قدمت عام 1989 مسلسل البركان الذي يتحدث عن وحدة القبائل ضد روما التي تشبه أمريكا الآن. وكذلك مسلسل الفوارس عام 1997 إخراج محمد عزيزية، والفكرة تدور حول الثالوث المعرب، العرب وإسرائيل المتمثلة بقبيلة ابن أوى، وروما التي تعكس سياسة أمريكا الآن تجاه إسرائيل، بالإضافة إلى مسلسل الموت القادم إلى الشرق الذي أخرجه نجدت أنزور، وهو يحكي دون ترميز عن الطريقة التي احتلت فيها فلسطين. صحيح أنني اعتمدت على اللامكان واللازمان، لكن هذا كان خشية من رفض عرض المسلسلات من قبل المحطات؛ كونه يتحدث علانية عن إسرائيل وأمريكا وحربها ضد العرب والمسلمين، عداك عن سلسلة الجوارح والكواسر والبواسل، وهي تصب في نفس البوتقة ولكن بأشكال مختلفة.
----------------------------------
*هاني السعدي، كاتب وممثل سوري من أصل فلسطيني.