دور الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال في مواجهة آثار النكبة المستمرة وتأثيرها على الأطفال الفلسطينيين

بقلم: د. رفعت عودة قسيس*

لا يمكننا أن نفهم تأثير النكبة على الاطفال بمعزل عن تأثيرها على الاسرة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني بشكل عام. فالنكبات المتتالية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ولا يزال، ضاعفت من نسب الفقر والبطالة عند الاسرة الفلسطينية، الأمر الذي اثر بدوره على قدرة الاسرة على تلبية احتياجات الاطفال الاساسية واصبح تركيز الاسرة على تلبية حاجات البقاء للاطفال على حساب الحاجات النمائية.

 

ومن الاثار الاخرى المترتبة على انقطاع رب الاسرة عن العمل، هي طريقة الاتصال والتعامل مع الاطفال والام على حد سواء، فزاد هذا من الاجواء الاسرية الخانقة، وزاد العنف الداخلي، وبالتالي عاشت الاسرة بكل فئاتها في بيئة ضاغطة مليئة بالتوتر نظرا لتغيير الادوار التقليدية الاساسية داخلها. ونتيجة لذلك تزايدت نسبة عمالة الاطفال ودفع العديد منهم الى سوق العمل الظالم، أو إلى التسول أو العمل على النقاط العسكرية ونقاط العبور.

هذا من جانب، اما الجانب الاخر الذي لا يقل اهمية عن الاول هو انفصال الاطفال عن ذويهم، وخاصة الأب نتيجة لاعتقال او استشهاد، وهذا لا يقل اهمية عن حالات الاستشهاد لأفراد آخرين في الأسرة، وما يتركه هذا من اثار سيئة شديدة التأثير على الأطفال، وزيادة الضغوط النفسية عليهم والتي ادت الى العديد من الاثار النفسية، كاضطرابات وصعوبات في النوم والتي يصاحبها احلام مزعجة وكوابيس ليلية. وخلق ايضا مشكلات تعليمية كتدني التحصيل الاكاديمي، واضطراب في التركيز، وفقدان للثقة بالآخرين، بالإضافة إلى ما يصاحب ذلك من انطواء او انسحاب وشعور بالعزلة والخوف والتوتر والقلق المستمر. وفي حالات كثيرة زاد هذا من العدوانية لدى الاطفال وأدى إلى ازدياد الرغبة لديهم بالانتقام والعنف. وما هذا إلا بعضٌ من العوارض.

وبالاضافه لما ذكر أعلاه، أثرت النكبة وما تلاها من ممارسات احتلالية على الاطفال ومعاملتهم ككبار متناسين طفولتهم. فلم يسلم الاطفال من الاعتقال ومن التعذيب واساءة المعاملة واستغلالهم وحتى تجنيدهم كعملاء متناسين وغير آبهين باتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها اسرائيل ولم تقم بتطبيقها على الاطفال الفلسطينيين.

ونحن في الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال نحاول كغيرنا من مؤسسات المجتمع المدني ان نضع البرامج المناسبة للعمل مع الاطفال وتهيئة الاجواء الحامية لهم لممارسة طفولتهم وحقوقهم.

ففي أكثر من نشاط، قمنا بالتركيز على موضوعات النكبة واللجوء من خلال القيام بالعديد من ورش العمل، والتي كان اخرها مبادرات الاطفال التي شاركوا بتقديمها في مؤتمر الحركة الوطني السابع للأطفال، الذي عقد في رام الله بمناسبة الذكرى العشرين على توقيع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والذكرى الثلاثين على تاسيس الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال. بالإضافة لذلك، تم التركيز على النكبة واثارها في مبادرة اطفال نابلس حول الهوية والانتماء في اشارة واضحة حول حقوق الاطفال اللاجئين وتشتت الهوية، والتي كان الاحتلال والنكبات المتتالية عاملا اساسيا في ظهورها وتفاقمها. كما وتركز الحركه على اثر النكبة في حرمان الاطفال من حقوقهم في الدورات التدريبية لحقوق الطفل والتي تعقدها الحركة سواء للاطفال او للعاملين معهم.

تحت عنوان "كلنا واحد... كلنا لاجىء" عبر اطفال فلسطينيون من خلال مبادرة قاموا بالتخطيط لها وتنفيذها، عن تضامن كافة افراد الشعب الفلسطيني سواء في المخيمات، القرى، أو المدن، مع الأطفال اللاجئين في مخيمات اللجوء الفلسطينية المتواجدة في فلسطين المحتلة او في الدول العربية المجاروة، مؤكدين ان الاطفال اللاجئين بحاجة لرعاية خاصة تنسجم وما فرضته عليهم النكبة من ظروف معيشية سيئة، واماكن غير ملائمة للسكن، فضلا عن ذلك الخدمات الصحية التي لا تخدم ادنى احتياجاتهم. في هذا السياق، تعمل الحركة على تنفيذ عدة انشطة منها ايام مفتوحة تخصص للحديث عن النكبة واثرها على حقوق الأطفال الفلسطينيين يتخللها رسوم جدارية، كتابة رسائل من الاطفال انفسهم وتقديمها لهيئات الامم المتحدة التي تعنى بشؤون اللاجئين مطالبين فيها بتحسين وضع الاطفال الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، وغيرها من الانشطة التوعوية الاخرى التي تستهدف الاطفال وذويهم بهدف توعيتهم بحقوقهم وتفعيل دورهم كاداة للمناصرة على الصعيد الدولي.

--------------------------------------------
د. رفعت قسيس: مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، فرع فلسطين.