دور العلماء والدعاة في إنشاء جيل العودة

بقلم: الشيخ يوسف خليفة الجراح*

تمر علينا في شهر أيار من كل عام ذكرى النكبة الفلسطينية، ذكرى احتلال الجزء الأكبر من ارض فلسطين الانتدابية، وقيام دولة إسرائيل على هذا الجزء وهو ما نتج عنه طرد وتشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين إلى خارج أرضهم، واستيلاء الكيان الجديد على أرضهم وممتلكاتهم.

وبعد قيام هذا الكيان، أصدرت دولته الجديدة عدة قرارات ووضعت قوانين عنصرية تمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم وممتلكاتهم وبيوتهم التي اخرجوا منها عنوة، في تعارض واضح مع القانون الدولي والقرارات الدولية، وخصوصاً قرار 194 الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1948، الذي ينص على حق عودة اللاجئين إلى بيوت منشأهم، وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم جراء عملية تهجيرهم القسرية.

لقد اضطر جزء كبير من لاجئي الشعب الفلسطيني للسكن في مخيمات أقيمت لهم من قبل مؤسسات إغاثة دولية، مع أن هذه المخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة، على أمل عودة سريعة إلى وطنهم، لكن الإقامة في المخيمات طالت واللجوء ما زال مستمراً إلى يومنا هذا، لكن الأمل بالعودة، كان وما زال.

يتمسك لاجئو الشعب الفلسطيني بحقهم في العودة إلى وطنهم وأرضهم، لانه حق شرعي وديني ووطني وإنساني لا يملك أي إنسان مهما كان حق التنازل عنه. فقد أفتى كثير من العلماء بحرمة التنازل عن حق العودة، لان التنازل عن ارض فلسطين أمر تحرمه الشريعة الإسلامية، وذلك للأهمية الدينية التي تتمتع بها فلسطين، فهي ارض الإسراء و المعراج، وهي مهد سيدنا عيسى عليه السلام.

إن من حق كل إنسان إن يعيش على أرضه، ولا يجوز لأحد أن يعتدي عليه وان يطرده من أرضه أو أن يستولي عليها، إذ تعد السيطرة القسرية على أملاك الغير ظلماً حرمته الشرائع السماوية المختلفة. إن الشريعة الإسلامية تحرم الظلم، وأوجبت أيضا الدفاع عن الأرض والوطن، واعتبرت من مات دفاعا عن وطنه شهيدا. إن من واجب العلماء والدعاة والخطباء التركيز على قضية فلسطين، وعلى قضية اللاجئين وعلى حق العودة من خلال الدروس اليومية والخطب الأسبوعية، حتى تبقى الأجيال المتلاحقة متمسكة بحق العودة ورفض كافة اشكال التوطين أو التعويض كبديل عن ممارسة الحق في العودة.

لقد حث الله في كتابه الكريم الأمة على الوحدة والاتحاد واجتماع الكلمة، لتقف صفا واحدا في وجه الأعداء الذين يغتصبون أرضنا ويدنسون مقدساتنا وينكرون حقوقنا. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، وفي آية أخرى: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}. كما يقول الله عز وجل: {إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}.
وعليه، المطلوب من العلماء اليوم أن يعودوا إلى السيرة النبوية، فهذا رسول الله يعود إلى مكة فاتحا بعد أن أقام دولة الإسلام في المدينة المنورة، لان مكة بلده الأولى منها اخرج واليها عاد. يقول الله عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا}.

وأخيرا وليس آخرا، إن الواجب الشرعي يقع على عاتق الخطباء والعلماء والدعاة بأن يجعلوا من حق العودة قضية الأمة جميعها، لا قضية شعب فلسطين فقط، وذلك حتى ينشأ جيل من شباب الأمة من رواد المساجد يتمسكون بهذا الحق الشرعي المقدس، ولتتكون عندهم قناعة تامة بأهمية حق العودة ويرفضون مشاريع التوطين والتعويض، فالوطن لا بديل عنه، والتعويض المالي مهما كان لا يساوي ذرة تراب من الوطن.

ستبقى ذكرى النكبة ذكرى مؤلمة ما لم ترجع الأمة إلى صوابها وتعرف واجبها نحو الأرض المقدسة، وتعمل بجد وإخلاص وصدق وأمانة لتحرير الأرض، حتى يعود لاجئونا من غربتهم الطويلة، ويسكنون أرضهم الأصلية.

إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع، فهل نتحمل هذه المسؤولية بكل أمانة وصدق؟

---------------------------------------
*يوسف عيسى خليفة الجراح: إمام وخطيب مسجد الأبرار، العبيدية/ بيت لحم.