التضامن العالمي مع فلسطين: المطلوب إستراتيجية فلسطينية واضحة

بقلم:نضال العزة
يركز هذا العدد في ملفه على موضوع "التضامن العالمي مع فلسطين: الأولويات والمسؤوليات والمهام" في محاولة لإثارة النقاش الجاد حول استراتيجيات العمل الوطني المنظم والقابل للمراكمة وصولا إلى الحل العادل والدائم. وأثناء الدخول في تفاصيل التحضيرات لهذا العدد، تبين لهيئة التحرير أن هذا الموضوع لا يمكن تغطيته في عدد واحد من أعداد حق العودة، وإنما يلزم تناوله على الأقل في عددين. وقد رأت هيئة التحرير أن تكون مقالات هذا العدد إطارا مؤسسا وفاتحة لمقالات العدد القادم الذي سيتناول بالدراسة موقع الحقوق الوطنية الفلسطينية في أجندة حركات التضامن العالمية المختلفة ورؤيتها للصراع والحل الدائم ووسائله.

في هذا العدد، تناول احمد أبو غوش جدوى التضامن العالمي تكتيكيا واستراتيجيا بالقياس إلى مفهوم الأشكال النضالية وجدلية استخدامها في معركة التحرر الوطني. وخلص إلى أن العمل على كسب وتفعيل وتطوير التضامن العالمي أمر ضروري في معركة التحرر ولكنه مهما بلغ في مستواه لن يؤدي إلى التحرر دون تطوير القدرات الذاتية وأشكال النضال المؤثرة مباشرة في بنيان الاستعمار الصهيوني لفلسطين. ويعالج أمير مخول جدلية العلاقة بين مستوى التضامن العالمي والنضال الفلسطيني التحرري. ويرى الكاتب أن ارفع مستويات التضامن العالمي مع فلسطين تجلت في حقب التمسك بالنضال التحرري الموجه لمعالجة كل مركبات القضية الفلسطينية وجوهر الصراع.  ويرى عمر البرغوثي الأهمية الإستراتيجية للعمل مع حركات التضامن العالمية، ولكن في نفس الوقت يرى بناء العلاقة معها يجب أن يكون على أساس احترامها للخيارات الفلسطينية الإستراتيجية وليس على مجرد معالجة آثار الاحتلال والاستعمار الاحلالي العنصري  ومعالجة الأزمات الطارئة. ويخلص إلى وجوب أن تبنى العلاقة معها على أساس احترامها لكل الحقوق الفلسطينية من جهة وعلى رؤية إسرائيل كدولة تمييز عنصري ممأسس.

وفي محور ثان، تسلط زها حسن الضوء على الأمم المتحدة وهيئاتها عبر مناقشة  دورها ما بين مفهومي المسؤولية والتضامن. وتؤكد أن المسافة مابين اتخاذ قرار أو اصدرا تقرير وتطبيقه لا زالت واسعة، وتتطلب جهدا منظما ومركزا ليس للتفريق بين التضامن والمسؤولية بل و للانتقال إلى المستوى التنفيذي.ضمن نفس المحور، يضيء  تيري ريمبل زوايا كانت مغيبة تتصل بتوصيات الكونت برنادوت التي أدت إلى إصدار قرار الجمعية العامة رقم 194، فيكشف أن إصداره كان تعبيرا عن "المسؤولية الخاصة" للأمم المتحدة وليس مجرد تظاهرة تضامنية أو بيان تضامني.  أما محمد جرادات فيربط ما بين أهمية التضامن العالمي، وجذور الصراع، وماهية الحل الدائم من جهة، ومسؤوليات الدول والهيئات ومهام حركات التضامن العالمية.

وفي المحور الثالث يحاجج حازم جمجوم الدعوات القاصرة والتي تصدر عن شخصيات عالمية، وحركات تضامن وهيئات دولية، والتي تكتفي بتشبيه بعض مكونات نظام إسرائيل وممارساتها بنظام الابرتهايد في جنوب أفريقيا؛ حيث يرى الكاتب أن الابرتهايد جريمة قد تتعدد أشكال ارتكابها، وبالتالي لا يجوز المراوغة في وصف حقيقة نظام إسرائيل العنصري أو اجتزاء ذلك الوصف، أو ربطه بشرط التماثل مع نظام جنوب أفريقيا. نورا عريقات تدرس كيف تُقدم قضية فلسطين في دوائر صنع القرار الأمريكي، وتعرض لفعاليات وأهداف حركة التضامن في الولايات المتحدة الأمريكية، وتنتهي بضرورة توجيه جهد منظم للتأثير في مراكز صنع القرار الأمريكي. أما دافيد ويلدمان، فيتناول نشأة ونطور حركة التضامن الكنسية في أمريكا حتى وصلت إلى مستوى تبني حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، ويكشف أنه لا يزال هناك الكثير مما يمكن عمله بالتعاون مع الفعاليات الشعبية والكنائس وصولا إلى الحل الدائم والعادل المبني على الحقوق.

وفي محور رابع، تناول ناصر عدوي إشكالية العلاقة بين المنظمات الأهلية الفلسطينية والمنظمات الدولية والعالمية الأهلية في ظل مقتضيات مسيرة التحرر الوطني، ومتطلبات بناء المجتمع المدني الفلسطيني في ظل السلطة الفلسطينية والمرحلة الانتقالية. وخلص الكاتب إلى ضرورة إيجاد آلية مبدعة تحفظ الأولويات والأجندة الوطنية أمام مغريات التمويل. وبنفس الاتجاه، سار احمد مفلح، إذ تناول واقع المنظمات الأهلية الفاعلة في الأوساط الفلسطينية في لبنان، والتي تكاد تضيع منها "البوصلة السياسية" في ظل تراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية، وفي ظل الاندفاع للتلاقي مع أجندة المنظمات الدولية والأطر الأهلية العالمية المهتمة بمعالجة الظروف الإنسانية المتردية بمعزل عن جذور المأساة.

المحاور الأربعة من الملف تفتح الباب واسعا للتساؤل عن الإستراتيجية الفلسطينية في بناء العلاقات الدولية-العالمية مع مختلف الدول، والهيئات، والقوى، وحركات التضامن العالمية. وما يجعل الأمر أكثر أهمية هو واقع تراجع فاعلية وأداء منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني على المستوى العالمي أولا، وتقريبا انحصار الأداء على المستوى الدولي الرسمي في السلطة الفلسطينية وهيئاتها، وتصدر المنظمات الأهلية الفلسطينية والأطر الشعبية في التفاعل مع قوى ومنظمات وشبكات التضامن العالمي. فنظرة سريعة على برامج منظمة التحرير منذ تأسيسها تكشف أن عملية تحول دراماتيكية أصابت علاقاتها على المستوى  العالمي ليس فعليا وحسب بل ونظريا. فبرامج المجالس الوطنية المتعاقبة حتى الدورة الثامنة عشر كانت تفرد للعلاقات الدولية مع القوى التحررية، والدول الحليفة والصديقة، وكل محبي السلام والعدل في العالم محورا خاصا يتناول ماهية العلاقة وسبل تطويرها. وبصرف النظر عما تم تحقيقه فعلا على هذا المستوى، جاءت الدورة التاسعة عشر لتبرز هذا التحول حتى على مستوى الصياغة وذلك بالتركيز على العلاقات الدولية الرسمية دون غيرها، والاكتفاء بشكر قوى التضامن العالمية.

إن هذا التحول يشكل غيابا غير مبرر يضعف حتى مصادر قوة المؤمنين بالاستمرار في مفاوضات العلاقات العامة. هذا التحول بلا شك دفع إلى الواجهة عددا من الشبكات والأطر والمنظمات الأهلية – الشعبية للعب دور الجاسر للهوة ولكن ليس بنفس الطريقة والرؤية التقليدية لمنظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية. وربما هذا شكل السبب وراء عدم رضا القوى السياسية الفلسطينية، المعلن منه والمضمر، على بعض منظمات المجتمع المدني الفلسطيني الفاعلة عالميا على المستوى السياسي والحقوقي الدولي.

بصرف النظر عما يمكن أن يقال في أمر المنظمات الأهلية الفلسطينية، ولا يقصد هنا جميعها فمن الخطأ والتجني وضعها جميعا في سلة واحدة،  يمكن القول أنها لا ترى في نفسها بديلا عن القوى السياسية حتى وان تجاوزت أو اختلفت في رؤاها  مع برامج وآليات عمل القوى السياسية على المستوى الدولي. وما يستحق العناية بالفعل من الجميع هو مسألة بحث أسس الإستراتيجية الفلسطينية وآليات العمل ومجالاته في نظم العلاقات التحالفية والتضامنية على المستوى العالمي. وبدون ذلك، سيصعب مراكمة انجازات حركة التضامن العالمية وصبها في خدمة مشروع التحرر الحقيقي. إن التعامل مع مختلف قوى واطر التضامن العالمي بمنطق الحاجات الآنية لدعم هذا الموقف أو ذاك، أو لإسناد هذه المبادرة أو تلك، سيؤدي بالضرورة إلى تراجع مستويات التضامن في أحسن الأحوال.

 ----------------------

 نضال العزة، مدرس قانون دولي/ حقوق إنسان، منسق وحدة المصادر والبحث القانوني في مركز بديل.