كلمة العدد: عفوية الجماهير خير ألف مرة من لجمها بانتظار اوباما

في الوقت الذي لا يزال السياسيون الفلسطينيون والعرب على كافة مستوياتهم منشغيلين بإعداد تصريحاتهم وتعليقاتهم على أفعال "الطرف الآخر"، يواصل "الطرف الآخر" التقدم بخطواته محتلا مساحة أو مساحات جديدة من حيزنا، ليس من الأرض فحسب؛ بل ومن عقولنا، أو ما تبقى من نتف حية فيها.

قبل كل مؤتمر وطني أو عالمي، وعند كل خطوة جسيمة في مجال انتهاك حقوقنا، يقف أولو الأمر ليعلنوا أننا "على مفترق طرق"، أو أن "المرحلة دقيقة وحساسة"، أو أن "الحالة تستدعي موقفا استراتيجيا"، أو أن "خياراتنا متعددة ومفتوحة"، والى غير ذلك من العبارات المصوغة بإحكام، ولكن قطعا ليست المبرمة للفعل أو التنفيذ.

إن مراجعة سريعة للمواقف خلال أكثر من واحد وستين عاما من النكبة المستمرة، تكشف عن مدى التكرار والاجترار المفرطين في التهويم في عالم الكلمات الفارغة، أو المتحذلقة، أو منعدمة الأثر. ليس ذلك لأنها لا تعني شيئا، وليس ذلك لأنها كـ "مواقف" خاطئة، بل لأنها بدون أي سند يجعلها قابلة للتجسيد فعلا. والسند هنا ليس لغياب الإرادة الشعبية أو كسلها، بل لتغييبها أو تقييدها.

لا أحد يدري كيف يمكن لمعركة التحرر والاستقلال وبناء الدولة الديمقراطية القائمة على مبدأ سيادة القانون أن تؤتي ثمارها بدون فعل شعبي. ومع الإمعان في استبعاد الإرادة الشعبية تحت مسميات "الدواعي الأمنية"، و "الفعل المنظم"، و "رفض العفوية"، لا زلنا نطمح لتحقيق مشروعنا الوطني التحرري!

بالأمس علت التصريحات بشأن القدس والمقدسات في المدينة، واليوم، في حين يتواصل تهويد القدس، تفتح معركة الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح. ردة الفعل الشعبية أكدت من جديد على غنى روح العطاء والتضحية لدى هذا الشعب المكافح، والتصريحات هي هي، ترواح ما بين الإدانة، ومناشدة المجتمع الدولي، والتلويح بالتوجه للمؤسسات الدولية. ربما يلزم ترك الأمر على عفويته ليوم أو يوميين حتى تخبو دفقة الروح، لنعود من جديد ننكب بشغف الأطفال على بناء مشروعنا الوطني، هذا المشروع الذي قزم إلى حد انتظار مطلع كل شهر لقبض الراتب المتبرع به من جهة مانحة.

بالأمس حددت شروط العودة إلى طاولة المفاوضات؛ فقيل: "لا مفاوضات قبل وقف الاستيطان في الأرض المحتلة عام 1967 بما فيها القدس". وما أن ظهر التأييد الشعبي للموقف حتى بهت الموقف، فتارة يقال " بشرط وقف الاستيطان في القدس"، وتارة " بتجميده مؤقتا وجزئيا"، وتارة " العودة بضمانات أمريكية وجدول زمني"...الخ من التصريحات التي لم تجد لها على لسان أي مسؤول مساحة لتبديدها صراحة وعلانية، ليس المقصود هنا النفي طبعا، ولكن المقصود التأكيد على الموقف الأصل المسند شعبيا. ترى ماذا كان يمكن أن يحصل لو ثبت وضوح الموقف الفلسطيني وقطعيته؟ هل أمريكا وإسرائيل والمجتمع الدولي برمته مستعدون للمجازفة بإنهاء السلطة الفلسطينية؟ ترى هل أصبح دوام السلطة بدورها وسقفها الراهنين عبئا على القرار الوطني المستقل أم هي أكثر من ذلك؟ ترى ما هي الخيارات المتعددة والمفتوحة؟

بالأمس طبل "الواقعيون" لاوباما، وتوقعوا، من ضمن أشياء أخرى، انه سيعمل بجد على لجم الغطرسة الإسرائيلية إن لم يحقق فعلا رؤية بوش (دولة فلسطينية) في غضون ستة أشهر من تسلمه الإدارة. وبعدما مضت الأشهر الستة، قيل أن مشروعه قادم في غضون عام، وامتدت الفترة حتى صار يقال الآن، ستحقق ذلك في غضون فترته الأولى. وقطعا سنجد من يقول في غضون فترته الثانية. كثر المنجمون، وما بان فعلا يجزم بأنهم كذبوا، ترى هل بلغ بنا اليأس إلى حد الاستمتاع بالكذب على الذات؟

قطعا هي حالة من التخبط تصل حد الانعدام في دورة ثور الساقية، هي حالة تؤكد أن "المشروع الوطني" في خطر، لان المعركة، إن وجدت أصلا، فإنها لا زالت تخاض على أساس تغييب الدور الشعبي وإرادة الجماهير. فإذا كان لا بد من وقوع التغيير، فانه لا بد من توافر الأداة - البوصلة لضمان أن التغيير نوعي بالمعنى التصاعدي، فان تعذر ذلك، تبقى عفوية الجماهير خير ألف مرة من لجمها بانتظار الفرج.

هيئة التحرير