اسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً

بقلم: سناء شعلان*


"خاطرة في حضرة الغياب"
يقول محمود درويش الشّاعر الفلسطيني الراحل:
"أما أَنا – وقد امتلأتُ
بكُلِّ أَسباب الغياب
فلستُ لي
أنا لستُ لي
أنا لستُ لي..."
ويبقى السؤال: لِمَنْ الفلسطينيّ؟
الجواب: هو للعذاب والألم والرّحيل منذ ستين عاماً معجونة بالحزن. فاسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً...

 

(1)
إنْ كان رقم ستين يعني لك التّقاعد، وبداية الرّاحة بعد رحلة عطاء طويلة، وعنوانا لتقديرك من مجتمعك الذي خدمته لستّين عام، فاسعدْ؛لأنّكَ لستَ فلسطينيّاً؛ لأنّ رقم ستّين عند كلّ فلسطينيي العالم يصادف ذكرى النّكبة.
فخلال حرب 15 أيار عام 1948، تمّ تهجير أكثر من 750.000 فلسطينيّ عربيّ من ديارهم وأراضيهم وممتلكاتهم. ويصل تعدادهم حالياً إلى أكثر من 7 ملايين لاجئ. وقد أُطلق على هذا العام عام النّكبة لنتائجه المأساويّة على الشّعب الفلسطينيّ.
(2)
إنْ كنتَ ولدتَ في وطنكَ، أو تعيشُ فيه، أو تعيش خارجه بناءً على رغبتكَ، وتملك الحق في العودة إليه في أيّ لحظة، فاسعدْ، لأنّك لستَ فلسطينياً؛ فثلاثة أرباع الّشعب الفلسطينيّ هم لاجئون أو مهجّرون، ويُعدّ اللاجئون الفلسطينيون من أقدم ضحايا الّلجوء في العالم، وأوسعهم انتشاراً، فأصول غالبيّة اللاجئين الفلسطينيين تعود إلى أكثر من 500 قرية تقع داخل ما يعرف اليوم "إسرائيل"، وقد تمّ تدميرها خلال حرب عام 1948 وبعدها. ولا تزال غالبية مواقع القرى المهجورة غير مأهولة حتى هذا اليوم. وتصرّ "إسرائيل" على عدم السّماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم.
(3)
إنْ كنتَ تتنقّلُ داخلَ وطنك بحريّة، وتُعامل داخله معاملة عادلة تليق بإنسانيتك ومواطنتك، فاسعدْ؛ لأنّك لستَ فلسطينياً؛ ففي هذه اللحظة هناك أكثر من 300.000 مهجر داخل الخطّ الأخضر كانوا قد هجّروا أصلاً خلال حرب 1948. وعلى الرّغم من حصولهم على المواطنة الإسرائيليّة؛ إلا أنّ إسرائيل تحرمهم من العودة إلى ديارهم، ومن استعادة أراضيهم وممتلكاتهم، شأنهم شأن اللاجئين الفلسطينيين.
وقُدر عدد المهجّرين داخل الخطّ الأخضر بحوالي 300.000 فلسطيني في العام 2006، بالإضافة إلى أكثر من 115.000 مهجّر في الأراضي المحتلة عام 1967.
(4)
إنْ كنتَ تؤمن بعدالة تطبيق الشّرعيّة الدّوليّة، فاسعدْ؛ لأنّك لستَ فلسطينياً يحفظ القرارات التالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم لا تُطبّقُ أيّة واحدة منها بأيّ شكل من الأشكال.
فقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 194(3) بتاريخ 11 كانون أول 1984 الذي ينصّ على أنّ للاجئين الفلسطينيين بما فيهم المهجّرون داخل الخط الأخضر الحق في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم، وتلقّي التعويضات عن الأضرار والخسائر الماديّة والمعنويّة التي لحقتْ بهم، وللاجئين الذين يختارون عدم ممارسة حقهم في العودة الحق في تلقي التّعويضات عن ممتلكاتهم ،والحقّ في تلقّي المساعدة لتوطينهم.
كما يؤكد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 237 الصّادر بتاريخ 14 حزيران 1967 حق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين في العام 1967 في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها.

(5)
إنْ كانتْ ذاكرتكَ مشحونة بالذّكريات السّعيدة، والبدايات الجّميلة، والصّور العائليّة، فاسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً ذاكرته مشحونة بالخراب والموت والقتل وذكرى المذابح. فمعظم تواريخ الشّعب الفلسطينيّ هي تواريخ ألم وفراق:
2 تشرين الثاني 1917 وعد بلفور المشؤوم.
29 تشرين الثاني 1947 أوصت الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين.
14 أيار 1948 الانسحاب البريطاني، وبدء الحرب العربية – الصهيونية الأولى.
15أيار 1948 النّكبة الفلسطينية.
9 نيسان 1948 مجزرة دير ياسين.
14 تشرين الأول 1948مذبحة قرية قبية.
28 تشرين الأول1948 مذبحة قرية الدوايمة.
29 تشرين الأول 1956 مذبحة قرية كفر قاسم.
5 حزيران 1967 الحرب العربية الصهيونية الثانية، والنّكسة.
28 حزيران 1967 إعلان ضمّ القدس الشرقية إلى إسرائيل.
12 آب 1976 مذبحة مخيم تلّ الزّعتر في لبنان.
6 حزيران 1982 الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
16 أيلول 1982 مذبحة صبرا وشاتيلا.
20 أيار 1990 ذكرى مذبحة العمال الفلسطينيين في عيون قارة.
2 تشرين الأول 1990 مذبحة الحرم القدسي الشريف.
3 نيسان 2002 بدء الهجوم العسّكريّ الإسرائيليّ على مخيم جنين.
20 ايار 2007 الجيش اللّبناني يشنّ حملة عسكريّة واسعة على مخيّم نهر البارد.
شهر 3 من العام 2008 محرقة غزة.
...
(6)
إنْ كنتَ تحتفلُ بالكثير من المناسبات السّعيدة والأفراح المستمرّة، فاسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً جميع مناسباته التي يحيي ذكراها ترتبط بالشّتات والحزن والموت:
30 آذار ذكرى يوم الأرض الخالد.
21 آذار اليوم العالمي لإزالة جميع أشكال العنصريّة والتعصّب العرّقيّ.
17 نيسان يوم الأسير الفلسطينيّ.
25 أيار أسبوع التضامن مع الشعوب المحتلة من أجل التحرّر والاستقلال وحقوق الإنسان.
20 حزيران يوم اللاجئ العالمي.
2 حزيران 1964 تأسيس منظّمة التّحرير الفلسطينيّة.
(7)
إنْ كنتَ تعيش في أرض، ولا تُرغم دون ذنب على الرّحيل عنها قسراً ودون ذنب، فأسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً يهجّر مرة تلو الأخرى من أرضه، وقسراً دون وجه حق.

(8)
إنْ كنتَ لا تعاني من أزمات بسبب أيّ حرب أو نزاعات مسلّحة في العالم، ولا تُهجّر بسببها، فاسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً تُمارس ضدك كلّ سياسات الاقتلاع والتهجير في العراق ولبنان وداخل الخط الأخضر وفي الأرض الفلسطينيّة المحتلة.
فأكثر من 18.000 فلسطيني أُجبروا على مغادرة العراق، فضلاً عن آخرين لا يزالون عالقين على الحدود العراقيّة- السّوريّة- الأردنيّة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003.

(9)
إنْ كنتَ لا تعاني من أيّ تمييز عنصريّ، فاسعدْ، فأنتَ لستَ فلسطينياً يعاني من كلّ أشكال التّمييز العنصريّ في الوطن والعمل والمعاملات والإعلام، ويكابد ما يترتّب على ذلك من قتل وسجن دون محاكمة وسحب هويات وهدم منازل وعمليات عسكريّة متواصلة.
(10)
إنْ كنتَ تعيش في بيت تملكه أو في بيت تستأجره في مكان وفق اختيارك، وفي حي جميل، حيث تصله الشّمس والهواء، ويتمتّع بالخدمات والبنية التحتيّة الصحيّة، فاسعدْ؛ لأنّك لست فلسطينياً تعيش قسراً في إحدى المخيمات الـ 59 الموجودة في الأردن أو سوريا أو لبنان وفلسطين بعد أن طُردت من أرضك ومن بيتك.
فخلال حرب عام 1967 تمّ تهجير أكثر من 400.000 فلسطيني من الأراضي الفلسطينيّة التي أُحتلتْ خلال الحرب. ويزيد عددهم عن 950.000 نسمة مشتتين في العالم.
(11)
إنْ كنتَ تدعم أيّ عقوبة أو حصار لدولة ما على خلفيات اختراقها للقانون الدّوليّ، فاسعدْ؛ لأنّك لستَ فلسطينياً؛ يعاني من المرارة بسبب إقصاء تطبيق القانون الدوليّ في قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين مما أدّى إلى عرقلة تطبيق الحلّ الدّائم لهذه القضية على مدى ستين سنة، وإلى المزيد من الانتهاكات لحقوق الشّعب الفلسطيني، وعلى رأسها بناء جدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل على أراضي الضّفة الغربيّة المحتلة.

(12)
إنْ كنتَ تعيش في وطنك، وتقدر على التنقّل من مكان إلى آخر داخله دون موانع أو معيقات أو حواجز، فاسعدْ؛ لأنّكَ لستَ فلسطينياً مسجوناً في بيته بسبب وجود جدار الفصل العنصريّ الذي بنته إسرائيل على أراضي الضّفة الغربيّة المحتلة، وهو جدار غير قانوني، ويعدّه الشّعب الفلسطينيّ رمزاً للنّكبة المستمرّة.

(13)
إنْ كنتَ ستحتفل في شهر أيار بذكرى مرور ستين سنة على قيام الكيان الصّهيوني في فلسطين، فاسعدْ؛ لأنّك لستَ فلسطينياً سوف يحترق ألماً في يوم 15 أيار بذكرى مرور ستين عام على نكبته وعلى تشرّده وعلى رحلة عذابه وتيهه في الأرض.

( 14 )
إنْ كنتَ محزوناً على قريب أو حبيب أو صديق قُتل أو رحل أو أُصيب بمرض، أو تخشى فقدان عزيز، أو خسارة بيت، أو أرض، فاسعدْ لأنّكَ لستَ فلسطينياً، فكلُّ بيت فلسطينيّ قد تجرّع ألم فقد شهيد، أو فراق معتقل في السّجون الإسرائيليّة، أو كابد آلام جريح، أو ذاق حرقة هدم بيت أو اغتصاب حقل أو اغتيال شجرة. والكثير من الفلسطينيين قد ذاقوا كلّ تلك الآلام مجتمعة.

(15)
إنْ كنتَ تحمل مفتاح البيت أو العقار الذي تعيش فيه، فاسعدْ لأنّك لستَ فلسطينياً يحمل مفاتيح قديمة صدئة عمرها ستون عاماً أو يزيد لبيت ُطردَ منه قسراً، ويحلم بالعودة إليه.

( 16)
إنْ كنتَ رأيتَ وطنك، وقبّلتَ ترابه؛ فاسعْد، لأنّكَ لستَ أنا؛ لأنّني فلسطينيّة مهجّرة ممنوعة من تقبيل تراب وطنها...
(17)

إنْ كان للعالم أن يخجل من سلوك ما، فعليه أن يخجل من صمته تجاه ما يحدث للفلسطينيين.

(18)
إنْ كنتَ تراهن على عدم عودة الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين، فعليك أن تسحب رهانك الخاسر فوراً؛ لأنّنا العائدون... فالأرض طلبتْ أهلها الغائبين، وحان زمن اللقاء...
* كاتبة فلسطينية تحمل الجنسية الأردنية، حاصلة على دكتوراه في اللغة العربية، عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو اتحاد الكتاب العرب.