أخبار بديــل
13/5/2024
النكبة المستمرة والإبادة الجماعية المستمرة
منذ أكثر من 76 عاماً، ما زالت منظومة الاستعمار والفصل العنصري الاسرائيلي تواصل فرض هيمنتها وممارسة قمعها للشعب الفلسطيني من خلال استراتيجية تقوم على ثلاثة أركان: التهجير القسري، والاستعمار، والفصل العنصري. تتضمن هذه الاستراتيجية عدداً واسعاً من السياسات والقوانين والممارسات الّتي خلقت وما زالت تؤدّي إلى إدامة أطول قضية تهجير قسري معاصرة على مستوى العالم. فهناك 9.17 مليون لاجئ فلسطيني ومهجر داخلياً ما زالوا محرومين من حقّهم في جبر الأضرار الّتي لحقت بهم، بما يشمل حقوقهم في العودة إلى ديارهم الأصلية، واستعادة الممتلكات، والتعويض كما ورد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. يضاف إلى ذلك، أن استراتيجية السيطرة هذه مكّنت إسرائيل من الاستيلاء على ما نسبته 85 بالمائة من أرض فلسطين بحدودها الانتدابيّة.
بعد أكثر من سبعة أشهر من حرب الإبادة الجماعيّة الاسرائيليّة على قطاع غزّة، ما زال الفلسطينيون بلا حماية، يقتلون، ويجوّعون ويحاصرون، ويعذّبون، ويهجّرون قسرا مراراً وتكراراً. إن إسرائيل لا تستهدف السّكان المحميين فحسب، بل تتخذ أيضاً إجراءات لتدمير الفلسطينيين ببطء من خلال استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح يتسبّب بالمجاعة وسوء التغذية، وتدمير البنية التحتيّة للمنظومة الصحيّة وحرمان الفلسطينيّين من خدمات العلاج.
وبدعم من حلفائها الاستعماريين، لا ترفض إسرائيل تخفيف قبضتها وحرب الإبادة الجماعيّة الّتي تشنّها على قطاع غزّة فحسب، بل تتعمّد أيضاً حرمان الفلسطينيين الجائعين من المساعدات الّتي يحتاجونها، وخاصّة في الشّمال، كما وتقوم بعرقلة عمل الأونروا والعديد من المنظمات الدّوليّة الأخرى عمداً.
يشكّل اللاجئون الفلسطينيون 81 بالمائة من نسبة سكان قطاع غزّة. وهم يتعرضون الآن للتهجير قسراً داخلياً، حيث أصبح ما يقارب من 1.7 مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة في قطاع غزّة مهجّرين داخلياً، وهي نسبة كبيرة تبلغ 75 بالمائة من السّكان، وهذه تعدّ أكبر موجة تهجير منذ عام 1948. ومن الواضح أنّ حرب الإبادة الجماعيّة في غزّة ليست حدثاً منعزلاً، بل هي جزء لا يتجزّأ من النّكبة المستمرّة، الّتي تهدف إلى تحقيق هدف إسرائيل النّهائي المتمثّل في السّيطرة على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد ممكن من الفلسطينيّين.
تصاعد قمع الفلسطينيين
تحت مظلّة حرب الإبادة الجماعيّة المستمرّة في غزّة، صعّدت إسرائيل قمعها للفلسطينيّين في الضّفة الغربيّة، بما فيها القدس، وفلسطين المستعمَرَة عام 1948. كما كثّفت سياساتها المتمثّلة في إسكات الصّوت الفلسطيني، ومصادرة الأراضي، ودعم الاعتداءات الممنهجة للمستعمرين، وفرض مزيد من القيود على الوصول للخدمات العامة، مما أدّى إلى استشهاد المئات وتهجير آلاف من الفلسطينيّين قسراً.
تستهدف القوات الإسرائيليّة بشكل مكثّف المدن الفلسطينيّة ومخيّمات الّلاجئين في الضّفة الغربيّة من خلال الاقتحامات اليومية، مما أدّى إلى استشهاد العشرات من السّكان وتدمير المنازل والبنية التحتية العامة.
كما ارتفعت أعداد الاعتقالات التّعسفيّة بشكل كبير مع وجود تقارير تكشف عن تعرّض المعتقلين للتّعذيب وسوء المعاملة، والإهمال الطّبيّ، والعنف الممنهج والضّرب والاعتداءات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، ما زالت جثامين الأسرى السياسيين الّذين استشهدوا داخل السّجون محتجزة ومحرومة من حقّها بالدّفن الكريم.
تواطؤ مستمر
بعد 76 عاماً من النّكبة المستمرّة، ما زالت الدّول الاستعماريّة المهيمنة على المجتمع الدّولي تقدّم الدعم لمنظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي وتحصّنها للإفلات من المحاسبة، بينما تتجاهل في الوقت نفسه مسؤولياتها القانونيّة والأخلاقيّة. مكتفية بحيل وألاعيب العلاقات العامة، وبالتعبير عن مخاوفها الفارغة بشأن "الأزمة الإنسانية"، تواصل الدول الاستعمارية الغربية دعم إسرائيل سياسياً ومالياً وعسكرياً. لقد أصبحت هذه الدّول أطرافاً فاعلة في حرب الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة، من خلال استخدام المساعدات الإنسانيّة كسلاح ، ودعم إسرائيل في "خططها لليوم التالي" بما في ذلك حملتها المستمرّة لوقف تمويل الأونروا واستبدالها والقضاء عليها. ففي حين أن إسرائيل لم تقدم بعد أية أدلّة على مزاعمها، فإن الدّول المتواطئة اعتبرت المراجعة الأخيرة الّتي أجرتها الأمم المتحدة للأونروا بأنها "غير كافية" وتواصل، بالتّالي، تعليق تمويلها للأونروا.
استمرار المقاومة والتضامن
بعد أكثر من 76 عاماً من التّهجير والقمع والتّطهير العرقيّ والإبادة الجماعيّة، ما زال الشعب الفلسطينيّ صامداً في مقاومته لمنظومة الاستعمار والفصل العنصريّ الإسرائيليّ ساعياً للتّحرير. لقد قوبلت المقاومة الفلسطينيّة بجميع أشكالها، في فلسطين الانتدابيّة وخارجها، بتضامن منقطع النّظير من أصحاب الضّمائر الحيّة في جميع أنحاء العالم، حيث ما زالت تتصاعد أعمال حركة التضامن العالمية مع فلسطين في مواجهة السقوط الأخلاقي والقانوني الواضح للدول الاستعمارية وقادتها.
والآن، وفي أكثر من أي وقت مضى، نؤكّد من جديد أنّ الحلّ الوحيد لإنهاء النّكبة المستمرة يتمثّل في تبنّي نهج شامل قائم على الحقوق لإنهاء الاستعمار، والّذي يضمن حقوق الشّعب الفلسطينيّ غير القابلة للتّصرف في تقرير المصير والعودة.
المقاومة الفلسطينية، جنباً إلى جنب مع الجهود الاستراتيجية والمستمرّة الّتي تقوم بها حركة التّضامن العالميّة مع فلسطين، هي الطّريقة الوحيدة الّتي ستؤدي إلى وقف الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة في قطاع غزّة، وفرض عقوبات على منظومة الاستعمار والفصل العنصريّ الإسرائيليّ، ومحاسبة الدّول الاستعماريّة على تواطؤها.