أخبار بديــل

استخدام حلفاء إسرائيل الممرّ البحري لدعم خطط "اليوم التالي" الاسرائيلية
استخدام حلفاء إسرائيل الممرّ البحري لدعم خطط "اليوم التالي" الاسرائيلية

      14/3/2024         

تحت ذريعة تخفيف حدة المجاعة المنتشرة في قطاع غزة، يعد الممر الإنساني البحري المقترح والميناء البحري المؤقت أداة أخرى لاستخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، وإعفاء إسرائيل من مسؤولياتها والتزاماتها، ودعم إسرائيل في "خططها لليوم التالي": القضاء على الأونروا واستبدالها، وربما استحداث آلية لتهجير الفلسطينيين قسراً إلى خارج قطاع غزة.

ان عدم اتخاذ الدول أي اجراءات لتحدي اغلاق إسرائيل للمعابر البرية وفرضها قيود على المساعدات الإنسانية، لا يعد تواطؤا في جريمة الإبادة الجماعية فحسب، بل يجعلها متواطئة أيضًا في تنفيذ "خطط اليوم التالي" الإسرائيلية التي تتجاهل بشكل كامل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

في 8 آذار، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وقبرص والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ايدت تفعيل الممر الإنساني البحري - متجاهلة تمامًا وجود معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة والحواجز البرية الستة الأخرى الواقعة بين غزة وفلسطين عام 1948.

من جهته، علق المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء على الممر البحري: "من منظور إنساني، ومن منظور دولي، ومن منظور حقوق الإنسان، فإن هذا أمر سخيف بطريقة ساخرة ومظلمة". وكانت قد دعت الأمم المتحدة بوكلائها وخبرائها إسرائيل مراراً وتكراراً بالسماح لهم للوصول إلى نقاط التفتيش والحواجز البرية الموجودة، مشيرا إلى أن عمليات إيصال المواد عبر الطرق البرية هي الطريقة الأكثر فعالية لتقديم الإغاثة العاجلة والفورية لقطاع غزة.

وبالإضافة الى ذلك، فإن إسرائيل، وبدعم من حلفائها، لم ترفض تخفيف قبضتها الخانقة على قطاع غزة فحسب، بل خفضت أيضًا كميات المساعدات الإنسانية العاجلة ومنعتها من الوصول إلى السكان الجائعين، وخاصة في الشمال، وكما عرقلت عمل الأونروا بالإضافة الى العديد من الوكالات الدولية الاخرى. وفي اعقاب مفاوضات وقف إطلاق النار التي تم إفشالها، أعلنت إسرائيل وبوضوح أنه لا يوجد أي شيء يمكن ان يعرقل اجتياحها البري المخطط لرفح، بغض النظر عن حقيقة أن النتيجة ستكون المزيد من الإبادة والمزيد من التهجير القسري للفلسطينيين.

كما وشجع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهما الحلفاء الأكثر دعما لإسرائيل، فكرة الممر البحري وأغرقوا وسائل الاعلام بها بشكل واسع، بدلاً من ان يقوموا بالضغط على إسرائيل لإلغاء مخطط اجتياح رفح، ولفتح المعابر والحواجز البرية. إن اختيار الممر البحري والميناء المؤقت لهما هدف كبير، لكن من الواضح أنه ليس إنهاء المجاعة المنتشرة في قطاع غزة.

وبما أن مصر والأردن لا تزالان ثابتتين على رفضهما تحمل عبء تهجير الفلسطينيين، فانه من المعقول الاعتقاد بأن الممر البحري قد يستخدم في نهاية المطاف لتهجير الفلسطينيين الى خارج قطاع غزة. وإذا كان الأمر بالفعل كذلك، فان هذا مؤشر آخر على دعم الدول الغربية الاستعمارية خطط إسرائيل الخاصة بـ "الهجرة الطوعية"، والتي لن تكون طوعية اطلاقاً، بل هي جريمة دولية تتمثل في التهجير القسري.

إن عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية والممر البحري/الميناء المؤقت هما بعض طرق دعم الدول الغربية الاستعمارية لإسرائيل وأهدافها، أي تزويد إسرائيل طرق جديدة للتلاعب بالمساعدات من خلال التحكم في توزيعها. وصول المساعدات الى محتاجيها يعتمد بطريقة الإنزال الجوي على مكان السكان المحليين والقدرة البدنية لأولئك السكان الذين يحاولون الوصول إلى المنطقة التي سقطت فيها المساعدات، ولا تعتمد على مدى الحاجة الفعلية للسكان. وفي حالة قطاع غزة، حيث السكان يعانون من مستويات كارثية من المجاعة وسوء التغذية والجفاف، فان النتيجة النهائية هي أنهم سيضطرون إلى قتال بعضهم البعض من أجل الحصول على المساعدات المنقذة للحياة. وفي نهاية المطاف، ولكي يتمكن الفلسطينيون من البقاء على قيد الحياة، سوف يضطرون إلى قبول السلطة المفروضة عليهم والتي ستتحكم في تسليم وتوزيع هذه المساعدات، والتي من المرجح أن تكون كيانًا استعماريًا إسرائيليًا.

وفيما يتعلق بالممر البحري، لا يوجد سجل كامل وموثوق يشمل أسماء المستفيدين والسكان – ان هذا السجل تمتلكه الأونروا. وكما لا يوجد خطة واضحة وقابلة للتطبيق على ارض الواقع حول كيفية إيصال أو توزيع هذه المساعدات على طول شواطئ قطاع غزة، والتي هي شواطئ ضحلة للغاية وتتطلب بناء “ميناء مؤقت” قد يستغرق بناؤه شهرين. وكما صرح وزير الحرب الإسرائيلي غالانت أن إسرائيل ستشرف على العملية بأكملها "لتقديم المساعدات مباشرة إلى السكان"، من اجل استبعاد حماس، ولكن الأهم من ذلك استبعاد المنظمات والوكالات الدولية، وخاصة الأونروا.

وفي كلتا الحالتين، يتم اخراج الوكالات الدولية المسؤولة عن ضمان تقديم المساعدات والخدمات وتوزيعها من الصورة. ومن ثم يصبح من الضروري استبدال هذه الوكالات، إما بجهة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية أو بجهة صديقة، و/أو بـ "الجيدين" من السكان المحليين. ولذلك، فإن طرق توزيع المساعدات الجوية والبحرية تدعم هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على الأونروا واستبدالها باعتبارها الوكالة الإغاثية المفوضة لتوفير المساعدات والخدمات.

إن النقاشات بين الدول حول التخطيط واللوجستيات والأدوار والمساهمات فيما يتعلق بالممر البحري تلقي بظلالها على حقيقة أن هذه الدول نفسها هي التي تدعم وتسلح الإبادة الجماعية الإسرائيلية. والطريقة الأكثر فعالية والأكثر عملية وممكنة واقتصادية بالمقارنة مع عمليات الانزال الجوي وإقامة ميناء بحري هي فتح المعابر والحواجز البرية.

بالإضافة الى ذلك، فإن إنشاء الممر البحري يهدف إلى تغييب الحقيقة الواقعة، وإلى حد ما إعفاء إسرائيل من التزامها الدولي المتمثل بضمان سلامة وأمن السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، بما في ذلك توفير المساعدات الإنسانية غير المشروطة وغير المقيدة، ومنع استمرار جريمة الإبادة الجماعية على النحو الذي تقتضيه الإجراءات المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية. وبالرغم من أن المجاعة في غزة خلقتها إسرائيل وعملت على انتشارها عمدا، فإنها نقلت بشكل واضح مسؤولية تقديم المساعدات الإنسانية على عاتق المجتمع الدولي.

بالإضافة إلى تواطؤ وتورط الدول الغربية الاستعمارية في جريمة الإبادة الجماعية، فإن الممر المقترح والميناء المؤقت يخدمان بشكل مباشر أهداف إسرائيل التي أعلنت عنها وهي: إنهاء دور الأونروا، وإنشاء آلية توزيع محلية للمساعدات الانسانية باستخدام الفلسطينيين "الجيدين"، وآلية محتملة للتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة الى الخارج.