أخبار بديــل

توفير المساعدات الإنسانية غير المشروطة جزء لا يتجزأ من الالتزام بمنع الإبادة الجماعية
توفير المساعدات الإنسانية غير المشروطة جزء لا يتجزأ من الالتزام بمنع الإبادة الجماعية

مع تجاوز حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة 100 يوم، لم تفشل الدول في الوفاء بالتزاماتها فحسب، بل يمكن أن تكون متواطئة و/أو متورطة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية. ويلاحظ انه في الوقت الذي تزعم الدول المعنية فيه أن هناك حاجة إلى وضع حد للأزمة الإنسانية، إلا أنها لم تفعل شيئًا تقريبًا لجعل إسرائيل تمتثل لالتزاماتها بتوفير المساعدات غير المشروطة. ففي الوقت الذي يدعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والجمعية العامة، والوكالات والمنظمات الدولية إلى اتخاذ تدابير فورية لمعالجة الأزمة، الا ان هذه المؤسسات الدولية لا تضع خططًا محددة وواضحة حول كيفية القيام بذلك، كما انها لم تحدد أيضًا مسؤوليات الدول بوضوح. والحقيقة انه لا يوجد أي عذر أو بديل عن وقف إطلاق النار الفوري والدائم وتوفير المساعدات الإنسانية غير المقيدة.

وبغض النظر عن فرض وقف إطلاق النار الشامل من عدمه، فإن التزام الدول بمنع الإبادة الجماعية يتطلب أيضًا تحدي ووقف للسياسات والممارسات الإسرائيلية التي تمنع وتقيد إيصال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة.

ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 8 (2) (ب) (25) على ما يلي: "الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه" بموجب اتفاقيات جنيف يعد جريمة حرب. بينما تنص المادة 7 (1) (ك) على أن "الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تسبب عمداً معاناة شديدة أو أذى خطيراً للجسم أو للصحة العقلية أو البدنية" تعتبر جريمة ضد الإنسانية.

ولذلك، فإن تجاهل إسرائيل أو رفضها لالتزاماتها بتوفير المساعدات غير المشروطة وغير المقيدة، إلى جانب تحديد الكم والنوع وفرض شروط محددة لتسليم المساعدات الإنسانية يشكل جريمة حرب و/أو جريمة ضد الإنسانية. والأهم من ذلك، أن حرمان إسرائيل المتعمد الفلسطينيين من المساعدات وتجويعهم يشكل أعمالاً تهدف وتؤدي إلى تدميرهم كلياً أو جزئياً - وبعبارة أخرى، تشكّل أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة.

وفي بيان صدر مؤخراً عن الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة (مجموعة المقررين الخاّصين) ذكروا فيه: "لقد قرعنا جرس التحذير بشأن خطر الإبادة الجماعية عدة مرات، مذكّرين جميع الحكومات بأن عليها واجب منع الإبادة الجماعية. لا يقتصر الأمر على قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين وإلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بهم من خلال قصفها العشوائي، بل إنها تفرض أيضًا، عن علم وقصد، نسبة عالية من الأمراض وسوء التغذية لفترات طويلة والجفاف والمجاعة من خلال تدمير البنية التحتية المدنية. . . يجب تسليم المساعدات لسكان غزة على الفور ودون أي عوائق لمنع المجاعة. وهذا الوضع، وفقا للقضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، يهدف إلى "تدمير حياة الفلسطينيين في غزة" ويشكل إبادة جماعية."

إن وقف إدخال وتوزيع المساعدات على منح التصاريح الإسرائيلية أو عدم منحها، لا يبرر استمرار التجويع والتعطيش والمرض وسوء التغذية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة، "مما يسبب معاناة كبيرة". إن غياب التصاريح/الأذون الإسرائيلية أو عدم امتثالها للالتزامات الدولية لا يعفي الدول من التزامها بمنع الإبادة الجماعية. فمن خلال السماح لإسرائيل بحرمان الفلسطينيين في قطاع غزة من "الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة"، فإن الدول لا تفشل في الوفاء بالتزاماتها بمنع الإبادة الجماعية فحسب، بل إنها تصبح متواطئة أيضًا بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية.

بالإضافة الى ذلك، يتعين على الأمم المتحدة ووكالاتها وضع خطة لتقديم المساعدات، وإعادة تشغيل عملياتها ومهامها الإنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة، وأيضا إنشاء ملاجئ آمنة، وتحديد العواقب في حالة عدم التزام إسرائيل (وهو الاحتمال المرجح). كما يجب أن يتم تنفيذ هذه الخطة بالكامل من قبل الأمم المتحدة والوكالات الدولية، مع تأييد ودعم جميع أجهزة الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها.

وبغض النظر عن الادعاءات الإسرائيلية، فإن المساعدات التي تدخل قطاع غزة ليست كافية على الإطلاق، ولا تزال إسرائيل مستمرة في منع ادخال المساعدات وتعيق عمليات توزيعها. حيث قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني: "هناك القليل جدا من المعلومات حول شمال قطاع غزة، حيث لا يزال الوصول إلى المنطقة مقيدا للغاية. لم يُسمح لي بالزيارة؛ غالبًا ما تتأخر قوافلنا وشاحنات المساعدات لساعات طويلة عند نقطة التفتيش. وفي الوقت نفسه، يقترب العديد من الأشخاص اليائسين الآن من شاحناتنا للحصول على الطعام مباشرة منها، دون انتظار التوزيع. وبحلول الوقت الذي تعطي فيه السلطات الإسرائيلية الضوء الأخضر لقوافلنا للعبور، تكون الشاحنات شبه فارغة."

وفي الأسبوع الأول من الحرب، وفي مثال واضح على "تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة"، قصفت إسرائيل معبر رفح الحدودي، وفرضت حصاراً كاملاً على المساعدات، وحذرت الحكومة المصرية من ادخال أيّة مساعدات إلى غزة. ثم في جلسة الاستماع الشفوية أمام محكمة العدل الدولية، ألقت إسرائيل اللوم على الحكومة المصرية بأنها تعيق إدخال المساعدات، على الرغم من الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة يخضع لسيطرة إسرائيل. ورغم أن إسرائيل سمحت مؤخراً لمجموعة صغيرة من موظفي الأمم المتحدة بالوصول إلى الشمال، إلا أنها تعتبر بعثة استكشافية، وليست مهمة إنسانية لتقديم المساعدات والخدمات، ولا لإعادة تأسيس مهامها هناك. وتستخدم إسرائيل أيضًا ستار زيادة المساعدات المزعومة لإلهاء المجتمع الدولي وتضليل إجراءات محكمة العدل الدولية ضدها.

لكي توفي الدول بالتزامها الواجب بمنع الإبادة الجماعية وان لا تتورط في التحريض او تقديم المساعدة باستمرار الجريمة، يتعين عليها اتخاذ التدابير العملية التالية، دون أي تأخير إضافي:

  1. بالإضافة إلى التعهد بتقديم الأموال والمساعدات، يجب على الدول اتخاذ جميع الاجراءات الفورية لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل المتمثلة في تقييد وعرقلة المساعدات التي "تسبب عمدا معاناة كبيرة، أو أذى خطيرا للجسم أو للصحة العقلية أو البدنية". من خلال التجويع وانتشار الأمراض والتسبب في سوء التغذية.
  2. يجب على الدول ضمان قيام إسرائيل بالإلغاء الفوري للتدابير الأمنية واللوجستية غير المبررة التي تؤخر إدخال المساعدات، وإنهاء الحظر والقيود على مواد معينة، مثل الوقود، وتسهيل عمليات جميع وكالات الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية.
  3. في حالة عدم التزام إسرائيل، فإن الدول ملزمة بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ضدها لإجبارها على الالتزام.
  4. يجب على الدول الالتزام وتنفيذ خطة الاجراءات التي تضعها الأمم المتحدة ووكالاتها (انظر/ي ادناه).

لكي توفي الأمم المتحدة وأجهزتها ووكالاتها بواجباتها بمنع الإبادة الجماعية وعدم التواطؤ فيها، يتعين عليها القيام بما يلي:

  1. وضع خطة واضحة للإجراءات اللازمة لضمان الدخول الفوري والفعال والملائم للمساعدات وتوزيعها وضمان الوصول إليها، وإعادة تشغيل مهامها واستدامتها في جميع أنحاء قطاع غزة، وإنشاء ملاجئ آمنة.
  2. يجب أن تتضمن الخطة مسؤوليات الدول الأعضاء في منع الإبادة الجماعية، وتوضيح العواقب المترتبة على تجاهل أو رفض الالتزامات الدولية، بما في ذلك العواقب المترتبة على تورط الدول في الإبادة الجماعية.