أخبار بديــل
75 عامًا من التواطؤ الدولي والنكبة المستمرة، و65 يومًا من الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة
تتزامن الذكرى السنوية الخامسة والسبعون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع مرور 75 عامًا على النكبة المستمرة - التهجير المستمر، وانكار وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في تقرير المصير والعودة من قبل منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي. وحتى الآن، وبينما يتم الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تقوم إسرائيل بتهجير الفلسطينيين قسرا في قطاع غزة، تحت أعين المجتمع الدولي المتواطئ.
بالتزامن مع اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل 75 عامًا، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا قرار رقم 194 الذي يؤكد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين والمهجرين داخليًا، والذي لم يتم تنفيذه حتى الان.
وعلى الرغم من اعتبار التهجير القسري انتهاكا للقانون الإنساني في اتفاقيات جنيف، وبانه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية في نظام روما الأساسي، فإنه يبقى أحد الركائز الأساسية للاستراتيجية التي تتبعها منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي لتحقيق مشروعها الصهيوني المتمثل في "أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية مع اقل عدد ممكن من الفلسطينيين". حيث أدت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية في قطاع غزة إلى استشهاد أكثر من 17,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وتهجير 1.9 مليون فلسطيني (أكثر من 85% من نسبة السكان)، غالبيتهم العظمى من لاجئي عام 1948 وأحفادهم، وتعد هذه هي أكبر موجة تهجير فلسطينية منذ النكبة.
ويستمر التهجير القسري أيضًا في جميع أنحاء الضفة الغربية، فمنذ 7 تشرين الأول/اكتوبر، تم تهجير ما لا يقل عن 1365 فلسطينيًا بسبب البيئة القهرية المتزايدة الناشئة عن عنف المستعمر، والقيود المفروضة على الوصول الى الخدمات، وهدم المنازل، والاعتقالات الواسعة والتعسفية. بالإضافة الى ذلك، كثفت القوات الإسرائيلية اقتحاماتها على مخيمات اللاجئين مما أدى الى استشهاد 262 فلسطينيا في الضفة الغربية، بينهم 65 طفلا، منذ 7 أكتوبر 2023.
وحذر المقررة الخاصة المعنية بحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أن "إسرائيل تسعى مرة أخرى، باسم الدفاع عن النفس، إلى تبرير ما يمكن أن يرقى إلى مستوى التطهير العرقي"، وأشارت إلى أن "إسرائيل نفذت بالفعل تطهيراً عرقياً للفلسطينيين تحت وطأة ضباب الحرب."
وعلى مدى 75 عامًا، شهد الشعب الفلسطيني بأكمله انتهاكات كثيرة لحقوقه الإنسانية؛ حيث لم يتمكن من ممارسة حقه في العودة أو تقرير المصير، ولم يتمكن ايضا من ممارسة حقوقه الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك تداخل في المضمون والزمن بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرار الأمم المتحدة رقم 194 بشأن "قضية فلسطين". حيث تم اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، وينص على وجه التحديد في المادة 13.2 على أن "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده". وقد تم اعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 في اليوم التالي، في 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، الذي يعيد التأكيد بوضوح على الحق الأساسي للاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك بالعودة إلى ديارهم الأصلية واستعادة الممتلكات والتعويض.
وقد تأثرت عمليتي الصياغة بشكل كبير بنكبة عام 1948، والتي أثرت لاحقًا أيضًا على صياغة اتفاقية عام 1951 الخاصة باللاجئين. واضع قرار 194 وسيط الأمم المتحدة لفلسطين، الكونت فولك برنادوت، تم اغتياله في 17 أيلول/سبتمبر 1948 على يد عصابة شتيرن - وهي عصابة إرهابية صهيونية، شاركت في المذابح والتهجير القسري للفلسطينيين بين عامي 1947 و1949. ولم تتم محاسبة الميليشيات الصهيونية أبدًا، لا على اغتيال وسيط الأمم المتحدة، ولا على دورها في نكبة عام 1948.
وبالنظر إلى غياب المساءلة سابقا، فليس من المستغرب اليوم إقدام القوات الإسرائيلية على قتل (دون عقاب ايضا) ما لا يقل عن 133 من موظفي الأمم المتحدة، واستهداف على وجه التحديد منشآت الأمم المتحدة - مما يعيق عمدا عمل وكالاتها التي تقدم المساعدة والحماية للفلسطينيين في قطاع غزة.
أنشأ القرار رقم 194 لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين (UNCCP)، وهي وكالة مكلفة بتسهيل وتنسيق وتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين والمهجرين داخليا. ومع ذلك، أصيبت لجنة التوفيق الدولية بالشلل بسبب تواطؤ الدول الاستعمارية الغربية وعدم محاسبتهم لإسرائيل، مما جعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
اليوم، وبعد مرور 75 عامًا، تواصل منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي حرمان أكثر من 9.17 مليون لاجئ فلسطيني من حقوقهم غير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة واستعادة الممتلكات والتعويض. فلم ترفض الدول الاستعمارية الغربية تطبيق القانون الدولي وآليات المساءلة التابعة للأمم المتحدة على إسرائيل فحسب؛ بل استمرت أيضًا في دعم وتشجيع قوانين وسياسات وممارسات التهجير القسري التي تتبعها إسرائيل، لترسيخ نظام الاستعمار والفصل العنصري على الشعب الفلسطيني.
إن تواطؤ الدول الاستعمارية الغربية ودعمها لهذه الإبادة الجماعية المستمرة، والتهجير القسري الكبير للفلسطينيين في قطاع غزة، إلى جانب عدم رغبتها تاريخيا في تطبيق القانون الدولي، يؤثر على شرعية الأطر والآليات القانونية الدولية. وبالتالي، تواجه الأمم المتحدة ووكالاتها أزمة مصداقية، بسبب فشلها في الوفاء بمسؤوليتها كحارس للقانون والنظام الدولي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتزاماتها الدولية تجاه الشعب الفلسطيني.
على مدى 75 عاما، تجاهلت منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي كل جزء من أجزاء القانون الدولي الذي من المفترض أن يحتفل به في اليوم العالمي لحقوق الإنسان وبقيت محصنة بمظلة الإفلات من العقاب الدولي. فعلى مدى أكثر من 75 عامًا، تم انتهاك الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير للشعب الفلسطيني وبالعودة إلى الديار الأصلية، سواء للذين يعيشون في فلسطين الانتدابية أو في المنفى. وإن شعار الأمم المتحدة للاحتفال بذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان لهذا العام المتمثل في "الكرامة والحرية والعدالة للجميع"، يبدو في السياق الفلسطيني سخيفاً ومهيناً وأقله مثيراً للسخرية!
بعد مرور 75 عامًا، وبغض النظر عن تواطؤ الدول الاستعمارية الغربية في الإبادة الجماعية والتهجير القسري الإسرائيلي للفلسطينيين، يتأكّد أن السلام الدائم والحل العادل للشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقه إلا من خلال نهج صارم لإنهاء الاستعمار والقائم على الحقوق، تنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، واحترام الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبناءً على ذلك، فان مركز بديل والشبكة العالمية للاجئين والمهجرين الفلسطينيين (GPRN) يدعوان الدول والأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها، بما في ذلك مكتب المفوض السامي إلى:
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة لفرض وقف شامل ودائم لإطلاق النار، بما في ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ووقف تهجير إضافي للفلسطينيين سواء داخل أو خارج قطاع غزة، وذلك من خلال توفير جميع المساعدات الإنسانية المطلوبة، بما في ذلك الوقود، وإنشاء ملاجئ آمنة لـ 1.9 مليون فلسطيني مهجر داخليًا في قطاع غزة.
- توفير الحماية الدولية للفلسطينيين، أينما كانوا، من خلال تفعيل ودعم وتمكين وكالات الأمم المتحدة، تحديدا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من أداء التزاماتها وواجباتها وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية اللاجئين لعام 1951.