جريدة حق العودة - العدد 32-33: النكبة ليست ذكرى... النكبة مستمرة

جريدة حق العودة - العدد 32-33: النكبة ليست ذكرى... النكبة مستمرة

سمات الكيان الاستيطاني الإحلالي وعناصر أزمته

 

يتداول الكثيرون مصطلح "الاحتلال الصهيوني"، وهذا غير دقيق، لأن أهم سمة للنشاط الاستيطاني في فلسطين منذ عام 1882 وحتى اليوم هي، الإحلالي. الإشارة إلى هذا الخطأ تضعنا أمام أزمة المصطلحات في الواقع العربي، ومنه الفلسطيني، وهي "إنتاجا واستعمالا، لا تقل خطورة عن بقية أزماته. فأزمة المصطلح عموما، وأزمة النظرية خصوصا، هي أم الأزمات، لأن تحديد المفاهيم والمصطلحات مسألة ضرورية لضبط العملية الفكرية وتنظيمها، وتحليل الفكر الاجتماعي وتأطيره في سياق منهجي بعيد عن الفوضى والشتات الذهني.."؛ هذا بالإضافة إلى ما للمصطلحات من أهمية في خلق حوار واضح وتكريس ممارسة قائمة على مفاهيم واضحة.      

مشاهد متكررة للنكبة المستمرة للمجزرة ثقافتها... للمخيم وجدانياته

أصوات لانفجارات تدفعك مرتبكا لمغادرة دفء فراشك، عند ضحى يوم  شتائي، تنظر لسماء الجنوب باتجاه المخيمات الوسطى، سماء البريج، النصيرات، المغازي، دير البلح، دخان كثيف يتصاعد، وطائرات تحتل السماء، وتلقى بأسلحتها على مقرات ومباني ومؤسسات، تتجه بنظرك تجاه الشمال، لتشاهد أعمدة دخان تتحول إلى سحب هرمية، قاعدتها بأرض غزة وقممها تحاكي سماؤها...

التاريخ الجديد والنكبة

 

كان عام 1948 عاما للبهجة والمأساة؛ بهجة النصر بالنسبة لليهود، وعام المأساة بالنسبة لعرب فلسطين. ويربط الإسرائيليون عام 1948 بـ"حرب الاستقلال"، في حين يعتبرها الفلسطينيون عام النكبة أو الفجيعة، وكل من شارك في الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى له روايته الخاصة لما حدث في ذلك العام المشؤوم. في هذه المقالة؛ سوف ننظر حصريا في الرواية الإسرائيلية وعواقبها.

 

الأرض في الذاكرة الفلسطينية

1- الأرض في الثقافة الفلسطينية

 1-1- الثقافة الفلسطينية:

 

قد يكون هنالك سياسة قطرية او اقتصاد قطري، او أدب قطري، ولكنه من الصعب ان يكون هنالك ثقافة عربية قطرية. اما قطر فلسطين فذو خصوصية غير نابعة من طبيعة فلسطين واهلها او من طبيعة مناخها، بل من طبيعة كونها في مواجهة عدو عنصري إحلالي طردي في فضاءات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولذلك فان الثقافة الفلسطينية أخذت بالتبلور منذ مطلع القرن العشرين، واكتسبت خصوصيتها من موقع حارس الارض والمقاوم، ولكنها لم تكن الا نَسَغا حيويا من جذور الثقافة العربية.

 

التنكر للقرار 194 يقابله الإقرار بعدم شرعية قيام إسرائيل

1. توطئة:

 تمثل قضية اقتلاع وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره الأصلية في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15 ايار 1948، حجر الزاوية للصراع الفلسطيني- الصهيوني. يطلق الفلسطينيون على عملية اقتلاعهم من أرضهم والنتائج التي ترتبت على هذا الاقتلاع مصطلح "النكبة"، ويجمع العديد من المراقبين والسياسيين ان هذه النكبة، بما خلفته من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت وجه العالم بشكلٍ عام، وخلقت عدم استقرار في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص (موريس، 2004)، لما يزيد عن الستة عقود.

خطاب روني كاسريلر في أسبوع

 "العقلية العنصرية التي قامت بتسويغ عمليات إبادة الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وأستراليا، وفي أفريقيا من ناميبيا وحتى الكونغو، وفي أماكن أخرى، لها ما يضاهيها بوضوح في فلسطين".

 مع انطلاقة فعاليات الأسبوع الأممي: "أسبوع أبارتهايد إسرائيل"، للتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر، أود الاقتباس عن جنوب أفريقي أكد منذ عام 1963 بأن "إسرائيل هي دولة فصل عنصري". ولم تكن هذه كلمات نيلسون مانديلا، ولا كلمات رئيس الأساقفة ديزموند توتو أو كلمات جو سلوفو؛ بل كان الذي تلفظ بها هو مهندس الأبارتهايد نفسه، رئيس الوزراء العنصري، الدكتور هندريك فيرورد.

حملة عزل أبارتهايد إسرائيل: دروس مستفادة من جنوب أفريقيا

 هنالك لحظات في التاريخ المعاصر التي شحذت فيها نضالات معينة همم ملايين البشر حول العالم للتضامن معها. لقد حدث ذلك خلال الحرب الأهلية الاسبانية، ونضال الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية، ونضالات تحرير جنوب أفريقيا. وقد حان الوقت لأن تقطع فيه الإنسانية التقدمية دابر الأضاليل والافتراءات والتعتيم، وتدعم مقاومة الشعب الفلسطيني بشكل جوهري.

العنصرية الصهيونية في خطاب وممارسة الحركة الوطنية الفلسطينية

مع استمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي - الإسرائيلي، واستمرار النظام الصهيوني الإسرائيلي في ممارساته العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، ومواصلة حكومات إسرائيل المتعاقبة تطوير وتعزيز نظام قانوني مزدوج (تطبيق قوانين وسياسات عنصرية إحلالية ضد الشعب الأصلي في فلسطين؛ وتطبيق قانون ليبرالي ديمقراطي على المجتمع اليهودي في إسرائيل والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس المحتلة)، ومع تزايد الوضوح في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يدعو للاعتراف بدولة إسرائيل كـ"دولة يهودية وديمقراطية"، وفي هذا السياق المتسم بالاضطراب والانقسام الداخلي والاختلال الكبير في موازين القوى لصالح إسرائيل؛ يحاول هذا المقال مراجعة الموقف الفلسطيني تجاه العنصرية الصهيونية.

إسرائيل: دولة المستوطنين العنصريين الاستعمارية –

من الشائع أن يتم تصوير المجابهة الفلسطينية – الإسرائيلية على أنها "صراع وطني" الذي هو بالأساس إقليمي؛ وعليه فإن هذا "صراع" الذي غالبا ما يضاف له صفة "عنيف"؛ يعني تبرير أكثر الوسائل بشاعة التي تستخدم من قبل دولة إسرائيل التي "وجدت نفسها" في حالة حرب، وتصوير الصراع بأنه "وطني" يسمح بوجود مفهوم مضلل يظهر عنصرية إسرائيل باعتبارها سمة ثانوية لحالة الحرب، ستختفي بمجرد حل "النزاع" الإقليمي.

التضامن مع فلسطين استقراء الماضي لفهم المسقبل

                                                           

لم تحظ دعوات التضامن مع القضية الفلسطينية في الحصول على ما تستحقه من اهتمام؛ وذلك بالرغم من الجهود العديدة التي بذلها الناس في مختلف أنحاء العالم، في تعاطفهم وتضامنهم مع قضية فلسطين على مر التاريخ وفي الوقت الحاضر، وبالرغم من الأهمية الإستراتيجية للتضامن العالمي بالنسبة لقضية فلسطين، ولدورها في تحقيق أهدافنا الوطنية. يوجد فجوة كبيرة ما بين الدعم الممكن لقضيتنا، وبين الدعم الحاصل فعليا، والدعم الملموس الذي لا زال راسخا على أرض الواقع. فلننظر كيف نرى في كثير من الأحيان أبناء شعبنا يصرخون أمام كاميرات الجزيرة، مع كل عمل وحشي ترتكبه إسرائيل، قائلين: "أين العرب وأين المسلمين؟"، وكم من المرات نسمع الشعارات الحماسية من المتحدثين العرب في البرامج التليفزيونية والإذاعية عبر الهاتف، والتي تطالبنا بالاستمرار في الصمود، وبأنهم معنا! وبالرغم من هذه النداءات، هناك شيء لا زال غائبا؛ فإسرائيل تستمر بفعل ما تفعله، ونحن نواصل الكفاح والصمود، ولكن يزداد عدد شهدائنا، وكذلك يزداد عدد المستوطنات الإسرائيلية. ومع ذلك يبدو من الصعب أن نميز إنجازاتنا السياسية، وفي بعض الأحيان يبدو أننا نتقهقر فحسب.

المكتبات الفلسطينية والنكبة تدمير المكتبات الفلسطينية احد تجليات النكبة المستمرة

 تتمتع فلسطين باهمية حضارية ودينية خاصة، وبهوية عربية مميزة، لموقعها الجغرافي ولمكانتها الدينية؛ فهي تضم أشهر الأماكن المقدسة كالمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة وحائط البراق وغير ذلك مما أعطاها مكانة خاصة واهتماما من قبل المثقفين والعلماء ورجال السياسة. لذلك تحولت فلسطين الى مركز ثقافي وحضاري عالمي بشهادات العديد من الرحالة العرب والاجانب. ومع تنامي المد الثقافي في فلسطين برزت ظاهرة انتشار المكتبات العامة والخاصة في فلسطين ومدنها الكبرى الى جانب القدس.

التهويد يحاصر عكا

يتميّز الوجود العربي في مدينة عكا، عن باقي المدن الفلسطينية التاريخية في الداخل، بكونه لا يزال يسكن كلّ بيوت البلدة القديمة والمتكاملة بمينائها ومعالمها الأثرية والدينية والتراثية المحافظ عليها بشدّة، ولا تشاركها بهذا التميّز سوى مدينة الناصرة. لا يريح هذا الوضع القائم المؤسسة الإسرائيلية والحركة الصهيونية العالمية، والأسباب لذلك كثيرة، وتسعى في السنوات الأخيرة إلى تحديث مخطط التهويد وتوسيعه وتصعيد خطواته بكلّ الآليات الممكنة.  

 

فتوى لاهاي: إلى أين؟


 خلفية تاريخية:

جاءت الفتوى القانونية، الصادرة عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتاريخ 9/7/2004، والخاصة بموضوع الجدار بعد مخاض قاس وولادة متعسرة ولكن الناجحة أيضاً

في البدء توجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن بأمل استصدار قرار ضد الجدار. كان ذلك أواخر 2003. نجحوا في تجنيد أغلبية داخل المجلس، و لكن الولايات المتحدة أفشلت تلك المحاولة. محطتهم الثانية كانت الجمعية العامة عبر "الاتحاد من أجل السلام". المساومات التي جرت في تلك الأثناء أدت إلى اعتماد المشروع الأوروبي كبديل عن مشروع القرار الفلسطيني، وأسفرت عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (ES10/14). وفقا لهذا القرار وجه السكرتير العام – كوفي عنان- في اليوم التالي 9/12/2003 رسالة إلى محكمة العدل الدولية، يطلب منها رأيها الاستشاري في الآثار القانونية الناجمة عن بناء الجدار.

العنصرية، المقاطعة، والكم الغزير من النفاق


خلال تصفحي للجرائد في أحد مقاهي جنيف، لفت انتباهي فقرة في أسفل الصفحة الرابعة. مقال صغير يشير إلى التصريح الأخير للبنك الدولي، حيث "استنتج" فيه ما نعرفه قبل الآن: لم يحصل الفلسطينيون على كمية كافية من المياه، وأن ما يستخدمه الأفراد الإسرائيليون للمياه يقدر بأربعة أضعاف ما يستخدمه الأفراد الفلسطينيون، حيث تغطي كميات المياه المستخدمة بالكاد احتياجاتهم الضرورية. مع الأسف، فإن هذا المثال الواضح على ابارتهايد إسرائيل كان مطمورا بين ثنايا تعليق على خطاب الرئيس الإيراني محمود احمدي النجاد. في الحقيقة، فإن الواقع العنصري الذي يعيشه الفلسطينيون برمته مطمور خلف الخطابات السياسية العريضة.

أسـرلـة القـدس

 

 

1.      توطئة

منذ إحتلالها في منتصف عام 1967 والقدس أسوةً بغيرها من المدن والقرى الفلسطينية ترزح تحت نير الإحتلال الإسرائيلي، الذي عمد على فرض سياسات تخطيطية تهدف إلى تغيير جغرافيا الأرض والسكان الأصليين. إن القدس هي عاصمة وقلب الدولة الفلسطينية التي تمثل علامة بارزة في التاريخ الإنساني الحديث، كقضية شعب شرد من دياره، وقضية مدينة يقوم الإحتلال بتحريف تاريخها وإعادة صياغة معالمها التي تخدم أغراضه الراميه إلى الإستئثار بها وإحلال واقع إستيطاني فيها يقوض سعيها للتحرر.  

 

ما سيراه قداسة البابا بنديكت السادس عشر في مخيم عايدة للاجئين


سيحل الحبر الأعظم بنديكت السادس عشر ضيفاً على الشعب الفلسطيني، (يوم الاربعاء) 13/5/2009 في زيارة تاريخية وهامة هي الأولى لفلسطين، حيث يزور القدس والناصرة ومدينة بيت لحم مهد المسيح عليه السلام.

ذكرى النكبة مناسبة لتجديد العهد والوفاء لحق العودة المقدس

دعا القائد الأسير مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في فلسطين الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات الى أوسع مشاركة في الفعاليات الشعبية في الذكرى 61 للنكبة الفلسطينية، التي أدت الى طرد وتهجير الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني من مدنهم وقراهم وبيوتهم، حيث ارتكبت القوات الصهيونية أبشع المجازر والمذابح بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، واستخدمت كل أشكال القتل والعنف والإرهاب لطرد أبناء فلسطين من أرضهم ووطنهم، وقامت بتدمير أكثر من 534 قرية وبلدة فلسطينية في محاولة لإخفاء هذه الجرائم والتغطية عليها وإلغاء الهوية العربية الفلسطينية.

للنكبة طعم العلقم في حلوقنا

 

تكبر فينا غصة النكبة مع الأيام، غصة في الروح ووجع في القلب وحرقة في مآقي الدموع الحزينة على فراق صعب، فراق الروح لجسدها الدافئ والمعمور بالخير.

حق العودة مفتاح السلام

في الوقت الذي يحيي فيه شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات الذكرى الحادية والستين للنكبة، لا تكاد تغيب قضية حق العودة عن أي فلسطيني في أصقاع الارض، قضية حملتها الاجيال جيلا بعد جيل، وارقت الالاف من ابناء شعبنا الذين شتتهم وشردهم الاحتلال الاسرائيلي حين اخرجهم عنوة من منازلهم وقراهم ومدنهم، ليقيم دولته على اطلال ذكرياتهم وحقهم وآمالهم، ليستبدل تلك الآمال بالآلام.

باقون على هذه الأرض المقدسة

 

ما أكثر ما كتب عن النكبة، وكل ما كتب لا يوفي هذا الحدث الجلل حقه... فالنكبة كانت الحدث الأخطر في القرن العشرين والذي ما زلنا وحتى يومنا هذا نواجه تداعياته وآثاره.

ففيها خسرنا الجزء الأكبر والأجمل من الأرض، وبسببها انقطعت قوة الدفع الفلسطينية، فعجلة العمران والاقتصاد والتعليم كانت في أوج حراكها وإذ بها فجأة تتوقف. معها خسر شعبنا المبادرة وقوة الفعل وصار جل اهتمامه مجموعة من ردود فعل بائسة، وصارت قضيته في ليلة وضحاها قضية مساعدات انسانية لا قضية حقوق انسانية ووطنية.

الاعتراف بالنكبة خطوة نحو المستقبل

في الذكرى الـ 61 لقيام اسرائيل ونكبة الشعب العربي الفلسطيني يبدو الجدار الفاصل بين شعبيّ البلاد، أكثر ارتفاعا وسمكا من أي وقت مضى. جدران الفصل العنصري ليست اسمنتية فقط، إنما هي عنصرية، قضائية، اقتصادية، ثقافية ولغوية. هذه الجدران ترتكز، فيما ترتكز، على الرؤية المناقضة للواقع، للماضي والحاضر والمستقبل.

النكبة ما بين الأمس واليوم

هل اليوم يشبه الأمس رغم فرق الزمان والمكان؟ عندما أشاهد في التلفاز ما حدث لأهلنا في غزة هاشم نتيجة الحرب الإسرائيلية العدوانية على القطاع الحبيب، حيث دمرت بيوتهم وأصبحوا لاجئين في مدنهم وقراهم ومخيماتهم؛ يعتصرني الألم وتعود بي الذاكرة الى خمسينيات القرن الماضي عندما كنا نعيش اللجوء بأصعب مراحله وأيامه. أتذكر الخيمة والمعاناة التي واجهنا كما يواجهونها اليوم. الخيمة الدائرية التي لا يزيد قطرها عن ثلاثة أمتار، أو تلك المستطيلة التي لا يزيد طولها عن 4 أمتار المقامة على التراب. الخيمة كانت لكل شيء؛ للمعيشة والنوم، بغض النظر عن عدد أفراد الأسرة. الخيمة التي ما كانت تقي حر الصيف رغم رفع جوانبها كي تدخل الرياح الى داخلها علها تخفف شدة الحر. الخيمة "المراح" فمن يسكنها تماما كمن يسكن على قارعة الطريق، فكل ما بداخلها معرض للمارة. الخيمة أرجوحة الريح، فكم من خيمة أيام الشتاء اقتلعتها الرياح القوية وكأنها ريشة تذروها الرياح، حتى يهرع الجيران للمساعدة في إعادة نصبها وتثبيتها بوضع حجارة على أوتادها المغروسة في الأرض، ووضع حجارة على إطرافها أو ذيولها لعلها تصمد وتقاوم قوة الرياح. أتذكر أيام تساقط الثلوج كيف تتهدم الخيام على رؤوس ساكنيها، وكم من عائلة فزعت ليلا صارخة مطالبة النجدة ويهبوا الشباب للمساعدة ولإزالة الثلوج المتراكمة من على الخيام وهم في ملابس رثة خفيفة لا تقيهم برد الشتاء القارص.

النكبة والنهوض

رأيت النكبة بعيون أبي وأمي وبأحاديثهما الصباحية في البلدة القديمة من القدس وهما يتذكران حي القطمون وحيثيات الحياة في بيتهما المتواضع فيه. لم يكن البيت قصراً كما يستشف من أحاديثهما  بل كان بيتاً متواضعاً يقع ما بين مخيم للجيش الانكليزي ومخيم للأرغون الصهيوني. أحاديث أبي وأمي كانت دوماً تستحث ذاكرتي وتسترجع تجربة الطفل ذي الثلاث سنوات وقد هم والداه وأخوته الأكبر سناً منه ترك البيت دون اخذ حتى صور العائلة وإنما الاكتفاء بالشح  من الملابس وطبعاً بمفتاح البيت الذي مازالت العائلة تحتفظ به مع نموذج الطابو الخاص بالمنزل.

واذكر غزير القرية اللبنانية الوادعة المطلة على البحر وقد كانت مستقراً للعائلة اللاجئة لعام أو أكثر بقليل واذكر أهلها أو بعض أهلها وقد التقيناهم صدفة في أعياد الفصح في القبيبة في إحدى  سنوات الستينات واسترجعنا سوية مرارة تجربة اللجوء واستقبالهم الرحب لنا. واذكر بيت لحم، بعد غزير، وقد نزلت عائلتي في غرفة واحدة في منطقة رأس فطيس بدون كهرباء أو ماء جاري أو غيرهما من الأمور الحيوية. وما زلت كلما مررت  من المكان استرحم على والدي وعلى الألم الذي مرا به في طريقهما من حي القطمون إلى غزير والى بيت لحم وأخيرا في بداية الخمسينات إلى البلدة القديمة من القدس.

النكبة في عامها الواحد والستين...ماذا تعني؟

ها هي الأعوام تمر دون توقف على عمر نكبتنا، مخلفة وراءها أجيالا محملة بتعب السنين، وبميراث الحق الذي لا يضيع، وبظلم تاريخي لحق بها عندما أقدمت العصابات الصهيونية المستوردة من أوروبا بذبح الفلسطينيين الآمنين وطردهم من ديارهم... فكانت النكبة، وكان الضياع، وما زالت رحلة التيه الفلسطينية مستمرة منذ واحد وستين عاما. ولكن الأجيال الفلسطينية المسكونة بحب فلسطين تتزنر بالثوابت الوطنية، وبالعزيمة الأكيدة على مواصلة طريق الخلاص من كل آثار ومسببات النكبة.ان نقيض النكبة هو العودة الى الديار الأصلية، ولن يمحي آثارها الكارثيه على مجمل الوضع الفلسطيني سوى العودة؛ فالعودة هي الاسم الحركي لانتهاء النكبة 

العودة الى الديار ليست شعارا يرفع في المناسبات، أو جملة تقال في الخطابات الحماسية لتأجيج مشاعر الناس، أو يافطة تعلق على مداخل المخيمات والمدن الكبيرة... بل هي برنامج عمل، نهج حياة، سلوك يمارس، ووصية مقدسة تحملها الأجيال القادمة للتنفيذ، لا تفريط فيها، لا تقاعس عن أداء الواجب الوطني، والمهمة اليومية.
العودة الى الديار هي ثقافة وطنية، لها دلالاتها، ومفرداتها، انها لغة المقهورين المظلومين الذين لم يملوا الانتظار، ولم يتعبوا من وجع السنين، وتخلي ذوي القربى عنهم.

في الذكرى أل 61 للنكبة كل الجهود لإنهاء الانقسام

تستعد جماهير شعبنا في الوطن والمنافي في الخامس عشر من أيار كل عام  لإحياء  ذكرى النكبة المؤلمة التي ألمت بها عام 1948، حين تمكنت الحركة الصهيونية بدعم كامل من قوى الاستعمار والإمبريالية العالمية من تشريد شعبنا الفلسطيني في كافة أرجاء المعمورة وتحقيق مشروعها في اغتصاب فلسطين. وقد استمر هذا العدوان الذي لم يعرف التاريخ له مثيلا بوحشيتيه عبر الإصرار الصهيوني على  التنكر لضحاياه؛ استمر بأشكال وأساليب متعددة وكلها بهدف القضاء على تطلعات شعبنا الفلسطيني الوطنية، ومنعه بكل الوسائل من استعادة حقوقه المشروعة في العودة والحرية والاستقلال. لكن بالرغم من وحشية العدوان،

 

وما رافقه من تشريد وحصار ومجازر طالت أبناء شعبنا؛ إلا انه واصل خوض مسيرته الكفاحية المعمدة بتضحياته الجسام وعزيمته التي لا تلين، وأعاد إبراز هويته الوطنية وبناء كيانه السياسي ممثلاً بمنظمة التحرير التي تنامى دورها ومكانتها على كافة الأصعدة، وحظيت باعتراف عالمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، وكسبت تأييد العالم لحق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه الذين شردتهم النكبة قبل 61عاما. وخلال العقود الطويلة من التضحية المتواصلة، عكس نضال شعبنا وكفاحه العنيد إصراره وتصميمه على نيل حريته واستقلاله وكفاحه وفي هذه الأيام، حيث تمر الذكرى المؤلمة يتواصل  العدوان ويأخذ  أشكالا جديدة ومتصاعدة  بهدف كسر إرادة  الشعب الفلسطيني وفرض الوقائع التي كرسها الاحتلال من خلال استمرار حملات الاستيطان وتوسيع المستوطنات وبناء جدار الضم والعزل العنصري وتحويل أراضي الضفة إلى معازل، علاوة على ما شنه من عدوان همجي على قطاع غزة أوائل العام الجاري وما خلفه هذا العدوان من خسائر فادحة  في الأرواح والممتلكات وتهجير آلاف الأسر بعد تدمير منازلها مما أعاد للأذهان صور أيام النكبة الأولى  التي  حلت بشعبنا بالإضافة إلى استمرار فرض الحصار الظالم على القطاع وعزله عن العالم الخارجي.

 من اجل العيش بحرية وكرامة، ولذلك قدم على هذا الدرب عشرات الألوف من الشهداء و الجرحى والأسرى والمشردين

أصعب الجراح تلك التي لا تنزف الدماء

 
بعد 61 عاما على النكبة، وبعد قرابة قرن على بدء الصراع المسلح مع العصابات الصهيونية اليهودية التي احتلت فلسطين، لا تزال الذاكرة الفلسطينية حية وعميقة. وان جفت بعض الدماء هنا أو هناك، الا أن الجراح لا تزال راعفة، ويصدق القول أن أصعب الجراح تلك التي لا تنزف الدماء. ومن خلال القصص التي قدمها المشاركون في مسابقة جائزة العودة 2009 – مضمار القصة الصحفية المكتوبة – لمسنا نحن لجنة التحكيم، مدى الألم الذي ينبعث من هذه القصص، وقد شعر كل واحد فينا بالحسرة تعتصر قلبه وهو يقرأ عن مأساة شعب كامل تعرض للذبح والتقتيل والتشريد لصالح فكرة إقامة وطن لشعب آخر جاء من أصقاع الأرض.

 

مأساةُ الصّنوبر


إنطباع أول
 
مرّت اليوم بضعة سنوات منذ ذلك اليوم الشتويّ. لا أزال أذكره ملوّنًا بأطياف رمادية تقطعها مَشَحات داكنة وأخرى مضيئة كأنها دُهنت على التوالي بالرصاصيّ والفضيّ بفرشاة تركت حركاتُها الخاطفة أثرها على السماء.

كنّا نمشي في درب ضيق على سفح الكرمل وقد ملأت الجو رائحة ساعات ما بعد المطر الغزير. تخبّ أقدامنا في وحل خفيف داخل تلك البقع الترابيّة الطينيّة الصغيرة المتناثرة بين سطوح الحجارة المفلطحة التي ترصف الطريق الوعريّة، وجزر العشب القاسي الذي أفقدَه العيش حيث تسلك أقدام البشر طراوة العشب المعهودة. فلونه داكن أو على الأقل أعتمُ خضرةً من تلك الحشائش الناعمة اليانعة السعيدة الخفيفة على جانبي الطريق. لكنه، عشب الطرقات، لا يموت بل يربدّ ويكاد يسودّ كأنه يعبّئ ألمه، تحت وطأة السائرين عليه، حِقدًا مبرّرًا يظهرُ في وجهه قد ينفجر في كل لحظة؛ كالبشر تمامًا حين تقمعهم أقدام غريبة ثقيلة.
 

هوية اللاجئ الفلسطيني في المخيمات: نظرة جديدة على

    
سوف نقترح في هذه الورقة أن اللاجئين المقيمين في المخيمات يشكلون عنصرا متميزا في المقاومة الوطنية، وفي العمل الجماعي والوعي الجماعي الكامن الذي يتداخل مع لاجئي الشتات ولكنه يختلف عنه. ومن هنا، ستناقش هذه الورقة بأن الخصائص الثقافية والعملية المتعلقة بـ"المحلي – الوطني" تقدم دعما حاسما لـ"الوطني" في أوقات الأزمات مثل الأزمة الراهنة، وأن للمخيم "حقوقا جماعية"، حتى لو لم يتم الإفصاح عنها بوضوح تام، والتي تؤهل لاجئي المخيمات من أجل تمثيلهم في المؤسسات الوطنية، وفي مفاوضات التسوية السياسية وفي مستقبل الحكم الفلسطيني، ولدعم هذه الحجة سأقدم ثلاث أنواع من الأدلة: 1) شهادات من مخيمات تحت الحصار، شاتيلا (أيار-حزيران 1985) وجنين (آذار-نيسان 2002)؛ 2) أمثلة عن "التنظيم الذاتي" للمخيم في الضفة ولبنان؛ و 3) سجل لنقاشات جماعية في أوساط الجاليات الفلسطينية تمت في عامي 2004 – 2005 (نابلسي، 2006).[1]