حق العودة في وسائل الإعلام الأمريكية

 رغم أن حقوق اللاجئين تشكل واحدة من أهم القضايا الوطنية المحورية بالنسبة للكثير من الفلسطينيين، إلا أنها تحظى بتغطية قليلة في وسائل الإعلام الأمريكية. وينتج تجاهل هذه القضية عن وجود توجهات مؤسسية عديدة لدى المؤسسات الإعلامية الرئيسة في الولايات المتحدة. وعليه، لا يمكن للناشطين الفلسطينيين أن يتوقعوا من وسائل الإعلام الأمريكية أن تعطي لهذه القضية موقع الصدارة بالنسبة؛ ومع ذلك، هناك طرق يستطيع الناشطون من خلالها تسليط الضوء على حقوق اللاجئين؛ سواء في وسائل الإعلام الرئيسة، أو في تلك المنابر الأصغر حجما، ولكنها أكثر تقدمية.

 

في الأخبار، يتم إيراد مخيمات اللاجئين في الأراضي المحتلة ، بشكل أساسي، عندما يتم استهدافها بالغارات الإسرائيلية؛ فقد أصبحت رفح مشهورة عندما دمرت إسرائيل بيوتا هناك خلال الانتفاضة الثانية. ومع ذلك؛ من النادر أن تذكر المقالات والتقارير الإخبارية تاريخ نشوء المخيم أو تقوم بوصفه، وإذا ما فعلت ذلك؛ قد تقرأ وصفا من سطر واحد، مثل ما ورد في يوم 18 أيار 2005، في مقالة في صحيفة نيويورك تايمز، حيث كتب: "تأسس عام 1949 لإيواء اللاجئين جراء الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1948، ورفح الآن هو ملجأ لأكثر من 92,000 فلسطيني". أما بقية مخيمات اللاجئين في الدول العربية، فاهتمام الإعلام بها أقل؛ ولكنها أيضا تحصل على تغطية إعلامية بشكل أساسي في فترات الأزمات أو العنف، وبدون التطرق لقضية اللاجئين أو تناول حقوقهم. فعلى سبيل المثال، فى مقالة في نيويورك تايمز حول القتال الدائر في مخيم نهر البارد الذي يشير للتاريخ في عنوانه الرئيس، "معارك شوارع ضارية تذكّر لبنان بماضيه" (23/5/2007)، حيث تصف التوتر بين اللبنانيين والفلسطينيين؛ ولكنها لا تطرح القضايا أو الخلفيات السياسية أو الحلول الممكنة لقضية اللاجئين.

 وفي بحث عن مصطلح "العودة" في مقالات وتقارير صحفية خلال العامين الماضيين في الصحف الامريكية الرئيسية: "نيويورك تايمز"، الـ"واشنطن بوست"، "كريستيان سينس مونيتور"؛ تبين انه لا يوجد مقالات رئيسية تتناول بالتفصيل الحقائق والأبعاد الملموسة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وفقط عدد قليل من المواد أشارت إلى أهمية هذه القضية بالنسبة للفلسطينيين. ويغلب على هذه المواد انها مقالات رأي تكتب من قبل شخصيات مثل الكاتبة الفلسطينية غادة الكرمي في "كريستيان سينس مونيتور"، والزعيم الليبي معمر القذافي في "نيويورك تايمز"؛ حيث كتب كلاهما عن حل الدولة الواحدة، ومقابلة مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في "نيويورك تايمز". وبدلا من ذلك تناولت العديد من المواد الإخبارية حق العودة باعتباره قضية مستعصية أو مسألة غير قابلة للحل؛ أو قامت باستكشاف كيف يمكن للدبلوماسيين أن يتوصلوا لاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدون تنفيذ حق العودة.

 هناك عدة أسباب لغياب تغطية قضية اللاجئين بصورة منتظمة؛ ولعل السبب الأول والأهم من بينها هو أن هذه المسألة غير موجودة ضمن اهتمامات المسؤولين الأمريكيين، وفي الحقيقة، إنها ليست ضمن محور التركيز الثابت للقيادات الفلسطينية القريبة من آذان المسؤولين في الإدارة الأمريكية. ففي مقابلة مع الـ"واشنطن بوست" في 30 أيلول 2007؛ لم يغتنم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الفرصة  للتأكيد والإصرار على حق العودة:

 س: الإسرائيليون جازمون في رفضهم للعودة [للاجئين الفلسطينيين] إلى إسرائيل ...؛ هل تعتقد أنه يجب السماح للفلسطينيين بالعودة؟ أنت ولدت في الجليل؛ فهل ترغب بالعودة إلى هناك؟

 ج: هذا حقي، ولكن كيف أستخدم هذا الحق يعود لي وإلى اللاجئين وللاتفاق الذي سيعقد بيننا، نحن نريد إيجاد حل دائم. الإسرائيليون يريدون الأمن، ونحن في حاجة للاستقلال. فكيف يمكننا التعامل مع هاتين الركيزتين؟ يوجد فجوة بين الطرفين، ونريد أن نجسر هذه الفجوة من خلال المفاوضات.

 هذا النوع من اللغة للشخصيات السياسية الفلسطينية من الصف الأول؛  لا يشجع الصحفيين على المتابعة في قضية حق العودة؛ وخصوصا أنه لا يوجد مناصرون ودعاة فلسطينيون أقوياء لحق العودة في أوساط القيادات الأمريكية المنتخبة، فعادة ما يتبع الصحفيون أولويات المسؤولين، مفسحين المجال للعناوين بان تصاغ من خلال البيانات الصحفية والتصريحات الرسمية. وكان "جوناثان ميرمين"، وهو عالم سياسي وباحث في الصحافة الأمريكية، قد وجد أن النقاشات حول السياسة الخارجية في وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية محصورة بإطار النقاش الرسمي؛ وغالبا ما تكون مؤشرا على مناقشات الكونغرس والحكومة والبيت الأبيض – ولكنها لا تفسح المجال بسهولة لتشتمل على مداخلات ووجهات نظر من خارج هذه المصادر الرسمية.

 وبالتالي، من المحتمل أن حق العودة لا يتم تغطيته بشكل معمق في وسائل الإعلام الأمريكية؛ بسبب وقوعه خارج نطاق المناقشات الرئيسية في الولايات المتحدة، وأيضا، لأن القادة الفلسطينيين أنفسهم لا يقومون بتسليط الأضواء بشكل مستمر ومركز على أهمية تنفيذ حق العودة. فإذا كان قائد مثل الرئيس محمود عباس لا يدعم حق العودة جهارا، وإذا كان هذا الحق يحظى بدعم لا يذكر في داخل حكومة الولايات المتحدة؛ فمن غير المرجح أن الصحفيين سوف يعتبرون هذا العنوان جدي وخطير إلى حد يستحق معه كتابة التقارير والتحليلات المعمقة لمختلف جوانب الموضوع. ولسوء الحظ؛ فحسب دراسة "ميرمين" حول الأنباء المحلية في الولايات المتحدة، فحتى التظاهرات التي توسع حدود هذا الخطاب الرسمي؛ فإنها لا تؤثر بالضرورة في التغطية الإخبارية للقضايا؛ وذلك لأن المظاهرات يجري تغطيتها على، وجه العموم، باعتبارها أحداثا أو مشاهد ملفتة، أكثر من كونها معطيات ملموسة يتم من خلالها التأكيد على، أو طرح مواقف سياسية معقدة.

 وثانيا؛ لا تحتل قضية اللاجئين العناوين الصحفية الرئيسية لأنها ليست قضية متفجرة، بل هي قضية تاريخية ثابتة، وما يستهوي الصحفيين يجري مجرى المثل أو التعبير الشهير في الصحافة الأمريكية الذي يقول " ما ينزف، يقود" ((if it bleed it lead. فالصحفيون يقومون بتغطية أحداث العنف، أما قضية اللاجئين التي عمرها 61 عاما، فلا تبدو أمرا ملحا من وجهة نظرهم. ومن النادر أن يقوم صحفيون بوصف وتحليل قضايا تاريخية معقدة في وسائل الإعلام الأمريكية.

لقد كتب المحرر العام في صحيفة "نيويورك تايمز"، دانيال أوكرنت"، في 24 نيسان 2005، تحت قائمة "بعض الأشياء التي لا تقوم بها التايمز" بأن الصحيفة " لا تقدم دروسا في التاريخ". وتاريخ اللاجئين الفلسطينيين معقد في تناوله وطرحه بشكل خاص بالنسبة للصحفيين؛ ذلك لأنه محل نقاش ساخن في أوساط السياسيين والدارسين، وغالبا ما يتجنب الصحفيون الخوض في مثل هذا الموضوع المعقد؛ لأنهم يقلقون من اتهامهم بالتحيز.

 وثالثا، من الصعب تغطية قضية اللاجئين لأنها غير ملموسة ومنتشرة على النطاق الجغرافي؛ فجدار الفصل يبدو واضحا للعيان من كل مكان لصحفي مقره في القدس. وعلى طول مسافة السفر بين جنين وتلال جنوب الخليل؛ قد يجد أي صحفي الكثير من القصص الإنسانية في كل كيلومتر من الأرض المفقودة والحياة المتغيرة. وعليه، فإن قضية اللاجئين ليست مرئية مباشرة للصحفي الغربي، فمخيمات اللاجئين تبدو وكأنها أحياء فقيرة؛ ولكن تاريخها ليس واضحا في المشهد. والصحفي الغربي الذي يمر بقرية فلسطينية مدمرة ويشاهد بقايا أشجار الصبار الفلسطينية في داخل "إسرائيل"؛ فإنه على الأغلب لن يسجل فورا تقريرا عن الخسائر والظلم الماثل أمام عينيه. وعلاوة على ذلك، ففي عصر التقليص الحاد في موازنات وسائل الإعلام؛ فقد يجد الصحفيون صعوبة في تمويل جولة صحفية لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في عدد من البلدان.

والسبب الرابع، والأخير، يمثل في أن هناك ميل لدى الصحفيين في الولايات المتحدة نحو عدم اتخاذ القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان كمدخل لتقاريرهم؛ ففي تقرير  صادر عن المجلس الدولي لسياسات حقوق الإنسان عام 2002 بعنوان: " الصحافة، وسائل الإعلام، والتحديات في تقديم التقارير حول حقوق الإنسان"؛ وجد أن قضايا حقوق الإنسان غالبا ما يتم تغطيتها باعتبارها قصصا تثير الاهتمامات الإنسانية، ولا يجب تسييس هذه القضايا. وعوضا عن ذلك؛ ربما يرى بعض الصحفيين الغربيين في تقارير حقوق الإنسان نوعا من الانحياز لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، بدلا من الاعتراف بأن حقوق الإنسان والقانون الدولي وجدت من اجل توفير معايير عالمية لكي تلتزم بها الدول. وقد اعترف " دانيال أوكرنت"، المحرر العام في " نيويورك تايمز"، بأن صحيفته لا ترى في القانون الدولي كنقطة انطلاق لتغطيتها الإخبارية:

 الـ"نيويورك تايمز" لا يجب أن تتنازل كليا عن سلطة المنظمات والمصادر الأخرى؛ يوم الثلاثاء الماضي، وتحت عنوان كتبه الصحفي "ستيفن إرلانغر": "إسرائيل وحدها تقوم بتشكيل حدود الضفة الغربية"، والذي أثار غضب "ميشيل براون" بسبب عدم قيام الأول بشرح عبارته "غير الدقيقة" حول أن الفلسطينيين " يقولون أن جميع المستوطنات خلف الخط الأخضر غير قانونية". حيث يعتقد "براون" أن التايمز ملزمة بإبداء ملاحظة بأنه " ليس الفلسطينيون فقط الذين يقولون أنها غير قانونية، بل قرارات مجلس الأمن الدولي أيضا".

 ويعارض ذلك السيد ايثان برونر، وهو نائب رئيس التحرير للشؤون الخارجية، حيث يقول: " إننا ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا محايدين وغير مقيدين بمثل هذه الأحكام، نحن نذكرها ونستشهد بها، ولكننا لا نعيشها". ويضيف: " في عام 1975، عندما وصفت الجمعية العامة للأم المتحدة الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية، فهل كان من المنطقي بالنسبة للتايمز أن تكرر ذلك الوصف كحقيقة؟ بالطبع لا. نحن نسجل وجهات النظر الرسمية، ولكننا لا نتبناها لأنفسنا." (24/4/2005).

لهذا السبب، فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ومبادئ حقوق الإنسان الأوسع المتصلة بحقوق اللاجئين في العودة؛ لا تعتبر جديرة بالاعتماد أو ذات سلطة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية.

 في ضوء هذه العقبات والصعوبات؛ وآخذين بعين الاعتبار أن تغيير الرأي العام في الخارج يشكل عنصرا هاما بالنسبة للكفاح الفلسطيني، ماذا يمكن للمناصرين والمدافعين عن حق العودة أن يفعلوا؟ من غير الواقعي أن نتوقع أن تكون وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة في موقع الصدارة لتغيير الرأي العام لصالح هذه القضية. ومع ذلك؛ يمكن للناشطين مواصلة الحوار مع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، من خلال كتابة الرسائل للمحررين والصحفيين، وكتابة التعليقات المباشرة عبر الانترنت على الأخبار الخاصة بالمفاوضات، ومخيمات اللاجئين والقضايا المتعلقة بحقوق اللاجئين. وإذا ما استمرت وسائل الإعلام الفلسطينية باللغة الانجليزية بالنمو، مثل وكالة معا الإخبارية، وظلت تقوم بإبراز وتغطية معمقة لقضايا اللاجئين، فإنها يمكن أن تصبح مصدرا هاما للمراسلين الغربيين، الذين غالبا ما يحصلون على قصص من وسائل الإعلام المحلية في الأماكن التي يعملون فيها. وإذا ما استمرت حركة حقوق اللاجئين في النمو والتوسع ومواجهة التحدي الماثل في رغبة الرضا القيادية؛ فإنها يمكن أن تصبح قصة لصحفيين من ذوي التفكير المعمق.

 كما يوجد دور يمكن أن تلعبه وسائل إعلام جديدة وبديلة، لننظر إلى تأثير الموقع الالكتروني لليلى الحداد الذي عنوانه: "أم من غزة"؛ الأمر الذي يشير إلى أن مواقع مكتوبة باللغة الانجليزية يمكنها أن تصبح مصادر مهمة للصحفيين الغربيين. وبالتالي، فإن تأسيس مواقع مبتكرة ومكتوبة بلغة انجليزية جيدة حول حقوق اللاجئين وتجاربهم؛ يمكنها مع مرور الوقت، أن تسهم في تعميق فهم الصحفيين والجمهور لهذه القضية. كما يجب على مناصري حق العودة أن يعملوا من خلال وسائل الإعلام الصغيرة والأكثر تقدمية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومن ضمنها المرتبطة بحركات مكافحة العنصرية والتمييز، مكافحة الفقر، حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام المعنية بشؤون اللاجئين في الولايات المتحدة. وكمطلب يهدف إلى تعزيز حقوق اللاجئين، ومع وجود أصوات جديدة تريد أن تكون مسموعة في وسائل الإعلام الغربية؛ يمكننا أن نتوقع المزيد من التغطية الإعلامية لهذه القضية الخطيرة.

 -----------------------

د. آمال بشارة:  أستاذة علم الإنسان في جامعة توفتس (Tufts)، بوسطن في الولايات المتحدة. 


--------------------------------------------------------------------------------