البيوت تموت إذا غاب سكانها قراءة في قصص الأطفال الفائزة في جائزة حق العودة عام 2008

 مقدمة:

للسنة الثالثة على التوالي، وفي مشروع مبدع وخلاق، يواصل مركز بديل إطلاق جائزة العودة في مجالات ثقافية وإبداعية وفنية مختلفة، من ضمنها قصص الأطفال، في محاولة جادة للوصول الى منهج تربوي في ترسيخ دعائم ثقافية وقيمية لأدب الأطفال الفلسطينيين، الذي هو حديث نسبيا، وذلك في سبيل اغنائه وتطوير اتجاهاته لخدمة أطفالنا وتنمية قدراتهم المعرفية والعقلية والنفسية، وخاصة في واقع احتلالي صعب يترك آثاره المباشرة على أطفالنا وميولهم واهتماماتهم.

 فالاهتمام بأدب الأطفال هو جزء من مواجهة الواقع المرير في سبيل الوصول الى واقع أفضل، ولأجل حماية أطفالنا من التأثيرات اليومية الصادمة التي يتعرضون لها، بسبب ممارسات الاحتلال ومشاهد الحصار والقتل والاغلاقات وهدم المنازل والاعتقالات، وخاصة أن الاحتلال يستهدف تدمير الأجيال الصغيرة من شعبنا الفلسطيني بوسائل عديدة مختلفة.

 ومن هنا، فمشروع بديل المتواصل في التشجيع على كتابة أدب الأطفال الفلسطينيين ليس فقط لأغناء المكتبة الفلسطينية في هذا المجال بقدر ما هو عملية نضالية تربوية لمواجهة الرواية الإسرائيلية وخاصة حول النكبة الفلسطينية، وكذلك من اجل صقل شخصيات أطفالنا ولمساعدتهم في عمليات النمو المعرفي والوجداني والسلوكي والأخلاقي لتمكينهم من مواجهة تحديات الواقع.

 القصص الفائزة:

 لقد فازت ثلاث قصص للأطفال في مسابقة جائزة العودة عام 2008 وهي:

1)      شباك الزينكو: للكاتبة أحلام بشارات، حازت على الجائزة الأولى، وهي قصة طفل فلسطيني اسمه محمد يعيش في مخيم يطل على البحر، يراقب العالم من خلال شباك الزينكو في بيته، وهو مقعد بسبب إصابته برصاصات الاحتلال في عموده الفقري، بعدما كان ولدا شقيا دائم الحركة في المخيم، الى درجة أن المخيم كان صغيرا على أحلامه وعلى خطوات قدميه.

القصة ركزت على صورة المخيم فأبرزت نمط الحياة الصعبة فيه وأوضحت أنه مركز المعاناة وشعلة الكفاح في آن واحد.

 أسئلة الطفل محمد هي أسئلة اللاجئين الفلسطينيين، فهو يريد أن يتحرر من هذا الواقع اللاإنساني ليعيش مثل كل البشر بحرية بعد استعادة الحقوق وعلى رأسها حق العودة.

 ( أشار محمد لسمير نحو شباك الزينكو

 قال وهو يبتسم:

انظر إنه صغير، صغير جدا من هنا...

ضحكا، وراحا يبنيان مدينة من الرمل بشبابيك

 كبيرة وأبواب مفتوحة على السماء..)

 2)      بيت بيوت: للكاتبة ميسون أسدي، حازت على الجائزة الثانية، وهي قصة طفل فلسطيني اسمه مروان، ذو شخصية كسولة يتهرب من واجباته البيتية والمدرسية بالذهاب الى الشاطئ وبناء بيت هناك ليعيش وحده مع كلبه دون أية التزامات، وباءت كل محاولاته في بناء بيت على الشاطئ بالفشل، حيث كان يتهدم باستمرار وكان آخره بيت رملي جف حتى انهار.

هذه التجربة قادته الى استدراك الأمر، فقرر أن يقوم بواجباته المدرسية والشخصية ويعتمد على نفسه، وظل مصرا على العودة الى الشاطئ لبناء بيت آخر.

الكاتبة تحاول أن تبرز عملية الإصرار والمواظبة على بناء البيت رغم كل المحن والظروف التي أفشلت ذلك، وهي تحاول أن تنقل رسالة من خلال القصة، وهي  أن الشعب الفلسطيني متمسكا بالعودة الى بيته وإعادة بنائه متحديا كل الصعوبات.

والرسالة الأخرى في القصة، هو أن الإصرار على العودة الى البيت لا يتحقق إلا بالقيام بما يلزم من الواجبات الداخلية وترتيب الوضع الداخلي، وربما تقصد الكاتبة الوحدة الوطنية والقضاء على الفساد والأخطاء ومظاهر القنوط والكسل.

 (لا تبك ولا تيأس، كل ما ينقص هو المواظبة على العمل، غدا يمكنك أن تعود لتبني بيتا...)

 3)      علبة ألوان: للكاتبة ديمة سحويل، حازت على المرتبة الثالثة في المسابقة، وهي قصة طفل فلسطيني يعيش في المخيم، ويتمتع بموهبة الرسم والقدرة على التخيل والإبداع، وتكاد شروط المشاركة في مسابقة  أعلنت عنها مدرسته بعنوان (ارسم مدينتك) تحول دون مشاركته بسبب سكنه في المخيم وليس في مدينة، ولكن وبمساعدة أستاذه وابويه وصديقته الغيمة الصغيرة استطاع أن يرسم مدينته التي هجر أجداده منها في عام النكبة وأن يبعث فيها الحياة برسوماته وألوانه ويفوز بالمسابقة.

 (كلما مررت بمدينتي، أمطري عليها حتى تخضر شجرة الكرمة...)

 القصة مثيرة، وفيها تحد عميق للنسيان، عندما يحيي الطفل الفنان مدينته الأصل التي هدمت وشطبت من الوجود بفعل الاحتلال، يرسمها كما هي، ويضخ فيها كل جوانب الحياة، تعبيرا عن قوة الذاكرة الفلسطينية في استعادة المكان، وعن الإصرار على العودة رغم ما تركته الحرب وما فعله المحتلون لإلغاء التاريخ والهوية وموطن الأجداد.

 فعلى الرغم من أن الطفل لم ير مدينته، فقد استطاع أن يستعيدها ويملأ بيوتها بالسكان ويسقي أشجارها بالماء، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها كما قال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش.

 ووجهة نظري أن هذه القصة المشوقة المبدعة كانت يجب أن تفوز بالجائزة الأولى مع الاحترام لكل الفائزين، ففيها من التشويق والتجديد والخيال ما يعطيها الجدارة لأن تحتل المرتبة الأولى.

 المضامين القيمية والجمالية في القصص الفائزة:

 1-     ربط أدب الأطفال بالبيئة والواقع الفلسطيني وهذا ما عبرت عنه قصة شباك الزينكو وعلبة ألوان، أما قصة بيت بيوت فهي الى حدّ كبير بعيدة عن الواقع وفيها من المجاز أكثر مما فيها من الواقعية.

2-     الخيال في القصص الفائزة كان متفوقا وظهر المزج بين الخيال والواقع في قصتي علبة ألوان وشباك الزينكو، أما الخيال في قصة بيت بيوت ففيه بلبلة واضطراب واختلاط الحقيقة بالخيال.

3-     الرسوم والألوان: ظهرت الرسوم والألوان في القصص الثلاث رائعة ومعبرة، وقد استطاع الفنان نهاد بقاعي أن يربط الصورة بالنص بشكل يلفت الانتباه ويثير الاهتمام.

ونجح الفنان برسوماته واختيار ألوانه في تجسيم المدركات بطريقة تربوية ويوضح المعنى بتكوينات جمالية تعبر عن أفكار القصص وبموضوعاتها.

4-     إظهار الشخصية بالقصة: وذلك من خلال الحوار الذي كان واضحا في القصص الثلاث وابتعدت القصص عن نظام السرد، وأظهر الحوار مهارات كتاب القصص الفائزين وهذا ما أضفى التشويق والترقب والإثارة في القصص، خاصة أن جميع القصص أجادت صناعة الحبكة وقدر كاف من النزاع والتوتر.

5-     القصص المذكورة عبرت عن منظومة من القيم التربوية والاجتماعية والوطنية، كان أبرزها التحدي والإصرار واستخدام المهارات العقلية في الوصول الى الغايات والأهداف.

 وبرز التضامن الاجتماعي والإنساني في القصص الثلاث والدروس التربوية وهذا يقود الى الغاية من تنمية القيم والمسلكيات الايجابية لدى الأطفال وكذلك في تنمية الإبداع.

ويبقى الهدف العام لهذه القصص المتمثل بترسيخ الهوية الوطنية للطفل الفلسطيني وربط وعيه بالمرجعيات التاريخية فيما يتعلق بحق العودة والحرية والاستقلال.

 البيوت تموت إذا غاب سكانها:

 سأقف عند قصة علبة ألوان، المزدحمة بالإثارة والخيال والتحدي عند ذلك الطفل اللاجئ الذي فقد مدينته بسبب حرب 48 ويود أن يرسمها رغم اختفاءها عن سطح الوجود.

 بالرسم والألوان واستنادا الى المرجعية التاريخية استطاع الطفل أن يرسم مدينته، يزرعها، يعيد بناء بيوتها ويعمرها بالحياة والسكان رغم أنه لم يعش فيها.

 الفكرة في القصة رائعة وهي أن الشعب الفلسطيني جيلا بعد جيل لا يمكن أن ينسى قراه ومدنه التي هجر منها عام النكبة رغم إجراءات الأمر الواقع على يد المحتلين.

فالذاكرة تنتقل من جيل الى آخر مما يسقط المراهنة على الزمن وعلى النسيان لدى الأجيال المتعاقبة.

والقصة واضحة في الدعوة الى التشبث بالحياة والعودة والقدرة على إحياء الماضي والتاريخ وتوظيفه في تعزيز الهوية الثقافية الفلسطينية؛ ردا على المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى إلغاء هذه الهوية وإنكارها من  الزمان  والمكان.

 نحو اتجاه آخر في أدب الأطفال:

 نستطيع أن نستنتج أن الاتجاه العام  السائد في كتابة أدب الأطفال هو أن الكبار يكتبون أدبا موجها للصغار، مما يستدعي أن نفتح مشروع المسابقة على اتجاه آخر وهو تشجيع الأطفال أنفسهم على الكتابة، فالأدب المنتج من الأطفال أنفسهم يساعد على معرفة ميولهم ورغباتهم واحتياجاتهم النفسية والفكرية والاجتماعية بهدف مساعدتهم من خلال أعمالهم الإبداعية وليس من خلال إسقاطات الكبار عليهم.

 -----------------------------------

* عيسى قراقع: كاتب وأديب فلسطيني، عضو مجلس تشريعي، وزير شؤون الأسرى.