الإتحــاد الأوروبــي، إسرائيــل ومــا بينهمـــا

بقلم:فيكتــور قطـــان

منذ أن عرضت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري على الجمعية العمومية للأمم المتحدة في التاسع من تموز من العام 2004، برزت دعوات أطلقتها قطاعات مختلفة لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وحصارها اقتصادياً. ومن الأسئلة التي طرحت في ذلك السياق: هل العقوبات الاقتصادية قانونية؟ وهل ستؤتي ثمارها ضد إسرائيل؟ وإلا فما هي الوسائل البديلة المتوفرة لدفع إسرائيل إلى الانصياع للقانون الدولي؟!

العقوبــات الاقتصاديــة ضـد إسرائيــل قانونيــة

بشكلٍ عام لا يمنع القانون الدولي الإجبار عن طريق الضغط الاقتصادي. فالبند 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة مثلا يمنع فقط استخدام القوات المسلحة وليس القوة الاقتصادية. وقد رفض اقتراح برازيلي بتوسيع الحظر الذي يتضمنه هذا البند، ليتضمن القوة الاقتصادية أثناء مرحلة صياغة الميثاق سنة 1945.

أما الحظر الوحيد للإكراه باستخدام القوة الاقتصادية فيتضمنه إعلان مبادئ القانون الدولي الخاص بعلاقات الصداقة والتعاون فيما بين الدول للعام 1970. يحظر هذا الإعلان استخدام الإجراءات الاقتصادية إذا كانت ترمي إلى إكراه دولةٍ أخرى والتأثير سلباً على ممارستها لحقها في السيادة. ومع ذلك، فإن هذا لا ينطبق على إسرائيل حيث أن العقوبات الاقتصادية لا تؤثر على ممارستها لحقوقها في السيادة لإغراض لا تنسجم مع مبادئ ذلك الميثاق. وبالعكس فإن السياسات والممارسات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة هي التي تتناقض مع مبادئ وأهداف الميثاق ذاته.

ولا بد من مصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على عقوبات اقتصادية شاملة ضد إسرائيل. ويخول البند 41 من ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن باعتباره الجزء السياسي الأساسي في الأمم المتحدة، بتوجيه الدول إلى اتخاذ إجراءات ضد الدولة ذات الشأن، شرط أن لا تتضمن تلك الإجراءات استخدام القوات المسلحة، مع أن ذلك يتطلب مصادقة كافة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وتشير ممارسات الدول إلى أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض الفيتو ضد مثل تلك المحاولة وكذلك الأمر بالنسبة لبريطانيا  وفرنسا والتي عادةً ما تمتنع عن التصويت أو تختبئ وراء الفيتو الأمريكي. (1)

من شأن العقوبات الاقتصادية الشاملة مثل الحظر التجاري وحظر بيع الأسلحة (كما كان الحال بالنسبة لحظر بيع الأسلحة الى جنوب أفريقيا العنصرية في العام 1977) من شأنها أن تتضمن تجميداً كاملاً (ولتجميد الاتجار بمثل تلك السلع مع إسرائيل لأقصى حد ممكن ولكي يتسم ذلك بالفاعلية لا بد من تعاون كافة الدول). (2)

تجميــد العلاقــات التجاريــة المفضلـــة ليــس عقوبــة اقتصاديــة

في ظل غياب اتفاقية تنص على خلاف ذلك، فإن البضائع المستوردة لقطرٍ ما من بلدٍ آخر تخضع في العادة إلى الجمارك والرسوم الضرائبية. أما اتفاقيات التجارة المفضلة فتلغي أو تخفض من قيمة تلك الضرائب. الاتحاد الأوروبي كما هو حال كافة الدول والمنظمات الدولية ليس مجبراً على تقديم هدايا أو مساعدات على شكل معونات اقتصادية أو تسهيلات تجارية لأي أمة أخرى. وذلك لأن التجارة المفضلة غير إلزامية بل تعتمد على توجهات مؤقتة. إنها ميزة وليست حقاً. وتقوم إسرائيل بالاستفادة من أمرٍ لا حق لها به بأي طريقة أخرى. ولذلك لا يمكن اعتبار تجميد التجارة المفضلة مع إسرائيل عقوبات اقتصادية.

ومع أن إسرائيل ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي (وبذلك لا يحق لها أن تستفيد من ميزات السوق الأوروبية المشتركة) فإنها تستفيد من التسهيلات التجارية الممنوحة لها من خلال تطبيق اتفاقية التعاون الإسرائيلي- الاتحاد أوروبي. (3)

وتوفر هذه الاتفاقات ميزات عضوية الاتحاد الأوروبي مثل التجارة الحرة إلى إسرائيل (دون أن تتحمل أعباء تكلفة كونها عضواً فيه) ويستفيد من ذلك الاتحاد الأوروبي أيضا حيث يحصل على سوقاً إضافية لتسويق وتصدير رأسماله وبضائعه وخدماته. ومع هذا فإن اتفاقية التعاون مشروطة باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون. (4) وتنص مقدمة الاتفاقية على "الالتزام بمبادئ الأمم المتحدة وبشكلٍ خاص الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية" والتي تشكل أساساً جوهرياً للتعاون. فيتضمن البند الثاني: "يجب أن تقوم العلاقات بين مختلف الأطراف، وكذلك تطوير الاتفاقية نفسها على أساس احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية التي توجه سياساتها الداخلية والدولية وتشكل جزءاً أساسياً من الاتفاقية."

وحسب ثلاث تقارير منفصلة للأمم المتحدة أعدها جان دوغارد وكاثرين بريتني وجين زيغلر وكذلك تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الانسان (Human Rights Watch)  ووفرة من تقارير المنظمات غير الحكومية فإن إسرائيل لا تحترم حقوق الإنسان الخاصة بالشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة وبهذا فهي متورطة في خرق التزاماتها الإنسانية وحقوق الإنسان على ضوء القانون الدولي. أضف إلى ذلك أن محكمة العدل الدولية قد قررت ودون أي استئناف لقرارها أن بناء الجدار "يشكل خرقاً إسرائيلياً لمجموعةٍ من التزاماتها حسب القانون الدولي والقانون الإنساني وقواعد حقوق الإنسان المطبقة."

ينص البند 41 من ميثاق الأمم المتحدة على الآتي: "يجوز لمجلس الأمن أن يقرر الإجراءات التي سيستخدمها  لتنفيذ قراراته بحيث لا تشمل استخدام القوات المسلحة، وكما يجوز لمجلس الأمن أن يدعو الدول  الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تطبيق تلك الإجراءات. وقد يتضمن ذلك التعطيل الكامل أو الجزئي للعلاقات الاقتصادية والنقل البري والبحري والجوي والبريدي وكذلك التلغرافي والإذاعي وكافة وسائل الاتصال الأخرى وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية".

ولهذا يصعب تفهّم لماذا يجب أن تواصل البضائع الإسرائيلية كونها معفية من جمارك الاتحاد الأوروبي والرسوم الضرائبية، خاصةً وأنها تجسد خرقاً لتلك الاتفاقية. البند 60 (1) من ميثاق فيينا حول قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية ينص على " (أ: إن الخرق المادي للمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يعطي الحق للطرف الآخر باعتبار ذلك الخرق أساساً لإلغاء المعاهدة أو تجميد العمل بها بشكلٍ جزئي أو كامل." بينما الخرق المادي للمعاهدة لا يلغيها بشكل أوتوماتيكي بغض النظر عن مدى خطورته ولكنها تعطي الطرف الآخر الخاضع لبعض المحاذير، الحق في استخدام ذلك الخرق كأساس لإنهاء تلك المعاهدة. ومن المسلم به على ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أن الأساس القانوني لتلك الاتفاقية أمر مشكوك في سلامته.

الاتحاد الأوروبي قادر على التحرك بشكل منفرد

تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي مسؤولية مماثلة لمسؤوليات الدول - باعتباره منظمة دولية تتألف من مجموعة أقطار - وهي الالتزام بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. فقد تشكل الاتحاد الأوروبي عبر معاهدات تستند إلى أحكام القانون الدولي. لقد قررت محكمة العدل الأوروبية أن القانون الدولي المتعارف عليه ملزماً لكافة أعضاء الاتحاد الأوروبي.(5) وعلى الأقل، فإن هنالك التزامين مثبتين في القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ذات طابع متعارف عليه. إضافةً إلى أن الخمسة وعشرون دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد صوتت لصالح قرار الجمعية العمومية الذي طالب بأن تحترم إسرائيل التزاماتها القانونية كما عرفها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. (6)

دعت محكمة العدل الدولية كافة الدول إلى الحيلولة دون إعاقة الجدار لممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، وكذلك لضمان انصياع إسرائيل للقانون الدولي الإنساني. ولم ينجز الاتحاد الأوروبي الكثير من النجاح بواسطة إصدار التصريحات والإعلانات، وهنالك ضرورة للقيام بخطوات أكثر جوهرية.

ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يسلك بشكل أحادي الجانب، وهنالك سابقة لذلك. ففي الثاني والعشرين من نيسان من العام 1980، وأثناء أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران قام الاتحاد الأوروبي بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران دون مخالفة قوانين الحصانة الدبلوماسية. لقد تصرف الاتحاد الأوروبي بشكل منفرد بعد أن مرر الاتحاد السوفيتي قراراً في مجلس الأمن يحول دون فرض العقوبات الاقتصادية على إيران. وقد برّر الاتحاد الأوروبي فعلته بالقول: "كان الوضع مصدراً لقلق المجتمع الدولي بأسره". وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد تصرف دون تفويضٍ من مجلس الأمن، فإن بإمكانه أن يكرر ذلك اليوم وبكل تأكيد. لا يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى الاهتمام بشأن الفيتو الأمريكي. فلربما تحتل أمريكا أحد مقاعد مجلس الأمن ولكنها لا تحتل أي من مقاعد المجلس الأوروبي.

الاتحــاد الأوروبــي يخـرق قوانينـــه

لقد تردد الاتحاد الأوروبي دوماً حيال انتقاد إسرائيل. فمن ناحيةٍ يقول الاتحاد أنه ملتزم برؤيا "الدولتين" التي تتضمنها خارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن رقم 1397 و 1515 ومن ناحيةٍ أخرى لم يقم بفعل أي شيء ذي بال حول الجدار الإسرائيلي الذي يشق طريقه كالأفعى في أرجاء الضفة الغربية المحتلة. وفي شباط من العام 2005 صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل أن "الدولة التي تتكون من مناطق مبعثرة لن تنجح". ولكن هذا بالضبط ما سيحصل عليه الفلسطينيين إذا لم يتم فعل شيء حيال الجدار.

يسمح الاتحاد الأوروبي للسياسة بأن تسود على القانون، ولكن يجب أن يكون العكس هو الصحيح في المجتمع الديمقراطي. ليست العقوبات الاقتصادية إجراءاً عنيفاً صمم لإجبار إسرائيل على الانصياع للقانون الدولي. فتجميد التجارة المفضلة لا يصل حتى إلى مستوى العقوبات الاقتصادية إن أحد مبادئ القانون الدولي الأساسية يقضي بأن لا يجب أن تجنى أي فائدة جراء فعلٍ غير قانوني. يواصل الاتحاد الأوروبي سماحه لإسرائيل بالاستفادة من سياساتها وممارساتها غير القانونية في الاراضي الفلسطينية المحتلة،  من خلال تطبيقه لاتفاقية التعاون، وهذا ما يفعله بالضبط.

_________________

فيكتور قطان هو مدير الإعلام العربي في لندن. عمل قطان من خلال البرنامج الإنمائي (Tokten) التابع لهيئة الأمم المتحدة مستشارا قانونيا في بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين خلال فترات من أعوام 2003 و 2004. يستند هذا المقال بشكلٍ جزئي إلى ورقة عمل ستنشر في المجلد الثالث عشر لكتاب  القانون الدولي السنوي الفلسطيني.

ملاحظــات:

(1) أنظر فيكتور قطان " A state cannot indefinitely stand against the world " : مقابلة مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص جون دوغارد،  The Electronic Intifada، 23 أيلول 2004. مؤرشفة على العنوان التالي: http://electronicintifada.net/v2/article3112.shtml.

 (2) أنظر

the example of sanctions against Apartheid South Africa in Shridath Ramphal, South Africa: The Sanctions Report (Prepared for the Commonwealth Committee of Foreign Ministers on Southern Africa). New York: Penguin Books, 1989

(3) وضعت هذه الاتفاقية موضع التنفيذ أثناء سلطة أيهود باراك في حزيران 2000 وقد حلت محل اتفاقية 1975 للتجارة الحرة والتي بدورها حلت محل اتفاقية 1964، لاتفاقية التجارة غير المفضلة التي وقعها التجمع الاقتصادي الأوروبي. المتطلبات الإقليمية لا تتضمن الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل.

(4) الاتفاقية الأوروبية الشرق أوسطية التي وضعت أساساً للتعاون بين الدول الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإسرائيل والتي تم توقيعها في 20 تشرين الثاني 1995، والتي وضعت موضع التنفيذ في الأول من حزيران عام 2000.  لقراءة المزيد أنظر،

 Esa Paasivirta, ‘EU Trading with Israel and Palestine: Parallel Legal Frameworks and Triangular Issues,’ 4 European Foreign Affairs Review (1999): pp. 305-326; and by the same author, “Human Rights, Diplomacy and Sanctions: Aspects to “Human Rights Clauses,” in the “External Agreements of the European Union” in Jarna Petman and Jan Klabbers, Nordic Cosmopolitanism: Essays in Honour for Martti Koskenniemi. Leiden: Brill 2003, pp. 155-180.

 

(5) أنظر رأي،

 M. Darmon AF in joined cases 89, 104, 114, 116, 117 and 125-129 185, Ahlström Osakeyhtiö [1988] ECR 5193 para 49; Case C-286/90 Anklagemyndigheden v. Pouslen und Diva Corp. [1992] ECR I-6019, para. 9; Case C-162/92 Racke [1998] ECR I-3655, para. 24; Case C-405/92 Mondiet [1993] ECR I-6133 paras. 12 and 13; Case C-27/96 Danisco Sugar Case [1997] ECR I – 6653 para. 21; Case C-29/99 Commission v. Council ECR I – 11221 [2002] paras. 83 and 84; and finallysee C-216/01 Budvar v Ammersin (2003) at para. 154.

 

(6) السيد ريتشارد راين سفير وممثل دائم لإيرلندا في الأمم المتحدة وضّح بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي خلفية تصويت الاتحاد الأوروبي في الجمعية العمومية كما يلي: "يؤكد الاتحاد الأوروبي التزامه بحل الدولتين الذي يتفق عليه الطرفين عبر التفاوض والذي سيؤدي الى دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وتواصل جغرافي وقادرة على الحياة جنباً الى جنب وبعلاقات سلمية مع إسرائيل بحدودٍ آمنة ومعترف بها". وقد أكد على ذلك في 6 أيار 2004، في البيان الرئاسي للاتحاد الأوروبي حول المسألة الفلسطينية – توضيح خلفية التصويت ، نيويورك.