إعــلان حــدود الدولــة ضــرورة لمواجهــة خطــر إجهــاض حــل الدولتيـــن

بقلم: بســام الصــالحي

منذ صدور القرار رقم 181 في تشرين ثاني من عام 1947، والذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين، والشعب الفلسطيني يكافح عملياً من أجل إقامة دولته، بعد أن فشل في منع استصدار قرار التقسيم أو في منع إقامة الدولة العبرية، وتوسيع احتلالها بما في ذلك للضفة الغربية وقطاع غزة. وبرغم الجدل الطويل الذي ساد الساحة الفلسطينية، تجاه قرار التقسيم أو مبدأ القبول بحل قائم على أساس الدولتين، وهو جوهر قرار التقسيم، إلا أن الواقع الفعلي والسياسي، حسم هذا الجدل بصورة واضحة في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة، أي دورة الانتفاضة، التي أقرت عام 1988 وثيقة الاستقلال التي استندت إلى قرار 181، وبرنامج السلام الفلسطيني الذين تقدمت على أساسه منظمة التحرير الفلسطينية تجاه المفاوضات وعملية السلام.

لقد كرست هذه الدورة هدف الدولة الفلسطينية المستقلة، كهدف مباشر للكفاح الوطني الفلسطيني، وبات معروفاً أن هذه الدولة ستقام على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، على أساس إنهاء الاحتلال عن هذه الأراضي، وفقاً للقرارين 242، و 338. وظل التقدم باتجاه هذا الحل منوط بحل دائم وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، يضمن حقوقهم التي كفلها لهم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، بما تضمنه من حق العودة والتعويض.

ويمكن القول عملياً، أن انتفاضة عام 1987 الباسلة، لعبت دوراً حاسماً في إغلاق الأبواب نهائياً على احتمالات الحلول الأخرى للقضية الفلسطينية، وعززت اتجاه الحل عبر القبول التدريجي بحل الدولة الفلسطينية المستقلة، الذي باتت تقبله إضافة إلى الولايات المتحدة، إسرائيل نفسها، وقيادتها التي لطالما عارضت هذا الحل وفي المقدمة منهم أرئيل شارون وغيره.

غير أن هذا التسليم بمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية، لا يمثل سوى جزء من الحقيقية، في حين أن الجزء الأخطر فيها، يتمثل في السعي الإسرائيلي المحموم للتحكم في مضمون هذا الحل، أي في حدود الدولة، والأراضي والمناطق التي ستتضمنها، وكذلك في سيادة هذه الدولة، وسيطرتها على ثرواتها وحدودها الخارجية، وسماءها وبحرها بالإضافة إلى الصراع المرير حول القدس والكتل الاستيطانية المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية.

إن الاستراتيجية الإسرائيلية لمرحلة ما بعد القبول بمبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة،  ترتكز إلى تفريغ هذا المبدأ من محتواه الحقيقي، وتقوم على فرض رؤيتها الخاصة لهذه الدولة وحدودها ومساحتها، ومستقبلها وسيادتها، من خلال خطوات وإجراءات أحادية الجانب، ومتواصلة، تهدف إلى إخراج القدس من إطار الحل المستقبلي للدولة الفلسطينية، أو مصير هذا المبدأ في حدود رؤية إسرائيلية تفصيلية، كان أكثرها تطوراً ما طرحه إيهود براك في مفاوضات كامب ديفيد، ورفضه حينها الرئيس عرفات، كما تهدف إلى تكريس الكتل الاستيطانية وربطها بإسرائيل تمهيداً لضمها إلى الأراضي المحيطة بها، وكذلك استمرار بناء الجدار كي يشكل الامتداد الحدودي للدولة الفلسطينية، ومستقبل شكل تواصلها المواصلاتي والجغرافي، بالإضافة إلى عزل قطاع غزة، وخلق واقعين متباينين، بما يغذي فكرة الدولة الفلسطينية  في غزة، أو الدولة ذات الحدود الانتقالية، أو أي شكل آخر إلا صورة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة التي يناضل الفلسطينيون من أجلها، والتي تدعمها كذلك قرارات الشرعية الدولية.

إن الرد على هذا المخطط المستمر، يتطلب استراتيجية فلسطينية مقابلة، ترتكز إلى رفض أي انتقاص من حقوق هذه الدولة وسيادتها، الأمر الذي يستلزم التفكير بإعلان فلسطيني واضح عن حدود دولتهم المنشودة، كحق مشروع ومكفول في قرارات الشرعية الدولية، وهو كامل الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وطلب الاعتراف الرسمي العربي والدولي بهذه الحدود وبإنهاء الاحتلال عن أراضي الدولة الفلسطينية، ورفض تجزئة قضاياها وتأجيلها لمفاوضات مجهولة، في الوقت الذي تحدد فيه اسرائيل كل تفاصيل الكيان الفلسطيني اللاحق. 

إن هذه الخطوة ضرورية من أجل المحافظة على جوهر فكرة حل الدولتين، والذي يقوم أيضاً على قناعة الشعب الفلسطيني بأن هذا الحل كفيل بتوفير مقومات بناء الدولة ومستقبلها، وقناعته بضرورة إقامة السلام على أساسها، فضلاً طبيعياً عن الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.  

إن تدمير اسرائيل المنهجي، لإمكانية هذا الحل، سيعني في المدى المنظور المزيد من المآسي للشعب الفلسطيني، ولكنه سيفتح المجال لأسئلة من نوع جديد، وهي مفتوحة على احتمالات أوسع من إطار إعادة طرح شعار الدولة الواحدة، ولذلك فإن المطلوب لاحقاً، هو تثبيت الحق في حدود الدولة كاملة غير منقوصة، وفي إقامة دولة الكانتونات أو الحدود المؤقتة. وفي الحفاظ على حشد موقف دولي مساند لهذه الحقوق، الأمر الذي قد يعطيه اندفاعة جديدة الإعلان عن حدود الدولة الفلسطينية وحشد الاعتراف العربي والدولي بها، وإعادة بناء موقف كفاحي مساند لها على الصعيدين العربي والدولي.

_________________

بسام الصالحي هو الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، وعضو في كل من المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولجنة متابعة ملف الجدار العنصري في محكمة لاهاي. للصالحي العديد من الكتب والدراسات الفكرية والسياسية.