دراســة أوليـــة حــول نظــام التهجيــر القســري الناجــم عــن جــدار الفصــل العنصــري وتبعاتــــ

بقلم:كاريــن مــاك أليستــر

بالتعاون بين مركز بديــل والمجلــس النرويجــي للاجئيــن والجهــاز المركــزي للإحصــاء الفلسطينـــي:
ليس التهجير القسري بظاهرة جديدة على الشعب الفلسطيني وعلى الفلسطينيين الذين يعرفون أن التهجير ما زال عملية مستمرة، وفي الحقيقة فإن عمليات التهجير القسري ما زالت تتبوأ مساحة متزايدة في الصراع الدائر. ويعتبر جدار الفصل العنصري (الجدار) وتبعاته في الضفة الغربية استمرارا لهذه السياسة، حيث أنه يلعب دورا في تغيير التركيبة السكانية الديموغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا وقد فشل المجتمع الدولي في رؤية استمرار التهجير القسري كما فشل في الاستجابة له والحيلولة دون وقوعه.

تعتبر هذه الدراسة نتاجا للجهود الملموسة التي قام بها مركز بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين والجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء (PCBS) والمجلس النرويجي للاجئين، وخاصة مركز مراقبة التهجير الداخلي (IDMC). ترمي هذه الدراسة إلى مجموعة من الأهداف، أولها: تطوير منهجية لتوثيق التهجير القسري الناجم عن الجدار وتبعاته. والثاني: هو تجميع بيانات إحصائية موثوق بها حول الحجم الحالي للتهجير الداخلي، وأخيرا تحليل نتائج الدراسة في الإطار الأشمل للتهجير القسري والطرد المتواصل للشعب الفلسطيني، وكذلك تحليل النظام القانوني ذو العلاقة والالتزامات التي يجب أن تحرك الأطراف الوطنية والمجتمع الدولي.

1. التهجير الداخلي والأفراد المُهجرين داخليا


في شهر تموز من سنة 2004 قررت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الخاص بالوضع القانوني الناجم عن بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، أنه: "لقد اضطر عدد هائل من الفلسطينيين إلى مغادرة بعض المناطق نتيجة لبناء الجدار والنظام المرتبط به، وتتواصل عملية المغادرة تلك كلما بني أجزاء إضافية من الجدار بالإضافة إلى بناء المستوطنات الإسرائيلية.. بهدف تغيير التركيبة السكانية للأراضي الفلسطينية المحتلة".[2] وقد أقرت المحكمة أن التغيرات الديموغرافية الناجمة عن الجدار وتبعاته (مثل نظام التصاريح والإغلاقات ونقاط العبور وغيرها) تؤدي الى تهجير التجمعات السكانية الفلسطينية قسرا.

تنجم هجرة القسم الأكبر من الفلسطينيين الداخلية في الضفة الغربية القسم الأكبر من الفلسطينيين عن أعمال بناء الجدار وتبعاته، وبذلك يعتبر هذا القطاع من الفلسطينيين أشخاص مهجرين داخليا (Internally Displaced Persons).  وتوفر المبادئ التوجيهية الخاصة بالتهجير الداخلي التي تتبناها الأمم المتحدة (مبادئ دينغ) تعريفا عمليا للأشخاص المهجرين داخليا وتعتبرهم "أفرادا أو جماعات من الأفراد الذين فرض عليهم، أو اضطروا للهرب من، أو مغادرة منازلهم أو أماكن سكناهم الاعتيادية نتيجة نزاع عسكري أو لتجنب آثاره أو نتيجة اوضاع...،  أو أوضاع تسودها ممارسة العنف ومخالفة حقوق الإنسان أو حقوقهم المكتسبة أو كارثة تسبب بها أبناء البشر، ولم يجتازوا حدودا دولية لدولة معترف بها." وبإيجاز فإن المكونات الأساسية لمكانة الأشخاص المهجرين داخليا هي: الهجرة غير الطوعية والتي تحدث داخل حدود الدولة الوطنية الخاصة بأولئك الأفراد.

وتعد عمليات التهجير القسري داخل حدود الدولة المعنية، إذا ما هدفت إلى ترحيل السكان أو تغيير التركيبة العرقية أو الدينية أو الثقافية للسكان الذين يتعرضون لذلك، جريمة ضد الإنسانية كما تعتبر جريمة حرب أيضا. تنص مبادئ دينغ على أن التهجير القسري محرم (أ) عندما يكون على أساس سياسات التفرقة العنصرية، "التطهير العرقي" أو أي ممارسة مماثلة ترمي إلى أو تتسبب في  تبديل التركيبة الثقافية أو الدينية أو العرقية لمجموعة السكان التي تتأثر بتلك العملية، (ب) وكذلك في الأوضاع التي تسودها النزاعات المسلحة إلا إذا تطلب ذلك حماية أمن المدنيين ذوي العلاقة  أو فرض ذلك أسبابا عسكرية قاهرة.[3]

2. استنتاجـــات الدراســـة الأوليــة


نفذ المسح الذي قام به مركز بديل والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في القدس الشرقية وذلك نتيجة لأهمية مدينة القدس باعتبارها العاصمة العتيدة للشعب الفلسطيني وكذلك بسبب السياسات الإسرائيلية، أي "سياسة تجريد المدينة من سماتها الفلسطينية" والتي ترمي إلى تغيير تركيبتها السكانية وحسم مستقبلها في مفاوضات الوضع النهائي.

وقد كشف المسح  المذكور عن أن التهجير الداخلي متواصل وفي حالة تزايد نتيجة للجدار وتبعاته. فقد أجاب 32.9% من أصل 17.3% من كافة الفلسطينيين المقيمين في القدس والذين غيروا مكان سكناهم أن السبب المباشر لذلك هو بناء الجدار وتبعاته.[4]

يظهر التحليل العميق للتهجير القسري الناجم عن الجدار في القدس أن 49.2% من الفلسطينيين الذين يسكنون في المدينة والذين أجبروا على تغيير مكان سكناهم السابق نتيجة للجدار هم أصلا من بين اللاجئين، وبما أن كلاّ من اللاجئين وغير اللاجئين يتأثرون بالجدار وتبعاته فإن ذلك يشير إلى كل من التهجير المتكرر والتهجير الكائن لأول مرة.

تشكل القيود المفروضة على حرية الحركة بفعل الجدار عاملا أساسيا مسببا لتهجير الفلسطينيين القسري في منطقة القدس. لقد أكد المسح أن العديد من الأسر الفلسطينية وهم الأغلبية العظمى ممن يسكنون على الجهة الشرقية من الجدار، أنهم يواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات الطبية. وبالتأكيد فإن 34.5% من الأسر (88.3 من الأسر التي تسكن شرقي الجدار) قد انقطعت عن مراكز خدماتها الصحية التي تقع في مركز مدينة القدس. وقد كشف المسح أيضا عن أن حياة الأسرة الفلسطينية قد تعرضت إلى الإرباك نتيجة للجدار حيث أن 21.4% من الأسر الفلسطينية المقدسية قد مزقت وانفصلت عن أقاربها بمن في ذلك الآباء والأمهات والبنات والأبناء بالإضافة إلى الانقطاع عن الأسرة كاملة. بالإضافة إلى ذلك فقد أثر الجدار والنظام المرتبط به سلبيا على قدرة 84.6 من الأسر على زيارة أقاربهم. ومن بين استنتاجات المسح التي تثير الدهشة هي تأثير الجدار على اختيار الزوج أو الزوجة، فقد أفاد 69.4% من الأسر أن الجدار قد شكل عقبة أمام اختيارهم لأزواجهم أو زوجاتهم منذ الشروع ببنائه عام 2002. لقد أثّر الحدّ من الحركة على النساء والأطفال بشكل خاص ومن المؤكد أن 67.8% من الأطفال (81.9% من بين من يسكنون على الجانب ا لشرقي من الجدار) و78.5% من النساء (84.3% ممن يسكنّ على الجانب الشرقي من الجدار) قد حددت حركتهن. رغم أن المؤشرات بعيدة المدى على العزلة والانفصال عن الأقارب والأصدقاء تحتاج إلى المزيد من البحث؛ الا انه من المؤكد ان تأثيرات الحد من حركة الاطفال والنساء يترك اثره على نوعية حياتهم.

لقد أكد المسح على أن الجدار قد أثر على الحق في مشاركة الناس في الحياة الثقافية والشؤون المجتمعية وحرية الأديان لقد تأثرت جميعها بالجدار ونظامه. لقد عانت 56.3% من الأسر الفلسطينية جراء الحد من حريتهم الثقافية ونشاطاتهم الاجتماعية وكذلك أوقات فراغهم ورفاهيتهم، كل ذلك قد تأثر بالجدار والنظام المرتبط به. لقد تأثرت قدرة الأسر المقدسية التي تعيش شرقي الجدار على زيارة الأماكن المقدسة بشكل كبير (91.8%).

والأنكى من ذلك أن العديد من الأشخاص معرضون للتهجير، وأن عدد الفلسطينيين الذين يفكرون بتغيير أماكن سكناهم الحالية بسبب الجدار في حالة تنام مستمر. فقبل 3 أشهر من إجراء المسح أعرب 52.3% من الفلسطينيين المقدسيين أنهم يفكرون في تغيير أماكن سكناهم الحالية وعند إجراء المسح ارتفعت هذه النسبة إلى 63.8 %.

تستمد حاجات ومتطلبات البقاء في مكان السكن الحالي أهميتها الخاصة من حقيقة أن الذين يبقون ويحاولون التعايش مع الحقائق الجديدة التي فرضها الجدار، ينتمون في غالبيتهم إلى القطاعات الأفقر من المجتمع الفلسطيني. والمطلوب هو المزيد من الخدمات ورفع مستوى البنية التحتية والأمن الاجتماعي وزيادة فرص العمل المناسبة للفلسطينيين الذين يعيشون غربي الجدار هي من أهم الاستنتاجات التي برزت في هذا السياق.

3. مسؤولية المجتمع الدولي

بخلاف وضع اللاجئين، لم يتم انتداب وكالة واحدة من وكالات الأمم المتحدة للمساعدة على حماية الأشخاص المهجرين داخليا. وفي المقابل تم تشكيل هيئة تنسيق حملت تحت اسم "استجابة مشتركة" تسمح باستجابة منسقة لوضع الأشخاص المهجرين داخليا من قبل كافة وكالات الأمم المتحدة ذات العلاقة (اليونيسف، برنامج الغذاء العالمي، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها) (OHCHR , OCHA ,WFP ,UNICEF). وبالرغم من غياب الوكالة التابعة للأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن، إلا أن للأشخاص المهجرين داخليا حقوقا مماثلة لحقوق اللاجئين وبشكل خاص حقهم في العودة (العودة إلى الديار) واستعادة الممتلكات والتعويض. تعتبر مبادئ دينغ جزءا متضمنا في حقوق الإنسان والقوانين المتعلقة باللاجئين وبشكل خاص تعالج ما يتعلق ب واجب السلطات القادرة "لتوفير الشروط والوسائل التي تتيح للأشخاص المهجرين داخليا فرصة العودة الطوعية بأمان وكرامة إلى مواطنهم الأصلية أو أماكن سكناهم الاعتيادية أو الاستقرار الطوعي في بقعة أخرى من القطر."[5] وتعتبر مبادئ دينغ أيضا العودة إلى الموطن حقا أساسيا من حقوق الأشخاص المهجرين داخليا: "ويتوجب على السلطات القادرة الاطلاع بمسؤولية إعانة العائدين أو من استقروا من الأشخاص المهجرين داخليا على استعادة أراضيهم وممتلكاتهم التي تركوها أو صودرت منهم أثناء تهجيرهم"[6].  

إن واجبات الدول المختلفة والمجتمع الدولي المتعلقة بالجدار وتبعاته قد تم التأكيد عليها بشكل واضح من قبل محكمة العدل الدولية. فقد دعت المحكمة الدول المختلفة إلى "عدم تقديم العون أو المساعدة الهادفة إلى صيانة الوضع الذي فرضته عملية بناء الجدار".[7] وطالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بـ "التفكير في اتخاذ إجراء لا بد أن يتخذ مستقبلا لإنهاء ذلك الوضع غير القانوني".[8]  وبهذا فإن على الدول توفير المعونة والحماية للفلسطينيين بما في ذلك تسهيل عودتهم وتعويضهم بشكل عادل واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنهاء الوضع غير القانوني كالتهجير القسري وضم الأراضي وغيره.

4. الاستنتـــاج

توضح هذه الدراسة الأولية عملية التهجير القسري المستمرة ضد الشعب الفلسطيني باعتبار أنهم أشخاص مهجرون داخليا أو لاجئون، كما وتبرز استنتاجات هذه الدراسة الحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع وبشكل خاص سياسة إسرائيل المتمثلة في اجراءات تفريغ الارض من أصحابها الشرعيين. كما وتدعو الدراسة الأسرة الدولية إلى تطوير آليات ناجعة وفعالة لحماية الفلسطينيين بما في ذلك البحث عن حلول دائمة وتحمل مسؤولياتها عن طريق علاج الوضع السياسي (مثل الطبيعة الاستيطانية-التفريغية للصراع) والقانونية (مثل جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية) وآثار الصراع على حقوق الشعب الفلسطيني وبشكل محدد على حقه في العودة وحق تقرير المصير.

______________________

كارين ماك أيستر هي منسقة برنامج الإسناد القانوني في بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، وهي محررة مجلة "المجدل" التي يصدرها المركز باللغة الانكليزية. للمزيد من المعلومات حول الدراسة الأولية حول نظام التهجير القسري الناجم عن جدار الفصل العنصري وتبعاته، أنظر الى موقع مركز بديل على شبكة الانترنت: www.badil.org

هوامـــش

[1] نقلت الاقتباسات عن مركز بديل والمجلس النرويجي للاجئين، مركز مراقبة التهجير الداخلي بعنوان التهجير القسري الناجم عن الجدار، دراسة أولية عن التهجير القسري الناجم عن الجدار والنظام المرتبط به، بيت لحم : مركز بديل ومركز مراقبة التهجير الداخلي، أيلول 2006.

[2] (إيضاحا إضافيا) محكمة العدل الدولية (ICJ) ، الوضع القانوني الناجم عن تشييد الجدار في المناطق ا لفلسطينية المحتلة، الرأي الاستشاري ، 9 تموز 2004 الفقرة 133.

[3] إيضاحا إضافيا : المبادئ التوجيهية حول التهجير الداخلي (مبادئ دينغ، 11 شباط 1998، المبدأ ا لسادس).

4 المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، A/CONF. 183/9   (17 تموز 1998، كما عدل في 1 تشرين ثاني 1998 وكذلك في 12 تموز 1999)، البند السابع (2) (د).

5 المصدر السابق،  البند 8 (B).

6  بناء على احصاء السكان لعموم محافظة القدس 407090 في أواسط 2006 ، 23170 شخص قد تم تهجيرهم نتيجة للجدار ونظامه. وحسب مكتب تنسيق الشؤون الانسانية، OCHA فإن عدد الفلسطينيين الدين يحملون هوية مقدسية ويسكنون على الجهة الشرقية من  الجدار  يبلغون 55000 نسمة. أنظر  التحليل المبدئي للمؤشرات الإنسانية في نيسان 2006 الخاص بانعكاسات  الجدار الفاصل ، تحديث 5  (القدس OCHA تموز 2006 ص . 2).

[5] مبادئ دينغ. المبدأ 28.

[6] المصدر السابق، المبدأ 29.

[7] محكمة العدل الدولية الوضع القانوني الناجم عن بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة أعلاه، 2 الفقرة 159.

[8] للمزيد من التفصيل، المصدر السابق، فقرة 163 "3" "E".