الكاريكاتيــر.. فــن الفقــراء والمسحوقيــن واللاجئيـــن

بقلم:الفنانــة أميــة جحــــا

عندما تجولت في شوارع مصر والبحرين، لم يكن يلفت انتباهي الأضواء الساحرة ولا البنايات الشاهقة ولا شواطيء البحر النظيفة ولا السماء الخالية من طائرات العدو. بل كنت انتبه الى ألعاب الأطفال، لا بل هي مدن كاملة فيها العديد من الألعاب الخاصة بالأطفال والكبار أيضا وكانت تثيرني ضحكات الأطفال التي يختلط فيها الرعب أحيانا من تعالي الألعاب وهي تدور لارتفاعات عالية ومن ثم هبوطها واصوات الضحكات و البهجة أحيانا أخرى... كنت أنظر لعيونهم الفرحة وملابسهم الجميلة وشعورهم بالطفولة والاستقلالية في تصرفاتهم.. وكانت تختلط معي هذه الصور بصورتي وانا في مثل عمرهم في وطن محروم من كل شيء.. لا ألعاب.. لا شاطيء نظيف.. بل لا أمن.. تذكرت أطفالنا المحرومين من كل هذا.. بعيونهم الحزينة.. تذكرت إيمان حجو ومحمد الدرة وهدى غالية... وغيرهم من اطفال فلسطين أبناء الشهداء والأسرى والجرحى... كلنا صغارا وكبارا نحمل ذات الهم .. كلنا لاجئين.
في وطن لا نملك منه إلا أشبارا منه ويقاتلوننا عليها من الأرض ومن السماء.. لا شك أن هذه الطفولة التعيسة هي التي جعلت من الفلسطيني مبدعا رغم الحرمان.. جعلته كيف يكون مناضلا بالرصاصة وبالكلمة وبالريشة وبالفكرة.. لا يتهاون في حقه. ويدفع عمره ثمنا بخسا من أجل وطنه..
 

 
لقد كان ناجي العلي بالنسبة لي كما كان لغيري من الفنانين العرب مدرسة نستقي منها كيف يكون الصدق والجرأة والقوة والصلابة في رسم الحق ونبذ الباطل. علمني ناجي العلي كيف يتحول الدم الى مداد للريشة اذا انتفى وجود الحبر.. علمني أن فنان الكاريكاتير لا يولد في حاضنة ملكية ولا يتناول طعامه بملعقة من ذهب.. فالكاريكاتير فن الفقراء قبل المترفين.. فن المظلومين والمسحوقين  وهو فن اللاجئين وفن الأبطال والمقاومين..

أقول دوما ربما لو لم أكن فلسطينية ما كنت لأصبح رسامة كاريكاتير.. واعتقد ايضا ان تهجيرنا من أرضنا وتحولنا الى لاجئين في بقاع الأرض هو من جعلنا كشعب فلسطيني أكثر الشعوب  معرفة وتقديرا لما يعنيه الوطن وثرى الوطن.. لذا سعيت أول ما سعيت الى أن أقوم بعمل موقع لي على شبكة الانترنت لأكون متواصلة مع شعبي المشتت اينما كان لأني أعشق كل ما هو فلسطيني.. ثم جعلت رمز المفتاح في كل توقيع لي على رسومات الكاريكاتير بعدما ازدادت المكائد لقتل هذا المفتاح –مفتاح العودة-الذي توارثناه أبا عن جد.. لأذكر الجميع.. أنه لا توطين ..ولا عودة عن العودة.. ولا خيار الا العودة بل والتعويض عن كل ما لحق بنا من آلام طوال هذه السنين.

في منتصف يونيو-حزيران الماضي قامت شركة جحاتون لرسوم الكرتون والتي أرأس مجلس إدارتها بانتاج أول فيلم كرتون بعنوان "حكاية مفتاح" حول النكبة الفلسطينية والتهجير القسري للفلسطينيين من قبل الصهاينة في قالب قريب للطفل العربي بشكل عام والطفل الفلسطيني بشكل خاص، لما تحظى به رسوم الكرتون من اهمية بالغة وشعبية لدى الكبار والصغار على السواء. ولأننا بحاجة لغرس المفاهيم والقضايا الوطنية وخاصة قضية العودة في ذهن الطفل الذي استطاع الغرب ان يسوق له رسوما كرتونية لا تمت لواقعنا ولا لتقاليدنا بصلة وباتت رسوما للترفيه وتضييع الوقت أكثر منها للإفادة.  

إنني، من هنا، وعبر صفحات جريدة "حق العودة" التي أفخر أن أكتب على صفحاتها التي جعلت جل اهتمامها لقضيتنا الأم، أدعو كل الفنانين العرب، تشكيليين كانوا أم فناني كاريكاتير، وليس الفلسطينيين فقط الى الاهتمام من خلال رسوماتهم بهذه القضية.. وألف سلام لروح الفنان اللاجيء الشهيد ناجي العلي والذي سطر أروع لوحاته وهو مشرد عن وطنه وكذلك الفنان القدير اسماعيل شموط الذي أفنه حياته وريشته المبدعة مع ريشة رفيقة دربه فنانة فسطين تمام الأكحل لا تزالان  تحيينا.

_________________

الفنانة امية جحا، هي رسامة الكاريكاتير في جريدة "الحياة الجديدة"، ورئيسة مجلس إدارة شركة "جحاتون" لرسوم الكرتون، وعضو في جمعية ناجي العلي للفنون التشكيلية في فلسطين. تعد أمية جحا أول رسامة كاركاتير في فلسطين والعالم العربي تعمل في صحيفة سياسية يومية. فازت جحا بالعديد من الجوائز كما شاركت في العديد من المعارض الفنية. للمزيد حول أعمال الفنانة: www.omayya.com .