المطلوب استراتيجية وليس خطوات متناثرة!

يتناول هذا العدد ملفين أساسيين: الأول أزمة الأونروا المزمنة وليس الطارئة كما يقال خطأ، وحق اللاجئين في المشاركة والتمثيل في صناعة الحل الدائم لقضاياهم. 

لا يقل أي من الموضوعين أهمية عن الآخر بالمعنى الإستراتيجي، وبالذات في السياق الفلسطيني؛ بل ربما أكثر من ذلك يمكن القول أنهما يندرجان ضمن نفس السياق الذي دأبت جريدة ”حق العودة“ الى التنبيه له منذ سنوات، ألا وهو غياب استراتيجية فلسطينية. لعل مراجعة سريعة لافتتاحيات ”حق العودة“ خلال السنوات الخمس الماضية، على الأقل، تظهر بوضوح تكرار النداء وتركيزه على ضرورة وضع استراتيجية وطنية جامعة وشاملة تكون قادرة على التعامل مع مختلف القضايا ذات الصلة، لا بمنطق ردات الفعل، بل بمنطق المراكمة البناءة. ولعله من نافل القول هنا أن التهجير المستمر للفلسطينيين داخل وطنهم على جانبي الخط الأخضر، والتهجير المتعدد للاجئين من بلدان الشتات، وفشل ما غدا يعرف بالمجتمع الدولي، والمفاوضات، وتردي الأوضاع الإنسانية وغيرها من مظاهر غياب الحماية الدولية والوطينة، أصبحت أكثر بروزاً اليوم، وربما أكثر إلحاحاً للمعالجة. 
أزمة تمويل الأونروا ليست جديدة ولا طارئة، إنها متجددة سنوياً ومتراكمة. وقد برزت وتصاعدت بوضوح مع مطلع التسعينيات، وأخذت تتفاقم شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى حافة الهاوية. يعتقد البعض، وهذا خلل جسيم، أن الأزمة هي في جمع المئة مليون دولار. وبالتالي، فان الجهود الرسمية للأونروا، والأمين العام للأمم المتحدة، والجهود الفلسطينية، والعربية وبعض الجهات الدولية تسعى لسد العجز المالي بالطريقة التقليدية المعتادة، أي جمع ما يمكن جمعه من تبرعات وهبات لتسيير الحال. ولكن أياً من هذه الجهود لم تتناول جوهر الموضوع المتمثل في سبب الأزمة المزمنة المتكررة. لا نعتقد أن الأمر يتم عن جهل أو عدم معرفة، بل تنفيذاً لسياسات ممنهجة، طوعاً أو جبراً، تهدف في المحصلة إلى إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وتصفية حقوقهم عبر الدمج القسري، الذي يجري بمزيد من التيئيس، والتشتيت، والإهمال، والتمييز، والإذلال...الخ.  

أما موضوع التمثيل والمشاركة في صنع الحل الدائم لقضايا اللجوء، ورغم أن أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني من اللاجئين، فطالما جرى إسقاطه من أي اعتبار دولي، ولاحقاً من الاعتبار الوطني. حتى اليوم لا يجري التعامل مع هذا المبدأ الراسخ في مواثيق وعرف القانون الدولي للاجئين كحق لا يقل قيمة عن حقوق أخرى مثل العودة والحماية الدولية وغيرها. فاللاجئون الفلسطينيون، وهذا مظهر من مظاهر غياب الحماية وتقصير الهيئات الوطنية والدولية، مغيّبون عن دوائر صنع القرار التي تتناول مصيرههم وحقوقهم. لا يقتصر هذا الأمر على المفاوضات، بل يمتد ليشمل استناءهم من الإدلاء برأيهم في احيتاجاتهم الإنساينة وكيفية معالجتها إلى أن يتم التوصل إلى حل نهائي وفق القانون الدولي والقرارت ذات الصلة. وهذا لا يقتصر على الهيئات الوطينة، بل يمتد الى الهيئات الدولية المكلفة والملزمة باجراء هكذا استشارات وتقييمات ومراجعات. لم تصمم هذه الآلية لاغراض دعائية أو تباهياً بالدمقرطة، بل لأنه ثبت عالمياً وترايخياً وبالوجه القطعي أن ما من اتفاق تسوية أو سلام يدوم بدون أن يشارك فيه أصحاب الحقوق بالاستشارة، والتميثل والمشاركة في صنع وتطبيق الحل الدائم. 

مرة أخرى نقول: إذا كان المطلوب إعمال وإنفاذ الشرعية الدولية، فإنه ليس صحيحاً أن الشرعية الدولية تكون بالانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية وحدها، أو بتركيز كلّ أو جلّ العمل والجهد على المحكمة وتحقيقاتها. إن الإستراتيجية المطلوبة لإعادة الحضور القوي والفاعل والمنتج للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني يقتضي العمل على كل الجبهات. ورغم أن هذا الشرط يعتبر بديهياً، إلا أنه غير متحقق حتى بأبسط أشكاله على المستوى الفلسطيني. فمثلاً ما الذي يمنع من التقدم بطلب للجمعية العامة لجعل موازنة الأونروا الأساسية جزءاً من مساهمات الدول الإلزاميّة؟ ما الذي يمنع من تعزيز مشاركة اللاجئين في صنع الحل الدائم؟ ما الذي يمنع من طلب الإنضمام الى محكمة العدل الدولية صاحبة الولاية الأوسع على الدول وليس الأفراد؟ ما الذي يمنع من مساءلة دول الشتات العربية والأجنبية عن التمييز ضد اللاجئين الفلسطينيين؟ ما الذي يمنع من إطلاق المبادرات الشعبية لفرض الوجود الفلسطيني في تحدّ صريح لنظام الاحتلال على المناطق المصنفة "ج"؟ ما الذي يمنع من الخروج من عباءة الراعي الأمريكي واشتراطاته؟ كل هذه أمثلة لا أكثر، تظهر عقم الخطوات الفلسطينية المتناثرة هنا وهناك ضمن ما يسوّق باعتباره استراتيجية. نحن بحاجة إلى إنجازات لا استعراضات وانتصارات يسميها أصحابها أنفسهم رمزيّة. 

هيئة التحرير