حيــن تصبــح الحلــول أوهامــا

بقلم:كارين ماك أليستر

اللاجئــون الفلسطينــون العالقــون فـي العــراق والفــارون منــه

تتوالى التقارير المرعبة في الصدور في بغداد فيما يحاول المزيد من الفلسطينيين تجنب التعرض للاختطاف وأسر الرهائن والتعذيب والقتل.[1] ويتعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى الاضطهاد على أيدي القوات العراقية والقوات المحتلة "المعروفة أيضا باسم القوات متعددة الجنسيات". ومعظم اللاجئين الفلسطينيين المحتجزين من قبل القوات الأمريكية المُحتلة أو القوات العراقية لم يتم توجيه أي اتهامات لهم كما لم تتم محاكمتهم بعد. كما تعرض محامو اللاجئين الفلسطينيين في بعض الحالات إلى التهديد وأحيانا أخرى وصل الحد إلى القتل.[2]

كما يعتبر اللاجئون الفلسطينيون مستهدفين مباشرين من قبل الجماعات العراقية السياسية الطائفية ومليشياتها المسلحة، مثل جماعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر و"جيش المهدي" والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق و"منظمة بدر" التي تستهجن المعاملة التي حظي لها الفلسطينيون في حقبة الرئيس العراقي صدام حسين. ولا تبدي أي من الحكومة العراقية أو قوات الاحتلال بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية أي استعداد لحماية هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين.

وتوجه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة جل اهتمامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، كذلك اللاجئين الأهواز الايرانيين، الذين أصبحوا مستهدفين بشكل كبير ويصعب الوصول إليهم بالأخص في الوسط والشمال".[3]

في ظل هذه الظروف، يصبح توفير المساعدات الأساسية والحماية داخل البلد من الأمور مستحيلة التطبيق. زيادة على ذلك، فمنذ العام 2004 حظر على معظم اللاجئين الفلسطينيين دخول الأردن وسوريا وتم نفيهم في مخيمات على طول الشريط الحدودي، ومن أحدثها مخيم الوليد على بعد 3 كيلومترات من الحدود السورية. وقد تخطى عددهم 1600 نسمة منذ تشرين أول الماضي. إن الوضع  في مخيم الوليد مرعب كما نستطيع أن نتصور، فالناس يفتقرون إلى الماء والغذاء، وليس هناك عناية صحية أو نفسية (يبعد أقرب مستشفى عن المخيم نحو اربع ساعات، والرحلة إلى هناك محفوفة بالخطر)، واللاجئون هناك معرضون للهجمات والتهديد من قبل الجماعات المسلحة، حيث يجبر الأطفال على العمل في الدعارة من قبل الشيوخ المحليين فيما تتعرض الفتيات والنساء الى التحرش الجنسي. كما أن الخيام مكتظة بشكل كبير، والمنطقة مليئة بالعقارب والأفاعي السامة، فقد تعرض أكثر من 70 شخص إلى اللدغ. في فصل الصيف قد تصل درجة الحرارة الى 50 درجة مئوية . أما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فلديها إمكانية ضئيلة في الوصول إلى المخيم، فأحيانا قد تتمكن من الوصول مرة واحدة فقط في الشهر نظرا للضروريات الأمنية.

أما في مخيم الطنف، الذي قد يتمتع بظروف أفضل نسبيا، فإن ظروف المعيشة هناك لا تزال مشكوك في أمرها وتعد خطيرة نوعا ما. فمنذ بداية العام الجاري، أتت ثلاثة حرائق على المخيم مدمرة ما فيه، آخرها وقع في 9 تشرين الأول وأدى إلى إصابة 25 شخص وتدمير 53 خيمة كانت تأوي 11 عائلة. كما أتى الحريق على ما تبقى من وثائق الفلسطينيين وممتلكاتهم. ووفقا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن الحريق الأخير قد "زاد من جو الإحباط واليأس المسيطر على المخيم".[4]

اما بعض الفلسطينيين الذين حاولوا دخول الأردن أو سوريا باستخدام جوازات سفر مزورة، فقد تم إرسالهم ثانية الى العراق، وهو ما يعد خرقا لمبدأ عدم الإكراه.[5]  كما ظهرت كذلك ادعاءات بإعادة بعض اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى العراق من قبل المنظمات الدولية للهجرة.[6] أما الذين تمكنوا من الفرار، فيقال أنهم لجئوا إلى شبكات التهريب للوصول إلى الدول الأوروبية والآسيوية. لكن تهريب البشر خطر بحد ذاته، إذ تم العثور على 30 جثة على شواطئ إيطاليا من المرجح أنها لفلسطينيين غرقوا بعدما تحطمت مراكبهم التي كانت تحمل أكثر من 127  شخص ممن يبحثون عن الأمان.[7]

كما أن الأمر مكلف كذلك، فالرحلة من تركيا إلى إحدى الدول الأوروبية قد تكلف ما بين 8000 الى 10000 دولار أمريكي. أما اللاجئين الفلسطينيين الذين يتمكنون من الوصول إلى هذه الدول من دون مساعدة أو حماية من المفوضية العليا لشئون اللاجئين أو أية منظمة دولية، فغالبا ما يتركون في حالة ضياع وتعليق حال في ظل ثقافات وحضارات لا يعرفون سوى القليل عنها ودون حالة قانونية أو وسيلة لإعالة أنفسهم.[8] إن حقيقة لجوء اللاجئين الفلسطينيين والعديد من اللاجئين العراقيين إلى الطرق الملتوية والخفية إن دلت على شيء فإنما تدل على مستوى ونوعية الحماية المتوفرة لهم.

تعد نشاطات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمساعدات التي تقدمها محدودة بشكل أو بآخر. ولا يعود ذلك فقط الى القيود الأمنية في العراق بل يعود إلى نقص التمويل. ومما يزيد الوضع والعنف سوء، حدوث التهجير العشوائي للعراقيين الذين كان الخوف منه منذ عام 2003، - لكن دون القلق الدولي من كونها مستحقة.[9] فعلى سبيل المثال، تمكنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من تسجيل 177000 لاجئ في سوريا والأردن من بداية  تشرين الأول 2007، من إجمالي 2,2 مليون شخص تم تهجيرهم خارج العراق.[10] أما أماكن تواجد معظم اللاجئين الفلسطينيين  فتعتبر مجهولة بالنسبة للوكالة.

وفي هذه الأحيان، تعترف المفوضية وتبحث عن جميع الحلول الدائمة والمؤقتة التي تستطيع العثور عليها. وتركز المفوضية بشكل خاص على الحماية المؤقتة وإعادة التوطين باعتبارها أكثر الحلول العملية في الوقت الحالي. إلا أن عدد قليل من الدول قد أبدت استعدادها لمنح الحماية المؤقتة وإعادة التوطين للاجئين الفلسطينيين. وعدد أقل من ذلك، أبدى استعداده للضغط على إسرائيل للسماح للاجئين بالعودة الى موطنهم الأصلي.

تعترف الأمم المتحدة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وكذلك الغالبية العظمى من المنظمات غير الحكومية بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم الأصلية، إلا أن الدول تفتقر إلى الإرادة السياسية لتطبيق هذا الحق. ومن جانبها، قد تكون إسرائيل قد سمحت لحوالي 31 لاجئ فلسطيني بالعودة إلى الضفة الغربية المحتلة وإلا أن هذا لا يعد ممارسة لحق الفرد في العودة، إذ أن أصل هؤلاء اللاجئين يعود الى المناطق التي قامت عليها إسرائيل. ولا يزال تفاصيل العرض الاسرائيلي مبهمة لكن على ما يبدو سيطلب من اللاجئين العائدين الى الضفة الغربية التخلى عن أي حق في العودة. فيما لو صح ذلك فأن العرض الاسرائيلي سيعدا خرقا آخر للحقوق الأساسية لهؤلاء اللاجئين.

لقد تكرمت بعض الدول أمثال سوريا والأردن والبرازيل وكندا ووافقت على احتضان اللاجئين الفلسطينيين، أما تشيلي فوافقت على استقبال 100 شخص، وبعض الدول الأوروبية الأخرى أبدت استعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن أي من هذه الدول لم تعرب عن استعدادها لاستقبال جميع أو معظم اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق.

في البرازيل، تم تسكين اللاجئين الفلسطينيين في أيلول وتشرين الاول في ولايتي ساو باولو وريو جاند دو سول، وتم تسليمهم مساكن مؤجرة وبعض الأثاث والمساعدات العينية لفترة تصل الى 24 شهرا. كما تم إنشاء شبكة من المتطوعين والمجتمعات المحلية لتوفير الدعم المعنوي وتسهيل اندماجهم.

وفي تشرين الاول 2007، عرض الرئيس السوداني السيد عمر البشير احتضان اللاجئين الفلسطينيين العالقين على الحدود مع سوريا، على الرغم من أن تفاصيل العرض لا تزال غامضة. إلا أن هذا العرض قد تم رفضه في المقام الأول من قبل اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الطنف الذين احتجوا على أن السودان لا تعد بالحل الممكن، إذ أن السودان في حد ذاته قد ولّد ما يزيد عن 2,5 مليون لاجئ.

بشكل أو بآخر، فإن السودان لا يعد مكانا آمنا أو قادرا على إيواء اللاجئين الفلسطينيين في ظل توقع المزيد من النزاع بين الحكومة والجماعات المتمردة، كما أن مواردها لا تكاد تكفي اللاجئين السودانيين الذين يعد العديد منهم بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية. ونظرا إلى العقوبات العديدة المفروضة على الحكومة السودانية فمن الصعب على وكالات المساعدة الدولية العمل في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة السودانية. وقد يصبح من الصعب على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين الوصول وحماية اللاجئين فيما إذا تدهورت الأوضاع الأمنية هناك. بالإضافة إلى أن السودان ليست طرفا في معاهدة عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، كما أن الحالة القانونية للاجئين الفلسطينيين في السودان غير واضحة، وبذلك يكون بقاءهم في السودان معتمد كليا على مزاج الحكومة.

أما في اليمن فقد نجد حلا واعد اكثر. وبالفعل فقد أبدت اليمن استعدادها بشكل غير رسمي لإدخال اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيها كحالة من الحماية المؤقتة و/أو في كمجطة عبور الى مناطق أخرى. على الأرجح فإن هذا الخيار سيلقى قبولا أكثر لدى أوساط اللاجئين وسيمنح المفوضية العليا لشئون اللاجئين والمنظمات الاخرى إمكانية الوصول الى اللاجئين. إلا أن اليمن تطالب بالدعم المادي والمساعدة في النقل والإيواء والتموين للاجئين من المفوضية العليا لشئون اللاجئين، كما تطالب بأن تقدم لها منظمة التحرير الفلسطينية طلب رسمي لفتح الحدود. ووفقا للمعلومات المتوفرة حاليا، لم تجري منظمة التحرير الفلسطينية أي محادثات مع الحكومة اليمنية بعد. ونرجو أن يتمكن اللاجئون الفلسطينيون من العراق من الحصول على الحماية في اليمن في المستقبل القريب.

تقديرات أولية حول توزيع الشتات الجديد للاجئين الفلسطينيين في العراق

ترواحت أعداد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، قبل بداية الاحتلال الامريكي للعراق ما بين 34,000 الى 90,000 لاجئ.

حاليا: يتواجد في العراق أقل من 15000 لاجئ.

مخيم الوليد (العراق)، 1600 لاجئ.

مخيم التنف (العراق، الحدود السورية) 400 لاجئ.

سوريا: حوالي 2500-3000 لاجئ في سوريا.

مخيم الحل (سوريا) 305 لاجئين.

الاردن: 500 شخص من المتزوجين من ذوي جنسيات أردنية، وعلى الأرجح ان تكون الأعداد أكبر.

مخيم الرويشد (مغلق منذ اكتوبر 2007)

لبنان: 300-400 لاجئ.

تركيا: بضع مئات.

الهند: نحو 70 شخص على الأرجح.

كندا: 74 لاجئ (54 من مخيم الرويشد و20 آخرين)

البرازيل : 117 لاجئ من مخيم الرويشد

نيوزيلندا: 22 لاجئ من مخيم الرويشد

ايطاليا: على الأقل 110 لاجئين

النرويج: على الاقل فلسطينييان من اجل العلاج الطبي

اسبانيا: 6 لاجئين

اليونان: بضع عشرات على الأرجح.

السويد: بضع عشرات على الأرجح.

تايلندا: بضع حالات.

___________________

كارين ماك اليستر هي منسقة برنامج الإسناد القانوني في بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، وهي محررة مجلة "المجدل" الفصلية الصادرة عن مركز بديل بالانكليزية.


الهوامش
[1]  انظر: منظمة العفو الدولية، " العراق، انتهاكات حقوق الإنسان الممارسة ضد اللاجئين الفلسطينيين".
[2]  بعثة المساعدات التابعة للامم المتحدة إلى العراق. تقرير حقوق الانسان. 1 ابريل-30 يونيو، 2007 . الصفحات 13-14.
[3] المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، " العراق: يظهر حريق الطنف الظروف الخطرة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون" ملخص منقول على لسان  الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين جنيفر باغونيس. تقرير الصحافة 9 اكتوبر 2007، جنيف.
[4] المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، مناشدة عالمية، 2007 ، العراق ، صفحة 198.
[5] انظر: منظمة العفو الدولية، "العراق: انتهاكات حقوق الانسان الممارسة ضد الشعب الفلسطيني "... اكتوبر 2007 صفحة 9. كما تم تأكيد ذلك من خلال مقابلة مع احد اللاجئين الفلسطينيين من العراق.
[6]  حتى عام 2005 عملت المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للامم المتحدة مع المنظمة الدولية للهجرة لاعادة اللاجئين الفلسطينيين الى العراق، الا أن ذلك توقف منذ حينها. نقاش خلال جلسة مختصة بالشرق الاوسط  وشمال افريقيا، خلال مشاورات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في جنيف. 26-28 أيلول 2007. 
[7]  "تم العثور غلى جثة 13 فلسطيني بعد غرق مركبهم بالقرب من ايطاليا"، وكالة الصحافة الفرنسية، في ديلي ستار، 29 تشرين أول 2007.
[8]  انظر: ظفر الإسلام خان." الشتات الفلسطيني يصل الى الهند"، نيودلهي، في الصفحة المقابلة.
[9]  المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، مناشدة عالمية 2007، العراق ، صفحة 198.
[10]  انظر في : رون ريدموند،" العراق: الضغط بشأن الملاجئ في الداخل والخارج يثير المخاوف من حدوث المزيد من التهجير الداخلي"  ملخص ما قيل على لسان الناطق باسم المفوضية العليا لشئون اللاجئين رون ريدموند . تقرير الصحافة، 23 اكتوبر 2007 ، جنيف.