بقلم: تيسير محيسن*

منذ توليه رئاسة منظمة التحرير والسّلطة الفلسطينية طوال عشر سنوات، لم تحظ سياسة الرئيس محمود عباس بإجماع فلسطيني تام. كانت كل خطوة يقوم بها وكل قرار يتخذه مثار جدل واسع ومحل خلاف كبير. اللافت أنّ سياسة الرئيس كانت واضحة للغاية، سواء ما جاء منها في برنامجه الانتخابي، أو ما عبّر عنها سلوكه السياسي وخطابه الإعلامي.

وضوح هذه السياسة لم يحل دون وقوع الخلاف عليها حتى داخل حركة "فتح" ذاتها. وحين بدا أنّ الرئيس يُبلور "دينامية سياسية جديدة" ردّاً على فشل المفاوضات وتعنّت الإسرائيليين بالإعلان عن رزمة خيارات تراوحت بين اللجوء إلى المحافل الدولية وحلّ السّلطة، لم يحظ كذلك بالتأييد الكافي. وظلّ السؤال الذي يراود الجميع حول إذا ما كانت هذه الخيارات، وبالذّات توجهه وتعامله مع "الشرعية الدولية"، تمثل إستراتيجية جديدة أم أنّها مجرد محاولات لكسر جمود العملية السلمية؟

يمكن رصد ثلاثة مواقف تجاه هذه السياسة: الأوّل يرى أنّه بسبب التحولات الكبرى في الإقليم ونزوع إسرائيل الواضح نحو اليمين، فإنّ خطوات الرئيس تعبّر عن ادراك الرجل لانسداد أُفق مسيرة التسوية، وبالتّالي هي تمثّل إرهاصات أولى لانبثاق إستراتيجية جديدة ومغايرة، إذ من العبث استمرار الرهان على مسيرة التسوية في ظل هذه التغيرات.

يؤكّد أنصار الموقف الثاني أنّ هذه الخطوات مهما انطوت عليها من جرأة ومغايرة تندرج في إطار ذات النهج المتساوق مع مسيرة التسوية، ربّما باستثناء خطوة حل السّلطة الفلسطينية إذا ما أقدم عليها الرئيس، ومن شبه المؤكد أنه لن يفعل. ويبرّرون ذلك بأنّ التغيرات اللافتة تستدعي الحِكمة والتعقّل وعدم المجازفة. وأنّه في ظل حالة الفوضى الهائلة في الإقليم يصعب تصوّر انبثاق أي إستراتيجية جديدة ربّما تكبّد الفلسطينيين خسارة أفدح وتستجلب ردود أفعال لا يمكن التكهن بها وبدرجة خطورتها.

يميل الموقف الثالث إلى اعتبار هذه الخطوات/الخيارات بوصفها تعبيراً عن "دينامية سياسية واعدة" تدرجية وتراكمية وتتبع منطق "التأزيم المحسوب" فإمّا أن تتحول مع الوقت إلى إستراتيجية شاملة تتقاطع مع مسيرة التسوية الفاشلة، وإمّا أن تُسهم في تحسين الموقف الفلسطيني في إطار هذه المسيرة التي يبدو من غير الممكن التخلّي عنها في مثل هذه الأوضاع المضطربة في الإقليم.

تقتضي الإجابة على سؤال الإستراتيجية الجديدة، وخصوصاً تلك التي تُعوّل على الشّرعية الدولية ومنها الانضمام إلى محكمة الجنايات والمطالبة بانعقاد مؤتمر دولي أن نقرأ الحالة الفلسطينية الراهنة، ونعرف كيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟ السّمة الغالبة على هذه الحالة هي الشعور بالعجز، أو الإحساس بانعدام القدرة. وغالب الظن أنّ السلوك الفلسطيني الحالي بمجمله هو تعبير عن هذا الإحساس مهما ارتفعت وتيرة الخطاب وعلت عقيرة الخطباء.

إنّ سياسة "الفصل والتحكّم عن كثب، أو الاحتواء الإقصائي" التي مارستها دولة الاحتلال منذ عام 1988 أوصلت الفلسطينيين إلى حالة من "عدم التوازن" و"انعدام القدرة"، بلغت ذروتها مع تطبيق خطّة شارون 2005 (خطة الانفصال احادي الجانب). وإذا أضفنا ضعف الإطار العربي الحاضن، بل قل انهيار هذا الإطار انهياراً شاملاً وعدم ملاءمة الوضع الدولي لتحقيق أهدافهم، أدركنا مدى الإحساس بالعجز وانعدام القدرة. بدوره ساهم الانقسام، ترهل هياكل النظام الفلسطيني، وتخلف طريقة إدارة الأوضاع الذاتية وفسادها، في تعميق هذا الإحساس.

إذن، اجتمع المخطط الإسرائيلي مع سوء الأداء والإدارة الفلسطينيين والتحولات الكبرى في الإقليم لتدفع الحالة الفلسطينية برمتها إلى حافة الهاوية. ولعل التمسّك بأهداب ما تبقّى من "شرعية دولية" يمثّل أقل الخيارات ضرراً، بل وربما يفتح مسارات جديدة. من هنا، يرى البعض أنّ الفلسطينيين يحسنون صنعاً بأنفسهم، ويتّقون شراً أسوأ ممّا هم فيه إذا ما تمسّكوا بالشرعية الدولية وواصلوا الهجمة الدبلوماسية والسياسية. ولكن من منظور ثوري يتكأ على عناصر أخرى للقوة، ولا يتماهى بالكامل مع منطوق "الشرعية الدولية" كما تراه الولايات المتحدة وتتعامل معه بما في ذلك الكيل بمكيالين.

يعتبر مفهوم "الشرعية الدولية" بما هي توافقات دولية تعكس موازين القوة والرغبة في الهيمنة والدفاع عن المصالح، علاوة على قيم واعتبارات انسانية سامية ناجمة عن الوعي الإنساني الذي اكتوى بنيران حربين عالميتين مدمرتين، أو بما هي ترتيبات وقواعد ناظمة تعكس في نهاية المطاف موازين القوة، من أكثر المفاهيم التباساً ومراوغة وخصوصا إزاء المسألة الفلسطينية. لم يسبق أن اتّفق الفلسطينيون فيما بينهم على هذا المفهوم أو تبنّوا موقفاً موحداً منه. بعضهم يناصب الشرعية الدولية العداء متهما إياها ليس فقط بالتغطية على "أبشع جرائم العصر" فحسب، وإنما التسبب في وقوع الجريمة ذاتها، كما لم يكن الاعتماد على الشرعية الدولية مكوناً بارزاً في خطابهم وسلوكهم السياسي.

اللافت، أنه بالرغم من رغبتهم الأكيدة في الحصول على اعتراف العالم بهم ودعمه لهم في مواجه السياسة الإسرائيلية، إلّا أنّ موقفهم لم يخل دوماً من بعض الريبة والتشكّك في الشرعية الدولية المعبّرة عن إرادة هذا العالم واتهامها بالإنحياز والتنكّر أو الكيل بمكيالين، وخصوصاً مع هيمنة الولايات المتحدة على معظم مؤسّسات الشرعية الدولية، أو قدرتها على إبطال مفعول أي قرار يصدر عنها مثل حق النقض (الفيتو) في حالة مجلس الأمن. وحين أقدم الفلسطينيون على الاندراج ضمن المنظومة الدولية وقدموا بموجب ذلك بعض التنازلات عدّها بعضهم بمثابة خيانة أو تراجعاً عن الثوابت وظلّت إلى يومنا هذا محل شقاق وخلاف عميقين.

الذين يناصبون الشرعية الدولية العِداء يرونها المسؤولة عن شرعنة اغتصاب أرضهم وتشريدهم منها، وحتى أنّها فشلت في تطبيق قراراتها المتعلقة بحقوقهم، علماً أنّ هذه القرارات تتعارض من حيث المبدأ مع ما اعتبره الفلسطيني حقوقا تاريخية وطبيعية. يقول هيثم مناع أنّ أكثر جدليات الشرعية الدولية إثارة للخلاف تراوحها بين القول والفعل (الجمع بين العدالة والشرعية) الذي يتبدى في التناقض بين مرجعيات القرارات الصادرة عنها وبين ميثاق الأمم المتحدة ومقاصدها الرئيسة، وارتباط هذه القرارات بالحقل الذي ينتجها والذي هو في نهاية المطاف انعكاس لعلاقات القوة فيه، وأخيراً القرارات في ذاتها والعطب الميداني الذي يحول دون تطبيقها. لعل اهتزاز الشرعية الدولية هذا، لم يتبدّ بأسطع صورة في أي حالة كما هو الوضع بالنسبة للقضية الفلسطينية.

بالمقابل، يرى آخرون أنّ الشرعية الدولية، وإن رسّخت وجود إسرائيل وتقاعست عن تطبيق قراراتها، غير أنّها اعترفت للفلسطينيين بالحد الأدنى من حقوقهم وحالت دون تمكين إسرائيل من الإمعان حتى النهاية في التنكر لهذه الحقوق. ويضيف هؤلاء، أنّ الشرعية الدولية ليست معطى ناجزاً وليست ماهية ثابتة تستعصي على الحركة والتبدّل والتغيّر، وإنما سيرورة تاريخية وانعكاس لعلاقات القوى في الحقل الذي تشتغل فيه، وبهذا المعنى يمكن الرهان عليها والاستثمار فيها. ويدلّل هؤلاء على صحّة موقفهم بسلوك إسرائيل ذاتها التي لم ترَ يوماً في قرارات الشرعية ما تريده لكنها تعاملت معها بحذر وحكمة متكئة على قوة ونفوذ حليفتها الكبرى التي لطالما حمتها من الملاحقة والمقاطعة والإدانة والعقوبة. الشرعية الدولية، وإن كانت لا تتطابق بالكامل مع الحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني غير أنهّا تشكّل أساساً صالحاً للحيلولة دون اندثار قضيته وضامناً لوجوده السياسي والحقوقي ضمن المنظومة الدولية ورادعاً لشهوة إسرائيل وأطماعها العدوانية.

يُمكننا فهم قرار الانضمام وقبله التوجه إلى الجمعية العامة ومجلس الأمن في سياقين: السّياق الأوّل تاريخي-سياسي يتعلّق بالخط السياسي الذي انتهجته منظمة التحرير وقيادتها منذ أواسط سبعينيات القرن المنصرم ووصوله إلى طريق مسدود في ظل التحول الكبير الذي يشهده الإقليم وفي ظل سقوط الكثير من الرهانات والأوهام. في هذا الصدد يمكن القول أنّ خطوات الرئيس تأتي منسجمة مع هذا الخط حتى أنّ بعضها ربما يكون جاء متأخراً. ومن الصعب الافتراض أنّ الخطوات التي أقدم عليها الرئيس تشكّل قطيعة مع هذا الخط. يقول الرئيس في خطابه أمام مؤتمر الاتحاد الأفريقي:

... قررنا الارتكاز إلى القانون الدولي وتدويل قضيتنا، من خلال طرقنا أبواب مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية، والتوقيع على مواثيق جنيف لعام 1949... إن لجوءنا إلى مجلس الأمن لا يعني على الإطلاق تخلينا عن المفاوضات، المستندة لقرارات الشرعية الدولية، كخيار رئيس للوصول إلى اتفاق سلام ينهى الاحتلال ويقيم السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا. وبالتالي لا تناقض بين توجهنا إلى المؤسسات الدولية وبين المفاوضات. 

يمكن قراءة تطور منظمة التحرير ومراحلها استناداً إلى موقفها من الشرعية الدولية وموقف الشرعية الدولية منها، ويعتبر منتصف سبعينيات القرن العشرين علامة فارقة في هذا التطور التاريخي وكذلك إطلاق مبادرة السلام الفلسطينية وما أعقبها من انطلاق ما سمي بمسيرة التسوية. حين باتت المنظمة إطاراً مؤسّسياً للشّعب الفلسطيني يمثّله ويدافع عنه، اضطرت للتكيف مع مقتضيات هذا التمثيل عبر تقليص المسافة بين الخطاب العربي الرسمي ومشروعها. وزاد التكيّف بعد حرب تشرين 1973، حيث أنّتقلت من شعار الدولة العلمانية إلى إقرار وتبني البرنامج المرحلي (1974)، ومن التحرير إلى الاستقلال، فحظيت بالاعتراف العربي والدولي. بدأ العمل السياسي والدبلوماسي يحتل المكان الأبرز في نشاطها، فقد أصبحت بمثابة نظام رسمي أكثر منها حركة تحرّر وطني، وجاءت السّلطة الفلسطينية لتُجهز على ما تبقّى من فعالية لها عبر تهميشها أو استحضارها لأغراض فئوية، حتى باتت ضحية بين تجميدها وتهميشها بحجة المحافظة عليها. وبين محاولات تجاوزها أو السطو عليها بالكامل، باتت المنظمة موضوعاً آخر للخلاف وليس إطاراً وطنياً جامعاً يختلف الفلسطينيون تحت مظلته وليس عليه. 

في النتيجة، لم تعد المنظمة قادرة على نقد ذاتها أو تصويب رؤيتها وتعديل برنامجها، ويفضّل القائمون عليها بقاءها على هذا النحو، وما الإكثار في الحديث عن إحياءها وإصلاحها إلّا ستار تتخفى خلفه قوى النظام لتظهر وكأنّ الخلل ليس داخلها، بل خارجها، أي في الإطار/الشكل، ما يستبعد أي نوع من المساءلة ويدفع عنها أي نقد. وفي ذلك أيضاً محاولة من هذه القوى قطع الطريق على قوى أخرى صاعدة أو جديدة تريد التغيير. وإزاء هذا الحقل السياسي المتوتر والمأزوم في مفاهيمه وعلاقاته وأدواره، يصبح الرهان على تطوير "إستراتيجية وطنية جديدة" وعلى إصلاح م.ت.ف أو إحياءها بالاعتماد على ذات الفاعلين في الحقل الذين أنتجوا أزمته، هو مجرد لغو أو رهان في غير محله. إن بقاء المنظمة على ما هي عليه يجعلها غير قادرة على اتخاذ خطوات جريئة تقطع مع برنامجها واستراتيجيتها المعتمدة منذ منتصف السبعينيات.

السياق الثاني، ذاتي يتعلق بهيكل القيادة الحالية ونمط سلوكها وخطابها السياسي. من الواضح أنّ هذه القيادة غير قادرة في ظل الأوضاع المعقدة على القيام باستدارات كبرى سوى المزيد من المراهنة على المجتمع الدولي، ولا تملك الجرأة ولا الرغبة على ما يبدو في الخروج من دائرة "أوسلو" المفرغة، فهي تؤمن بأنّ المفاوضات هي الخيار الوحيد، وما عدا ذلك فعوامل قوة يمكن تجنيدها، دون أن تحسن استخدام ذلك بالضرورة.

ينتمي الرئيس إلى الاتجاه العقلاني، غير أنّ العقلانية وحدها لا تكفي لإدارة صراع من النوع الثقيل إذ لا يكفي أن تَفهم العالم وتفسره، وإنّما يتوجب عليك أن تسعى نحو تغييره وينطوي السعي بالضرورة على الجرأة والمجازفة والثقة بالجماهير وتعبئتها. وإذا لم يكن خلف الإستراتيجية التي يتبناها الرئيس استعادة الروح الكفاحية فلن يكتب لها النجاح، فإذا أضفنا مأزق "فتح" المترهلة والتي تعج أوساطها بخلافات عميقة أدركنا صعوبة المضي في اتجاه يقطع مع الوضع الحالي إلّا بقدر يسير.

خطوة الرّئيس بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية تستمد دلالاتها ليس من ذاتها فحسب باعتبارها خطوة ضرورية أو كان مخطّطاً لها أن تكون في هذا التوقيت بالذات، وإنّما من كونها صدرت عن رجل هذه هي سياسته وهذه هي وجهته وطريقة تعاطيه مع القضايا، وهذا هو السياق الذي يحكم سلوكه. لا يصعب الانتباه إلى أنّ أهم ركيزتين في سياسته هما: البقاء وذلك عبر التدرّج والتمهّل وتجنّب ردود الأفعال الغاضبة من لدن الخصوم والأصدقاء على حد سواء، وعبر المحافظة على توازن العلاقة مع الجوار الإقليمي وعدم الانخراط في أتون حروبه المستعرة، والتمسّك بخيار السّلام عبر التفاوض والاستثمار في المجتمع الدولي وهياكل القرار فيه.

في الواقع ثمة من يعتقد أنّ خطوة الرئيس مؤشر على قرب النهاية المحزنة لمجمل سياسته بالرغم من بعض الإنجازات التي حقّقها خلال عشر سنوات من قيادته. ويفسّر هؤلاء الأمر ليس بعقم هذه السياسة في ذاتها، وإنما بعوامل أخرى موضوعية وفوق إرادة الرئيس. وإذا كان من الصعب اعتبار هذه الخطوة بمثابة مؤشر على انبثاق إستراتيجية وطنية شاملة في ظل بيئة خارجية شديدة التعقيد والتغير، وبيئة داخلية عميقة الانقسام والإحساس بانعدام القدرة، فعلى الأقل يمكن الاعتماد عليها كمهماز لبلورة "دينامية سياسية جديدة" تسعى إلى تعزيز التوجه نحو تظهير المسألة الفلسطينية من جديد، بعيداً عن أضاليل السلام، تبدأ بإعادة تعريف الذّات وتنتهي بالتقدير الثوري للواقع وتحليله بصورة ملموسة تمكن من ابتداع أساليب جديدة للصمود والمواجهة.

ركائز هذه الدينامية:

وحدة الموقف والقرار ووحدانية المرجعيات التمثيلية وإعادة صوغ هيكل القيادة ومنظومتها المؤسسية بعيداً عن المحاصصة وهيمنة تحالف المال والسّلطة، وربط كل ذلك بالفعل الشّعبي ومقتضياته من تعزيز مقوّمات الصّمود وبناء الوعي الثوري وتفعيل مساحات المشاركة وأنماطها.
الاستثمار في المجتمع الدولي، أوّلاً بدحض أوهام الرعاية الأمريكية المنفردة، ثانياً بمراجعة مفهوم وهيكليات "الشرعية الدولية" والتشديد على مصادرها الأخرى أو المسكوت عنها، ثالثاً بربط التحرك الدولي بديناميات الفعل الشّعبي وتعبيراته واحتياجاته. البناء على خطوة الاعتراف بفلسطين دولة مراقب يشكّل نقطة انطلاق واعدة في تعزيز هذا التوجه.
إعادة النظر في بعض "المسلّمات السّياسية" التي اقترنت بمسيرة التسوية من قبيل قابلية إسرائيل كدولة عنصرية للتعاقد وتقديم التنازل، التقليل من أهمية الفعل الشّعبي العفوي والمنظم، الانتقال غير المبرر من فكرة التحرّر إلى فكرة الدولة وما جلبه من أوهام ساهمت في نهاية المطاف في تكريس حالة "انعدام القدرة". وهذا ما يمكن أن نطلق عليه تعبير تثوير العقلانية السياسية، ونقصد بها اتجاه التجريبية المفرطة وشديدة البراغماتية، ما يتطلب فوراً التخلّص من رموزها واقتصادها السياسي ودحض خطابها وعزلها سياسياً وشعبياً وإبعادها عن دوائر صنع القرار.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تيسير محيسن: كاتب وباحث/غزة، عضو المكتب السياسي لحزب الشّعب الفلسطيني.