دور المؤسسات العاملة في أوساط اللاجئين: ماذا لدينا وماذا نريد؟

بقلم: محمد الازرق*

تختلف طبيعة عمل المؤسسات الموجودة في المخيمات الفلسطينية من مؤسسة الى اخرى، وتختلف أيضا طبيعة مسؤوليتها اتجاه سكان المخيم. تاريخيا كانت مراكز/نوادي الشباب الأكثر فاعلية في أوساط المخيمات، خصوصا بعدما ارتبط عملها الاجتماعي الثقافي الرياضي بالعمل الوطني ما قبل اوسلو. تبع ذلك، إنشاء اللجان الشعبية في المخيمات التي كانت إبداعا شعبيا تطلبته الحاجات النضالية والإنسانية. وقد مرت فترة كانت فيها اللجان الشعبية هي المؤسسات الوحيدة تقريبا التي تعمل في أوساط اللاجئين الفلسطينيين. اللجان الشعبية توسع دورها تدريجيا ليمتد إلى جانب متابعة تقديم الخدمات التي يحتاجها السكان والعمل على توفيرها ومتابعة المستحقات الخدمية التي تقدمها وكالة الغوث للاجئين وبالذات في المخيمات. ولا شك، أن الحرص على عدم تقليص الخدمات والسعي إلى توفير خدمات أفضل من ابرز أعمالها. وعند مناقشة حال الهيئات والمؤسسات الفاعلة في أوساط اللاجئين يكون من الضروري التوقف عند واقع الحال اليوم.

كانت مراكز الشباب هي المسؤولة الأولى عن العمل الاجتماعي والثقافي والرياضي، حيث كان لها دور فاعل في أوساط اللاجئين. وقد تعاظم هذا الدور، كما أسلفنا، عندما ارتبط فعلها بجذوره وبأبعاده الوطنية.  لكن في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد اوسلو، شهدت عمل مراكز الشباب في المخيمات تراجعا كبيرا حصل تدريجيا، حيث أصبحت الآن لا تختلف كثيرا عن المؤسسات الأهلية الموجودة على الساحة الفلسطينية. والجدير بالذكر أنها فقدت شموليتها ودورها الجامع بين الناس، حيث أصبحت تقتصر على إدارات وهيئات صغيرة جدا، في الوقت التي كانت فيه مراكز الشباب في المخيمات متنوعة الأنشطة وجامعة وتحكمها الانتخابات العامة الواسعة ذات الصبغة الفصائلية- الوطنية.

في المقابل، مثل مبدأ تعيين أعضاء اللجان الشعبية التي أصبحت لجان خدمات السبب الرئيسي وراء ابتعاد الناس عنها. فبسبب بعدها، وعدم تنظيم عملها وعدم شفافيته في كثير من الأحيان،  وبسبب انقطاع انتخاباتها لسنوات عديدة، والاهم بسبب تراجع الدور السياسي- الوطني ما بعد اوسلو، فقدت اللجان شعبيتها ومصداقيتها بين الناس. كثير من اللجان القائمة حاليا، المعينة منذ اكثر من 15 عاما، لا زالت ترفض مبدأ الانتخاب، وكأن تعيينها قدر لا يجوز الاعتراض عليه.  

شهدت المخيمات في نهاية التسعينيات ومع انطلاق انتفاضة الأقصى ظهور عدد كبير من المؤسسات الأهلية التي تعمل في مواضيع مختلفة، حيث أصبح هنالك كم هائل من المؤسسات في واقعنا الفلسطيني. ولا شك ان وجود مؤسسات اهلية ذات عمبق وطني، وبرامج متنوعة، هو في مصلحة اللاجئين. ولكن ذلك ترافق مع ظاهرة التنافس غير الصحي. لقد أصبح التنافس غير الصحي واقعا ملموسا يسود عمل المؤسسات في المخيمات، حيث لم تقتصر كل مؤسسة على عمل معين تركز فيه عملها، بل أصبحت جميع المؤسسات تعمل بكل المواضيع التي من الممكن أن يتوفر لها الدعم. الأهم صار ليس تغطية حاجة المخيمات والناس، بل عمل كل شيئ يمكن ان يجلب التمويل. وللأسف، غرقت مراكز الشباب واللجان الشعبية في هذا المستنقع؛ فلم يصبح تركيز نوادي الشباب على الرياضة والنواحي الاجتماعية، ولم تعد اللجان الشعبية تركز على التعبئة الوطنية والخدمات، بل دخلت مجال منافسة التسابق مع المؤسسات الاهلية على مصادر التمويل. وقد نتج عن ذلك بعد المؤسسات والهيئات عن طبيعة عملها التي أنشئت لأجله، فانعدمت المهنية والتخصصية في العمل وتداخلت  الأدوار حتى أصبح ذلك معيقا يعرق النهوض بعمل مؤسساتي منظم يعود بالمنفعة على مجتمع اللاجئين.  

ان المخيمات بوصفها تجمعات للاجئين الأكثر تهميشا داخل وخارج الوطن تعد من المناطق التي  لا تركز عليها البلديات والسلطة الفلسطينية في خدماتها، بل هي معدومة على الأغلب، حيث أن الخدمات داخل المخيمات تقدم فقط من خلال وكالة الغوث. وكما هو معلوم لدى جميع أوساط اللاجئين، فأن وكالة الغوث تقلص من خدماتها بشكل مبرمج إلى درجة أنها قلصت أكثر من نصف خدماتها التي كانت تقدم إلى المخيمات ما بعد دخول السلطة الفلسطينية. هنا تكبر المسؤولية على المؤسسات الوطنية والأهلية في المخيمات، من حيث الخدمات التي يجب تقديمها في كافة المجالات، وتبرز الحاجة الى العمل على تماسك البنية الاجتماعية للاجئي المخيمات في ظل الهجمة الدولية الشرسة التي تشنها إسرائيل، ومحاولة طمس حق العودة وعدم الحديث عنه كحق شرعي تكفله القوانين والمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

ان ما ينقص العمل المؤسساتي في المخيمات هو التخطيط المشترك، والتنسيق في العمل، وتقسيم الأدوار كل حسب اختصاصه، بما يخدم المصالح المباشرة للأهالي، على أن يجري في جو سليم للعمل والتطور والبعد عن المناكفة، و التنافس السلبي ما بين المؤسسات. و الأهم من ذلك أن تكون هنالك رؤية وطنية إستراتيجية محددة، ورسالة سياسية مجمع عليها، على أن تكون تلك الرؤية مبنية على الحقوق والثوابت الوطنية وحقوق اللاجئين التي لا يمكن التفريط بها، وعلى رأسها حق العودة كما ورد في القرار 194.

ان المجتمع الفلسطيني في حد ذاته مجتمع فتي، و في المخيمات تصل نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عام 45% من عد السكان في العديد من المناطق، أي انه يترتب على ذلك حاجة ملحة لعمل مؤسساتي منظم يوفر أمكانية لأكبر عدد ممكن من الأطفال والشباب للمشاركة في أنشطة تنمي قدراتهم وترفع مستوى  الوعي لديهم، وتعريفهم بحقوقهم الشخصية والوطنية، والسياسية، والأخص حقوقهم وتاريخهم كاللاجئين. وبالتالي، فان هذا يتطلب مراجعة عمل المؤسسات والتدقيق فيه، من جهة كما يتطلب إعادة بث الروح الوطنية- النضالية في تكوين وعلم اللجان الشعبية وذلك من اجل إعطائها الدور الريادي المفروض ان تلعبه في كل مخيم، وعلى المستوى العام. ففي ظل الانقسام الفلسطيني بين الحركات الوطنية، وحالة الفراغ السياسي الذي تعيشه التنظيمات الفلسطينية، يقع الدور هنا على المؤسسات الأهلية والوطنية على أن تكون عنصر جامع ما بين شرائح المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والدينية. فنجد في بعض المناطق العديد من المؤسسات التي تحاول أن تنطوي ضمن أطار سياسي معين، أو ضمن إطار قبلي عائلي ضيق او نخبوي فتجدها تنشط في دوائر ضيقة في المجتمع، وتعمل على تقديم الخدمات فقط لمن يحملون ذلك الفكر السياسي أو الديني، او تلك المجموعة القبلية او الفئة – النخبة. وبهذا تصبح بعض المؤسسات بطريقة عملها هذه جزءا من تعزيز الانقسام ولو بشكل مختلف ولكنه عميق الأثر. طبعا، لا يمكن حل هكذا إشكالية بدون أن تتوفر آلية (هيئة) جامعة مثل اللجان الشعبية المفوضة شعبيا والمؤهلة تنظيميا وتقنيا للقيام بذلك. 

 ان عمل المؤسسات الأهلية والوطنية يجب أن يكون بعيد كل البعد عن أي فكر ينتمي إلى تنظيم معين،  وأن يقتصر عملها على غرس الفكر الوطني العام، وعلى تقديم الخدمة إلى المجتمع، والتعامل مع الجميع بشكل موحد، لتعزيز ثقافة الوحدة الوطنية والتكاتف الاجتماعية ما بين الأجيال الجديدة، وإعطاء الشباب الفرصة في القيادة، واخذ دور أساسي في العمل في تلك المؤسسات، وأن لا تقتصر المؤسسات على إدارات ديكتاتورية لا تعطي أي فرص شبابية للقيادة و التطور.

إن النهوض بعمل مؤسساتي منظم هي ضرورة يجب العمل عليها ضمن خطة استراتيجية. وان الاستفادة من تجارب عدد كبير من المؤسسات التي عملت ولا تزال تعمل في أوساط اللاجئين سيكون له اثر ايجابي كبير. فبرغم كل المعيقات التي تواجه المخيمات في جانب العمل المؤسساتي المشترك، الا أن بعض المؤسسات تركت بصمات رائعة في عدد لا باس به من الأطفال والشباب، فنلاحظ درجة التطور والإبداع التي وصل إليها أولئك الأطفال والشباب نتيجة العمل الذي تقوم به بعض المؤسسات في نشر المعرفة والثقافة الوطنية والاجتماعية والمدنية والفنية والبيئية. ولا شك ان منها من حقق نجاحات مميزة سواء على المستوى المحلي او الدولي. ليس فقط الدول الغربية والعربية من لا يعرفون واقع الحياة في المخيمات، فهنالك فجوة في الوعي أيضا في واقعنا الفلسطيني. ان العديد من الناس لا يعرفون عن الكثير من القضايا السياسية والحياتية في المخيمات،  ويجهلون حقوقهم، وذلك يعود إلى عدم نشر ذلك الوعي في أوساط الشعب الفلسطيني خارج تجمعات اللاجئين. ان ذلك يعود بالمسؤولية على المؤسسات العاملة في المخيمات، والتي عليها وضع خطة عمل وطنية وتنظيم حملات تقرب شرائح المجتمع المختلفة وتوحدهم في معركة التحرر الوطني ومن اجل حقوقهم الإنسانية.

ان كل ما يحدث من تطورات وأحداث على عمل المؤسسات في أوساط اللاجئين إن دل على شيْ فانه يدل على انه لا توجد خطة ورؤية واضحة لدى المؤسسات، فكثرة الأنشطة وحدها لا تكفي بدون هدف وخطة عمل نسير عليها وتوصلنا إلى ما نريد. والعمل المشتت ضمن جماعة واحدة وبدون رؤية مشتركة لن يحقق ألا انجازات مرحلية، فنحن الآن بحاجة ماسة إلى خطة وطنية توحد عمل المؤسسات، و تقسم الأدوار والمسؤوليات ضمن خطة مشتركة وأهداف واضحة، تعود بالمنفعة وتحقق تقدم واضح في القضايا التي يتم العمل عليها.

إن دور دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذ يكاد يكون منعدما الا في مناسبات معينة، يمثل قضية يجب التوقف عندها. هل دائرة شؤون اللاجئين والعمل الذي تقوم به يصل إلى المستوى المطلوب؟ هل أصبحت دائرة شؤون اللاجئين هي عبارة عن مؤسسة تحي فقط ذكرى النكبة وتنشر بعض المقالات؟ هل كان هذا الهدف من وراء إنشائها؟ إن أي مجتمع أو تجمع للمؤسسات يحتاج إلى جسم حاضن يمثله، ولكن الدائرة في ظل هذا الترهل والفجوة التي تصل إلى مستوى القطيعة بينها وبين تجمعات اللاجئين غير مرشحة للعب هذا الدور. فاذا كانت هي الخيار، وهي كذلك، فانه يلزم اعادة بنائها وتنشيطها بالتوازي مع إعادة هيكلة وتنظيم عمل اللجان والمؤسسات. ولعله، من الجدي القول انه آن الأوان لإطلاق مبادرة من قبل كل الوطنيين المخلصين بهذا الاتجاه ولهذه الغاية.  

فنحن نحتاج إلى وضع خطة عمل ورؤية إستراتيجية مشتركة بين المؤسسات والقوى التي تعمل في أوساط اللاجئين لتحقيق أهداف واضحة يتم الاتفاق عليها ضمن أطار وطني مبني على أساس الحقوق والثوابت الوطنية. نحن بحاجة الى خطط تنفيذية مستمدة من رؤيتنا وحقوقنا. نحن بحاجة إلى خلق أو إعادة بناء جسم يمثل تجمعات اللاجئين ضمن دوائر الممثل الشرعي الوحيد – م ت ف، على أن يكون مقوضا شعبيا يمثل جميع شرائح المجتمع وقطاعاته، ويحكمه نظام أساسي وانتخابي واضحين. نحن بحاجة الى تطوير آليات تنسيق العمل بين المؤسسات والعمل على توزيع الأدوار، على أساس التخصصية والمهنية في العمل وإشراك فئة الشباب من الأجيال الصاعدة بكل أجزاء العمل المؤسساتي.

-----------------------------------

  * محمد الأزرق منسق البرامج والأنشطة في مركز لاجئ.