ماذا يمكن لنا أن نقول في الذكرى الخامسة والستين للنكبة المستمرة؟ أما زال هناك ما يمكن قوله أو إضافته؟ الم يحن الوقت لترجمة الكلمات، الشعارات، البرامج أو قل بعضها إلى فعل؟

بمراجعة كلمات الأعداد السابقة من جريدة "حق العودة" الخاصة بذكرى النكبة في كل عام، يظهر أن مركز بديل تناول الكثير الكثير من المسائل ذات الصلة، حتى يخيّل للقارئ أن خطاب النكبة المستمرة صار تكرار ممجوجا لا جديد قيه، وربما لا جدوى منه. وبمراجعة محاور تلك الأعداد، وما تضمنته من مقالات، وتقارير، ووقفات نقدية وإرشادية، ونداءات وحتى خطابات حماسية، يبدو أن الأمر فاض عن حده!

فهناك أعداد ركزت على مظاهر النكبة المستمرة والمتجددة على جانبي الخط الأخضر كالتهجير، والمصادرة، والاستيلاء على المصادر، والتهجير المتجدد بسبب الجدار وهدم المنازل والمناطق المغلقة والعازلة وغيرها من محركات التهجير مما لا يزال يتسبب في تجديد النكبة الفلسطينية.

وهناك إعداد ركزت على فقدان الحماية الدولية الواجبة للاجئين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي. يظهر ذلك جليا حيث لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين والتي تشكلت لتوفير الحماية الدولية بمفهومها الشامل ولتنفيذ القرار 194 لم تعد فاعلة منذ الخمسينيات بسبب انعدام الإرادة السياسية للدول والمجتمع الدولي عامة. ويلمس ذلك اللاجئون أنفسهم يوميا، حيث ان خدمات الانروا في تراجع مستمر وجسيم، بسبب اعتماد موازنتها على التبرعات الطوعية، وبسبب تبني الدول المانحة سياسة التبرعات المشروطة، والخلل الداخلي في الانروا، وبسبب تراجع دور وفعل وأداء منظمة التحرير الفلسطينية أيضا. 

وهناك أعداد ركزت على عقم الفعل الرسمي سواء من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته، التي لم تعد تعرف غير رفع التقارير والتباكي على حال اللاجئين، او الرسمي الفلسطيني الذي لم يعد يتقن غير ترديد مصطلحات الشرعية الدولية، والإشارة إلى القرارات المعطلة في أروقة الأمم المتحدة في نداءات استجداء لا يعوزها الابتذال والتذلل، وكأن الحقوق الفلسطينية ما كانت بلا قرارات الشرعية، وبتسليم تام بانها لن تكون بدون تلك الشرعية المقيدة بمصالح الدول المتنفذة- الاستعمارية

وهناك أعداد ركزت على التهجير المتجدد في دول اللجوء وتبني معظمها سياسة حرمان أو الانتقاص من حقوق اللاجئين الفلسطينيين بحجج مثل مقاومة مشاريع التوطين، دعم حقهم في العودة، الحفاظ على هويتهم الفلسطينية، أو بسبب سريان حالات الطوارئ بدعوى إدامة العداء لإسرائيل. وما ان استبشر الفلسطينيون بما سمي بالربيع العربي، باعتبار ان دول الربيع ستمنح اقله اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية، حتى اكتشفوا أن الربيع يستثنيهم وربما يستهدف قضيتهم برمتها. فليبيا بعد الربيع لم تعد تتسع للفلسطينيين. وتونس تحتجز من قدموا من ليبيا في مخيم الشوشة بانتظار موافقة دولة أخرى على استقبالهم لديها! والأردن، يستقبلهم "كضيوف أعزاء"؛ فيحتجز الفلسطينيين المهجرين من سوريا في مخيمات – مراكز احتجاز كمخيم الزعتري على الحدود لاعتبارات أمنية وديموغرافية. ولبنان، يغض الطرف عن دخولهم، ليس نأيا بالنفس، بل للتنصل من أي التزام تجاهم أولا، وبانتظار فرصة الإعلان عن عدم شرعية وجودهم على الأراضي اللبنانية فيما بعد. ومصر، تمنحهم خلافا للآخرين، تصاريح إقامة مؤقتة لا باعتبارهم لاجئين يستحقون الحماية والمساعدة؛ بل باعتبارهم مهاجرين قادمين من سوريا، الأمر الذي لا يشكل تنصلا من الالتزام تجاهم وحسب، بل ويعطل دور المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وكأن ربيع مصر يعلن أن تنصل السادات من سياسات المرحوم عبد الناصر تجاه الفلسطينيين، ومن ثم تقييدات حقبة مبارك، لا زالت مستمرة؛ بل ومطلوبة!

وهناك أعداد تناولت الفعل الشعبي ودور القوى والمؤسسات المدنية الوطنية والدولية في التأكيد على الحقوق، وإبقاء قضية اللاجئين حاضرة في كل المحافل، ورفع مستوى الوعي والمعرفة بمعاناتهم. وركزت على أهمية الفعل الشعبي والإبداعات النضالية فردية وجماعية في تطوير آليات ووسائل الدفع باتجاه ممارسة حق العودة فعليا. فكان شعار "العودة حق وإرادة شعب"...
ويبقى السؤال: ماذا يمكن لنا أن نقول في الذكرى الخامسة والستين للنكبة المستمرة؟ أما زال هناك ما يمكن قوله أو إضافته؟ الم يحن الوقت لترجمة الكلمات، الشعارات، البرامج أو قل بعضها إلى فعل؟


بلا مواربة نقول نعم! فهناك الكثير مما لم يقل بعد، وما يلزم حتما، وهناك أكثر بكثير مما يلزم فعله ولم يلتفت إليه بعد. والسبب ببساطة لان الفعل الفلسطيني الرسمي سواء لمنظمة التحرير الفلسطينية او السلطة، أو ما صار يعرف بالقيادة الفلسطينية، ولان فعل القوى السياسية على تنوعها وعلى اختلاف مشاربها وارتباطاتها وتحالفاتها، ولان الفعل الأهلي – المدني بما يشمل ذلك من مؤسسات أهلية حقوقية أو قاعدية أو حملات شعبية، ما زال قاصرا عن ان يشكل حاضنة للطاقات والفعل التحرري بالمعنى الاستراتيجي.

هذا العدد يحتوي على أكثر من عشرين مقالا تسلط الضوء بموضوعية وبنقدية بناءة على جوانب غياب أو تغييب الإستراتيجية الفلسطينية الوطنية القادرة على استنهاض الطاقات وتوظيفها في فعل تحرر منظم يراكم الانجازات. المقالات على تنوعها، تؤكد أمرين: الأول أن الفعل الفلسطيني الراهن ما زال اعجز عن مواجهة النكبة المستمرة، الثاني أن لدى الشعب الفلسطيني من الإمكانيات والطاقات ما يكفي لمقاومة النكبة المستمرة وانجاز مرحلة التحرر الوطني.

هيئة تحرير حق العودة.