حيٌّ ولكن بلا حراك: إسرائيل في مواجهة الربيع العربي، وربيع الفلسطينيين

بقلم: يوناثان مندل*

لقد مر ما يدنو من السنتين منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضات العربية، والتي بزغت في تونس وانتقلت بدروها الى بلدان عديدة أخرى في الشرق الأوسط. وإذا ما تم النظر لهذا المدى الزماني، أي فترة "الأقل من عامينيغلب الاحتمال والظن أنها فترة مبكرة جداً للتوصل إلى استنتاجات قاطعة وتحليلات ومقارنات شاملة. إن جملة الأحداث المأساوية التي وقعت في خضم هذه الأحداث، والأبعاد التاريخية لها، إضافة الى تكنولوجيا الطباعة الحديثة التي نتمتع بها اليوم، أسفرت جميعها عن هذا الكم الهائل من الكتب والمنشورات المترامية حول الأحداث التي تتشكل والتي أطلق عليها "الربيع العربي".

خلال تصفحي لما نشر حول الربيع العربي، وجدت ثلاثة كتب صدرت عن دور نشر أكاديمية باللغة الانجليزية، كل كتاب منها يتناول زاوية مختلفة عن الربيع العربي، ويعبر عن مشهد مغاير تماماً للكتب الأخرى.  وقد جاءت صورة أحد المتظاهرين اثناء وقوفه في مواجهة مجموعة من الجنود المسلحين، كغلاف لكتاب "لين نويهد" و"اليكس وارن" بعنوان "معركة الربيع العربي: الثورة والثورة المضادة وصناعة العصر الجديد".، وهو من طباعة جامعة ييل 2012.  بينما أظهر غلاف كتاب "طارق رمضان" الصادر عن مطبعة جامعة اوكسفورد 2012 والمعنون ب" الإسلام والصحوة العربية" صورة تبين احد الشبان المتظاهرين ملوحاً بالعلم المصري. اما غلاف كتاب "روجر اوين" فيحمل صورة نادرة جدا ومستحيلة التكرار يظهر فيها كل من  العقيد معمر القذافي والرئيس بشار الأسد مبتسمين وواثقين بنفسيهما. وللمفارقة، فقد جاء عنوان الكتاب: "صعود وسقوط نظام الرئاسة العربي: رؤساء للأبد"، وهو من إصدار مطبعة جامعة هارفرد 2012. وليس من  المصادفة أن الناشرين الثلاثة اختاروا صورا تصف التغيرات العاصفة بالشرق الأوسط، والتي تصف على المستوى ذاته صعود الفرد أو تحركه في وجه فساد الدولة واستبدادها. أي بمعنى إظهار جيل الشباب الداعي للتغيير في بلاده، وسقوط نظام "رؤساء للأبد" في عدد من البلدان العربية.

في إطار مغاير إلى أقصى المستويات، نجد أن هناك منشورا إسرائيليا يتيم، بمعنى وحيد، كان قد خصص لموضوع "الربيع العربي"، والذي صدر عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل ابيب 2012، ليحمل عنوان: "عام واحد على الربيع العربي: الآثار العالمية والإقليمية". غلاف هذا الكتاب يبرز صورة لأمرأة عربية ترتدي النقاب الأسود وهو يغطي وجهها، ويمكن فقط رؤية عينيها المغطاتين بنظارة شمسية. أما باقي صورة الغلاف فتظهر ملصقا معلقا على صدر هذه المرأه، ويحمل نص مفاده: "نعم نستطيع تغيير مصر". بجانب العبارة الموجودة على الملصق توجد جملة " شهداء 25 يناير". ولدى النظر لهذه الصورة فإنها بدايةً توحي بأن الانتفاضات العربية أو أأحداث "الربيع العربي" ما هي إلا ثورة إسلامية متطرفة، والذين يقفون ورائها هم أناس غير مرئيين ومخيفين. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تشير، بشكل أو بآخر، إلى أن مجمل التغيرات في هذا الشرق ترتبط بشكل عضوي بالشهداء والإسلام والتأويل الديني أكثر من أي شيء آخر. كما وتكرس هذه الصورة الفوتوغرافية حقيقة أن هذا الكتاب من إصدار مؤسسة همها الأساسي أمن إسرائيل "القومي"، وليس مصادفةً أن يأتي الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان "لمحة عامة: عام واحد على الثورة العربية" وهو للكاتب "عاموس يادلين"، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وهذا يشير إلى ان الربيع العربي في إسرائيل يعني أحد الفروع المكثفة للدراسات "الأمنية" الإسرائيلية، وانه رديف لتهديدات حقيقية بحسب وجهة نظر الأمن الإسرائيلي.  

كما انه لا ينبغي على المرء أن يدلي بحكمه على كتاب ما من صورة الغلاف، لما في هذا الشكل من تغييب للتوازن النقدي الحقيقي. وبالعودة إلى الكتاب الإسرائيلي حول الربيع العربي، نجد انه يكرس خطاب الاستعلاء الإسرائيلي، والذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أحد أبرز عرافيه. اذ ينص على ان إسرائيل تعتبر واحة متحضرة وسط محيط مقفر من الغوغاء التي تعم الشرق البربري. يذهب هذا الخطاب إلى أبعد من ذلك، فيرى أن هذه التغيرات الناشئة في المنطقة من حول إسرائيل، لا تذهب سوى باتجاه المساس بالمصالح الإسرائيلية وأمنها المستقبلي. ولم يتأخر هذا التوجه في الطفو على السطح، إذ كان حاضرا ضمن حيثيات الخطاب اليومي في إسرائيل منذ صبيحة 26 يناير، أي بعد يوم واحد على انتفاض الجماهير في وجه حكم حسني مبارك. وكانت صحيفة معاريف اليومية قد عنونت أحد مانشيتات الصفحة الأولى في ذلك اليوم بعنوان "الثقة بمبارك"، في إشارة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين متفائلون جدا ومؤمنون بان نظام مبارك سيتغلب على هذه الهبة. وبعد أن تغلبت مصر على أربعة عقود من التسلط وحكم الفرد الواحد، ونظمت انتخابات ديمقراطية، كانت هناك أصوات إسرائيلية تشكك في هذا الحراك كما كان في السابق. وكانت  الصحيفة الإسرائيلية اليومية الأكثر شعبية "يديعوت احرونوت"، قد نشرت عنوان صفحتها الأولى في 25 حزيران، أي بعيد انتخاب الرئيس مرسي بيوم واحد، تحت عنوان: "طاعون الظلام". أما الباحث البارز "جاي بخور"، رئيس شعبة الشرق الأوسط في مركز هرتسيليا، فقد أكمل التصور المشار إليه في العنوان أعلاه بالقول: "لأولئك الذين سعدوا بقدوم الربيع العربي في بدايته :استعدوا الآن واستيقظوا لاستقبال الشتاء الإسلامي".

والشيء المثير للاهتمام حول هذه العناوين، والصحف والكتب، وحتى المجتمع الإسرائيلي ككل، هو أنها لم تنظر إلى العلاقات الإسرائيلية مع نظام مبارك على أنها كانت جيدة أو دافئة أو حتى واعدة؛ بل اكتفت  بوصفها على أنها  شكل من أشكال "السلام البارد" جاء ما بين فترات من الحرب واللا-حرب في العلاقة. وبالفعل كما نعلم؛ فان القاهرة لم تكن هي الوجهة السياحية للإسرائيليين، هذا مع ملاحظة أنه لا وجود لأي شكل من أشكال السياحة المصرية في إسرائيل، ويمكن التأكيد  على أن العلاقة كانت اقرب للحرب الباردة منها إلى السلام البارد. وبالنسبة لإسرائيل فقد كان أهم ما في الصورة "الباردة" للعلاقة أنها تحت السيطرة الكلية لإسرائيل، وهو ما أصبح لاحقا جزءا من الوضع الراهن وجزءا غير منفصل من شريط الحياة. وعلى هذا النحو، بقيت إسرائيل تعتبر أن أي تغير في مصر- سواء كان جيدا او سيئا- هو تهديد للعلاقة أي تهديد لها وبالتالي  فان أي تغيير على ما هو قائم سيئ.

الا أن ما سبق من توصيف لا يعني بالضرورة أن إسرائيل والإسرائيليين يتناغمون ضمن صوت خطابي واحد موحد. حيث أن هناك تعددا واضحا في وجهات النظر وتعددا في منطلقات التعاطي مع حركة حيثيات الواقع. ولكن لا يجب نسيان أن الخطاب المركزي، أو خطاب المؤسسة الصهيونية المهيمنة في المجتمع الإسرائيلي، يقوم بدور النظارات التي ينظر من خلالها المجتمع الإسرائيلي اليهودي لفهم موقعه في الشرق الأوسط وموقع الشرق الأوسط في ذاته الإسرائيلية. وهذا ما يتيحه الخطاب من تعرية للتفضيل الإسرائيلي للانغلاق في المنظور والسعي لاستدامة "الوضع البارد القائم" في وجه أي تغيير محتمل.

يبقى أحد التفسيرات المرجحة لهذه القبضة الإسرائيلية المشددة باتجاه عدم تغيير خوفها، قائما في حقيقة وجود ستة ملايين يهودي إسرائيلي ينطقون بالعبرية ويعيشون في إسرائيل. بينما هناك من حولهم ثلاثمائة مليون عربي ناطقين بالعربية ويدينون في غالبهم بالإسلام. ومن الشرعي الافتراض بان عقلية "الحصار/الانغلاق" هذه قد صيغت مرارا وتكررا. حيث كان لإحداث مثل "بار تل وعنتيبي" دورا مركزيا في بناء حالة من الوعي الجمعي القائل بان ما يجري اليوم هو موجة جديدة من الاضطهاد لليهود. أو بعبارة أخرى: إن العداء العربي للصهيونية هو عبارة عن حالة استمرارية للعداء الأوروبي القديم؛ أي اللاسامية الاوروبية.ً ومن المهم الاعتراف بان هذا الشعور المستمر، بشقيه الواعي واللاواعي، هو عبارة عن شعور مركب من الخوف، يسهم في شل إسرائيل على مستوى المؤسسة الرسمية وكذلك الفردية عن تفضيل أي تغيير في الوضع القائم، والذي بات شبه مألوف إلى حد ما. 

وهذا المنظار المتخوف إنما يرى في الصراع القائم حاليا حالة من الصعوبة والسوء اقرب لأن تكون متفجرات خطيرة. لكنها لا زالت خاضعة للتحكم فيها، وعليه فان إسرائيل وكشكل من أشكال العمل الاستراتيجي باتجاه البقاء، نجدها تبذل جهودا هائلة من أجل الحفاظ على حالة الجمود في الصراع. هذا أنها ترى في التقدم خطوة نحو الأمام، مثل إنهاء الاحتلال على سبيل التمثيل لا الحصر، تعبر عن قمة المخاطر المحدقة بها. ولا يقل الوضع خطورة وفقا لهذا المنظور إذا ما تراجعت إسرائيل خطوة واحدة للوراء كذلك. وما يتبدى للعيان؛ أن حالة "اللاحرب واللاسلم" تعبر عن صيغة رائجة ومقبولة إسرائيليا كون البقاء على قيد الحياة يحكم حيزا لا يستهان بمداه في الوعي واللاوعي الإسرائيليين.

وربما كان الطابع العسكري لكل ما هو إسرائيلي، هو العلة الكامنة ما وراء كون حالة "اللاحرب واللاسلم" مفصلاً تكامليا في الحيز الاجتماعي والثقافي الإسرائيلي. كما أنه لعب دورا مركزيا في استدامة الصراع، والمراكمة اليومية للعنف وتفاقم الخوف كأبرز الحالات الشعورية في أداء الجهاز العصبي الإسرائيلي. وفقاً للمنطلق ذاته، فان أي تغيير في أحد الحيثيات سيجر ما هو أسوأ، وعليه يمسي الحفاظ على الوضع الراهن من المهمات العزيزة على القلب الإسرائيلي. بحسب رئيس أركان الحرب الإسرائيلي السابق غابي اشكنازي، فان "الاستقرار بالنسبة لإسرائيل أفضل من الديمقراطية". في تعقيبه على تصريحه السالف يقول اشكنازي: "ان بقاء إسرائيل في هذا المستوى من الصراع مع جيرانها اللاديمقراطيين، هو أفضل بكثير من وعود الديمقراطية التي يلف الغموض مستقبل ما يمكن أن تحققه". هذا ما من شأنه أن يمد يد العون نحو فهم أفضل لشكوك الإسرائيلي في مواجهتها ل "الربيع العربي". 

لنأخذ سوريا كمثال آخر. منذ عام 1967 أتيحت عدة فرص أمام إسرائيل للانسحاب من أرض هضبة الجولان المحتلة مقابل معاهدة سلام مع سوريا. لكن على الرغم من ذلك، كان هناك شكل ما من العلاقة "المستقرة" مع سوريا. من ناحية لم يكن هناك حالة حرب مع سوريا، التي لا تفرض تهديداً استراتيجيا على إسرائيل. لكن من جهة أخرى قامت إسرائيل بضم الجولان وتطوير استيطان مواطنيها في الجزء المحتل من الهضبة. لذلك يرى العقل الإسرائيلي أن جملة الخيارات المتاحة تشكل خطرا على إسرائيل. سواء كانت هذه الخيارات هي خيارات عدوان على سورية أو عدوان سوري على إسرائيل أو حتى الانسحاب من الجولان كجزء من اتفاق سلام. من هنا، كان القرار الاستراتيجي الدائم في إسرائيل يذهب باتجاه الحفاظ على حالة اللاسلم واللاحرب القائمة ضمن الوضع الراهن. لذلك لا يتم النظر بتفاؤل إلى الحراك ضد وجود بشار الأسد أو بقائه وإجراء إصلاحات ديمقراطية ولجملة المتغيرات في سوريا اليوم. ربما يتضح مكمن هذا الخوف في قدوم رئيس أكثر جنحا للسلم من بشار الأسد. بالتالي هذا ما سيكلف إسرائيل، افتراضاً، الانسحاب من الجولان وعقد اتفاقية سلام. وربما – كاحتمال آخر-  يأتي رئيس أكثر عدائية، بالتالي يشكل حالة من التهديد الخطر على أمن واستقرار إسرائيل.  هذا ما بات يبرر التساؤلات الخجولة في أروقة المؤسسة الصهيونية اليوم: " لماذا لا يمكن لبشار الأسد، والمقصود هنا هو الوضع القائم على جبهة الجولان، أن يستمر أبداً؟

يبقى أفضل وأسهل الحلول لبقاء إسرائيل في نظرها، ليس بالربيع العربي أو الشتاء والخريف العربيين. بالنسبة لإسرائيل فان أسهل الطرق هي إبقاء الأمور على ما هي تجنبا لاحتمالات المستقبل وحيثيات الواقع. وبذات المستوى يبنى الموقف الإسرائيلي تجاه فلسطين، اذ أن الانسحاب من الضفة الغربية هو أمر غير محبب بل غير مرغوب فيه إسرائيليا. تماماً كما توجيه الصورايخ إلى كل شبر فيها، وأيضا يمكن سحب ذلك على ما يتعلق بفك الحصار عن غزة،  الذي لا يعد جذابا، تماما كعملية رصاص مصبوب مجدداً. هذا يعني أن إسرائيل لدى ترقبها للفلسطينيين في الضفة الغربية أثناء نزولهم  إلى الشارع واحتجاجهم في أعقاب الربيع العربي، باتت تدرك أن شيئا ما قد تغير، وهذا التغيير بحد ذاته هو ما يشكل الخبر السيئ، عدا عن بقية المتغيرات في المنطقة.

لا متسع للظن بان إسرائيل لا تعرف جيدا أن الوضع الحالي في العلاقة مع الفلسطينيين، أيضا ضمن مبدأ اللاحرب واللاسلم، هو أبسط وأيسر ما يمكن التحكم به. على الرغم من ذلك فان أي حراك فلسطيني باتجاه تغيير الوضع القائم فلسطينيا، انما يعد تهديدا جدياً لإسرائيل. ومن المؤكد أن أي تمثيل للشعب الفلسطيني يتم تشكيله بشكل ديمقراطي حر ونزيه، بحيث يعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني، على خلاف القيادة الفلسطينية الحالية، إنما هو تهديد حقيقي وفقا للتصنيف الإسرائيلي. من شأن التغيير أن يجر حالة متنامية من العنف أو حالة انحسار للاحتلال، وهي خيارات غير محببة إسرائيليا بشكل مطلق. وهذا ما يمكن التقاطه عبر تعبير موقع "Y net"الإسرائيلي عندما وصف التظاهرات في الضفة الغربية على أنها "قنبلة موقوتة" بالنسبة لإسرائيل. وعليه، بالنسبة لإسرائيل فان السؤال ذاته يتكرر دوما ولكن بتغيير الشخوص، وهنا نقصد " لماذا لا يبقى محمود عباس في منصبه للأبد؟" ولربما إن هذا آخر الأسئلة التي طرحت في أروقة البيت السياسي الإسرائيلي وما انفكت.

يمكن التدليل على هذه المخاوف، عبر الاستشهاد بالوصف المميز والواثق الذي قدمه مراسل صحيفة هاارتس آفي يسخروف، اذ قال : "إن التظاهرات الفلسطينية المطالبة بالعدالة الاجتماعية تعبر بطرق شتى عن نهاية حقبة السلطة الفلسطينية، وهي الحقبة الأليفة والمريحة جدا لإسرائيل". لا يخفى على احد أن المصالح الرسمية الإسرائيلية لا تتشابه أو حتى تتقاطع جزئيا مع مصالح الشعب الفلسطيني، وهذا ما يجري التعبير عنه يوميا في الأرض المحتلة. كما أن إسرائيل ليست في مزاج عقد اتفاق سلام حقيقي مع الرئيس عباس، فيما يعني مثل هذا الاتفاق من ضرورة التوصل لحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والى تسوية سياسية حول القدس وقيام دولة حقيقية للفلسطينيين. كذلك فان إسرائيل لا ترغب بحرب حقيقية، لا سيما تخوفها من المزيد من الضحايا الإسرائيليين والإدانات الدولية. ومن الأفضل لإسرائيل الإبقاء على ضعف وشرذمة القيادة الفلسطينية، التي من المطلوب بقائها ومن الممنوع تغييرها. هذا أيضا صورة طبق الأصل عن المنحى الفرويدي فيما تود إسرائيل لذاتها؛ أي تثبيت حالة "حي ولكن بلا حراك".  هذا ما يدفع إسرائيل للتخفيف من خنق السلطة كلما استدعت الحاجة لذلك، وهذا لإبقائها على قيد الحياة سياسياً وعدم توجيه ركلة كفيلة بإخراجها وقيادتها من حلبة اللعبة.

وبناءً عليه يمكن للمرء أن يجادل بان إسرائيل هي من يرفض التغيير في واقع الأمر، وإنها هي ذاك البلد الملتحف بالنقاب الأسود أكثر من أي شخص آخر في المنطقة.

----------------------

*يوناثان مندل: حائز على درجة الدكتوراة من جامعة كامبريدج، قسم دراسات الشرق الأوسط، وقدم أطروحته حول دراسات اللغة العربية والاعتبارات الأمنية في النظام المدرسي لدى اليهود في فلسطين/إسرائيل ما بين 1935-1985.